بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حامِي الظَّعِينَةِ مَنْ فَادَى بِمُهْجَتِهِ دُونَ ابنِ بِنْتِ رَسولِ اللهِ وَالحَرَمِ
آلَى عَلَى نَفْسِهِ مُذْ صَالَ مُرْتَجِلا نَفْسِي الوِقاءُ لِنَفْسِ المُفْرَدِ العَلَمِ
أَنْ لا يُجِرِّدَ فِي الهَيْجاءِ صَارِمَهُ إلَّا ويُغْمِدُهُ مِنْ غُرِّ كُلِّ كَمِيِ
وَمُذْ أَحَسَّ بِبَرْدِ المَاءِ وَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ ظَمَأٍ فِي القَلْبِ مُحْتَكِمِ
بَكَى وَقَالَ لِتَروَى غَلَّتِي وَأَخِي اللهُ أكْبَرُ مِنْ مَاءِ الفُراتِ ظَمِي
فَآبَ يَحْمِلُهُ عَزْماً بِهِمَّتِهِ لَيْثُ العَريِنَةِ لِلأَطْفالِ وَالحرمِ
لَكِنَّما القَدْرُ المَحْتومُ عَاجَلَهُ دُونَ الوُصولِ وفِي سَهْمِ المَنونِ رُمِي
نادَى أَخاهُ ألا أَدْرِكْنِي فَقَدْ بَلَغَتْ مِنِّي أُمَيَّةُ ما رَامَتْهُ مِنْ قِدَمِ
عبّاسُ أَنْتَ عِمَادِي أَنْتَ مُسْتَنَدِي وَأَنْتَ جَامِعُ شَمْلِي أَنْتَ مُعْتَصَمِي
اليَوْمَ خَلَّفْتَ عَيْنَ الدِّينِ سَاهِرَةً اليَوْمَ نَامَتْ عُيُونٌ فِيكَ لَمْ تَنَمِ
اليَوْمَ فِي قَتْلِكَ الأَعداءُ قَدْ شَمَتَتْ اليَوْمَ خَلَّفْتَنِي فَرْداً لِغَيْرِ حَمِي
إنَّ الرَزايا وإِنْ جَلَّتْ فَرِزْؤُكَ قَدْ أَحَنَى ضُلوعِي وَأَجْرَى أَعْيُنِي بِدَمِ
شعبي:
حنه امصابك اضلوعي اوهلَّت العين لعد فَگدكَ يخواض الميادين
يخويه ابطيحتك فرحت الصوبين واخوك انهدم يا عبّاس حيله
يخويه انكسر ظهري ابطيحتك هاي اوعليه اتحاشمت من عگبك اعداي
بعد منهو اليردها ايگوم ويّاي يخويه اوحيد عفتوني يعبّاس
وزينب بعد بيمن ترفع الراس اومنهو البظعن يبره العيله
أبوذية:
يخوي ابدما نحرك (يا عبّاس) محنا يا عبّاس ليش العدا ما بيهم محنا
عليك حسين ظلّ ظهره محنا تشابك آه وهلّ دمعه اعلى خيّه
لو لم يكن في حقّ العبّاس إلّا حديث الإمام الصادق عليه السلام في حقّه لكفى به فضيلة وكرامة حيث قال عليه السلام: "كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً".
وكذلك حديث الإمام زين العابدين عليه السلام في حقّه: "... رحم الله العبّاس، فقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه فأبدل الله عزَّ وجلَّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر ابن أبي طالب عليه السلام، وأنَّ للعبّاس عند الله عزَّ وجلَّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة". وقد ورد في حقّه عن أمير المؤمنين عليه السلام والده أحاديث تبيّن علوّ فضله ومقامه ومنزلته منها: "إنَّ ولدي العبّاس زقَّ العلم زقّاً".
وكان له أربع وثلاثون سنة، وكما يصفه المؤرِّخون كان أعلم أصحاب الحسين وأشجعهم، وكان بطلاً فارساً وبين عينيه أثر السجود، وكان جميل الطلعة وسيماً في محيّاه ولذا لُقِّبَ بقمر بني هاشم. يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، صبوراً على الطعن في ميدان الكفاح والحروب. وكان معه لواء الحسين عليه السلام اللواء الأكبر فهو قائد الجيش، ولذلك الحسين عليه السلام كان يمنعه من البراز والتوجّه للميدان قائلاً: أخي إن أنت مضيت تفرَّق عسكري، وآل جمعي إلى الشتات.
