بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نفسٌ أذابتها أسیً حسراتها
فجرت بها محمّرةً عبراتها
وتذكرت عهد المحصّب من مِنی
فتوقدت بضلوعها جمراتها
عدلت بآل محمّدٍ فيما قضت
وهم أئمّةُ عدلها وقضاتها
المرشدون المرفدون.. فكم هدیً
وندیً تميح صَلاتها وصِلاتها
والجامعون شتاتَ غرّ مناقبٍ
لم تجتمع بسواهم أشتاتها
.
ومن المواضع التي تتحقّق فيها طاعة الله تبارك وتعالی طاعة من جعل الله الأمر والنهي لهم، من خلفائه الأبرار، محمدٍ وآله الأطهار، صلوات الله عليهم ما اختلف الليل والنهار، وكان ممّا أمروا به في صيغٍ متعدّدة وصورٍ عديدة إقامة المآتم علی سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، كذا كان ممّا نهوا عنه وحذّروا، مخالفة الإمام الحسين (عليه السلام) وترك نصرته باليد واللسان، بالقلم والبيان، وبكلّ ما يظهر فضائله (عليه السلام) وعظيم مصائبه.
روی ابن شاذان من طريق علماء السّنّة بإسناده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلی الله عليه وآله): (بيَ أنذرتم، وبعليّ بن أبي طالبٍ اهتديتم).
ثمّ قرأ (صلی الله عليه وآله) قوله تعالی: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (الرعد، ۷)، بعدها قال: (وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون، وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين بابٌ من أبواب الجنّة، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة).
وفي (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) روی الشيخ الصدوق قول الإمام الرضا (عليه السلام): من تذكر مصابنا، وبكی لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة. ومن ذكر بمصابنا فبكی، وأبكی، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلساً يحيی فيه أمرنا، لم يمُت قلبه يوم تموت القلوب.
ابرز خصائص مجالسه (عليه السلام) في الرثاء الحسيني اول من ندب الى قول الشعر في الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بعد واقعة كربلاء هو الامام زين العابدين (عليه السلام) وذلك حينما رجع من الشام الى كربلاء ومن كربلاء الى المدينة فقبل ان يدخل المدينة نادى بشر بن حذلم وقال: "يا بشر كان ابوك شاعراً فهل تحسن شيئاً من الشعر؟"
فقال له: بلى.
قال: "ادخل المدينة وانعى ابي الحسين".
كأنما الامام زين العابدين ما اراد ان يدخل الى المدينة هذا الدخول، اراد ان يبين للناس عظم المصيبة وعظم المأساة وفعلاً دخل بشر بن حذلم ولما توسط المدينة والى مقربة من قبر الرسول فأحيا:
يا اهل يثرب لا مقام لكم بها
قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلا مضرج
والرأس منه على القناة يدار
فلما سمعه الناس، هرع الناس من كل حدب وصوب وهم يبكون ويولولون وينادون وا اماماه، وا حسيناه وجاءوا بأتجاه الامام زين العابدين ليقدموا له العزاء فخرج اليهم وهو يمسح دموع عينيه بمنديل وخطب فيهم تلك الخطبة البليغة التي اشار فيها الى عظم المصيبة وعظم الرزية وان السماء مطرت دماً وان هذه الرزية لابعدها رزية واشار لما جرى على الامام الحسين (عليه السلام) وبعد الامام زين العابدين كذلك كان ائمة اهل البيت (عليهم السلام) يقيمون هذه المجالس، مجالس الرثاء مثلاً الامام الصادق كان ينادي جعفر بن عفان وقال انشدني في جدي الحسين شعراً وكان يسدل ستراً بينه وبين النسوة وهكذا رثاه بأبيات الحميري:
امرر على جدث الحسين
وقل لأعظمه الزكية
يا اعظماً لازلت من
وطفاه ساكبة روية
الى آخر شعره، الامام قال له: استوقفه.
