هي ديانة سماويّة ، بعث الله بها عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل وذلك في القرن السادس الميلادي ، يأمرهم بعبادة الله ويحلّ لهم بعض ما حرّم عليهم ، ومصدّقاً برسالة موسى الذي أرسل قبله ومبشّراً بالنّبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم الأنبياء الذي سيبعث من بعده ، وأكّد المسيح عيسى (ع) أنّه عبد الله ورسوله ولم يزعم قط أنه إله أو ابن لله سبحانه وتعالى .
حيث ولدت السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام) النبي عيسى من غير أب كما خلق الله آدم (ع) من غير أب ولا أم . ونشأت السيدة العذراء (ع) في عبادة الله وطاعته فقد نذرتها أمها حنّة قبل ولادتها لعبادة الله سبحانه ، فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسن وأنبتها نباتاً حسناً واصطفاها وطهّرها ونشأت في كفالة نبيّ الله زكريّا (ع) نشأة صالحة .
وبينما كانت السيدة العذراء (ع) منقطعةٌ عن الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى أرسل الله إليها جبريل (ع) في صورةِ بشرٍ يبشّرها بأنها ستحمل بطفل مبارك اسمه المسيح عيسى بن مريم ، سيكون رسولاً ووجيهاً في الدنيا ووجيهاً في الآخرة . شعرت مريم بالخوف وقالت : كيف لي أن أحمل ولم يمسسني رجل ؟ فأجابها المَلَكُ (عليه السلام) بما معناه : (أنّ هذا ما أراده الله سبحانه وتعالى والله لا يعجزه شيء وهو يخلق ما يشاء) . وهكذا خلق الله المسيح عيسى (ع) بلا أب .
فاستغرب الناس ولادته وسألوا أمّه عن ذلك فأشارت إليه وهو لا يزال طفلاً صغيراً في المهدِّ ، فتعجّب الناس من ذلك ، فتكلّم النبي عيسى : ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا *﴾ .
ولقد أيّد الله سبحانه المسيح عيسى (عليه السلام) بمعجزاتٍ كثيرة منها :
إحياء الموتى بإذن الله تعالى . والتكلم في المهد وإنزال مائدة من السماء .
ونفخ الروح في الطير حتى يتحوّل إلى طير بإذن الله .
والمسح على الأكمه وهو الشخص الذي يولد أعمى فيُشفى بإذن الله .
والمسح على الأبرص (أحد الأمراض المستعصية في الطب قديماً) .
وإخبار الناس بما يأكلون وما يحتفظون في بيوتهم .
وأنزل عليهم كتاباً مقدّساً اسمه الإنجيل ، ليجدد به الشريعة ويُبين ما امتحى وما حُرِّف من دين الله ويصلح الأحكام الباطلة ويُفعِّل السُنن التي أبطلها اليهود ، وذلك بعد أن ضلّ بنو إسرائيل ضلالاً بعيداً ، فآمنت به طائفة قليلة سموا نصارى لنصرتهم نبي الله عيسى (عليه السلام) وكفر به غالبية اليهود وآذوه ، ووشوا به إلى ملك الرومان الذي أمر بقتله مصلوباً ، فنجاه الله من كيد اليهود ومكرهم بأن رفعه إليه ، كما قال تعالى : ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ .
وسيعود المسيح (عليه السلام) في آخر الزمان ويصلي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) .
