أخبر الإمام الرضا (عليه السلام) عن كثير من الملاحم والاحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد ذلك على الوجه الاكمل الذي اخبر به، وهي تؤكد ـ بصورة واضحة ـ اصالة ما تذهب اليه الشيعة من ان الله تعالى قد منح ائمة أهل البيت (عليهم السلام) المزيد من الفضل والعلم، كما منح رسله، ومن بين ما اخبر به ما يلي :
1- روى الحسن بن بشار فقال : «قال الرضا (عليه السلام) : ان عبدالله ـ يعني المأمون، يقتل محمداً يعني الامين ـ فقلت له : عبدالله بن هارون يقتل محمد بن هارون، قال: نعم، عبدالله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد .. وكان يتمثل بهذا البيت :
وانّ الضغن بعد الضغن يفشو ** عليك، ويخرج الداء الدفينا[1]
ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين .
2- ومن بين الأحداث التي أخبر عنها : «أنّه لما خرج محمد بن الإمام الصادق بمكة، ودعا الناس الى نفسه، وخلع بيعة المأمون، قصده الإمام الرضا، وقال له : يا عم لا تكذب أباك، ولا أخاك ـ يعني الإمام الكاظم (عليه السلام) ـ فإنّ هذا الأمر لا يتم، ثم خرج، ولم يلبث محمّد إلاّ قليلاً حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي، فانهزم محمد ومن معه، وطلب الأمان، فآمنه الجلودي، وصعد المنبر وخلع نفسه، وقال : ان هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق»[2].
3- روى الحسين نجل الإمام موسى (عليه السلام) قال : «كنّا حول أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ونحن شبّان من بني هاشم إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رثّ الهيئة فنظر بعضنا الى بعض وضحكنا من هيئته، فقال الرضا : لترونه عن قريب كثير المال، كثير التبع، فما مضى إلاّ شهر ونحوه، حتى ولي المدينة وحسنت حاله»[3].
4- روى محول السجستاني فقال : «لما جاء البريد باشخاص الإمام الرضا (عليه السلام) الى خراسان كنت انا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فودعه مراراً كل ذلك يرجع الى القبر، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت اليه، وسلمت عليه، فيرد السلام، وهنأته، فقال : ذرني فإني اخرج من جوار جدي ، فأموت في غربة، واُدفن في جنب هارون، قال : فخرجت متبعاً طريقه، حتى وافى خراسان فاقام فيها وقتاً ثم دفن بجنب هارون»[4].
وتحقق ما أخبر به فقد مضى الى خراسان، ولم يعد منها واغتاله المأمون العباسي، ودفن الى جانب هارون .
5- روى صفوان بن يحيى قال : لما مضى أبو ابراهيم ـ يعني الإمام الكاظم(عليه السلام) ـ وتكلم ابو الحسن (عليه السلام) خفنا عليه، فقيل له : انك قد أظهرت أمراً عظيماً، وأنا نخاف عليك هذا الطاغية ـ يعني هارون ـ فقال (عليه السلام): «ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ»[5].
وتحقق ذلك فإن هارون لم يتعرّض له بسوء، وقد اكّد الإمام هذا المعنى لبعض اصحابه، فقد روى محمدبن سنان قال : قلت لأبي الحسن الرضا في أيام هارون: انّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر، وجلست مجلس ابيك، وسيف هارون يقطر الدم ـ اي من دماء أهل البيت وشيعتهم ـ فقال (عليه السلام) : «جرّأني على هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان اخذ ابو جهل من رأسي شعرة، فاشهدوا أني لست بنبي، وانا اقول لكم : ان أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام»[6].
لقد اعلن (عليه السلام) غير مرّة ان هارون لا يعرض له بسوء، وأنه يدفن الى جانب هارون، فقد روى حمزة بن جعفر الارجاني: خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج علي الرضا من باب فقال (عليه السلام) : «يا بعد الدار وقرب الملتقى; إنّ طوس ستجمعني وإيّاه»[7].
وأكّد الإمام دفنه بالقرب من هارون في كثير من الاحاديث فقد روى موسى بن هارون قال : رأيت علياً الرضا في مسجد المدينة، وهارون الرشيد يخطب، قال (عليه السلام) : «تروني وإياه ندفن في بيت واحد» [8]..
6- ومن الأحداث التي اخبر عنها نكبة البرامكة، فقد روى مسافر أنه كان مع ابي الحسن علي الرضا، فمرّ يحيى بن خالد البرمكي، وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار، فقال (عليه السلام) : « مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة . وأضاف الإمام قائلاً : وأعجب من هذا انا وهارون كهاتين، وضمَّ إصبعيه السبابة والوسطى» .
قال مسافر : فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلاّ بعد موت الرضا، ودفنه بجانبه [9].
7- روى محمد بن عيسى عن ابي حبيب النباجي فقال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام، قد وافى النباج [10] ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة وكأني مضيت اليه، وسلّمت عليه، وكان بين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعدّدته فكان ثماني عشر تمرة، فتأولت الرؤيا بأني اعيش بعدد كل تمرة سنة فلمّا كان عشرين يوماً كنت في أرض تعمر لي بالزراعة، إذ جاءني من اخبرني بقدوم الرضا (عليه السلام) من المدينة ونزوله في ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه في المنام، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعدّدته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت : زدني يابن رسول الله، فقال : «لو زادك رسول الله(صلى الله عليه وآله) لزدناك»[11].
8- روى جعفر بن صالح قال : «أتيت الرضا (عليه السلام)، فقلت : امرأتي حامل فادع الله ان يجعله ذكراً، فقال : هما اثنان، فانصرفت وقلت : اُسمِّي احدهما محمداً، والآخر علياً، ثم اتيته فقال لي : سمِّ واحداً علياً والآخر اُمّ عمرو فلما قدمت الكوفة رأيتها ولدت غلاماً وبنتاً، فسمّيت الذكر علياً، والانثى اُمّ عمرو»[12].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
1- المناقب: 4 / 363، جوهرة الكلام: 146 .
2- عيون أخبار الرضا: 2/207 وفي بحار الأنوار: 47/247 باب 30 ، ح 5
3- الفصول المهمة : 229، بحار الانوار: 12 / 13 .
4- الاتحاف بحب الأشراف: 59 ، أخبار الدول : 114 .
5- عيون أخبار الرضا : 2/226 .
6- مناقب آل أبي طالب: 4/368 وعنه في بحار الأنوار: 45/59 .
7- الإتحاف بحب الأشراف: 59 .
8- الإتحاف بحب الأشراف: 59 .
9- الإتحاف بحب الأشراف: 59 .
10- النباج : منزل لحجاج البصرة .
11- عيون أخبار الرضا: 2/210، ودلائل الإمامة: 189 ، واعلام الورى : 2/54 عن الحاكم الحسكاني، كشف الغمة: 3 / 103، جامع كرامات الأولياء: 2 / 156.
12- جوهرة الكلام: 146 .
المصدر: حياة الإمام الرضا(ع) للشيخ باقر شريف القرشي
تعليق