وقال بالرقة كما تنشدون وفي هذا اشارة الى اتاحة الفرصة لأعطاء العاطفة حقها في ذرف الدموع والحزن والبكاء على سيد شباب اهل الجنة تأسياً بالرسول (صلى الله عليه وآله) اذ بكاه قبل ان يقتل بخمسين سنة فلنا اسوة برسول الله والدموع هذه رحمة يرحم بها الله عباده المؤمنين، وهل يرحم الله الا عباده الرحماء؟ «ارحم من في الارض يرحمك من في السماء»، هذه الحقيقة بعد الامام الصادق كذلك الامام الرضا (عليه السلام) كان يعقد هذه المجالس خصوصاً في عشرة المحرم وكان يستدعي دعبل الخزاعي الشاعر في ذلك الوقت وكان يطلب منه ان يقول في الامام الحسين شعراً وكان يعبر عنه «مرحباً بناصرنا» اذن هذه المجالس، مجالس الرثاء ابتداءاً من الامام زين العابدين الذي اشار الى مظلومية ابيه ليس فقط في الشعر والرثاء بل كان بين الحين والاخر يشير الى هذه المظلومية ويذكر الناس بمظلومية ابيه، ذات يوم مر جزار على الامام زين العابدين فسمعه يخاطب غلامه ياغلام هل سقيت الكبش ماءاً قبل ان تذبحه فقال الغلام: بلى.
فقال الامام زين العابدين: "يا معشر القصابين انتم لا تذبحون الكبش حتى تسقوه الماء".
قالوا: بلى هذه عادة عندنا نعرضه على الماء اولاً بعد ذلك نذبحه فأدار وجهه الى جهة كربلاء وسلم على ابيه الحسين ثم قال: "اباه حسين الكبش لا يذبح حتى يسقى الماء وقد ذبحت الى جنب الفرات ظمآنا" فكان الامام زين العابدين (عليه السلام) له الدور في احياء مظلومية ابيه والاشادة من خلال الرثاء ومن خلال الخطب ومن خلال المواقف الى ما جرى على ابيه الحسين، تنقل في سيرته العطرة انه بقي في حدود خمسة وثلاثين سنة بعد ابيه الحسين ما قدم له طعام او شراب الا ومزجه بدموع عينيه، يقول: "أأشرب وابن رسول الله قتل ظمآنا" فحري بنا ان نتأسى بالامام وحري بالامة الاسلامية ان تتأسى بالرسول (صلى الله عليه وآله) وتقيم له هذه المجالس، مجالس الرثاء ومجالس العزاء ومجالس الحزن تأسياً بالرسول وصدق السيد الرضي الاديب العالم:
لو رسول الله يحيى بعده
قعد اليوم عليه للعزا
ميت تبكي له فاطمة
وابوها وعلي ذو العلى
يا رسول الله يا فاطمة
يا امير المؤمنين المرتضى
*******
وإذا كان لكلّ عبادة شرف خاصّ، فإن شرف البكاء علی الإمام الحسين (عليه السلام)، وإقامة مجالس الذكر في أيامه المفجعة هو من سامي شرف العبادات والطاعات السامقة، حتی أنّ الروايات الواردة عن النبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم ذكرت له من العطاء الإلهيّ مالم تذكره في غيره من شرف الطاعات والعبادات.
نقرأ علی سبيل المثال في (أمالي الشيخ الصدوق) قول الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث له: (فعلی مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب).
وفي (وسائل الشيعة) نقرأ ما يرويه الحرّ العامليّ فيه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل عين يوم القيامة باكية، وكلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلّا عين من اختصّه الله بكرامته، وبكی علی ما ينتهك من الحسين، وآل محمد (عليهم السلام)).
وفيه أيضاً قول الإمام الرضا (عليه السلام) لإبن شبيب: (يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن عليّ، يا ابن شبيب، إن بكيت علی الحسين حتی تصير دموعك علی خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً).
وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه حال الإمام الحسين (عليه السلام)، قال: (وإنّه لينظر إلی من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه (أي أمير المؤمنين (عليه السلام)) الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت، وإنّه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة).
وفي (كامل الزيارات) روی ابن قولويه عن مسمع بن عبد الملك أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) سأله: أما تذكر ما صنع به؟ (يعني بالحسين (عليه السلام)) قال مسمع:
قلت: بلی.
قال (عليه السلام): أتجزع؟
قلت: إي والله وأستعبر بذلك حتی يری أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتی يستبين ذلك في وجهي.
فقال (عليه السلام): رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا. أما إنك ستری عند موتك حضور أبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل. ولملك الموت أرق عليك، وأشد رحمة لك، من الأم الشفيقة علی ولدها.
الی أن قال (عليه السلام): ما بكی أحد رحمة لنا، ولما لقينا، إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه وان الموجع قلبه لنا، ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتی يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه، حتی أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، أما إنك، ممن تروی منه، وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلی الكوثر وسقيت منه.
ونبقی مع مولانا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو يتلو علينا البشارات الإلهية لمحبيّ سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وزائريه، والباكين عليه، ومنها ما رواه عنه (عليه السلام) ابن قولويه في مولفه القيّم (كامل الزيارات) بسنده عن معاوية بن وهب قال: دخلت علی أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) في مصلّاه، فسمعته يقول وهو يناجي ربّه: يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضی وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسروراً أدخلوه علی نبيّك محمد (صلی الله عليه وآله)، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه علی عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرّضوان).
إلی أن قال (عليه السلام) يدعو وهو ساجد: (اللهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّب علی قبر أبي عبد الله، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصّرخة التي كانت لنا. اللهم إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان، حتی ترويهم من الحوض يوم العطش).
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نفسٌ أذابتها أسیً حسراتها
فجرت بها محمّرةً عبراتها
وتذكرت عهد المحصّب من مِنی
فتوقدت بضلوعها جمراتها
عدلت بآل محمّدٍ فيما قضت
وهم أئمّةُ عدلها وقضاتها
المرشدون المرفدون.. فكم هدیً
وندیً تميح صَلاتها وصِلاتها
والجامعون شتاتَ غرّ مناقبٍ
لم تجتمع بسواهم أشتاتها
.
ومن المواضع التي تتحقّق فيها طاعة الله تبارك وتعالی طاعة من جعل الله الأمر والنهي لهم، من خلفائه الأبرار، محمدٍ وآله الأطهار، صلوات الله عليهم ما اختلف الليل والنهار، وكان ممّا أمروا به في صيغٍ متعدّدة وصورٍ عديدة إقامة المآتم علی سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، كذا كان ممّا نهوا عنه وحذّروا، مخالفة الإمام الحسين (عليه السلام) وترك نصرته باليد واللسان، بالقلم والبيان، وبكلّ ما يظهر فضائله (عليه السلام) وعظيم مصائبه.
روی ابن شاذان من طريق علماء السّنّة بإسناده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلی الله عليه وآله): (بيَ أنذرتم، وبعليّ بن أبي طالبٍ اهتديتم).
ثمّ قرأ (صلی الله عليه وآله) قوله تعالی: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (الرعد، ۷)، بعدها قال: (وبالحسن أعطيتم الإحسان، وبالحسين تسعدون، وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين بابٌ من أبواب الجنّة، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة).
وفي (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) روی الشيخ الصدوق قول الإمام الرضا (عليه السلام): من تذكر مصابنا، وبكی لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة. ومن ذكر بمصابنا فبكی، وأبكی، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلساً يحيی فيه أمرنا، لم يمُت قلبه يوم تموت القلوب.