وبرفع المسيح عيسى (عليه السلام) بدأت مرحلة جديدة من مراحل النصرانية ، وهي مرحلة الاضطهاد والتشرد ، إذ تسلط الرومان بتحريضٍ من اليهود على أصحاب عيسى (ع) ، فمنهم من قتلوه ومنهم من فرَّ بدينه مشرَّداً في كل مكان ، ومع ذلك فقد ظلوا صابرين محتسبين قائمين بواجب الدعوة إلى دين عيسى (ع) دين التوحيد الخالص قبل أن تعبث به أيدي المحرفين العابثين . وفي أثناء هذه المرحلة دخل في دين النصارى شقيُّ النصرانية ومبدلها (شاؤول اليهودي) ، وهذا اسمه العبراني أما اسمه الروماني فهو (بولس الطرسوسي) ، وكان دخوله في دين النصرانية محل شك وريبة من حواريي عيسى (ع) وذلك لما كان يدعوا إليه من آراء ومذاهب شاذّة ، ولما كان عليه قبل تنصره من أذى النصارى وتعذيبهم وتحوله فجأةً إلى النصرانيّة والدعوة إليها . وأخذ في كتابة رسائله الوثنيّة الأربعة عشرة والتي تحتل جزءاً كبيراً من الكتاب المقدس وتشتمل على مبادئ في العقيدة والشريعة وأصول الدين التي ابتدعها ، وفي هذه الرسائل ينص على أنّه تعلّم هذه المبادئ والأحكام من المسيح (ع) وأنه تلّقى منه الإنجيل ، حيث جاء في رسالة بولس إلى أهل غلاطيّة : (وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ ، لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ . بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ) . (رسالة بولس إلى غلاطيّة عدد 12011 الإصحاح الأول) .
الاسم اليهودي : شاؤول اليهودي (Shaul the Jew) .
الاسم الروماني : بولس الطرسوسي (Paul of Tarsus) .
إلّا أنّ هذا التغيير العقائدي الذي أدخله بولس على النصرانيّة قد قوبل بمجابهة شديدة من دعاة التوحيد ولا سيما حواريي عيسى (ع) الذين نفروا من بولس وآرائه وحذروا الناس منه ، واستمر الخلاف بينهما وبين أتباعهم من بعدهم عقوداً متتالية .
حتى جاء ما يسمى بعهد الرخاء النصراني والذي تحول فيه دين النصارى من دين مضطهد يتوارى أتباعه ويتخفون من بطش الرومان وجبروتهم إلى دين رسمي ، وذلك بعد أن اعتنقه ملك الرومان قسطنطين الأول أو الأكبر الذي حكم من سنة (306م) إلى سنة (337م) . وقد اعتنق قسطنطين النصرانية في عام (312م) فكان أول من تنصر من ملوك الروم .
وبهذا الحدث ارتفع سوط وسيف الجلاد عن ظهور ورقاب المسيحيين وانقضى عهد الاضطهاد ، فانتشرت المسيحية وانتعشت الدعوة إليها ، ولكنها لم تلبث إلّا يسيراً حتى ظهر ما كان مستتراً فترة الاضطهاد من التفرق والاختلاف في المذاهب والآراء حول قضايا جوهريّة من النصرانية ، تأثرت فيها النصرانيةُ بالفلسفات والآراء والطقوس الوثنيّة والفرقة والاختلاف العقدي والمذهبي ، وفُقِدَ في هذه الفترة النصّ الصحيح للإنجيل وبدأ عهد كتابة الأناجيل التي لم تُسْمع من عيسى (عليه السلام) وبعضُها من دسّ اليهود .
الأمر الذي أقلق الملك قسطنطين فما كان منه أمام هذه المعضلة إلّا أن عقد مجمعاً - مجمع نيقية سنة (325م) - دعا إليه علماء النصارى ليتباحثو فيما آل إليه أمر النصرانية من التفرق والشتات في المذاهب والآراء ، فحضر المجمع حسب تقدير بعض مؤرخيهم (2048) أسقفاً ، وكانت آراءهم متباينة أشدَّ التباين .
فمنهم من يقول : إنّ المسيح وأمه إلهان ، وهم البربرانية . ومنهم من يقول : إنّ المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها . ومنهم من كان يقول : لم تحبل مريم بعيسى تسعة أشهر ، وإنما مرَّ في بطنها كما يمرُّ الماء في الميزاب ، ومنهم من كان يقول : إنّ المسيح إنسانٌ مخلوق من اللاهوت ، ويرون الله جوهراً قديماً واحداً ، وأقنوماً واحداً ، ولا يؤمنون بالكلمة ، ولا بالروح القدس ، إلى آراء كثيرة متعارضة متناقضة .
