صوت سماوي يصدح في الآفاق
الخطابة فن وأجمل ما في الفن أن يُبدَع فيه ولكل خطيب أسلوب معين يتميز فيه إضافة إلى سلاسة الصوت وقوة الإلقاء وشد المستمع إلى الكلام بطريقة غير مملة والقرب من نفس المتلقي والدخول إلى كوامنه لكي يتقبل المعلومة مهما كانت بلا استغراب أو استنكار.
ظهر في السنوات الأخيرة صوت من السماوة أبهر الجميع بطريقة إلقائه المميزة وانتشر صيته في الآفاق بسرعة مذهلة لما له من مميزات جعلته خطيباً ناجحاً بكل المقاييس ولا نغالي إذا قلنا إن طريقته المميزة في إلقاء المحاضرة فريدة في نوعها جعلته يندرج في لائحة فطاحل الخطباء.
كانت لرياض الزهراء هذه الوقفة مع الدكتور الخطيب علي السماوي الذي لم يبخل بوقته علينا فكان لنا معه هذا اللقاء:
هل لنا أن نعرف نبذة عن حياة الدكتور الخطيب (علي السماوي)؟
علي عبد الكاظم الملقب (بالسماوي)، تخصصي علم نفس اجتماع/ بكالوريوس في جرائم المرأة/ ماجستير جدلية العنف ضد المرأة بين الشريعة وعلم الاجتماع/ دكتوراه ظاهرة العنف ضد المرأة، بعد حصولي على البكالوريوس في سنة 1998م اتجهت لدراسة المقدمات الحوزوية والسطوح في الحوزة العلمية.
من المعروف أنّ لديكم القدرة على إقناع المتلقي بمحتوى المحاضرة، من أين استمديتم هذه القدرة؟
إن تلاقح الأفكار كالأفكار الدينية والعلوم الإنسانية له الأثر في نفس الإنسان وهو بعبارة أمير المؤمنين j: "من اعتدلت طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه" فالإنسانية تتوحد في مقومات الإنسان، فعلم الإنسان المسمى بعلم الانثربايولوجي هو واحد من فروع علم الاجتماع مع ضميمة الخدمة الاجتماعية فعلم الإنسان درسته في دراستي الأكاديمية فكان له أثره في موضوع الخطابة، والمسألة أنّ الخطاب التقليدي يصيب الأذن بالملل وفي علم النفس توجد نظرية نفسية واحدة اسمها نظرية التحدي والإجابة وهو أن تشاكس في أذن السامع حتى ينتبه إليك، وكذلك استخدام أسلوب الحماسة في المحاضرة حتى لا ينعس ولا يغفل عن الجواهر وسط المدر.
ما رأيكم في دور المرأة الإعلامي في الوقت الحاضر؟
أنا أقول إن المرأة نصف المجتمع والحقيقة أنّ المرأة في الخرائط الديموغرافية تشكل أكثر من النصف ولعلها تصل إلى أكثر من الثلثين ولا يقل تقديرها التأثيري على النصف الآخر وهي تسيطر لأنها إمّا أن تكون (أم، أو أخت، أو زوجة، أو بنت) بكل الاعتبارات هي تسيطر في قرار الرجل ولها مدخلية كبيرة جداً.
ما هو دور المرأة في تبلور شخصية الدكتور الخطيب (علي السماوي)؟
دورها أكثر من 98% بدأ من الأم التي خرَّجت سبعة أولاد كلهم على مستوى عالي من التعليم ومروراً بزوجتي الوحيدة وتربطني بها علاقة نسب فهي بنت عمتي وكنت أستاذها في الجامعة ولو لم تكن زوجتي بهذا المستوى من الأخلاقيات والتعليم والدعم المعنوي لما أمكنني أن أسافر وأنجز الدراسة الحوزوية وأشق طريق التبليغ في قضية المنبر الحسيني وحتى في التبليغ الديني هي تشاركني وأقول إنّ تأثير زوجتي في شخصيتي كبير حتى في اختيار نوع الملابس.
هل الدكتور مع أو ضد عمل المرأة؟
أولاً علينا أن نفرز نوع العمل الذي يناسب المرأة لأن دعوى تحرر المرأة هو ظلم للمرأة، نريد أن نرفع ظلماً عن المرأة فنظلمها من جهة أخرى، ونلخصها بعبارة واحدة المرأة إذا لم تأخذ حقها ظلم وإذا أخذت غير حقها ظلم آخر، من الممكن أن تعطى غير حقها بدعوى التساوي وبذلك نكون قد ناصفناها في أعباء الرجل، فالتخصص موجود حتى في التكوينات الطبيعية مثلاً: الذهب معدن جميل ومرخص من الناحية الشرعية للمرأة ولكنه غير مرخص للرجل، والذهب لا يلتصق بالمغناطيس ليس لأنه سيّء بل لأنه ليس له صفة التمغنط فعلى المرأة أن تعمل في عمل يناسب تكوينها.
