بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الشبهة الأولى : إن طول العمر بهذه المدة مستبعد بل غير واقع عادة كيف وقد مضى عليه الآن ما يزيد عن ألف وتسع وثمانين سنة كما مر والجواب أن الاستبعاد ليس دليلا ولا يعارض الدليل وقد عرفت قيام الأدلة العقلية والنقلية على ولادته وغيبته فهل يجوز أن ندفعها بالاستبعاد مع أنه لا استبعاد في ذلك بعد نص القرآن العظيم على مثله في نوح وأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ونقل أنه عاش ألفا وثلثمائة سنة وفي رواية عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه عاش ألفا وأربعمائة وخمسين سنة وعاش آدم تسعمائة وثلاثين سنة كما هو مذكور في التوراة وعاش شيث تسعمائة واثنتي عشرة سنة وجاءت الروايات ببقاء الخضر إلى الآن قال الطبرسي في إعلام الورى أجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الأمة بأسرها خلا المعتزلة والخوارج على أن الخضر موجود في هذا الزمان حي كامل العقل ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب انتهى وكذلك الياس وإدريس ونص القرآن الكريم على بقاء عيسى ورفعه إلى السماء وجاءت الروايات المتفق عليها بين الفريقين على أنه ينزل عند خروج المهدي ويصلي خلفه فكيف جاز بقاء المأموم طول هذه المدة وحياته وامتنع بقاء الامام هذا مع ما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال كل ما كان في الأمم السالفة يكون في هذه الأمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وجاءت روايات الفريقين بحياة الدجال وهو كافر معاند مضل وبقائه إلى خروج المهدي فيقتله المهدي فكيف امتنع في ولي الله ما وقع مع عدو الله ونسب معتقده إلى الجهل وسخافة العقل ونص الكتاب العزيز على بقاء إبليس إلى يوم القيامة وهو غاو مضل وقد صنف أبو حاتم السجستاني كتابا خاصا بالمعمرين وقد نص القرآن الكريم على بقاء أهل الكهف احياء وهم نيام وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فلبثوا في رقدتهم الأولى ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا كما نطق به القرآن العظيم فأيهما أعجب وأغرب وأبعد بقاء رجل يأكل ويشرب ويمشي وينام ويستيقظ ويتنظف مدة طويلة أم بقاء أشخاص نيام في مكان واحد لا يأكلون ولا يشربون ولا يتنظفون .
وقد نص القرآن الكريم على إماتة عزير مائة عام ثم احيائه وطعامه لم يتسنه ولم يتغير وحماره معه فأيهما أعجب هذا أم بقاء المهدي وقد نص الكتاب العزيز على بقاء أهل الجنة والنار وجاءت الأخبار بلا خلاف بان أهل الجنة لا يهرمون ولا يضعفون ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس والحواس ومن أراد استقصاء أخبار المعمرين فليرجع إلى كتابنا البرهان على وجود صاحب الزمان .