حتّى حينما لميبقَ مع الحسين أحد من أصحابه كان يقول الحسين له نفس هذه المقالة. وإنَّما أذن له يوم عاشوراء أن ينطلق إلى المعركة ليستقي الماء للعطاشى والأطفال ولذا سُمِّيَ السقاء. يذكر المؤرِّخون أنَّه لمّا كاتب عمرُ ابن سعد عبيدَ الله ابن زياد في أمر الحسين عليه السلام وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن لعنه الله بمنازلة الحسين عليه السلام ونزوله أو بعزله وتولية شمر العمل، قام عبد الله ابن أبي المحلّ بن حزام... وكانت عمّته أمّ البنين أمّ العبّاس، فطلب من عبيد الله كتاباً بأمان العبّاس وإخوته (عبد الله وجعفر وعثمان أو عون) وقام معه شمر في ذلك فكتب أماناً وأعطاه لعبيد الله، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يُقال له كزمان، فأتى به إليهم، فلمّا رأوه قالوا له: قل له: إنَّ لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خيرٌ من أمان ابن سميّة. ووقف الشمر لعنه الله في اليوم التاسع إزاء خيم الحسين عليه السلام وصاح: أين بنو أختنا، أين العبّاس وإخوته؟ وكان العبّاس حينئذٍ جالساً بين يدي الحسين فأطرق برأسه حياءً من الحسين، فصاح الشمر ثانياً وثالثاً، فالتفت الحسين إلى أخيه العبّاس وقال: أخي، قُم وانظر ماذا يريد هذا الفاجر. فقام العبّاس وركب جواده وأقبل إليه فقال له: ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟ فقال: أبا الفضل هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه أنّك أنت الأمير على هذا الجيش، وأنت وإخوتك آمنون فلا
فلا تعرّض نفسك للقتل، فقال له العبّاس: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟ ويلك أفبالموت تخوّفني وأنا المميت خوّاض المنايا؟ فرجع الشمر لعنه الله ولوى عنان جواده، ورجع أبو الفضل كالأسد
الغضبان، فاستقبلته الحوراء زينب عليها السلام وقد سمعت كلامه مع الشمر، قالت له: أخي أحدّثك بحديث، قال: حدّثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث، قالت: اعلم يا ابن والدي لمّا ماتت أمّنا فاطمة قال أبي لأخيه عقيل: أريد منك أن تختار لي إمرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتّى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطفِّ كربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصّر يا أبا الفضل.
فلمّا سمع العبّاس كلامها تمطّى في ركاب سرجه حتّى قطعهما وقال لها: "أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين.
يختي الأخوكمْ يوصّونه بحزام ظهره اوضوه اعيونه
اسكون اعله بختك يمحزونه بالشِّدّة أعوف احسين اخونه
يختي وحق شيبات أبونه هاليوم أرجّ الكون دونه
والقوم أخيّك يعرفونه او حربه السابق يذكرونه
صاحت هلا ابصاحب الغيرة يا سورنه او فخر العشيرة
خويه نزلنه ابغير ديره او خلاّك أبوك إلنه ذخيره
هلا وهلا ابراعي المروه يا لخوّتك لحسين خوّه
يا لبيك حيل اختك تگوه يلّي تگوم ابغير نخوة
نعم لم يقصّر العبّاس في كلّ مهمّاته، حرس الخيام، حمل راية الحرب في وسط الأصحاب، وكان هو السّقاء لعطاشى كربلاء يوم السابع من المحرّم استسقى الماء مع جملة من أصحاب الحسين وسقوا العطاشى من الأطفال والنساء. ثمّ كان الحصار والتشديد على منع وصول الحسين وأصحابه إلى الماء. فلمّا كان اليوم العاشر أغمي على بعض الأطفال من العطش، وأقبل بعضهم متعلّقاً بالعبّاس عليه السلام وهم ينادون عمّ أبا الفضل الظمأ الظمأ العطش العطش قد قتلنا (فصار يبكي لحالهم) وهم يتوسّلون به ويتعلّقون بثيابه، فأذن له الحسين عليه السلام لطلب الماء
للأطفال والعطاشى، وودّعه باكياً، وانطلق نحو الميدان كالأسد الغضبان متّجهاً نحو المشرعة.
أَوَ تَشْتَكِي العَطَشَ الفَواطِمُ عِنْدَهُ وَبِصَدْرِ صَعْدَتِهِ الفُرَاتُ المُفْعَمُ
أحاط به من كانوا موكّلين بالفرات، ورموه بالنِّبال، فجعل يقاتلهم كقتال أبيه أمير المؤمنين فلا ترى إلّا رؤوساً تتطاير وأجساداً ترتمي بين يديه.