ابرز خصائص مجالسه (عليه السلام) في الرثاء الحسيني اول من ندب الى قول الشعر في الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بعد واقعة كربلاء هو الامام زين العابدين (عليه السلام) وذلك حينما رجع من الشام الى كربلاء ومن كربلاء الى المدينة فقبل ان يدخل المدينة نادى بشر بن حذلم وقال: "يا بشر كان ابوك شاعراً فهل تحسن شيئاً من الشعر؟"
فقال له: بلى.
قال: "ادخل المدينة وانعى ابي الحسين".
كأنما الامام زين العابدين ما اراد ان يدخل الى المدينة هذا الدخول، اراد ان يبين للناس عظم المصيبة وعظم المأساة وفعلاً دخل بشر بن حذلم ولما توسط المدينة والى مقربة من قبر الرسول فأحيا:
يا اهل يثرب لا مقام لكم بها
قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلا مضرج
والرأس منه على القناة يدار
فلما سمعه الناس، هرع الناس من كل حدب وصوب وهم يبكون ويولولون وينادون وا اماماه، وا حسيناه وجاءوا بأتجاه الامام زين العابدين ليقدموا له العزاء فخرج اليهم وهو يمسح دموع عينيه بمنديل وخطب فيهم تلك الخطبة البليغة التي اشار فيها الى عظم المصيبة وعظم الرزية وان السماء مطرت دماً وان هذه الرزية لابعدها رزية واشار لما جرى على الامام الحسين (عليه السلام) وبعد الامام زين العابدين كذلك كان ائمة اهل البيت (عليهم السلام) يقيمون هذه المجالس، مجالس الرثاء مثلاً الامام الصادق كان ينادي جعفر بن عفان وقال انشدني في جدي الحسين شعراً وكان يسدل ستراً بينه وبين النسوة وهكذا رثاه بأبيات الحميري:
امرر على جدث الحسين
وقل لأعظمه الزكية
يا اعظماً لازلت من
وطفاه ساكبة روية
الى آخر شعره، الامام قال له: استوقفه.
وقال بالرقة كما تنشدون وفي هذا اشارة الى اتاحة الفرصة لأعطاء العاطفة حقها في ذرف الدموع والحزن والبكاء على سيد شباب اهل الجنة تأسياً بالرسول (صلى الله عليه وآله) اذ بكاه قبل ان يقتل بخمسين سنة فلنا اسوة برسول الله والدموع هذه رحمة يرحم بها الله عباده المؤمنين، وهل يرحم الله الا عباده الرحماء؟ «ارحم من في الارض يرحمك من في السماء»، هذه الحقيقة بعد الامام الصادق كذلك الامام الرضا (عليه السلام) كان يعقد هذه المجالس خصوصاً في عشرة المحرم وكان يستدعي دعبل الخزاعي الشاعر في ذلك الوقت وكان يطلب منه ان يقول في الامام الحسين شعراً وكان يعبر عنه «مرحباً بناصرنا» اذن هذه المجالس، مجالس الرثاء ابتداءاً من الامام زين العابدين الذي اشار الى مظلومية ابيه ليس فقط في الشعر والرثاء بل كان بين الحين والاخر يشير الى هذه المظلومية ويذكر الناس بمظلومية ابيه، ذات يوم مر جزار على الامام زين العابدين فسمعه يخاطب غلامه ياغلام هل سقيت الكبش ماءاً قبل ان تذبحه فقال الغلام: بلى.
فقال الامام زين العابدين: "يا معشر القصابين انتم لا تذبحون الكبش حتى تسقوه الماء".