وقد شاهدنا في زماننا بقاء الأجسام بعد الموت محفوظة بالأدوية ألوفا من السنين في الملك الذي أخرج من صيدا وهو في تابوت مغمورا بالماء لم يفقد من جسمه شئ ونقل بتابوته إلى القسطنطينية في عهد السلطان عبد الحميد العثماني وتاريخه قبل المسيح (عليه السلام) وشاهدنا في مصر أجسام الفراعنة محنطة باقية من عهد موسى (عليه السلام) أو قبله بأكفانها
والتماسيح المحنطة والمعزى والحنطة والخبز وغير ذلك وبهذه السنين استخرج في مصر أحد الفراعنة المسمى توت عنخ امون وجسمه لم يبل ومائدته أمامه عليها الفواكه فإذا جاز على الله تعالى أن يلهم عباده معرفة الأدوية الحافظة لأجسام الموتى والحيوانات وغيرها ألوفا من السنين أ ما يجوز عليه أن يطول عمر شخص ويبقيه حيا زمانا طويلا وقد ضرب السيد ابن طاوس رحمه الله في كتاب كشف المحجة مثلا لرفع استبعاد بقاء المهدي حيا بين الناس مدة طويلة وهم لا يعرفونه حين حصلت بينه وبين بعض علماء بغداد من أهل السنة مناظرة في ذلك فقال لو أن رجلا حضر إلى بغداد وادعى أنه يستطيع المشي على الماء وضرب لذلك موعدا أ ترى أن أحدا من أهل بغداد كان يتخلف عن ذلك الموعد لا شك أنه لا يتخلف أحد أو يتخلف النادر ثم إذا حضر في اليوم المعين ومشى على الماء وقال إنه في اليوم الثاني يريد أن يفعل مثل ذلك أ فكان يحضر من الناس مثلما حضر في اليوم الأول لا شك أن الحاضرين يكونون أقل من اليوم الأول بكثير وإذا قال إنه في اليوم الثالث يريد أن يفعل مثل ذلك فلا شك أنه لا يحضره أحد أو يحضره النادر وإذا تكرر ذلك منه كثيرا لا ينظر إليه أحد ولا يستغرب منه ذلك فكذلك المهدي (عليه السلام) لما كان بقاء مثله زمنا طويلا قليل يستغربه الناس ولو نظروا إلى تكرر وقوعه في الأعصار السابقة يرتفع الاستغراب وأقول إنه في زماننا ونحن بدمشق جاء خبر بان طيارة عثمانية تريد المجئ إلى دمشق ولم تكن الناس رأت الطائرات فلم يبق بدمشق أحد الا خرج للنظر إليها فلما جاءت ثانيا وثالثا قل المتفرجون إلى أن صارت الطائرات اليوم بمنزلة الطيور لا ينظر إليها أحد ولا يستغرب امرها .
الشبهة الثانية : ما هو سبب الغيبة وما الذي يحسبنها مع حاجة الناس إلى ظهوره وما الوجه في غيبته على الاستمرار حتى صار ذلك سببا لانكار ولادته والجواب أنه بعد ما ثبت بالأدلة القاطعة التي تقدمت الإشارة إلى بعضها وجوب نصب الإمام وانحصار الأئمة في الاثني عشر ومنهم صاحب الزمان (عليه السلام) ورأيناه غائبا عن الأبصار علمنا أنه لم يغب مع عصمته إلا لسبب اقتضى ذلك وضرورة قادت إليه ولا يلزمنا معرفة ذلك على التفصيل وجرى لك مجرى ما لا نعلم بمراد الله فيه من الآيات المتشابهة في القرآن التي ظاهرها الجبر أو التشبيه مثل الرحمن على العرش استوى وجاء ربك وأمثال ذلك فإذا علمنا باستحالة الجبر والجسمية عليه تعالى وعلمنا أنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا أن لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظواهرها توافق أدلة العقل وإن لم نعلمها تفصيلا وكذلك ما غاب عنا وجه المصلحة فيه من ايلام الأطفال والطواف بالبيت ورمي الجمار وما أشبه ذلك من العبادات فإذا علمنا أنه تعالى لا يفعل قبيحا ولا يأمر بالعبث فلا بد من مصلحة في ذلك وأن جهلنا تفصيلها مع أن السبب في الغيبة ظاهر وهو الخوف على النفس ولو كان على ما دون النفس لوجب الظهور والتحمل فان قيل الأئمة قبله كانوا يخافون على أنفسهم وبعضهم قتل غيلة بالسم وبعضهم بالسيف وقد أظهروا أنفسهم وكثير من الأنبياء أظهروا دعوتهم وإن أدت إلى قتلهم قلنا يمكن أن يكون الفارق أن غيره من الأئمة (عليه السلام) لهم من يقوم مقامهم وهو ليس بعده امام يقوم مقامه وكذلك الأنبياء وإن خوفه كان أكثر لاخبار آبائه (عليه السلام) بان صاحب السيف من الأئمة الذي يملأ الأرض عدلا هو الثاني عشر وشاع ذلك عنهم حتى بين أعدائهم فكان الملوك يتوقفون عن قتل آبائه لعلمهم أنهم لا يخرجون بالسيف ويتشوفون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه أ لا ترى أنه لما توفي الحسن العسكري (عليه السلام) وكل السلطان بحرمه وجواريه من يتفقد حملهن ليقتل ولده كما فعل فرعون ونمرود لما علما أن زوال ملكهما على يد موسى وإبراهيم (عليه السلام) فوكلا من يتفقد الحبالى ويقتل الأطفال وفرقا بين النساء والأزواج فستر الله ولادتهما كما ستر ولادة المهدي لما علم في ذلك من الحكمة والتدبير مع أن حكمة الله في ذلك لا تجب معرفتها على التفصيل كما قدمنا ويجوز اختلاف تكليفه مع تكاليفهم لاختلاف المصالح باختلاف الأزمان كما كان تكليف أمير المؤمنين مرة السكوت ومرة الجهاد بالسيف وتكليف الحسن الصلح وتكليف الحسين الخروج وتكليف باقي الأئمة السكوت والتقية صلوات الله عليهم أجمعين .