ما هو رأيك بالفضائيات بشكل عام؟
تنقسم الفضائيات قسمين بقسمة النبي الأكرم t إلى حق وباطل فعلى الإنسان أن يعرف هذه الفضائية كم لها من الحق وكم لها من الباطل لأنه من أصغى إلى ناطق فكأنما عبده فإن كان الناطق عن الرحمن عبد الرحمن وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان، وأنا شخصياً قبل أكثر من ثلاث سنوات طبعت كتاب (فن الإعلام في صنعة الإسلام) الغريب إنّ الإعلام يحاول أنّ يوظف انتسابه إلى الحق على الرغم من أن إنجازات البعض باطلة خصوصاً الإعلام الذي يواجه التيارات الدينية ويحاول أن يأخذ الناس إلى الهاوية وبعبارة أخرى إعلام الباطل وإعلام الحق كلٌّ منهما يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، الكل يقول أنا الحقيقة فعلينا أن نميز بين من بكى ومن تباكى.
هل يدور في خلدكم إنشاء مشروع تعليم الشباب فن الخطابة؟
لديّ مشروع في دولة الكويت حول تبني درس الخطابة بمقومات لعل بعضها جديد على الساحة لأنه لا تكرهوا أبناءكم على تربيتكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم، نحتاج أن نحاكي الشباب لأن أهل الباطل قد وصلوا إلى جذبهم بأساليب مختلفة وألوان متنوعة لغايات معينة فعلى أهل الحق وغايتهم سامية طبعاً أن يبتكروا بعض الوسائل التي تجذب الشباب إلى هذا المعنى وإن كانت الغاية لا تبرر الوسيلة باعتبار أنّ الوسيلة تسمو بسمو الغاية بمعنى آخر إذا كانت الغاية لله فيجب أن تكون الوسيلة محمداً وآل محمد عليهم السلام قال تعالى.. (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)/ (الإسراء:35).
هل لكم أن توضحوا لنا ما هي هذه الأساليب الجديدة؟
محاولة استخدام العلوم الأكاديمية وخصوصاً الفيزياء، والأحياء، والكيمياء، والرياضيات، بالمداخلة الفعلية داخل خطاب المنبر الحديث، أعطيكِ شواهد مثلاً: من أبده البديهيات في الأحياء تكون اللؤلؤة داخل المحارة بسبب دخول حبة رمل أو كائن طفيلي بين الجبة والصدفة فتكون لؤلؤة نتيجة ألم الاحتكاك فلماذا لا تتمكن دمعة صغيرة بين الأرض والسماء نتيجة ألم مصيبة الإمام الحسين عليه السلام أن تنتج لؤلؤة معنوية باعتبار أنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، وأركز على هذا المعنى فكل جزيئات الفيزياء تتداخل مع الحقيقة النبوية، ولعلي لو ضربت مثلاً في الفيزياء كالجاذبية، أو الضوء، أو غيرها، نقول إنّ الضوء ينتقل بلا هواء أو واسطة فلو أفرغنا إناء من الهواء لانتقل الضوء داخله، ولكن في نفس الإناء لا ينتقل الصوت إذن النور الإلهي يحتاج إلى واسطة حينما ينقل بالصوت، ولكنه لا يحتاج إلى واسطة حينما يدخل قلب الإنسان لأن الله يهدي من يشاء، هذه العبارات يجب أن تركز حول نماذج وتلاقح أفكار كل ما هو قانون طبيعي سنه الله واتبعه سبباً للوصول إلى تلك الغاية وهو أن يدعوا الإنسان أخيه الإنسان ويدع القافلة تسير.
لماذا لم تنشئ هذه المدرسة في العراق؟
أولاً لكثرة سفري المستمر، وثانياً في العراق لم أجد اليد التي تدعوني على الرغم من أنّ الشباب والطاقات موجودة.