وَثَنَى أَبُو الفَضْلِ الفَوارِسَ نُكَّصاً فَرَأوْا أَشَدَّ ثَباتِهِمْ أَنْ يُهْزَمُوا
مَا كَرَّ ذُو بَأَسٍ لَهُ مُتَقَدِّماً إلّا وَفَرَّ وَرَأْسُهُ المُتَقَدِّمُ
بَطَلٌ تَوَرَّثَ مِنْ أَبِيهِ شَجَاعَةً فِيها أُنوفُ بَنِي الضَّلالَةِ تُرْغَمُ
فانهزموا وكشفهم عن المشرعة بعد أن قتل منهم مقتلة كبيرة، وصل إلى الماء، ركز اللواء وحين أحسَّ ببرد الماء وقد كظَّه العطش، وقلبه كالحجر من الظمأ، اغترف غرفة ليشرب، أدناها من فمه لكنّه تذكّر عطش الحسين عليه السلام تذكّر شفتي أبي عبد الله كيف شقّتا من
الظمأ، تذكّر كبد الحسين كيف تفتّت من العطش، فرمى الماء من يده، وقال: لا والله لا أشرب الماء وأخي الحسين عطشان. ثمّ أنشأ يقول:
يا نَفْسُ مِنْ بَعْدِ الحُسينِ هُونِي وَبَعْدَهُ لا كُنْتِ أَوْ تَكُونِي
هَذا حُسَينٌ وَارِدُ المَنونِ وَتَشْرَبِينَ بَارِدَ المَعِينِ
ورد في زيارة العبّاس:
نعم الأخ المواسي لأخيه الحسين. هذه هي المواساة وهذا غاية الوفاء.
غرف غرفه ابيمينه اوراد يشرب وقلبه من العطش نيران يلهب
ذكر كبده عضيدة والدمع صب ذبه واعليّ گال الماي يحرم
اشلون اشرب وخوي حسين عطشان او سكنه والحرم وأطفال رضعان
وظن قلب العليل التهب نيران يريت الماي بعده لاحله اومر
ثمّ ملأ القربة وحملها على كتفه وخرج من المشرعة، فاستقبلته جموع الأعداء، وصاح ابن سعد (لع): اقطعوا عليه طريقه (إن وصل الماء إلى الحسين لأفناكم عن آخركم).
فلمّا رأى العبّاس ذلك منهم حمل عليهم بسيفه وهو يقول:
لَا أَرهَبُ المَوْتَ إِذا المَوْتُ زَقا حَتَّى أُوَارَى فِي المَصالِيتِ لِقَى
نَفْسِي لِابْنِ المُصْطَفَى الطُّهْرِ وَقا إِنِّي أَنا العَبَّاسُ أَغْدُو بِالسِّقا
وَلا أَخافُ المَوْتَ يَوْمَ المُلْتَقَى
فرموه بالنّبال من كلّ جانب حتّى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، ولم يقدروا عليه مواجهةً، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل لعنهما الله، فضربه على يمينه بالسيف فقطعها.
واعبّاساه وامظلوماه..فأخذ السيف بشماله وهو يقول:
واللهِ إِنْ قَطَعْتُمُوا يَمِينِي إِنِّي أُحَامِي أَبَداً عَنْ دِينِي
وَعَنْ إِمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ
وقاتل بشماله حتّى ضعف عن القتال وقد أعياه نزف الدم، فكمن له حكيم ابن الطفيل لعنه الله فضربه بالسيف على شماله فقطعها من الزند، ومع هذا لم يجزع ولم يتأوَّه وكلّ همّه كان أن يوصل القربة إلى المخيّم إلى العطاشى (فجعل يهرول بلا يدين في ساعة المعركة واعبّاساه وسيّداه) وهو يقول:
يا نَفْسُ لا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّارِ وَأَبْشِرِي بِرَحْمَةِ الجَبَّارِ
قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِي فَأَصْلِهِمْ يا رَبِّ حَرَّ النَّارِ
التزم القربة بأسنانه واللواء بين كتفيه، وبينما هو يهرول على هذه الحال بلا يدين -يا مؤمنون يا موالون- أتته السهام من كلّ جانب، فأصاب سهم القربة فأريق ماؤها، فوقف العبّاس متحيِّراً إذ
أتاه سهم فأصاب صدره وسهم آخر أصاب عينه اليمنى فأطفأها وجمدت الدماء على عينه اليسرى، وجاء إليه رجل من بني تميم فضربه بعمودٍ من حديدٍ على رأسه فخرَّ إلى الأرضِ صريعاً ونادى بأعلى صوته: عليك منّي السلام أبا عبدالله أدركني يا أخي...
