بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ـ تقريع أو استنهاض الضمير النابض في الاُمّة والذي لم يمت بعد، أي مخاطبة الفطرة السليمة، من خلال دموع ساخنة ونشيج صادق لايمكن تفسيره ببساطة على أنّه مجرد عواطف فائرة على فجيعةٍ مرّت و كارثة حلّت، لا سيّما و انه من إمام يعرف أكثر من غيره القضاء والقدر وحتمية الموت و طوارق السُنن...
2 ـ استثمار جميع المواقف والمناسبات التي تُذكّر الناس بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق سبط النبي وسيد شباب أهل الجنة، و عبر بكاء حارّ صادق يتفجّر أمام قصاب مثلاً يذبح شاته فيسقيها ماءً قبل ذبحها ـ كما مرَّ ـ أو أمام ضيف فقد عزيزاً فغسّله وكفّنه ـ كما ذكرنا ـ أو على مائدة إفطار يُقدّم فيها الماء للعطاشى والضامئين و يكون شعارها مثلاً:
« شيعتي ما إن شربتم عذب ماءٍ فاذكروني * أو سمعتـم بذبيح أو قتيـل فـاندبوني »!
و غير ذلك مما كان يذكّر بتجاوز الحدود، وقساوة القلوب، أي قلوب القتلة التي كانت كالحجارة أو أشدُّ قسوة، و هذا يعني تركيز الشعور بالاِثم الكبير الذي ارتكب في طفوف كربلاء والذي صار عنوانه: « اللهمَّ العن أُمّة قتلتك، والعن أُمّة ظلمتك، والعن أُمّة شايعت و بايعت على قتلك، والعن أُمّة سمعت بذلك فرضيت به » !!
3 ـ إيهام السلطة الحاكمة و عيونها وأزلامها و مرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلاّ البكاء، وأنّه ليس عملاً جُرمياً يبرّر للسلطة اتخاذ إجراءٍ قمعي لمواجهته، فكيف إذا كان المفجوع باكياً فعلاً وليس متباكياً، كما هو حال الاِمام (عليه السلام) !!
4 ـ و حين تختلط دموع البكاء مع تراب قبر المتوفّى، و هو ما كان يفعله الاِمام حين كان يُطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ به من ثرى قبر والده و مسحه بخاتمه الذي أصرّ على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه والذي كان يردده (عليه السلام): « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي » ،تكون رسالة البكاء أكثر تعبيراً و أمضى أثراً في إذكاء الوجدان المعذّب والضمير الحي و تفجيرهما ضد الظلم والظالمين.
5 ـ أما حين يمتزج البكاء مع الدعاء، الذي سنأتي على ذكره، و تتكامل لوحة الرفض المقدّس عبر العاطفة والفكر، و عبر العقل والقلب، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليّاً و سطوعاً، و هذا ما كان يُلاحظ عند الاِمام (عليه السلام) و هو يخرُّ ساجداً على حجارة خشنة في الصحراء يوماً و يشهق شهيقاً مرّاً مردّداً:« لا إله إلاّ الله حقاً حقّا.. لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّا.. لا إله إلاّ الله إيماناً و صدقا.. » ثمّ يرفع رأسه و إذا بلحيته و وجهه مخضبان بدموع عينيه، فيقول له أحد أصحابه: أما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن يقلّ ؟! و يأتيه الجواب المارّ الذكر، ليكون دالّة معبّرة عن حزنٍ ليس كمثله حزن، وبكاء ليس كمثله بكاء...
إنّه بوضوحٍ كاملٍ حزنٌ على رمزٍ مقدّس بكت عليه أهل الاَرض و ملائكة السماء، وليس حزن ولدٍ على أبيه قط، و إنه حزنٌ على فجيعةٍ بدين، أي أنّه حزن على دين مضيّع صيّره الصبيان لعبةً يعبث بها غلمان بني أمية، و دمية تتلاقفها أكفُّ أحفاد أبناء الطلقاء...