ما هو رأيكم بالظروف التي جعلت الشعب العراقي يعيش في عتمة ثقافية؟
طبعاً هذا الشيء مقصود لأن السياسات الظالمة التي مرت على هذا البلد قصدت أن تحجم هذه الطاقة وأنا من خلال قراءاتي الاجتماعية رأيت أن الشخص العراقي له قابلية فردية على أن يكون قائداً اجتماعياً في تنظيم المجتمع ويستطيع أن يقود الناس، ولأن عنصر القيادة مفقود في بعض المجتمعات الإنسانية فأصبح التركيز على مجتمعنا لتحجيمه لأن لديه طاقة تفوق طاقة غيره.
إذن ما الحل؟
أفضل شيء هو استثمار الطاقات العراقية وخصوصاً الطاقات الشبابية من النساء والرجال بالتعلم والتعليم، ويجب أن يتم ذلك في الوضع الحالي عن طريق المؤسسات الاجتماعية وهي لا تحتاج إلى دعم دولي أو دعم مادي إنما هي من صميم مجموعة أفراد تتشكل بهيئة النظم الإنسانية.
هل تتوسم خيراً في مستقبل العراق؟
أملي وظني من خلال قراءاتي فإن المجتمع العراقي سيقفز خلال الخمس سنوات القادمة قفزة نوعية تضاهي بالثقافة المجتمعات التي سبقته بأكثر من أربعين سنة، العراق مجتمعي والعراق معطاء ويكفيه فخراً أنه يحتضن المعصومين ابتداءً بأمير المؤمنين، والإمام الحسين، وأبي الفضل العباس، والكاظم، والجواد، والهادي، والعسكري عليهم السلام أقول إنّ هذه الأرض المقدسة ستنتج كل المعاني المقدسة لكل أفراد العالم وليس للشعب العراقي فقط، إنّ الفرد العراقي إذا ما التفت إلى طاقته فسوف ينتج رحمة بمقدار الوعاء الذي يحويه فإن هذه القلوب أوعية وخيرها عند الله ما وعاها، نسأل الله أن نكون ممن نفع أهلنا وناسنا وشعبنا.
في معظم محاضراتك تشير بطريقة أو بأخرى إلى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، هل ترى بأن معظم من شرحوا نهج البلاغة استوفوا حقه؟
كلا، وأبداً، ومطلقاً لم يُستَوفَ جزء بسيط من حق نهج البلاغة لأنه:
فكلام الإمام عليه السلام هو إمام الكلام وكلام الأمير عليه السلام أمير الكلام، فنلاحظ أن كل كلمة من كلام الإمام علي عليه السلام تحتاج إلى عدة شروحات في مجالات مختلفة منها العلمية والطبية والفيزيائية والكيميائية ونضرب لذلك مثلاً قال أمير المؤمنين عليه السلام: " اعجبوا لِهَذَا اَلْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ مِن خُرْمٍ"، الغريب أنه تكلم عن المطرقة والسندان التي في الأذن وكأنه شرّح الأذن وتكلم عن القطعة الشحمية التي ليس فيها تعويض وهي العين وهي الجزء الوحيد في الإنسان الذي ليس له تعويض ويجب المحافظة عليها كما هي، وجعل لها جناحاً واقياً وهو الدمع، وأغرب ما قرأت عن العين أن هناك نوعاً من الإبل تأكل الأفاعي فيتفاعل السم داخل المعدة فتعطش الإبل عطشاً شديداً ولكنها تقف أمام الماء ولا تشرب وهذه هي نظرية الإلهام التكويني لأنها إذا شربت الماء فإن السم ينتشر في باقي جسمها ولكن بقدرة الله يخرج الدمع من عيونها ويتجمع في غور العين ويتجمد وهذا هو ترياق مجرب للدغة الأفعى وقد سبق هذا الاكتشاف الإمام الصادق عليه السلام بألف ومائتي عام وقال: (ودمع الإبل ترياق مجرب). إذن كل حواس الإنسان هي عبارة عن آية من آيات الله.