ساعد الله قلب الحسين لمّا رأى الراية تهوي إلى الأرض وسمع العبّاس يناديه (يا أخا أدرك أخاك) (وهذه الكلمة المناداة بالأخوة لم يسمعها الحسين من العبّاس طيلة حياته، بل كان يناديه سيّدي ومولاي احتراماً وتقديراً، والحسين يطلب منه أن ينادي بيا أخي فكأنّ العبّاس أراد أن يفرح قلب الحسين في آخر لحظة له).
أسرع الحسين مفرّقاً الأعداء عن مصرع أخيه ويقاتلهم ويقول إلى أين تفرّون وقد قتلتم أخي، حتّى انكشفوا بين يديه. يقول بعض الرواة قبل أن يصل الحسين إلى أخيه العبّاس طأطأ رأسه أخذ شيئاً ثمّ قبّله، وإذا هما كفّا العبّاس.. حتّى اقترب من مصرعه، لمّا سمع العبّاس وقع أقدام من حوله ظنَّ أنَّه قادمٌ من الأعداء جاء ليحزّ رأسه فخاطبه: يا هذا بالله عليك أمهلني حتّى يأتي إليّ أخي الحسين (فأقبله ويقبّلني وأشمّه ويشمّني وأتزوّد منه ويتزوّد منّي). فلمّا سمع الحسين ذلك من العبّاس ورأى حاله قطيع اليدين مخضّب الجبين، السهم نابت في إحدى العينين، والدم
والتراب على الأخرى، العلم ممزّق إلى جنبه والقربة مخرّقة، هوى عليه منادياً: أخي عبّاس أنا أخوك حسين، ثمّ صاح: وا أخاه واعبّاساه واقرّة عيناه، واقلّة ناصراه، الآن انكسر ظهري، الآن قلّت حيلتي، الآن شمت بي عدوّي.
خويه انكسر ظهري ولا أقدر أقوم صرت مركز يا خوي لكل الهموم
يخويه استوحدوني عگبك القوم ولا واحد عليه بعد ينغار
يا عبّاس حسّ حسين يمك خوي يبكي وخِضَب دمعه ويا دمك
والله حاير يا بو فاضل بجسمك خوي وسكنه تسلِّي الطفل باسمك
تقله ساعة ويجيب الماي عمك
وبينما الحسين واضعاً رأس العبّاس في حجره، وإذا بالعبّاس يرفع رأسه يضعه على التراب، فأخذه الحسين ووضعه في حجره ثمّ أعاد العبّاس رأسه إلى التراب، وفي المرّة الثالثة قال الحسين: أخي عبّاس لماذا تصنع هكذا؟ (يعني هذه آخر ساعة أتودّع منك) قال العبّاس: أخي يا
نور عيني كيف لا أصنع هكذا ومثلك الآن جئتني وأخذت برأسي، ولكن بعد ساعة من يرفع
رأسك عن التراب؟ هذه مواساة العبّاس لأخيه، ولهذا نقرأ في الزيارة (نعم الأخ المواسي لأخيه).
يگله خويه يحسين خل راسي بمكانه او للخيم روح يحسين خليني عله التربان مطروح
ترضه انا بحضنك أعالج نزعة الروح وانت تموت اعله الثرى مخمود الأنفاس
آجركم الله وبينما الحسين عند أخيه أبي الفضل إذ شهق شهقةً وفارقت روحه الدنيا فصاح الحسين وا أخاه وا عبّاساه.
قام محنيّ الظهر يكفكف دموعه بكمّه وهو ينادي: وا أخاه وا عبّاساه.
رجع إلى المخيم (كيف يخبر زينب وسكينة وباقي العائلة) أقبل إلى خيمة العبّاس، فأسقط عمودها، عندها ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ونادت زينب وا أخاه وا عبّاساه وا ضيعتنا بعدك.
وبكى الحسين معهن ونادى وا ضيعتنا بعدك أبا الفضل.
