آيات الحادثة
قال الله تعالى: )اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ((۱).
تاريخ الحادثة
۱۴ ذو الحجّة ۵ قبل الهجرة.
سبب الحادثة
قال ابن عباس: «اجتمع المشركون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالوا: إن كنت صادقاً فشُقّ لنا القمر فرقتين.
فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): “إن فعلتُ تؤمِنون”؟ قالوا: نعم. وكانت ليلة بدر، فسأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ربّه أن يعطيه ما قالوا، فانشقّ القمر فرقتين، ورسول الله ينادي: “يا فلان، يا فلان، اِشهدوا”»(۲).
وعن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: «فقالوا: سحرنا محمّد، فقال بعضهم: لإن كان سحرنا فما يستطيع أن يسحر الناس كلّهم»(۳).
وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «اجتمعوا أربعة عشراً رجلاً أصحاب العقبة ليلة أربعة عشر من ذي الحجّة، فقالوا للنبي(صلى الله عليه وآله): ما من نبي إلّا وله آية، فلما آيتك في ليلتك هذه؟
فقال النبي(صلى الله عليه وآله): “ما الذي تريدون”؟ فقالوا: أن يكن لك عند ربّك قدر، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فهبط جبرائيل(عليه السلام) وقال: يا محمّد، إنّ الله يقرؤك السلام ويقول لك: إنّي قد أمرت كلّ شيء بطاعتك، فرفع رأسه، فأمر القمر أن ينقطع قطعتين، فانقطع قطعتين، فسجد النبي(صلى الله عليه وآله) شكراً لله… ثمّ قالوا: يعود كما كان؟ فعاد كما كان… .
فقالوا: يا محمّد، حين تقدم سفارنا من الشام واليمن فنسألهم ما رأوا في هذه الليلة، فإنّ يكونوا رأوا مثلما رأينا علمنا أنّه من ربّك، وإنّ لم يروا مثلما رأينا علمنا أنّه سحر سحرتنا به، فأنزل الله تعالى: )اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَر(»(۴).
اشتهار الحادثة
نقلت كتب الفريقين حادثة انشقاق القمر عن صحابة كثيرين، منهم: حذيفة بن اليمان، عبد الله بن مسعود، أنس بن مالك، عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر، جبير بن مطعم عن أبيه، وعليه فالحادثة مشهورة بين الصحابة، وقول من قال بعدم وقوعها غير صحيح؛ لاشتهارها.
واستدلّ القائل بعدم وقوعها؛ لخفاء هذه الحادثة على الناس، إذ لو كانت لنقلتها كتب التاريخ، وقد أجاب علماؤنا عن هذا الإشكال بعدّة أجوبة:
۱ـ يمكن أن يكون الله تعالى قد حجب رؤية هذه الحادثة عن أكثر الناس بغيم وغيره لحكمة، فاقتصرت الرؤية على مجموعة من الصحابة.
۲ـ يمكن أن يكون الناس كانوا نياماً فلم يعلموا بها؛ لأنّ الحادثة وقعت ليلاً.
۳ـ ليس كلّ الناس يتابعون ما يحدث في السماء وفي الجوّ من آية وعلامة، فكثير من الناس لا يعلمون بالخسوف الجزئي وغيره الذي يحصل، بل قد يحدث أحياناً خسوف كلّي وقسم كبير من الناس لا يعلمون به، ومسألتنا كذلك.
۴ـ قد يكون رآها كثير من الناس، ولكنّ الوسائل المستخدمة في تثبيت نشر الحوادث التأريخية في ذلك الوقت، ومحدودية الطبقة المتعلّمة، وكذلك طبيعة الكتب الخطّية التي لم تكن بصورة كافية كما هو الحال في هذا العصر، حيث تنشر الحوادث المهمّة بسرعة فائقة بمختلف الوسائل الإعلامية في كلّ أنحاء العالم عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف… كل هذه الأُمور لابد من أخذها بنظر الاعتبار في محدودية الاطلاع على حادثة شقّ القمر.
۵ـ يجب الالتفات إلى أنّ القمر يُرى في نصف الكرة الأرضية فقط، وليس في جميعها، ولذا فلابدّ من إسقاط نصف مجموع سكّان الكرة الأرضية من إمكانية رؤية حادثة شقّ القمر وقت حصولها.
ومع ملاحظة هذه الأُمور فلا عجب أبداً من عدم تثبيت هذه الحادثة في التواريخ غير الإسلامية، ولا يمكن اعتبار ذلك دليلاً على نفيها.
تفسير آيات الحادثة
إنّ الآية الأُولى ذكرت اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأنّ انشقاقه من علامات نبوّة محمّد(صلى الله عليه وآله)، ونبوّته وزمانه من شروط اقتراب الساعة.
كما تتحدّث الآية الثانية عن عناد كفّار قريش وعدم انقيادها للمعجزات، وأنّهم متى رأوا معجزة باهرة وحجّة واضحة، أعرضوا عن تأمُّلها والانقياد لصحّتها عناداً وحسداً، ويقولوا: )سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ(، أي أنّ سحره(صلى الله عليه وآله) مستمرّ، فكلّ معجزة يظهرها لهم يعتبروها سحراً آخر.
ثمّ تتناول الآيات الشريفة اللاحقة أنباء الهالكين من الأُمم السابقة، ثمّ يعيد سبحانه عليهم نبذة من أنبائهم، إعادة ساخطٍ معاتبٍ، فيذكّر سوء حالهم في يوم القيامة عند خروجهم من الأجداث وحضورهم للحساب.
دلائل الحادثة
تدلّل هذه الحادثة على قدرة البارئ عزّ وجلّ المطلقة في تغيير النظام الكوني، وتدلّ أيضاً على صدق دعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لنبوّته.
وتدلّ على إمكانية اضطراب النظام الكوني في المستقبل، فانشقاق القمر نموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم، حيث اندثار الكواكب والنجوم والأرض، يعني حدوث عالم جديد.
شعر حول الحادثة
قال السيّد جواد زيني ـ المتوفّى ۱۲۴۷ﻫ ـ شعراً، يذكر فيه آية انشقاق القمر وردّ الشمس:
أعظم ببدرين بصقع الهدى ** نورهما أشرق للنيّرين
لولاهما ما فلك دار أو ** نجم سماء سار في الخافقين
لم يدرك العقل لمرقاهما ** كمّاً ولا كيفاً ولا قطّ أين
ماذا يقول ناطق في الثنا ** إن رام عد الفضل في فرقدين
البدر والشمس بظلّيهما ** رقّان مملوكان في النشأتين
هما سراجان ببيتيهما ** كان لعمري لهما آيتين
وإن شقّ فرد منهما مرّة ** لواحد من ذينك النيرين
فإنّما الآخر في أوجه ** قد رجه الآخر في موضعين(۵).
ـــــــــــــــــــــــــ
۱٫ القمر: ۱ـ۲٫
۲٫ تفسير مجمع البيان ۹ /۳۱۰٫
۳٫ سنن الترمذي ۵ /۷۲٫
۴٫ تفسير القمّي ۲ /۳۴۱٫
۵٫ رسائل في حديث رد الشمس: ۲۷۲٫