الشبهة الثالثة :
لِمَ لم يحرسه الله تعالى من الأعداء ويظهره فهل تضيق قدرته عن ذلك والجواب أن الله تعالى قادر على كل شئ وقد حفظ امام الزمان ومنعه بكل ما لا يوجب الجبر والالجاء أما ما يوجب الجبر والالجاء فلا يجب أن يفعله الله تعالى وإذا كان هناك تكليف لا يجوز الاجبار لأن شرط التكليف القدرة وبالاجبار ترتفع .
الشبهة الرابعة : كيف يمكن أن يكون شخص حي بجسمه الحيواني موجودا في سرداب يرى الناس ولا يرونه ومن الذي يأتيه بطعامه وشرابه ويقوم بحوائجه والجواب أن هذا جهل ممن يرى أن الشيعة تعتقد وجود المهدي في سرداب بسر من رأى يرى الناس ولا يرونه فان ذلك لا أصل له ولا يعتقده ذو معرفة من الشيعة بل الشيعة تعتقد بوجود المهدي حيا في هذه الدنيا يرى الناس ويرونه ولا يعرفونه وقد رفع مولانا الصادق (عليه السلام) في الأحاديث السابقة المروية عنه في المهدي (عليه السلام) استبعاد ذلك بان أخوة يوسف تاجروه وبايعوه وخاطبوه وهم اخوته فلم يعرفوه قال (عليه السلام) وما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) أن في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء إلى أن قال وأما سنته من يوسف فالستر جعل الله بينه وبين الخلق حجابا يرونه ولا يعرفونه وقد نشأت شبهة أن الشيعة يعتقدون بوجود المهدي في سرداب بسر من رأى من زيارتهم لذلك السرداب وتبركهم به وصلاتهم فيه وزيارة المهدي (عليه السلام) فيه فتوهموا أنهم يقولون بوجوده في السرداب وتقول بعضهم عليهم بأنهم يأتون في كل جمعة بالسلاح والخيول إلى باب السرداب ويصرخون وينادون يا مولانا اخرج إلينا وقال إن ذلك بالحلة ثم شنع عليهم تشنيعا عظيما ونسبهم إلى السخف وسفاهة العقل وهذا ليس بعجيب من تقولاتهم الكثيرة على الشيعة بالباطل وهذا الذي زعمه هذا القائل لم نره ولم نسمع به سامع من غيره وإنما أخذه قائله من أفواه المتقولين أو افتراه من نفسه حتى أنه لم يفهم أن السرداب بسامراء لا بالحلة وسبب زيارة الشيعة لذلك السرداب وتبركهم به أنه سرداب الدار التي كان يسكنها الإمامان علي بن محمد الهادي وابنه الحسن بن علي العسكري وابنه الإمام المهدي (عليه السلام) وتشرف بسكناهم له وقد رويت للإمام المهدي (عليه السلام) فيه معجزة يأتي نقلها فيما نقلناه عن عبد الرحمن الجامي ورويت عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) فيه زيارة للمهدي (عليه السلام) فلذلك يزورونه فيه بتلك الزيارة ورويت فيه أدعية وصلوات يفعلونها فيه .