فاجتمع الأساقفة لمناقشة تلك الآراء ، فاختلفوا اختلافا شديداً ، ورأى (318) أسقفاً القول بألوهية المسيح ، وأنه ابن الله - أي من ذات الله - وأنه مولود منه غير مخلوق ، كما رأوا أنّ هذا الإله تجسد في صورة البشر لخلاص الناس ثم ارتفع إلى السماء بعد قيامته من الموت ، فاستهوى هذا الرأي الملك الروماني ، فقرره وفرضه على بقيّة الأساقفة وقرروا لعن رأي أريوس الذي كان يعتقد أنّ المسيح عبدٌ مخلوق محدث بعد أن لم يكن ، ولم يكن المخالف هو أريوس وأتباعه وحدهم ، بل إنّ جل المجتمعين لم يوافقوا على قرارات المجمع .
غير أن قوة السيف كانت هي الحكم في نهاية المطاف فاختتم مجمع نيقية جلساته بتلك القرارات ، وأصبح من يخالف تلك الآراء متهماً بالهرطقة - الكفر- مُعرِضاً نفسه للمحاسبة والعقاب الشديد ، فعاشت النصرانية طوراً آخر من أطوار الاضطهاد ولكنه بسيف النصرانيّة هذه المرة .
ونظراً لأنّ قرارات مجمع نيقية لم تتخذ بناء على دلائل وبراهين يسلم بها المخالف ويقتنع بها الموافق ، فقد طرأ للملك الروماني ما جعله يغير رأيه ويرجع إلى رأي أريوس ، فعقد مجمعا آخر (مجمع صور سنة 334م) رجع فيه عن القول بألوهية المسيح ، وقرر فيه إعادة أريوس إلى الكنيسة وخلع " أثنا سيوس " وكان من أشدِّ أنصار قرارات مجمع نيقية ، وبهذا يتبين مدى تلاعب الإمبراطور بهذا المجمع الهام في تاريخ النصرانيّة ، ويتبين مدى خلو تلك المجامع عن منطق الحجة والدليل في إقناع المخالف ، واعتمادهم على قوة سلطة الحاكم في ترجيح الآراء ، وذلك في أعظم القضايا وأخطرها .
لهذا لم تكن تلك المجامع ذات أثر عملي في فضّ النزاع ، فما إن يعود كل أسقف إلى بلده وموطن دعوته حتى يظهر ما كان يدعوا إليه إن سراً وإن جهراً ، وكأن شيئا لم يكن !
القديس نيكولاس ميرا يصفع آريوس في مجلس نيقية
وهذا ما دعا النصارى إلى تكرار سنة الملك الروماني في عقد المجامع ، فعقدوا مجامع أخرى كمجمع القسطنطينية (381م) ، ومجمع أفسس (431م) ومجمع خلقدونية (451م) ، والمجمع الثامن (869م) والذي قرر فيها قول كنيسة روما بأنّ الروح القدس انبثق من الأب والابن معا ، ولم يوافق على ذلك بطريرك القسطنطينية فانقسمت الكنيسة بسببه إلى قسمين :
1- الكنيسة الغربية ويتزعمها البابا في روما وهم الكاثوليك .
2- الكنيسة الشرقية ويتزعمها بطريك القسطنطينية وهم الأرثوذكس .
ثم انعقد المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215م) وتقرر فيها أنّ العشاء الرباني - شعيرة من شعائر النصارى - يتحول إلى جسد ودم المسيح ، وأنّ الكنيسة البابوية الكاثوليكية تملك حق الغفران ، وتمنحه لمن تشاء . ثم انعقد مجمع روما (1769م) وتقرر فيه عصمة بابا روما .
وفي هذا التجمع رُسّخت عقيدة تثليث نصارى هذا العصر التي تدعي أنّ الله تعالى ثالث ثلاثة : الأب وهو الله بزعمهم ، والإبن عيسى ، وروح القدس الذي يتمثل في الروح التي حلّت في مريم .
وصار الإنجيل يتكون من خمسة أناجيل :
(إنجيل متّى ، وإنجيل مرقس ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل يوحنا) .
وليس في هذه الأناجيل ما يُمكن أن يُقال عنه إنّه الإنجيل الذي نزل على عيسى (ع) ، فهي أشبه بكتب السيرة والتراجم التي تحكي ما حصل لعيسى (ع) مع كثير من اختلافات اللفظ والمعاني والتناقضات والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل ، مما يقطع بأنها من عند غير الله تعالى ، ويكفي ما وقع فيها من قصة صلب المسيح (عليه السلام) وأنّه صُلِبَ ومات يوم كذا ودفن في القبر ، فهذا قطعاً ليس في الإنجيل الصحيح المنزّل على عيسى (عليه السلام) .