تمر علينا هذه الأيام وفاة الزهراء عليها السلام ما يقول الدكتور علي السماوي في الزهراء؟
الكلام حول السيدة الزهراء عليها السلام في حدود التقسيم البشري القاصر يجب أن يبدأ بالمعرفة التاريخية لشخصها الكريم الذي اختزل الزمان والمكان ثم من بعده المعرفة المناقبية وهي المعرفة بمناقب الزهراء عليها السلام ومعاجزها العظيمة ثم إلى المعرفة الفكرية ثم بعد ذلك المعرفة النورانية، الزهراء ليست بالمرأة الطبيعية أو الشخصية البشرية الطبيعية، ولا يمكن أن تختزل المرأة العظيمة التي خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الأكرم ووصيه الأعظم محمد صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام "لولا فاطمة لما خلقتكما"، ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "وعلى معرفتها دارت القرون الأولى"، تلك المرأة يجب أن تُعرف لان التجرؤ على مقام الزهراء عليها السلام لا يكون إلاّ من واقع الجهل، يقول المعصوم (تجرأت بجهلي) إذن علينا أن نعرف المعرفة التاريخية لمولدها الشريف والإمكانيات التي أحاطت بهذه الشخصية العظيمة لتكون كفؤاً لعلي عليه السلام من ناحية التزويج، وأن تكون مستودع سر النبي صلى الله عليه واله، وأن تكون مهبط وحي الله، وأن تكون مبتنى شفاء النبي الأكرم صلى الله عليه واله حينما يقول: "فاطمة ريحانة اشمها ورزقها على الله عزّ وجل"، وكما هو معهود في حديث الكساء اليماني أن يشكو في بدنه ضعفاً فيذهب إلى فاطمة عليها السلام، إذن فاطمة عليها السلام ملجأ طبيب الوجود كما قال الإمام علي عليه السلام النبي الأكرم صلى الله عليه واله: طبيب دوّار بطبه" فعلينا أن نستعمل هذا الدواء لنشفى، "فاطمة عليها السلام ريحانة أشمها ورزقها على الله"، لنشم عبر التاريخ عبق الزهراء عليها السلام \ وعظمتها.
كلمة توجهها للمرأة بشكل عام؟
أقولها للنساء دققوا وركزوا لماذا سُميت المرأة مرآة؟ يقول الإمام الصادق عليه السلام" لأنها مرآة الجلال والكمال" والمرأة من أقدس الأحياء بعد الله لو عرفت قدر نفسها ولو شاءت المرأة أن تعرف قدرها فلتعرف قوله تعالى.. (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)/ (آل عمران:36)، فمن المشبه والمشبه به هنا يأتي معنى زيد كالأسد ويقصد من وجه التشابه شجاعة الأسد وقوته، فعلى الإنسان أن يعرف أنّ الذكر ليس كالأنثى، بمعنى مهما كان الرجل فإنه لا يبلغ باباً بلغته المرأة فهي أساس وجود الحياة، وبتعبير المولى أمير المؤمنين عليه السلام: "المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لابد منها"، هذا مدح وليس قدحاً وأؤكد على ذلك فالإمام عليه السلام صنف المرأة صنفين، امرأة خيرة وامرأة شريرة، والعجيب أنّ المرأة الشريرة لابد منها فهي ضرورة حتى وإن لم تعرف قدر نفسها، فكيف لو عرفت قدر نفسها ولكن لو كان الرجل شريراً فالغنى عنه أفضل.
هل لك أن توضح لنا أكثر؟
نعم، في العبارة اختزال لأن سيد البلغاء هو المتكلم، أي مع ما فيها من شر تجد أنه لابد منها لأنها طاقة والطاقة محركة فعلى الإنسان أن يعرف بأن هذه الطاقة لابد أن تستثمر لا أن تستغل أو نقول تستعمل كما قال المعصوم: "واستعملني بما تسألني غداً عنه"، إذن على المرأة أن تكون هي الداعي إلى نفسها برفع المظلمة لينصرها كما قال تعالى.. (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)/ (محمد:7)، فعليها أن ترجع إلى لوازم النصرة، فإن طلب المقام بغير استحقاق يعد كفراً ولأنها هي الطاقة الحقيقية فعليها أن تستثمر طاقتها لنصرتها.
كلمتك للإعلاميات؟
يا أيتها المرأة الإعلامية أيّاً كان نوع الإعلام لا تكوني وقوداً لغيركِ، نعم كوني كلؤلؤة نغوص لنصيدها في البحر بشغف وبكل تفاني، كوني كما يجب أن تكوني، كوني بمستوى المرأة التي هي دليل على الخير وهي مرآة فلو نظر الإنسان للمرآة ووجد في نفسه خللاً ما فليس عليه أن يكسر المرآة وإنما عليه أن يزيل تلك النقطة، أنت مرآة الحق فاعكسي الحق لأن المرآة عاكسة.
كلمتك للمبلغات؟
أولاً عليك بالإخلاص، ثانياً التقليد يجعل الإنسان في اشمئزاز، وأركز على عبارة لا تجعلي من نفسكِ استنساخاً لما سلف من قبلكِ، عليكِ أن تنتهجي محل خطابة يتلاءم مع كل بيئة لأن كل بيئة تحتاج إلى خطاب معين ولكل مقام مقال.