الشبهة الخامسة : ما الفائدة في إمام غائب عن الأبصار لا ينتفع به الناس في زمان غيبته والامام إنما نصب لينتفع به الناس ويرجعون إليه في الاحكام وينصف المظلوم من الظالم والجواب انا لا نسلم عدم الفائدة في وجوده مع غيبته قال الشيخ (ره) في تلخيص الشافي ينتفع به في حال غيبته جميع شيعته والقائلين بإمامته وينزجرون بمكانه وهيبته عن القبائح فهو لطف لهم في حال الغيبة كما يكون لطفا في حال الظهور وهم أيضا منتفعون به من وجه آخر لأنه يحفظ عليهم الشرع وبمكانه يتيقنون بأنه لم يكتم من الشرع ما لم يصل إليهم انتهى وإلى ذلك يشير بعض علمائنا رضوان الله عليهم بقوله وجوده لطف وتصرفه لطف آخر وغيبته منا ومن أين لنا الجزم بأنه لا يتصرف في مصالح العباد الدينية والدنيوية من حيث لا يعرفونه وقد جاء في الأخبار أنه في حال غيبته كالشمس يسترها السحاب أي فكما أن للشمس المستورة بالسحاب منافع وفوائد في الكون فكذلك لصاحب الزمان مع استتاره فوائد ومنافع في الكون وإن خفي علينا بعضها أو جلها ولم نعلمها على التفصيل نعم جميع الفوائد التي نصب لأجلها لا تكون حاصلة وهذا لا يضر لأن السبب في ذلك هم العباد باخافتهم له التي أوجبت استتارة بل لو فرض محالا عدم الفائدة في وجوده حال استتاره لم يكن في ذلك قبح بعد أن كان سبب استتاره من خوف الظالمين .
الشبهة السادسة : إذا جاز أن يستتر للخوف من الناس بحيث لا يصل إليه أحد وتفوتهم منافع وجوده جاز أن يكون معدوما أو أن يموت حتى إذا علم الله أن الرعية تمكنه أوجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى إذا علم منهم التمكين أظهره والجواب أولا انا لا نقطع أنه لا يصل إليه أحد فهذا أمر غير معلوم ولا سبيل إلى القطع به هكذا ذكر الطبرسي في إعلام الورى ولكن وردت أخبار دالة على عدم امكان الرؤية بعد الغيبة الصغرى أي في الغيبة الكبرى فان عملنا بها فلا مساع لهذا الجواب وبعضهم أولها بان المراد نفي الرؤية بحيث يعلمه بعينه ويقطع بأنه هو هو حال رؤيته أو بغير ذلك من الوجوه كما يأتي وثانيا أنه لا يجوز أن يكون معدوما للأدلة القاطعة العقلية والنقلية التي دلت على عدم جواز خلو العصر من امام فعلى الله تعالى أن ينصب للناس إماما تتم به الحجة وينقطع العذر فإذا فاتهم الانتفاع به بسبب منهم لم يقدح ذلك في تمام الحجة بل تكون لازمة لهم لأنه إذا أخيف فغيب شخصه منهم كان فوات المصلحة منسوبا إليهم فيلزمهم اللوم والذم والمؤاخذة عليه ولا يجوز أن لا ينصب لهم إماما ولو علم أنه لو نصبه لهم لأخافوه أو قتلوه لأن الحجة عليهم لا تتم بدون نصبه بل تكون الحجة فيما فات من مصالح العباد لازمة له تعالى لأن ما فاتهم من المصالح يكون منسوبا إليه تعالى ولا يجوز أن يسببوا فعلا لله تعالى ولله الحجة البالغة هذا مع قطع النظر عن أن في وجوده في حال غيبته منافع ليست في حال عدمه وهي ما أشرنا إليها في جواب الشبهة الخامسة
