وقف عند جدار يشكو غربته وإضاعة حقه، وجد الجدار ينحني بلبناته عليه وهو يستند على مولاه
في دياجي ليلة غاص فيها قمرها، هالة النور تدور بوقار سماوي بين أزقة المدينة المحمدية تشكو لبارئها ضياع مودة بيت نبيه، يحمل على ظهر نُحل بالعبادة الجراب المليئ بالأمل لكل الفقراء، يطرق أبوابهم يقاسمهم الطعام دون أن يعرفوه، هي الليلة الأخيرة التي يشرفهم بزيارته، سيعودون لجوعهم المادي والمعنوي، ستفرغ عقولهم كما هي أجوافهم.
وقف عند جدار يشكو غربته وإضاعة حقه، وجد الجدار ينحني بلبناته عليه وهو يستند على مولاه، سيدي ياعمود الشرف تمهل فلا شيء هُنا يقوى على رحيلكَ، إنا لله وإنا اليه راجعون هو تسليم المُصدق جعفر.
عنب سقي السم بيد غدر كان آخر طعام عملاق العلم والقداسة، تصارع السم مع ذاته لعله يفقد خاصة الفتك ولكنه لم يفلح، أخذ يسري في أمعائه يمزقها بوحشية، جبل العلم يئن ألماً، أرفقت به غيبوبة جثمت على ذاته لعلها تُخفف شيء من معاناته، وجوه شاحبة تترقب بحزن حال مولاها، هاشمي يحمل هالة نور متفرعة من نور جعفر، جالس في زاوية الدار يكظم الحزن ويذكر الله كثيرا.
أفاق المولى من غيبوبته أدار بناظره لأهل البيته أوصاهم بآخر وصاياه: (إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة) فهو امتداد الصادق الأمين الذي جاء بالصلاة ليُعلم بني البشر الإستقامة، وهو حفيد علي الذي قاتل لحفظ الصلاة، وهو ابن الذي أقام الصلاة حين صلت سيوف الغدر على جسده في أرض كرب وبلاء.
اشتد ألمه عرق جبينه ورُفعت روحه إلى بارئها حيث مستقرها في أعلى عليين.
حملت الرياح جزء من حزن بقية الصادق وإمام عصره ولده موسى، نثرت الحزن في أرجاء المدينة، خرج أيتام الصادق فهو كجده علي أب للأيتام ولكن أيتامه كانوا شيوخاً وشباب يشكون فقد العلم فاحتواهم بعبقريته، خرجوا حُفاة يحملون ما اكتسبوه من سيدهم يبكون معلمهم وأستاذهم، فالشتات مصيرهم بعد غياب محور حلقاتهم العلمية، أبصروا من بعيد نوراً يتقدم جنازة لاذوا بعباءة ابن الصادق ليستعيدوا سكينة أرواحهم.
أما حال أتباعه هذا العام فهو أشد ألماً، مُشتتين لا يُسمح لهم بزيارة ضريحه، أعني بقايا حجار هُدمت على قبره لتبقى شاهد ظلم، ولا من مجلس يجمعهم ليجزعوا ويصرخوا ويبكوا من يُنسبون إليه، وإمام زمان غائب أبعدته ذنوبهم عنه.
📚📚
عفراء فيصل
----------------------
تعليق