قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: ۶].
تُعدّ الاُسرة في المجتمع الإنساني كياناً طبيعيّاً، فطريّاً ـ إلهيّاً؛ طبيعيّاً لكونه ينسجم مع أصل طبيعة الإنسان وتكوينه باعتباره مخلوقاً كسائر المخلوقات؛ وفطرياً لأنّه يتناسب مع متطلبّات فطرة الإنسان؛ وإلهيّاً لكون الله سبحانه وتعالى قد جعل في شريعته السمحاء برنامجاً متكاملاً، لأجل بقاء هذا الكيان واستمراره.
ولم يجعل الله سبحانه وتعالى مثيلاً لتربية ونشوء شخصية الإنسان ككيان الأسرة، حيث إنّ أهمّ البرامج الإلهية التي تتعلّق بتكامل الإنسان ونموّه، تتحقّق في هذا الوسط. وقد أكّد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر، والذي يعدّ النموذج القرآني الأمثل في إدارة الدولة الإسلامية، بأن يختار عمّاله من أهل التجربة والحياء، ومن البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام؛ لأنّهم أكرم أخلاقاً وأشرف نسباً.
وعادةً ما توفّق الاُسرة في برامجها الوقائية المتعلّقة بالسلامة البدنية لأبنائها، إلا أنّها تخفق في برامجها التربوية، وكثيراً ما نرى رجحان الكفّة الوقائية على الكفّة التربوية في الاُسرة. وكلّ مهتمٍّ باُمور الاُسرة والبيت، عليه أن يجيب على هذه الأسئلة الثلاثة المهمّة، لكي تتبيّن كفاءته في هذا المجال:
۱٫ هل إنّ اُسرتي تهتمّ بالشؤون الدينية؟ أي: هل إنّ اُسرتي تسعى إلى الحصول على القيم الراقية والأساسية (من القرآن وأهل البيت عليهم السلام﴾.
۲٫ ما مدى اهتمام اُسرتي بالأحكام الشرعية؟ فمثلاً: إضافة إلى إقامة فريضة الصلاة، ما مدى تفاعلها مع باقي الفرائض الدينية الاُخرى؟
۳٫ ما مدى تفاعل اُسرتي مع القيم الأخلاقية؟ إذ إنّ الأخلاق أمر أساسي في الدين، فبالأخلاق ينتشر الدين، ومن الأخلاق تنبثق الأحكام الشرعية.
وإن أمعنّا النظر في هذه المفردات الأساسية، سنرى أنّ هذه النقاط هي ذاتها التي ركّز عليها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في قوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، ج ۳، ص ۵۵۵].
إنّ سلوك أبنائنا، هو نتيجة ما نقوم به نحن من أفعال وأقوال في المناسبات المختلفة، لذلك نرى أنّ النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يوصينا بأن نختار لأنفسنا المرأة الكريمة في أهلها، والمرضية في الاعتقاد، والسليمة في الجسم.
وهذا الموضوع مهمّ للغاية؛ إذ جاء عن النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (الولد سرّ أبيه)؛ أي: إنّ سلوك وأقوال ونوايا الوالدين، اُمور تؤثّر على الأبناء، ويمكننا مشاهدة نتائج هذه الاُمور من خلال سلوك الأبناء.
يقول القرآن الكريم في قصّة مريم بنت عمران، حينما جاءت إلى أهلها بغلام تحمله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: ۲۸].
فأوّل شيء يثير انتباه الناس في مثل هكذا أحداث، هو اُسرة الفرد. فيمكن للمرأة في هذا الخصوص أن تلعب دوراً محورياً في إدارة البيت وتسير بالاُسرة نحو السعادة، وتسعى في إثراء معلوماتها فيما يتعلّق بإدارة الاُسرة والبيت، لكي تتمكّن بعد ذلك أن تسخّر تلك المعلومات من أجل توفير الأجواء العاطفية والنفسيّة المطلوبة والمناسبة في البيت.
جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع الى موضع تريد به صلاحاً، نظر عز وجل إليها، ومن نظر الله إليه لم يعذّب). [الأمالي للشيخ الصدوق، ص ۴۹۶].
وبالتأكيد، إذا ما حدث في البيت اُمور تعكّر صفو العائلة من الناحية العاطفية أو النفسية، فهناك اربعة اُمور أساسية نمكن أن نعدّها مفاتيح تؤدّي دوراً مهمّاً في حل تلك المشاكل،هي:
۱٫ المعرفة الكاملة والشاملة؛ أي: لابدّ أن تكون لنا إحاطة كاملة بأفراد الاُسرة، وأن نتعاطى مع الاُمور طبقاً لتلك المعرفة، ونسعى من خلال الدراسة والبحث أن نكمل تلك المعرفة.
۲٫ أن نستغلّ المعلومات التي اكتسبناها ونتقن استخدامها جيّداً.
۳٫ أن نبتعد عن الإفراط والتفريط في تعاملنا.
۴٫ أن تكون هناك استمرارية في تعاطينا الإيجابي مع الاُسرة.
وإذا ما غفلنا عن أداء دورنا بالشكل المطلوب، وحدثت ثغرة في الاُسرة، فلن يكون هناك شيء يسدّ تلك الثغرة، وإذا ما تمكّنّا أن نملأ شيئاً من الفراغ الذي أوجدناه بسبب تهاوننا، فسيكون صعباً وشاقاً.
إنّ الوصول إلى الإدارة المثالية والفعّالة، ليس بالأمر الهيّن، إلا أنّه ممكن، فأن يكون الإنسان إنساناً، أو أن يكون محسناً، فهو أمر شاق لكنّه ليس مستحيلاً. ففي كلّ اشراقة للشمس، وعند وفاة أحد من أقاربنا، هناك نداء يدعونا أن نستيقظ من نوم الغفلة وأن نتحرّك ونترك الجمود، فجميع ما في الوجود يذكّرنا في كلّ يوم أنّ هذا اليوم هو يوم جديد، فكلّ هذه الاشارات تحفّزنا للقيام بالأعمال الحسنة.
ولأجل أن نسير نحو بناء اُسرة مثالية ومتديّنة، علينا أوّلاً أن نؤمن بالهدف وبالاُسلوب؛ لأنّه إذا لم يكن هناك إيمان واعتقاد بالهدف، فسوف لن تثمر الأساليب.
إضافة لذلك، علينا أن نتحلّى بالأخلاق الحسنة؛ لأنّ هذا الأمر يساعدنا في بلوغ الهدف، ولابدّ أن نثبت في هذا الطريق؛ لأنّ استمرارية كلّ مبادرة، أمر رهين بالثبات.