الشبهة السابعة : لو كان موجودا لوجب أن يظهر لوجود الداعي إلى ظهوره وهو انتشار الفساد وضعف الدين وتعطيل الاحكام والحدود وشيوع الظلم والجور وهو إنما يظهر ليملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا والجواب إذا كانت غيبته بأمر الله تعالى فظهوره لا يكون إلا بأمر الله تعالى ولا نقدر أن نحيط بالعلة التي توجب ظهوره ولا بالحكمة التي تقتضي أمر الباري تعالى له بالظهور فان ذلك لا يطلع عليه إلا علام الغيوب فعلى قول من يقول إن أفعال الباري تعالى لا تعلل بالعلل والأغراض فالأمر واضح إذ ليس لنا أن نسأل عن علة عدم ظهوره ولا عن علة ظهوره وعلى قول أصحابنا بان أفعاله تعالى معللة بالعلل والأغراض لا يمكننا الإحاطة بتلك العلل وأمرها موكول إليه تعالى وقد كان يوسف (عليه السلام) وهو نبي ابن نبي معصوم لا يصدر إلا عن أمر ربه بينه وبين أبيه يعقوب (عليه السلام) مسافة غير كثيرة البعد وهو حزين عليه حتى ذهب بصره وهو قادر على أن يخبره بمكانه فلم يفعل حتى أذن له الله تعالى في ذلك ولم يكن تركه لاعلام أبيه (عليه السلام) مع تلك الحالة التي وصفناها الا عن أمر الله تعالى لحكمة اقتضت ذلك وهذا كما أن الله تعالى لم يبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة الا بعد أربعين من عمره مع انتشار الكفر والفساد وعبادة الأوثان والالحاد وليس لاحد أن يقول لم أخر بعثته إلى الأربعين ولم يبعثه قبل ذلك مع وجود المقتضي لبعثه لأن ذلك معارضة للحكيم فيما لا يطلع عليه ولا يعلم حكمته غيره مع أنه إذا جاز أن يؤخر الله تعالى خلقه مع وجود الظلم جاز أن يؤخر ظهوره مع وجوده على أن الوارد أنه لا يظهر حتى تمتلئ ظلما وجورا ولم يحن بعد ذلك الزمان .
الشبهة الثامنة : إذا كان الخوف هو المانع له عن الظهور وكان يخاف من أعدائه فلم لا يظهر لشيعته وأوليائه يرشدهم إلى ما لا يعلمون والجواب أنه بعد ما قامت الأدلة القاطعة على وجوده وعصمته فلا يمكن الاعتراض والسؤال لم فعل كذا ولم يفعل كذا لأنا نعلم أنه لا يصدر الا عن أمر ربه ولا يتجاوز ما حدد له وقد أجيب عن ذلك بوجوه أحدها أن سبب عدم ظهوره لأوليائه الخوف من انتشار خبره وظهور أمره بإذاعة من يظهر لهم ثانيها أن غيبته عن أعدائه للخوف منهم وعن أوليائه للخوف عليهم فإذا ظهر لهم ذاع خبره وطولبوا به ثالثها وهو الذي عول عليه المرتضى قال أولا لا نقطع أنه لا يظهر لجميع أوليائه فان هذا أمر مغيب عنا ولا يعرف كل منا إلا حال نفسه ثانيا نقول في علة غيبته عنهم أنه إنما يميز شخصه بالمعجز الذي يظهر على يديه والشبه تدخل في ذلك فلا يمتنع أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه هو المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزة ولحق بهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء أقول أن الأخبار قد جاءت بظهوره لأوليائه وثقاته في الغيبة الصغرى مدة أربع وسبعين سنة كما مر أما بعدها فقد تقدم بعض الأخبار الدالة على عدم امكان رؤيته وتكذيب من يدعي ذلك وسواء قلنا بذلك أو قلنا بامكان الرؤية في الغيبة الكبرى وحملنا ما يدل على العدم على بعض الوجوه مثل إرادة نفي الرؤية التي يعرفه فيها بعينه وشخصه يمكن أن نقول أن سبب عدم ظهوره لأوليائه هو بعض الوجوه المتقدمة والله أعلم .