عَبَّاسُ كَبْشُ كَتِيبَتِي وَكَنَانَتِي وَسَرِيُّ قَوْمِي بَلْ أَعَزُّ جُنُودِي
أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ زَيِنَبَ تَدْعُوكَ مَنْ لِي يا حِمايَ إذا العِدا نَهَرُونِي
أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ مَا تَقُولُ سُكَيْنَةٌ عَمَّاهُ يَوْمَ الأَسْرِ مَنْ يَحْمِينِي
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حامِي الظَّعِينَةِ مَنْ فَادَى بِمُهْجَتِهِ دُونَ ابنِ بِنْتِ رَسولِ اللهِ وَالحَرَمِ
آلَى عَلَى نَفْسِهِ مُذْ صَالَ مُرْتَجِلا نَفْسِي الوِقاءُ لِنَفْسِ المُفْرَدِ العَلَمِ
أَنْ لا يُجِرِّدَ فِي الهَيْجاءِ صَارِمَهُ إلَّا ويُغْمِدُهُ مِنْ غُرِّ كُلِّ كَمِيِ
وَمُذْ أَحَسَّ بِبَرْدِ المَاءِ وَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ ظَمَأٍ فِي القَلْبِ مُحْتَكِمِ
بَكَى وَقَالَ لِتَروَى غَلَّتِي وَأَخِي اللهُ أكْبَرُ مِنْ مَاءِ الفُراتِ ظَمِي
فَآبَ يَحْمِلُهُ عَزْماً بِهِمَّتِهِ لَيْثُ العَريِنَةِ لِلأَطْفالِ وَالحرمِ
لَكِنَّما القَدْرُ المَحْتومُ عَاجَلَهُ دُونَ الوُصولِ وفِي سَهْمِ المَنونِ رُمِي
نادَى أَخاهُ ألا أَدْرِكْنِي فَقَدْ بَلَغَتْ مِنِّي أُمَيَّةُ ما رَامَتْهُ مِنْ قِدَمِ
عبّاسُ أَنْتَ عِمَادِي أَنْتَ مُسْتَنَدِي وَأَنْتَ جَامِعُ شَمْلِي أَنْتَ مُعْتَصَمِي
اليَوْمَ خَلَّفْتَ عَيْنَ الدِّينِ سَاهِرَةً اليَوْمَ نَامَتْ عُيُونٌ فِيكَ لَمْ تَنَمِ
اليَوْمَ فِي قَتْلِكَ الأَعداءُ قَدْ شَمَتَتْ اليَوْمَ خَلَّفْتَنِي فَرْداً لِغَيْرِ حَمِي
إنَّ الرَزايا وإِنْ جَلَّتْ فَرِزْؤُكَ قَدْ أَحَنَى ضُلوعِي وَأَجْرَى أَعْيُنِي بِدَمِ
شعبي:
حنه امصابك اضلوعي اوهلَّت العين لعد فَگدكَ يخواض الميادين
يخويه ابطيحتك فرحت الصوبين واخوك انهدم يا عبّاس حيله
يخويه انكسر ظهري ابطيحتك هاي اوعليه اتحاشمت من عگبك اعداي
بعد منهو اليردها ايگوم ويّاي يخويه اوحيد عفتوني يعبّاس
وزينب بعد بيمن ترفع الراس اومنهو البظعن يبره العيله
أبوذية:
يخوي ابدما نحرك (يا عبّاس) محنا يا عبّاس ليش العدا ما بيهم محنا
عليك حسين ظلّ ظهره محنا تشابك آه وهلّ دمعه اعلى خيّه
لو لم يكن في حقّ العبّاس إلّا حديث الإمام الصادق عليه السلام في حقّه لكفى به فضيلة وكرامة حيث قال عليه السلام: "كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً".
وكذلك حديث الإمام زين العابدين عليه السلام في حقّه: "... رحم الله العبّاس، فقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه فأبدل الله عزَّ وجلَّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر ابن أبي طالب عليه السلام، وأنَّ للعبّاس عند الله عزَّ وجلَّ منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة". وقد ورد في حقّه عن أمير المؤمنين عليه السلام والده أحاديث تبيّن علوّ فضله ومقامه ومنزلته منها: "إنَّ ولدي العبّاس زقَّ العلم زقّاً".
وكان له أربع وثلاثون سنة، وكما يصفه المؤرِّخون كان أعلم أصحاب الحسين وأشجعهم، وكان بطلاً فارساً وبين عينيه أثر السجود، وكان جميل الطلعة وسيماً في محيّاه ولذا لُقِّبَ بقمر بني هاشم. يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، صبوراً على الطعن في ميدان الكفاح والحروب. وكان معه لواء الحسين عليه السلام اللواء الأكبر فهو قائد الجيش، ولذلك الحسين عليه السلام كان يمنعه من البراز والتوجّه للميدان قائلاً: أخي إن أنت مضيت تفرَّق عسكري، وآل جمعي إلى الشتات.