آمال كاظم الفتلاوي
تم نشره في مجلة رياض الزهراء العدد (44)
الخطابة فن وأجمل ما في الفن أن يُبدَع فيه ولكل خطيب أسلوب معين يتميز فيه إضافة إلى سلاسة الصوت وقوة الإلقاء وشد المستمع إلى الكلام بطريقة غير مملة والقرب من نفس المتلقي والدخول إلى كوامنه لكي يتقبل المعلومة مهما كانت بلا استغراب أو استنكار.
ظهر في السنوات الأخيرة صوت من السماوة أبهر الجميع بطريقة إلقائه المميزة وانتشر صيته في الآفاق بسرعة مذهلة لما له من مميزات جعلته خطيباً ناجحاً بكل المقاييس ولا نغالي إذا قلنا إن طريقته المميزة في إلقاء المحاضرة فريدة في نوعها جعلته يندرج في لائحة فطاحل الخطباء.
كانت لرياض الزهراء هذه الوقفة مع الدكتور الخطيب علي السماوي الذي لم يبخل بوقته علينا فكان لنا معه هذا اللقاء:
هل لنا أن نعرف نبذة عن حياة الدكتور الخطيب (علي السماوي)؟
علي عبد الكاظم الملقب (بالسماوي)، تخصصي علم نفس اجتماع/ بكالوريوس في جرائم المرأة/ ماجستير جدلية العنف ضد المرأة بين الشريعة وعلم الاجتماع/ دكتوراه ظاهرة العنف ضد المرأة، بعد حصولي على البكالوريوس في سنة 1998م اتجهت لدراسة المقدمات الحوزوية والسطوح في الحوزة العلمية.
من المعروف أنّ لديكم القدرة على إقناع المتلقي بمحتوى المحاضرة، من أين استمديتم هذه القدرة؟
إن تلاقح الأفكار كالأفكار الدينية والعلوم الإنسانية له الأثر في نفس الإنسان وهو بعبارة أمير المؤمنين j: "من اعتدلت طباعه صفا مزاجه ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه" فالإنسانية تتوحد في مقومات الإنسان، فعلم الإنسان المسمى بعلم الانثربايولوجي هو واحد من فروع علم الاجتماع مع ضميمة الخدمة الاجتماعية فعلم الإنسان درسته في دراستي الأكاديمية فكان له أثره في موضوع الخطابة، والمسألة أنّ الخطاب التقليدي يصيب الأذن بالملل وفي علم النفس توجد نظرية نفسية واحدة اسمها نظرية التحدي والإجابة وهو أن تشاكس في أذن السامع حتى ينتبه إليك، وكذلك استخدام أسلوب الحماسة في المحاضرة حتى لا ينعس ولا يغفل عن الجواهر وسط المدر.
ما رأيكم في دور المرأة الإعلامي في الوقت الحاضر؟
أنا أقول إن المرأة نصف المجتمع والحقيقة أنّ المرأة في الخرائط الديموغرافية تشكل أكثر من النصف ولعلها تصل إلى أكثر من الثلثين ولا يقل تقديرها التأثيري على النصف الآخر وهي تسيطر لأنها إمّا أن تكون (أم، أو أخت، أو زوجة، أو بنت) بكل الاعتبارات هي تسيطر في قرار الرجل ولها مدخلية كبيرة جداً.
ما هو دور المرأة في تبلور شخصية الدكتور الخطيب (علي السماوي)؟
دورها أكثر من 98% بدأ من الأم التي خرَّجت سبعة أولاد كلهم على مستوى عالي من التعليم ومروراً بزوجتي الوحيدة وتربطني بها علاقة نسب فهي بنت عمتي وكنت أستاذها في الجامعة ولو لم تكن زوجتي بهذا المستوى من الأخلاقيات والتعليم والدعم المعنوي لما أمكنني أن أسافر وأنجز الدراسة الحوزوية وأشق طريق التبليغ في قضية المنبر الحسيني وحتى في التبليغ الديني هي تشاركني وأقول إنّ تأثير زوجتي في شخصيتي كبير حتى في اختيار نوع الملابس.
هل الدكتور مع أو ضد عمل المرأة؟
أولاً علينا أن نفرز نوع العمل الذي يناسب المرأة لأن دعوى تحرر المرأة هو ظلم للمرأة، نريد أن نرفع ظلماً عن المرأة فنظلمها من جهة أخرى، ونلخصها بعبارة واحدة المرأة إذا لم تأخذ حقها ظلم وإذا أخذت غير حقها ظلم آخر، من الممكن أن تعطى غير حقها بدعوى التساوي وبذلك نكون قد ناصفناها في أعباء الرجل، فالتخصص موجود حتى في التكوينات الطبيعية مثلاً: الذهب معدن جميل ومرخص من الناحية الشرعية للمرأة ولكنه غير مرخص للرجل، والذهب لا يلتصق بالمغناطيس ليس لأنه سيّء بل لأنه ليس له صفة التمغنط فعلى المرأة أن تعمل في عمل يناسب تكوينها.