حيث ولدت السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام) النبي عيسى من غير أب كما خلق الله آدم (ع) من غير أب ولا أم . ونشأت السيدة العذراء (ع) في عبادة الله وطاعته فقد نذرتها أمها حنّة قبل ولادتها لعبادة الله سبحانه ، فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسن وأنبتها نباتاً حسناً واصطفاها وطهّرها ونشأت في كفالة نبيّ الله زكريّا (ع) نشأة صالحة .
وبينما كانت السيدة العذراء (ع) منقطعةٌ عن الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى أرسل الله إليها جبريل (ع) في صورةِ بشرٍ يبشّرها بأنها ستحمل بطفل مبارك اسمه المسيح عيسى بن مريم ، سيكون رسولاً ووجيهاً في الدنيا ووجيهاً في الآخرة . شعرت مريم بالخوف وقالت : كيف لي أن أحمل ولم يمسسني رجل ؟ فأجابها المَلَكُ (عليه السلام) بما معناه : (أنّ هذا ما أراده الله سبحانه وتعالى والله لا يعجزه شيء وهو يخلق ما يشاء) . وهكذا خلق الله المسيح عيسى (ع) بلا أب .
فاستغرب الناس ولادته وسألوا أمّه عن ذلك فأشارت إليه وهو لا يزال طفلاً صغيراً في المهدِّ ، فتعجّب الناس من ذلك ، فتكلّم النبي عيسى : ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا *﴾ .
ولقد أيّد الله سبحانه المسيح عيسى (عليه السلام) بمعجزاتٍ كثيرة منها :
إحياء الموتى بإذن الله تعالى . والتكلم في المهد وإنزال مائدة من السماء .
ونفخ الروح في الطير حتى يتحوّل إلى طير بإذن الله .
والمسح على الأكمه وهو الشخص الذي يولد أعمى فيُشفى بإذن الله .
والمسح على الأبرص (أحد الأمراض المستعصية في الطب قديماً) .
وإخبار الناس بما يأكلون وما يحتفظون في بيوتهم .
وأنزل عليهم كتاباً مقدّساً اسمه الإنجيل ، ليجدد به الشريعة ويُبين ما امتحى وما حُرِّف من دين الله ويصلح الأحكام الباطلة ويُفعِّل السُنن التي أبطلها اليهود ، وذلك بعد أن ضلّ بنو إسرائيل ضلالاً بعيداً ، فآمنت به طائفة قليلة سموا نصارى لنصرتهم نبي الله عيسى (عليه السلام) وكفر به غالبية اليهود وآذوه ، ووشوا به إلى ملك الرومان الذي أمر بقتله مصلوباً ، فنجاه الله من كيد اليهود ومكرهم بأن رفعه إليه ، كما قال تعالى : ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ .
وسيعود المسيح (عليه السلام) في آخر الزمان ويصلي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) .
وبرفع المسيح عيسى (عليه السلام) بدأت مرحلة جديدة من مراحل النصرانية ، وهي مرحلة الاضطهاد والتشرد ، إذ تسلط الرومان بتحريضٍ من اليهود على أصحاب عيسى (ع) ، فمنهم من قتلوه ومنهم من فرَّ بدينه مشرَّداً في كل مكان ، ومع ذلك فقد ظلوا صابرين محتسبين قائمين بواجب الدعوة إلى دين عيسى (ع) دين التوحيد الخالص قبل أن تعبث به أيدي المحرفين العابثين . وفي أثناء هذه المرحلة دخل في دين النصارى شقيُّ النصرانية ومبدلها (شاؤول اليهودي) ، وهذا اسمه العبراني أما اسمه الروماني فهو (بولس الطرسوسي) ، وكان دخوله في دين النصرانية محل شك وريبة من حواريي عيسى (ع) وذلك لما كان يدعوا إليه من آراء ومذاهب شاذّة ، ولما كان عليه قبل تنصره من أذى النصارى وتعذيبهم وتحوله فجأةً إلى النصرانيّة والدعوة إليها . وأخذ في كتابة رسائله الوثنيّة الأربعة عشرة والتي تحتل جزءاً كبيراً من الكتاب المقدس وتشتمل على مبادئ في العقيدة والشريعة وأصول الدين التي ابتدعها ، وفي هذه الرسائل ينص على أنّه تعلّم هذه المبادئ والأحكام من المسيح (ع) وأنه تلّقى منه الإنجيل ، حيث جاء في رسالة بولس إلى أهل غلاطيّة : (وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ ، لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ . بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ) . (رسالة بولس إلى غلاطيّة عدد 12011 الإصحاح الأول) .