حتّى حينما لميبقَ مع الحسين أحد من أصحابه كان يقول الحسين له نفس هذه المقالة. وإنَّما أذن له يوم عاشوراء أن ينطلق إلى المعركة ليستقي الماء للعطاشى والأطفال ولذا سُمِّيَ السقاء. يذكر المؤرِّخون أنَّه لمّا كاتب عمرُ ابن سعد عبيدَ الله ابن زياد في أمر الحسين عليه السلام وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن لعنه الله بمنازلة الحسين عليه السلام ونزوله أو بعزله وتولية شمر العمل، قام عبد الله ابن أبي المحلّ بن حزام... وكانت عمّته أمّ البنين أمّ العبّاس، فطلب من عبيد الله كتاباً بأمان العبّاس وإخوته (عبد الله وجعفر وعثمان أو عون) وقام معه شمر في ذلك فكتب أماناً وأعطاه لعبيد الله، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يُقال له كزمان، فأتى به إليهم، فلمّا رأوه قالوا له: قل له: إنَّ لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خيرٌ من أمان ابن سميّة. ووقف الشمر لعنه الله في اليوم التاسع إزاء خيم الحسين عليه السلام وصاح: أين بنو أختنا، أين العبّاس وإخوته؟ وكان العبّاس حينئذٍ جالساً بين يدي الحسين فأطرق برأسه حياءً من الحسين، فصاح الشمر ثانياً وثالثاً، فالتفت الحسين إلى أخيه العبّاس وقال: أخي، قُم وانظر ماذا يريد هذا الفاجر. فقام العبّاس وركب جواده وأقبل إليه فقال له: ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟ فقال: أبا الفضل هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه أنّك أنت الأمير على هذا الجيش، وأنت وإخوتك آمنون فلا
فلا تعرّض نفسك للقتل، فقال له العبّاس: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟ ويلك أفبالموت تخوّفني وأنا المميت خوّاض المنايا؟ فرجع الشمر لعنه الله ولوى عنان جواده، ورجع أبو الفضل كالأسد
الغضبان، فاستقبلته الحوراء زينب عليها السلام وقد سمعت كلامه مع الشمر، قالت له: أخي أحدّثك بحديث، قال: حدّثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث، قالت: اعلم يا ابن والدي لمّا ماتت أمّنا فاطمة قال أبي لأخيه عقيل: أريد منك أن تختار لي إمرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتّى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطفِّ كربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصّر يا أبا الفضل.
فلمّا سمع العبّاس كلامها تمطّى في ركاب سرجه حتّى قطعهما وقال لها: "أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين.
يختي الأخوكمْ يوصّونه بحزام ظهره اوضوه اعيونه
اسكون اعله بختك يمحزونه بالشِّدّة أعوف احسين اخونه
يختي وحق شيبات أبونه هاليوم أرجّ الكون دونه
والقوم أخيّك يعرفونه او حربه السابق يذكرونه
صاحت هلا ابصاحب الغيرة يا سورنه او فخر العشيرة
خويه نزلنه ابغير ديره او خلاّك أبوك إلنه ذخيره
هلا وهلا ابراعي المروه يا لخوّتك لحسين خوّه
يا لبيك حيل اختك تگوه يلّي تگوم ابغير نخوة
نعم لم يقصّر العبّاس في كلّ مهمّاته، حرس الخيام، حمل راية الحرب في وسط الأصحاب، وكان هو السّقاء لعطاشى كربلاء يوم السابع من المحرّم استسقى الماء مع جملة من أصحاب الحسين وسقوا العطاشى من الأطفال والنساء. ثمّ كان الحصار والتشديد على منع وصول الحسين وأصحابه إلى الماء. فلمّا كان اليوم العاشر أغمي على بعض الأطفال من العطش، وأقبل بعضهم متعلّقاً بالعبّاس عليه السلام وهم ينادون عمّ أبا الفضل الظمأ الظمأ العطش العطش قد قتلنا (فصار يبكي لحالهم) وهم يتوسّلون به ويتعلّقون بثيابه، فأذن له الحسين عليه السلام لطلب الماء
للأطفال والعطاشى، وودّعه باكياً، وانطلق نحو الميدان كالأسد الغضبان متّجهاً نحو المشرعة.
أَوَ تَشْتَكِي العَطَشَ الفَواطِمُ عِنْدَهُ وَبِصَدْرِ صَعْدَتِهِ الفُرَاتُ المُفْعَمُ
أحاط به من كانوا موكّلين بالفرات، ورموه بالنِّبال، فجعل يقاتلهم كقتال أبيه أمير المؤمنين فلا ترى إلّا رؤوساً تتطاير وأجساداً ترتمي بين يديه.