ما هو رأيك بالفضائيات بشكل عام؟
تنقسم الفضائيات قسمين بقسمة النبي الأكرم t إلى حق وباطل فعلى الإنسان أن يعرف هذه الفضائية كم لها من الحق وكم لها من الباطل لأنه من أصغى إلى ناطق فكأنما عبده فإن كان الناطق عن الرحمن عبد الرحمن وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان، وأنا شخصياً قبل أكثر من ثلاث سنوات طبعت كتاب (فن الإعلام في صنعة الإسلام) الغريب إنّ الإعلام يحاول أنّ يوظف انتسابه إلى الحق على الرغم من أن إنجازات البعض باطلة خصوصاً الإعلام الذي يواجه التيارات الدينية ويحاول أن يأخذ الناس إلى الهاوية وبعبارة أخرى إعلام الباطل وإعلام الحق كلٌّ منهما يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، الكل يقول أنا الحقيقة فعلينا أن نميز بين من بكى ومن تباكى.
هل يدور في خلدكم إنشاء مشروع تعليم الشباب فن الخطابة؟
لديّ مشروع في دولة الكويت حول تبني درس الخطابة بمقومات لعل بعضها جديد على الساحة لأنه لا تكرهوا أبناءكم على تربيتكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم، نحتاج أن نحاكي الشباب لأن أهل الباطل قد وصلوا إلى جذبهم بأساليب مختلفة وألوان متنوعة لغايات معينة فعلى أهل الحق وغايتهم سامية طبعاً أن يبتكروا بعض الوسائل التي تجذب الشباب إلى هذا المعنى وإن كانت الغاية لا تبرر الوسيلة باعتبار أنّ الوسيلة تسمو بسمو الغاية بمعنى آخر إذا كانت الغاية لله فيجب أن تكون الوسيلة محمداً وآل محمد عليهم السلام قال تعالى.. (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)/ (الإسراء:35).
هل لكم أن توضحوا لنا ما هي هذه الأساليب الجديدة؟
محاولة استخدام العلوم الأكاديمية وخصوصاً الفيزياء، والأحياء، والكيمياء، والرياضيات، بالمداخلة الفعلية داخل خطاب المنبر الحديث، أعطيكِ شواهد مثلاً: من أبده البديهيات في الأحياء تكون اللؤلؤة داخل المحارة بسبب دخول حبة رمل أو كائن طفيلي بين الجبة والصدفة فتكون لؤلؤة نتيجة ألم الاحتكاك فلماذا لا تتمكن دمعة صغيرة بين الأرض والسماء نتيجة ألم مصيبة الإمام الحسين عليه السلام أن تنتج لؤلؤة معنوية باعتبار أنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد، وأركز على هذا المعنى فكل جزيئات الفيزياء تتداخل مع الحقيقة النبوية، ولعلي لو ضربت مثلاً في الفيزياء كالجاذبية، أو الضوء، أو غيرها، نقول إنّ الضوء ينتقل بلا هواء أو واسطة فلو أفرغنا إناء من الهواء لانتقل الضوء داخله، ولكن في نفس الإناء لا ينتقل الصوت إذن النور الإلهي يحتاج إلى واسطة حينما ينقل بالصوت، ولكنه لا يحتاج إلى واسطة حينما يدخل قلب الإنسان لأن الله يهدي من يشاء، هذه العبارات يجب أن تركز حول نماذج وتلاقح أفكار كل ما هو قانون طبيعي سنه الله واتبعه سبباً للوصول إلى تلك الغاية وهو أن يدعوا الإنسان أخيه الإنسان ويدع القافلة تسير.
لماذا لم تنشئ هذه المدرسة في العراق؟
أولاً لكثرة سفري المستمر، وثانياً في العراق لم أجد اليد التي تدعوني على الرغم من أنّ الشباب والطاقات موجودة.