إنّه باختصار شديد، رسالة صامتة شديدة اللهجة، و دموع حرّى ناطقة، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النبيلة ممزوجة بثرى تراب طاهر، مشفوعاً بتأوّهات خالصة أرادت و تريد أن تواجه الظالم بأفصح ما يكون التعبير عن الرفض والغضب المقدّس و أقدس ما يكون الاِفصاح عن الثورة والتمرّد.
إنّه سلاح ماضٍ لكشف الجرم الكبير وفضحه والدعوة لقطع اليد التي نفّذته، و أمام من؟ وبدموع من؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الاستشهاد في اليوم العظيم، لمرضٍ أقعده، و علَّة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى و هو يبكي و ينشج ويقول:
وهنّ المنـايا أي وادٍ سلكتـه *** عليها طـريقي أو علـيّ طريقها
وكـلاً ألاقـي نكبةً و فيجعـةً *** و كأس مرارّات ذعافاً أذوقها
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين: « يا نفس حتّامَ إلى الدنيا سكونك ؟ و إلى عمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الاَرض من أُلاّفك ؟ ومن فجعتِ به من إخوانك ؟ و نُقل إلى الثرى من أقرانك ؟ فحتّامَ إلى الدنيا إقبالك، وبشهواتها اشتغالك وقد رأيتِ انقلاب أهل الشهوات، و عاينتِ ما حلَّ بها من المصيبات...».
نعم، إنّه البكاء الهادف، والنشيج المدوّي، والدموع الناطقة، إنه رسالة صامتة شديدة اللهجة صارخة الاحتجاج، محبوكة المتن، متينة السند.. إنّه بكاء أفقه أهل زمانه و أعلمهم و أورعهم و أتقاهم، حفيد النبي (صلى الله عليه وآله)، و ابن سبطه، المفجوع بقتله، الشاهد على دمه، حامل رسالته و مبلّغ أمانته و وصيه و وريثه والداعي إلى حقّه.. إنّه بكاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ـ تقريع أو استنهاض الضمير النابض في الاُمّة والذي لم يمت بعد، أي مخاطبة الفطرة السليمة، من خلال دموع ساخنة ونشيج صادق لايمكن تفسيره ببساطة على أنّه مجرد عواطف فائرة على فجيعةٍ مرّت و كارثة حلّت، لا سيّما و انه من إمام يعرف أكثر من غيره القضاء والقدر وحتمية الموت و طوارق السُنن...
2 ـ استثمار جميع المواقف والمناسبات التي تُذكّر الناس بالجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق سبط النبي وسيد شباب أهل الجنة، و عبر بكاء حارّ صادق يتفجّر أمام قصاب مثلاً يذبح شاته فيسقيها ماءً قبل ذبحها ـ كما مرَّ ـ أو أمام ضيف فقد عزيزاً فغسّله وكفّنه ـ كما ذكرنا ـ أو على مائدة إفطار يُقدّم فيها الماء للعطاشى والضامئين و يكون شعارها مثلاً:
« شيعتي ما إن شربتم عذب ماءٍ فاذكروني * أو سمعتـم بذبيح أو قتيـل فـاندبوني »!
و غير ذلك مما كان يذكّر بتجاوز الحدود، وقساوة القلوب، أي قلوب القتلة التي كانت كالحجارة أو أشدُّ قسوة، و هذا يعني تركيز الشعور بالاِثم الكبير الذي ارتكب في طفوف كربلاء والذي صار عنوانه: « اللهمَّ العن أُمّة قتلتك، والعن أُمّة ظلمتك، والعن أُمّة شايعت و بايعت على قتلك، والعن أُمّة سمعت بذلك فرضيت به » !!
3 ـ إيهام السلطة الحاكمة و عيونها وأزلامها و مرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلاّ البكاء، وأنّه ليس عملاً جُرمياً يبرّر للسلطة اتخاذ إجراءٍ قمعي لمواجهته، فكيف إذا كان المفجوع باكياً فعلاً وليس متباكياً، كما هو حال الاِمام (عليه السلام) !!