وَثَنَى أَبُو الفَضْلِ الفَوارِسَ نُكَّصاً فَرَأوْا أَشَدَّ ثَباتِهِمْ أَنْ يُهْزَمُوا
مَا كَرَّ ذُو بَأَسٍ لَهُ مُتَقَدِّماً إلّا وَفَرَّ وَرَأْسُهُ المُتَقَدِّمُ
بَطَلٌ تَوَرَّثَ مِنْ أَبِيهِ شَجَاعَةً فِيها أُنوفُ بَنِي الضَّلالَةِ تُرْغَمُ
فانهزموا وكشفهم عن المشرعة بعد أن قتل منهم مقتلة كبيرة، وصل إلى الماء، ركز اللواء وحين أحسَّ ببرد الماء وقد كظَّه العطش، وقلبه كالحجر من الظمأ، اغترف غرفة ليشرب، أدناها من فمه لكنّه تذكّر عطش الحسين عليه السلام تذكّر شفتي أبي عبد الله كيف شقّتا من
الظمأ، تذكّر كبد الحسين كيف تفتّت من العطش، فرمى الماء من يده، وقال: لا والله لا أشرب الماء وأخي الحسين عطشان. ثمّ أنشأ يقول:
يا نَفْسُ مِنْ بَعْدِ الحُسينِ هُونِي وَبَعْدَهُ لا كُنْتِ أَوْ تَكُونِي
هَذا حُسَينٌ وَارِدُ المَنونِ وَتَشْرَبِينَ بَارِدَ المَعِينِ
ورد في زيارة العبّاس:
نعم الأخ المواسي لأخيه الحسين. هذه هي المواساة وهذا غاية الوفاء.
غرف غرفه ابيمينه اوراد يشرب وقلبه من العطش نيران يلهب
ذكر كبده عضيدة والدمع صب ذبه واعليّ گال الماي يحرم
اشلون اشرب وخوي حسين عطشان او سكنه والحرم وأطفال رضعان
وظن قلب العليل التهب نيران يريت الماي بعده لاحله اومر
ثمّ ملأ القربة وحملها على كتفه وخرج من المشرعة، فاستقبلته جموع الأعداء، وصاح ابن سعد (لع): اقطعوا عليه طريقه (إن وصل الماء إلى الحسين لأفناكم عن آخركم).
فلمّا رأى العبّاس ذلك منهم حمل عليهم بسيفه وهو يقول:
لَا أَرهَبُ المَوْتَ إِذا المَوْتُ زَقا حَتَّى أُوَارَى فِي المَصالِيتِ لِقَى
نَفْسِي لِابْنِ المُصْطَفَى الطُّهْرِ وَقا إِنِّي أَنا العَبَّاسُ أَغْدُو بِالسِّقا
وَلا أَخافُ المَوْتَ يَوْمَ المُلْتَقَى
فرموه بالنّبال من كلّ جانب حتّى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، ولم يقدروا عليه مواجهةً، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل لعنهما الله، فضربه على يمينه بالسيف فقطعها.
واعبّاساه وامظلوماه..فأخذ السيف بشماله وهو يقول:
واللهِ إِنْ قَطَعْتُمُوا يَمِينِي إِنِّي أُحَامِي أَبَداً عَنْ دِينِي
وَعَنْ إِمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ
وقاتل بشماله حتّى ضعف عن القتال وقد أعياه نزف الدم، فكمن له حكيم ابن الطفيل لعنه الله فضربه بالسيف على شماله فقطعها من الزند، ومع هذا لم يجزع ولم يتأوَّه وكلّ همّه كان أن يوصل القربة إلى المخيّم إلى العطاشى (فجعل يهرول بلا يدين في ساعة المعركة واعبّاساه وسيّداه) وهو يقول:
يا نَفْسُ لا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّارِ وَأَبْشِرِي بِرَحْمَةِ الجَبَّارِ
قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسارِي فَأَصْلِهِمْ يا رَبِّ حَرَّ النَّارِ
التزم القربة بأسنانه واللواء بين كتفيه، وبينما هو يهرول على هذه الحال بلا يدين -يا مؤمنون يا موالون- أتته السهام من كلّ جانب، فأصاب سهم القربة فأريق ماؤها، فوقف العبّاس متحيِّراً إذ
أتاه سهم فأصاب صدره وسهم آخر أصاب عينه اليمنى فأطفأها وجمدت الدماء على عينه اليسرى، وجاء إليه رجل من بني تميم فضربه بعمودٍ من حديدٍ على رأسه فخرَّ إلى الأرضِ صريعاً ونادى بأعلى صوته: عليك منّي السلام أبا عبدالله أدركني يا أخي...