قالوا: بلى هذه عادة عندنا نعرضه على الماء اولاً بعد ذلك نذبحه فأدار وجهه الى جهة كربلاء وسلم على ابيه الحسين ثم قال: "اباه حسين الكبش لا يذبح حتى يسقى الماء وقد ذبحت الى جنب الفرات ظمآنا" فكان الامام زين العابدين (عليه السلام) له الدور في احياء مظلومية ابيه والاشادة من خلال الرثاء ومن خلال الخطب ومن خلال المواقف الى ما جرى على ابيه الحسين، تنقل في سيرته العطرة انه بقي في حدود خمسة وثلاثين سنة بعد ابيه الحسين ما قدم له طعام او شراب الا ومزجه بدموع عينيه، يقول: "أأشرب وابن رسول الله قتل ظمآنا" فحري بنا ان نتأسى بالامام وحري بالامة الاسلامية ان تتأسى بالرسول (صلى الله عليه وآله) وتقيم له هذه المجالس، مجالس الرثاء ومجالس العزاء ومجالس الحزن تأسياً بالرسول وصدق السيد الرضي الاديب العالم:
لو رسول الله يحيى بعده
قعد اليوم عليه للعزا
ميت تبكي له فاطمة
وابوها وعلي ذو العلى
يا رسول الله يا فاطمة
يا امير المؤمنين المرتضى
*******
وإذا كان لكلّ عبادة شرف خاصّ، فإن شرف البكاء علی الإمام الحسين (عليه السلام)، وإقامة مجالس الذكر في أيامه المفجعة هو من سامي شرف العبادات والطاعات السامقة، حتی أنّ الروايات الواردة عن النبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم ذكرت له من العطاء الإلهيّ مالم تذكره في غيره من شرف الطاعات والعبادات.
نقرأ علی سبيل المثال في (أمالي الشيخ الصدوق) قول الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث له: (فعلی مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب).
وفي (وسائل الشيعة) نقرأ ما يرويه الحرّ العامليّ فيه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل عين يوم القيامة باكية، وكلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلّا عين من اختصّه الله بكرامته، وبكی علی ما ينتهك من الحسين، وآل محمد (عليهم السلام)).
وفيه أيضاً قول الإمام الرضا (عليه السلام) لإبن شبيب: (يا ابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن عليّ، يا ابن شبيب، إن بكيت علی الحسين حتی تصير دموعك علی خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً).
وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه حال الإمام الحسين (عليه السلام)، قال: (وإنّه لينظر إلی من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه (أي أمير المؤمنين (عليه السلام)) الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت، وإنّه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة).
وفي (كامل الزيارات) روی ابن قولويه عن مسمع بن عبد الملك أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) سأله: أما تذكر ما صنع به؟ (يعني بالحسين (عليه السلام)) قال مسمع:
قلت: بلی.
قال (عليه السلام): أتجزع؟
قلت: إي والله وأستعبر بذلك حتی يری أهلي أثر ذلك عليّ، فأمتنع من الطعام حتی يستبين ذلك في وجهي.
فقال (عليه السلام): رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا. أما إنك ستری عند موتك حضور أبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل. ولملك الموت أرق عليك، وأشد رحمة لك، من الأم الشفيقة علی ولدها.
الی أن قال (عليه السلام): ما بكی أحد رحمة لنا، ولما لقينا، إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه وان الموجع قلبه لنا، ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتی يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه، حتی أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، أما إنك، ممن تروی منه، وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلی الكوثر وسقيت منه.
ونبقی مع مولانا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو يتلو علينا البشارات الإلهية لمحبيّ سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وزائريه، والباكين عليه، ومنها ما رواه عنه (عليه السلام) ابن قولويه في مولفه القيّم (كامل الزيارات) بسنده عن معاوية بن وهب قال: دخلت علی أبي عبد الله (الصادق) (عليه السلام) في مصلّاه، فسمعته يقول وهو يناجي ربّه: يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضی وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسروراً أدخلوه علی نبيّك محمد (صلی الله عليه وآله)، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه علی عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرّضوان).
إلی أن قال (عليه السلام) يدعو وهو ساجد: (اللهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّب علی قبر أبي عبد الله، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصّرخة التي كانت لنا. اللهم إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان، حتی ترويهم من الحوض يوم العطش).
تعليق