الاسم اليهودي : شاؤول اليهودي (Shaul the Jew) .
الاسم الروماني : بولس الطرسوسي (Paul of Tarsus) .
إلّا أنّ هذا التغيير العقائدي الذي أدخله بولس على النصرانيّة قد قوبل بمجابهة شديدة من دعاة التوحيد ولا سيما حواريي عيسى (ع) الذين نفروا من بولس وآرائه وحذروا الناس منه ، واستمر الخلاف بينهما وبين أتباعهم من بعدهم عقوداً متتالية .
حتى جاء ما يسمى بعهد الرخاء النصراني والذي تحول فيه دين النصارى من دين مضطهد يتوارى أتباعه ويتخفون من بطش الرومان وجبروتهم إلى دين رسمي ، وذلك بعد أن اعتنقه ملك الرومان قسطنطين الأول أو الأكبر الذي حكم من سنة (306م) إلى سنة (337م) . وقد اعتنق قسطنطين النصرانية في عام (312م) فكان أول من تنصر من ملوك الروم .
وبهذا الحدث ارتفع سوط وسيف الجلاد عن ظهور ورقاب المسيحيين وانقضى عهد الاضطهاد ، فانتشرت المسيحية وانتعشت الدعوة إليها ، ولكنها لم تلبث إلّا يسيراً حتى ظهر ما كان مستتراً فترة الاضطهاد من التفرق والاختلاف في المذاهب والآراء حول قضايا جوهريّة من النصرانية ، تأثرت فيها النصرانيةُ بالفلسفات والآراء والطقوس الوثنيّة والفرقة والاختلاف العقدي والمذهبي ، وفُقِدَ في هذه الفترة النصّ الصحيح للإنجيل وبدأ عهد كتابة الأناجيل التي لم تُسْمع من عيسى (عليه السلام) وبعضُها من دسّ اليهود .
الأمر الذي أقلق الملك قسطنطين فما كان منه أمام هذه المعضلة إلّا أن عقد مجمعاً - مجمع نيقية سنة (325م) - دعا إليه علماء النصارى ليتباحثو فيما آل إليه أمر النصرانية من التفرق والشتات في المذاهب والآراء ، فحضر المجمع حسب تقدير بعض مؤرخيهم (2048) أسقفاً ، وكانت آراءهم متباينة أشدَّ التباين .
فمنهم من يقول : إنّ المسيح وأمه إلهان ، وهم البربرانية . ومنهم من يقول : إنّ المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها . ومنهم من كان يقول : لم تحبل مريم بعيسى تسعة أشهر ، وإنما مرَّ في بطنها كما يمرُّ الماء في الميزاب ، ومنهم من كان يقول : إنّ المسيح إنسانٌ مخلوق من اللاهوت ، ويرون الله جوهراً قديماً واحداً ، وأقنوماً واحداً ، ولا يؤمنون بالكلمة ، ولا بالروح القدس ، إلى آراء كثيرة متعارضة متناقضة .
فاجتمع الأساقفة لمناقشة تلك الآراء ، فاختلفوا اختلافا شديداً ، ورأى (318) أسقفاً القول بألوهية المسيح ، وأنه ابن الله - أي من ذات الله - وأنه مولود منه غير مخلوق ، كما رأوا أنّ هذا الإله تجسد في صورة البشر لخلاص الناس ثم ارتفع إلى السماء بعد قيامته من الموت ، فاستهوى هذا الرأي الملك الروماني ، فقرره وفرضه على بقيّة الأساقفة وقرروا لعن رأي أريوس الذي كان يعتقد أنّ المسيح عبدٌ مخلوق محدث بعد أن لم يكن ، ولم يكن المخالف هو أريوس وأتباعه وحدهم ، بل إنّ جل المجتمعين لم يوافقوا على قرارات المجمع .