ما هو رأيكم بالظروف التي جعلت الشعب العراقي يعيش في عتمة ثقافية؟
طبعاً هذا الشيء مقصود لأن السياسات الظالمة التي مرت على هذا البلد قصدت أن تحجم هذه الطاقة وأنا من خلال قراءاتي الاجتماعية رأيت أن الشخص العراقي له قابلية فردية على أن يكون قائداً اجتماعياً في تنظيم المجتمع ويستطيع أن يقود الناس، ولأن عنصر القيادة مفقود في بعض المجتمعات الإنسانية فأصبح التركيز على مجتمعنا لتحجيمه لأن لديه طاقة تفوق طاقة غيره.
إذن ما الحل؟
أفضل شيء هو استثمار الطاقات العراقية وخصوصاً الطاقات الشبابية من النساء والرجال بالتعلم والتعليم، ويجب أن يتم ذلك في الوضع الحالي عن طريق المؤسسات الاجتماعية وهي لا تحتاج إلى دعم دولي أو دعم مادي إنما هي من صميم مجموعة أفراد تتشكل بهيئة النظم الإنسانية.
هل تتوسم خيراً في مستقبل العراق؟
أملي وظني من خلال قراءاتي فإن المجتمع العراقي سيقفز خلال الخمس سنوات القادمة قفزة نوعية تضاهي بالثقافة المجتمعات التي سبقته بأكثر من أربعين سنة، العراق مجتمعي والعراق معطاء ويكفيه فخراً أنه يحتضن المعصومين ابتداءً بأمير المؤمنين، والإمام الحسين، وأبي الفضل العباس، والكاظم، والجواد، والهادي، والعسكري عليهم السلام أقول إنّ هذه الأرض المقدسة ستنتج كل المعاني المقدسة لكل أفراد العالم وليس للشعب العراقي فقط، إنّ الفرد العراقي إذا ما التفت إلى طاقته فسوف ينتج رحمة بمقدار الوعاء الذي يحويه فإن هذه القلوب أوعية وخيرها عند الله ما وعاها، نسأل الله أن نكون ممن نفع أهلنا وناسنا وشعبنا.
في معظم محاضراتك تشير بطريقة أو بأخرى إلى كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، هل ترى بأن معظم من شرحوا نهج البلاغة استوفوا حقه؟
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي |
فإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي |
فكلام الإمام عليه السلام هو إمام الكلام وكلام الأمير عليه السلام أمير الكلام، فنلاحظ أن كل كلمة من كلام الإمام علي عليه السلام تحتاج إلى عدة شروحات في مجالات مختلفة منها العلمية والطبية والفيزيائية والكيميائية ونضرب لذلك مثلاً قال أمير المؤمنين عليه السلام: " اعجبوا لِهَذَا اَلْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ مِن خُرْمٍ"، الغريب أنه تكلم عن المطرقة والسندان التي في الأذن وكأنه شرّح الأذن وتكلم عن القطعة الشحمية التي ليس فيها تعويض وهي العين وهي الجزء الوحيد في الإنسان الذي ليس له تعويض ويجب المحافظة عليها كما هي، وجعل لها جناحاً واقياً وهو الدمع، وأغرب ما قرأت عن العين أن هناك نوعاً من الإبل تأكل الأفاعي فيتفاعل السم داخل المعدة فتعطش الإبل عطشاً شديداً ولكنها تقف أمام الماء ولا تشرب وهذه هي نظرية الإلهام التكويني لأنها إذا شربت الماء فإن السم ينتشر في باقي جسمها ولكن بقدرة الله يخرج الدمع من عيونها ويتجمع في غور العين ويتجمد وهذا هو ترياق مجرب للدغة الأفعى وقد سبق هذا الاكتشاف الإمام الصادق عليه السلام بألف ومائتي عام وقال: (ودمع الإبل ترياق مجرب). إذن كل حواس الإنسان هي عبارة عن آية من آيات الله.