الشبهة التاسعة : الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة إن قلتم بسقوطها صرحتم بنسخ الشريعة وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والامام مستتر غائب والجواب أن الحدود ثابتة على مستحقيها وغير ساقطة والإثم في تفويت اقامتها على المخيفين للامام المحوجين له إلى الغيبة فحالها في زمن الغيبة عندنا حالها في زمن عدم تمكن أهل الحل والعقد من اختيار الإمام عندكم فما أجبتم به فهو جوابنا ثم أن الشبهة لا تختص بحال الغيبة بل تجري في حال وجود الأئمة وعدم تمكنهم والجواب في الحالين واحد .
الشبهة العاشرة : إن قلتم ان الحق مع غيبته لا يدرك ولا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة وإن قلتم يدرك من جهة الأدلة المنصوبة عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الامام بهذه الأدلة وهذا خلاف مذهبكم والجواب إن الحق قسمان عقلي وسمعي فالعقلي يدرك بالعقل ولا يؤثر وجود الامام ولا فقده والسمعي عليه أدلة منصوصة من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) وأقوال الأئمة الصادقين (عليه السلام) ولكن الحاجة مع ذلك إلى الامام ثابتة في كل عصر وعلى كل حال أولا لكونه لطفا لنا في فعل الواجب العقلي من الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه وثانيا أن النقل الوارد عن النبي والأئمة (عليه السلام) يجوز أن يتركه الناقلون تعمدا أو اشتباها أو يوجد ممن ليس نقله حجة فيحتاج إلى الامام ليبين الحق .
الشبهة الحادية عشرة : الاجماع قائم على أنه لا نبي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنتم زعمتم ان المهدي إذا ظهر لا يقبل الجزية ويقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين
ويأمر بهدم المساجد والمشاهد ويحكم بحكم داود ولا يسال عن بينة وأشباه ذلك وهذا نسخ للشريعة فقد أثبتم معنى النبوة وان لم تتلفظوا باسمها والجواب ما ذكره الطبرسي في إعلام الورى قال انا لا نعرف ما تضمنه السؤال من أنه لا يقبل الجزية ويقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به اما هدم المساجد والمشاهد فما سمعناه ويجوز ان يختص بما بني على غير تقوى الله وعلى خلاف ما أمر به وهذا مشروع قد فعله النبي (صلى الله عليه وآله) ومنه مسجد الضرار وأما حكمه بحكم داود لا يسال عن بينة فهذا أيضا غير مقطوع به وان صح فتأويله انه يحكم بعمله فيما يعلمه وللإمام والحاكم أن يحكم بعلمه ولا يسال البينة على أن ما ذكروه من عدم قبول الجزية وعدم سؤال البينة لو صح لم يكن نسخا لان النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ اما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخا للآخر وان خالفه في الحكم ولذلك اتفقنا على أنه لو قال الزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه لم يكن نسخا .
وفي البحار روى الحسين بن مسعود في شرح السنة باسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال والذي نفسي بيده ليوشكن ان ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فيفيض المال حتى لا يقبله أحد ثم قال قوله يكسر الصليب يريد ابطال النصرانية ويحكم بشرع الاسلام ومعنى قتل الخنزير تحريم اقتنائه وأكله وإباحة قتله وقوله يضع الجزية معناه يضعها عن أهل الكتاب ويحملهم على الاسلام فقد روى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في نزول عيسى ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الاسلام ويهلك الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون وقيل معنى الجزية ان المال يكثر حتى لا يوجد محتاج ممن يوضع فيهم الجزية يدل عليه قوله فيفيض المال حتى لا يقبله أحد وروى البخاري باسناده عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم وهذا حديث متفق على صحته انتهى قال في البخاري وقد أورد هو وغيره اخبارا أخر في ذلك فظهر ان هذه الأمور المنقولة من سير القائم (عليه السلام) لا تختص بنا بل أوردها مخالفونا ونسبوها إلى عيسى (عليه السلام) لكن قد رووا ان إمامكم منكم فما كان جوابهم فهو جوابنا والشبهة مشتركة بينهم وبيننا انتهى فهذا جواب ما أورده علينا مخالفونا من الشبه في أمر المهدي أو يمكن أن يورد لهم .