غير أن قوة السيف كانت هي الحكم في نهاية المطاف فاختتم مجمع نيقية جلساته بتلك القرارات ، وأصبح من يخالف تلك الآراء متهماً بالهرطقة - الكفر- مُعرِضاً نفسه للمحاسبة والعقاب الشديد ، فعاشت النصرانية طوراً آخر من أطوار الاضطهاد ولكنه بسيف النصرانيّة هذه المرة .
ونظراً لأنّ قرارات مجمع نيقية لم تتخذ بناء على دلائل وبراهين يسلم بها المخالف ويقتنع بها الموافق ، فقد طرأ للملك الروماني ما جعله يغير رأيه ويرجع إلى رأي أريوس ، فعقد مجمعا آخر (مجمع صور سنة 334م) رجع فيه عن القول بألوهية المسيح ، وقرر فيه إعادة أريوس إلى الكنيسة وخلع " أثنا سيوس " وكان من أشدِّ أنصار قرارات مجمع نيقية ، وبهذا يتبين مدى تلاعب الإمبراطور بهذا المجمع الهام في تاريخ النصرانيّة ، ويتبين مدى خلو تلك المجامع عن منطق الحجة والدليل في إقناع المخالف ، واعتمادهم على قوة سلطة الحاكم في ترجيح الآراء ، وذلك في أعظم القضايا وأخطرها .
لهذا لم تكن تلك المجامع ذات أثر عملي في فضّ النزاع ، فما إن يعود كل أسقف إلى بلده وموطن دعوته حتى يظهر ما كان يدعوا إليه إن سراً وإن جهراً ، وكأن شيئا لم يكن !
القديس نيكولاس ميرا يصفع آريوس في مجلس نيقية
وهذا ما دعا النصارى إلى تكرار سنة الملك الروماني في عقد المجامع ، فعقدوا مجامع أخرى كمجمع القسطنطينية (381م) ، ومجمع أفسس (431م) ومجمع خلقدونية (451م) ، والمجمع الثامن (869م) والذي قرر فيها قول كنيسة روما بأنّ الروح القدس انبثق من الأب والابن معا ، ولم يوافق على ذلك بطريرك القسطنطينية فانقسمت الكنيسة بسببه إلى قسمين :
1- الكنيسة الغربية ويتزعمها البابا في روما وهم الكاثوليك .
2- الكنيسة الشرقية ويتزعمها بطريك القسطنطينية وهم الأرثوذكس .
ثم انعقد المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215م) وتقرر فيها أنّ العشاء الرباني - شعيرة من شعائر النصارى - يتحول إلى جسد ودم المسيح ، وأنّ الكنيسة البابوية الكاثوليكية تملك حق الغفران ، وتمنحه لمن تشاء . ثم انعقد مجمع روما (1769م) وتقرر فيه عصمة بابا روما .
وفي هذا التجمع رُسّخت عقيدة تثليث نصارى هذا العصر التي تدعي أنّ الله تعالى ثالث ثلاثة : الأب وهو الله بزعمهم ، والإبن عيسى ، وروح القدس الذي يتمثل في الروح التي حلّت في مريم .
وصار الإنجيل يتكون من خمسة أناجيل :
(إنجيل متّى ، وإنجيل مرقس ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل يوحنا) .
وليس في هذه الأناجيل ما يُمكن أن يُقال عنه إنّه الإنجيل الذي نزل على عيسى (ع) ، فهي أشبه بكتب السيرة والتراجم التي تحكي ما حصل لعيسى (ع) مع كثير من اختلافات اللفظ والمعاني والتناقضات والأغلاط الواضحة في هذه الأناجيل ، مما يقطع بأنها من عند غير الله تعالى ، ويكفي ما وقع فيها من قصة صلب المسيح (عليه السلام) وأنّه صُلِبَ ومات يوم كذا ودفن في القبر ، فهذا قطعاً ليس في الإنجيل الصحيح المنزّل على عيسى (عليه السلام) .