تمر علينا هذه الأيام وفاة الزهراء عليها السلام ما يقول الدكتور علي السماوي في الزهراء؟
الكلام حول السيدة الزهراء عليها السلام في حدود التقسيم البشري القاصر يجب أن يبدأ بالمعرفة التاريخية لشخصها الكريم الذي اختزل الزمان والمكان ثم من بعده المعرفة المناقبية وهي المعرفة بمناقب الزهراء عليها السلام ومعاجزها العظيمة ثم إلى المعرفة الفكرية ثم بعد ذلك المعرفة النورانية، الزهراء ليست بالمرأة الطبيعية أو الشخصية البشرية الطبيعية، ولا يمكن أن تختزل المرأة العظيمة التي خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الأكرم ووصيه الأعظم محمد صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام "لولا فاطمة لما خلقتكما"، ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "وعلى معرفتها دارت القرون الأولى"، تلك المرأة يجب أن تُعرف لان التجرؤ على مقام الزهراء عليها السلام لا يكون إلاّ من واقع الجهل، يقول المعصوم (تجرأت بجهلي) إذن علينا أن نعرف المعرفة التاريخية لمولدها الشريف والإمكانيات التي أحاطت بهذه الشخصية العظيمة لتكون كفؤاً لعلي عليه السلام من ناحية التزويج، وأن تكون مستودع سر النبي صلى الله عليه واله، وأن تكون مهبط وحي الله، وأن تكون مبتنى شفاء النبي الأكرم صلى الله عليه واله حينما يقول: "فاطمة ريحانة اشمها ورزقها على الله عزّ وجل"، وكما هو معهود في حديث الكساء اليماني أن يشكو في بدنه ضعفاً فيذهب إلى فاطمة عليها السلام، إذن فاطمة عليها السلام ملجأ طبيب الوجود كما قال الإمام علي عليه السلام النبي الأكرم صلى الله عليه واله: طبيب دوّار بطبه" فعلينا أن نستعمل هذا الدواء لنشفى، "فاطمة عليها السلام ريحانة أشمها ورزقها على الله"، لنشم عبر التاريخ عبق الزهراء عليها السلام \ وعظمتها.
كلمة توجهها للمرأة بشكل عام؟
أقولها للنساء دققوا وركزوا لماذا سُميت المرأة مرآة؟ يقول الإمام الصادق عليه السلام" لأنها مرآة الجلال والكمال" والمرأة من أقدس الأحياء بعد الله لو عرفت قدر نفسها ولو شاءت المرأة أن تعرف قدرها فلتعرف قوله تعالى.. (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)/ (آل عمران:36)، فمن المشبه والمشبه به هنا يأتي معنى زيد كالأسد ويقصد من وجه التشابه شجاعة الأسد وقوته، فعلى الإنسان أن يعرف أنّ الذكر ليس كالأنثى، بمعنى مهما كان الرجل فإنه لا يبلغ باباً بلغته المرأة فهي أساس وجود الحياة، وبتعبير المولى أمير المؤمنين عليه السلام: "المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لابد منها"، هذا مدح وليس قدحاً وأؤكد على ذلك فالإمام عليه السلام صنف المرأة صنفين، امرأة خيرة وامرأة شريرة، والعجيب أنّ المرأة الشريرة لابد منها فهي ضرورة حتى وإن لم تعرف قدر نفسها، فكيف لو عرفت قدر نفسها ولكن لو كان الرجل شريراً فالغنى عنه أفضل.
هل لك أن توضح لنا أكثر؟
نعم، في العبارة اختزال لأن سيد البلغاء هو المتكلم، أي مع ما فيها من شر تجد أنه لابد منها لأنها طاقة والطاقة محركة فعلى الإنسان أن يعرف بأن هذه الطاقة لابد أن تستثمر لا أن تستغل أو نقول تستعمل كما قال المعصوم: "واستعملني بما تسألني غداً عنه"، إذن على المرأة أن تكون هي الداعي إلى نفسها برفع المظلمة لينصرها كما قال تعالى.. (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)/ (محمد:7)، فعليها أن ترجع إلى لوازم النصرة، فإن طلب المقام بغير استحقاق يعد كفراً ولأنها هي الطاقة الحقيقية فعليها أن تستثمر طاقتها لنصرتها.
كلمتك للإعلاميات؟
يا أيتها المرأة الإعلامية أيّاً كان نوع الإعلام لا تكوني وقوداً لغيركِ، نعم كوني كلؤلؤة نغوص لنصيدها في البحر بشغف وبكل تفاني، كوني كما يجب أن تكوني، كوني بمستوى المرأة التي هي دليل على الخير وهي مرآة فلو نظر الإنسان للمرآة ووجد في نفسه خللاً ما فليس عليه أن يكسر المرآة وإنما عليه أن يزيل تلك النقطة، أنت مرآة الحق فاعكسي الحق لأن المرآة عاكسة.
كلمتك للمبلغات؟
أولاً عليك بالإخلاص، ثانياً التقليد يجعل الإنسان في اشمئزاز، وأركز على عبارة لا تجعلي من نفسكِ استنساخاً لما سلف من قبلكِ، عليكِ أن تنتهجي محل خطابة يتلاءم مع كل بيئة لأن كل بيئة تحتاج إلى خطاب معين ولكل مقام مقال.
آمال كاظم الفتلاوي
تم نشره في مجلة رياض الزهراء العدد (44)
تعليق