4 ـ و حين تختلط دموع البكاء مع تراب قبر المتوفّى، و هو ما كان يفعله الاِمام حين كان يُطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ به من ثرى قبر والده و مسحه بخاتمه الذي أصرّ على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه والذي كان يردده (عليه السلام): « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي » ،تكون رسالة البكاء أكثر تعبيراً و أمضى أثراً في إذكاء الوجدان المعذّب والضمير الحي و تفجيرهما ضد الظلم والظالمين.
5 ـ أما حين يمتزج البكاء مع الدعاء، الذي سنأتي على ذكره، و تتكامل لوحة الرفض المقدّس عبر العاطفة والفكر، و عبر العقل والقلب، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليّاً و سطوعاً، و هذا ما كان يُلاحظ عند الاِمام (عليه السلام) و هو يخرُّ ساجداً على حجارة خشنة في الصحراء يوماً و يشهق شهيقاً مرّاً مردّداً:« لا إله إلاّ الله حقاً حقّا.. لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّا.. لا إله إلاّ الله إيماناً و صدقا.. » ثمّ يرفع رأسه و إذا بلحيته و وجهه مخضبان بدموع عينيه، فيقول له أحد أصحابه: أما آن لحزنك أن ينقضي، ولبكائك أن يقلّ ؟! و يأتيه الجواب المارّ الذكر، ليكون دالّة معبّرة عن حزنٍ ليس كمثله حزن، وبكاء ليس كمثله بكاء...
إنّه بوضوحٍ كاملٍ حزنٌ على رمزٍ مقدّس بكت عليه أهل الاَرض و ملائكة السماء، وليس حزن ولدٍ على أبيه قط، و إنه حزنٌ على فجيعةٍ بدين، أي أنّه حزن على دين مضيّع صيّره الصبيان لعبةً يعبث بها غلمان بني أمية، و دمية تتلاقفها أكفُّ أحفاد أبناء الطلقاء...
إنّه باختصار شديد، رسالة صامتة شديدة اللهجة، و دموع حرّى ناطقة، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النبيلة ممزوجة بثرى تراب طاهر، مشفوعاً بتأوّهات خالصة أرادت و تريد أن تواجه الظالم بأفصح ما يكون التعبير عن الرفض والغضب المقدّس و أقدس ما يكون الاِفصاح عن الثورة والتمرّد.
إنّه سلاح ماضٍ لكشف الجرم الكبير وفضحه والدعوة لقطع اليد التي نفّذته، و أمام من؟ وبدموع من؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الاستشهاد في اليوم العظيم، لمرضٍ أقعده، و علَّة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى و هو يبكي و ينشج ويقول:
وهنّ المنـايا أي وادٍ سلكتـه *** عليها طـريقي أو علـيّ طريقها
وكـلاً ألاقـي نكبةً و فيجعـةً *** و كأس مرارّات ذعافاً أذوقها
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين: « يا نفس حتّامَ إلى الدنيا سكونك ؟ و إلى عمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الاَرض من أُلاّفك ؟ ومن فجعتِ به من إخوانك ؟ و نُقل إلى الثرى من أقرانك ؟ فحتّامَ إلى الدنيا إقبالك، وبشهواتها اشتغالك وقد رأيتِ انقلاب أهل الشهوات، و عاينتِ ما حلَّ بها من المصيبات...».
نعم، إنّه البكاء الهادف، والنشيج المدوّي، والدموع الناطقة، إنه رسالة صامتة شديدة اللهجة صارخة الاحتجاج، محبوكة المتن، متينة السند.. إنّه بكاء أفقه أهل زمانه و أعلمهم و أورعهم و أتقاهم، حفيد النبي (صلى الله عليه وآله)، و ابن سبطه، المفجوع بقتله، الشاهد على دمه، حامل رسالته و مبلّغ أمانته و وصيه و وريثه والداعي إلى حقّه.. إنّه بكاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)
تعليق