ساعد الله قلب الحسين لمّا رأى الراية تهوي إلى الأرض وسمع العبّاس يناديه (يا أخا أدرك أخاك) (وهذه الكلمة المناداة بالأخوة لم يسمعها الحسين من العبّاس طيلة حياته، بل كان يناديه سيّدي ومولاي احتراماً وتقديراً، والحسين يطلب منه أن ينادي بيا أخي فكأنّ العبّاس أراد أن يفرح قلب الحسين في آخر لحظة له).
أسرع الحسين مفرّقاً الأعداء عن مصرع أخيه ويقاتلهم ويقول إلى أين تفرّون وقد قتلتم أخي، حتّى انكشفوا بين يديه. يقول بعض الرواة قبل أن يصل الحسين إلى أخيه العبّاس طأطأ رأسه أخذ شيئاً ثمّ قبّله، وإذا هما كفّا العبّاس.. حتّى اقترب من مصرعه، لمّا سمع العبّاس وقع أقدام من حوله ظنَّ أنَّه قادمٌ من الأعداء جاء ليحزّ رأسه فخاطبه: يا هذا بالله عليك أمهلني حتّى يأتي إليّ أخي الحسين (فأقبله ويقبّلني وأشمّه ويشمّني وأتزوّد منه ويتزوّد منّي). فلمّا سمع الحسين ذلك من العبّاس ورأى حاله قطيع اليدين مخضّب الجبين، السهم نابت في إحدى العينين، والدم
والتراب على الأخرى، العلم ممزّق إلى جنبه والقربة مخرّقة، هوى عليه منادياً: أخي عبّاس أنا أخوك حسين، ثمّ صاح: وا أخاه واعبّاساه واقرّة عيناه، واقلّة ناصراه، الآن انكسر ظهري، الآن قلّت حيلتي، الآن شمت بي عدوّي.
خويه انكسر ظهري ولا أقدر أقوم صرت مركز يا خوي لكل الهموم
يخويه استوحدوني عگبك القوم ولا واحد عليه بعد ينغار
يا عبّاس حسّ حسين يمك خوي يبكي وخِضَب دمعه ويا دمك
والله حاير يا بو فاضل بجسمك خوي وسكنه تسلِّي الطفل باسمك
تقله ساعة ويجيب الماي عمك
وبينما الحسين واضعاً رأس العبّاس في حجره، وإذا بالعبّاس يرفع رأسه يضعه على التراب، فأخذه الحسين ووضعه في حجره ثمّ أعاد العبّاس رأسه إلى التراب، وفي المرّة الثالثة قال الحسين: أخي عبّاس لماذا تصنع هكذا؟ (يعني هذه آخر ساعة أتودّع منك) قال العبّاس: أخي يا
نور عيني كيف لا أصنع هكذا ومثلك الآن جئتني وأخذت برأسي، ولكن بعد ساعة من يرفع
رأسك عن التراب؟ هذه مواساة العبّاس لأخيه، ولهذا نقرأ في الزيارة (نعم الأخ المواسي لأخيه).
يگله خويه يحسين خل راسي بمكانه او للخيم روح يحسين خليني عله التربان مطروح
ترضه انا بحضنك أعالج نزعة الروح وانت تموت اعله الثرى مخمود الأنفاس
آجركم الله وبينما الحسين عند أخيه أبي الفضل إذ شهق شهقةً وفارقت روحه الدنيا فصاح الحسين وا أخاه وا عبّاساه.
قام محنيّ الظهر يكفكف دموعه بكمّه وهو ينادي: وا أخاه وا عبّاساه.
رجع إلى المخيم (كيف يخبر زينب وسكينة وباقي العائلة) أقبل إلى خيمة العبّاس، فأسقط عمودها، عندها ارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ونادت زينب وا أخاه وا عبّاساه وا ضيعتنا بعدك.
وبكى الحسين معهن ونادى وا ضيعتنا بعدك أبا الفضل.
عَبَّاسُ كَبْشُ كَتِيبَتِي وَكَنَانَتِي وَسَرِيُّ قَوْمِي بَلْ أَعَزُّ جُنُودِي
أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ زَيِنَبَ تَدْعُوكَ مَنْ لِي يا حِمايَ إذا العِدا نَهَرُونِي
أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ مَا تَقُولُ سُكَيْنَةٌ عَمَّاهُ يَوْمَ الأَسْرِ مَنْ يَحْمِينِي
تعليق