عبّر الإمام السجاد
( عليه السلام )
عن ذلك بقوله :
ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا وإذا كان عدد الملتزمين بالولاء الصادق لأهل البيت ، في عاصمة الإسلام قليلاً إلى هذا الحدّ ، فكيف بالبلدان القاصية عن مركز وجود أهل البيت ( عليهم السلام ) ? وقد رجع الإمام السجاد ( عليه السلام ) حاملاً معه أعباءً ثقالاً : فأعباء كربلاء ، بمآسيها ، وذكرياتها ، وأتعابها ، وجروحها ، والأثقل من كلّ ذلك ( أهدافها ) ونتائجها ، فقد هبط المدينة وهو الوحيد الباقي من رجال تلك المعركة ، فعليه أداء رسالتها العظيمة .
وأعباء العائلة المهضومة ، المكثورة ، ما بين ثكالى وأرامل وأيتام ، ودموع لابدّ أن يكفكفها ، وعواطف مخدوشة ، وقلوب صغيرة مروَعة ، وعيون موحشة ، وجروح وأمراض وآلام، تحتاج إلى مداراة ومداواة والتيام .
ولابدّ أن يسترجع القوى ، وأعباء الإمامة ، تلك المسؤولية الإهيّة ، والتاريخية الملقاة على عاتقه ، والتي لابدّ أن ينهض بها ، فيلملم كوادرها ويردم الصدمات العنيفة التي هزّ كيانها ، ويرأب الصدع الذي أصاب بناء نظام الإمامة الشامخ ، الذي يُمَثل الخط الصحيح للإسلام .
ولقد حمل الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، في وحدته ، كلّ هذه الأعباء ، وبفضل حكمته وتدبيره خرج من عهدتها بأفضل الأشكال .
ففي السنين الأولى : وقبل كل هذه المهمّات الهائلة الثقال ، وبعدها : كانت ملاحقة الدولة ، أهمّ ما كان على الإمام السجاد ( عليه السلام ) أن يوقفها عند حد ، حتّى يتمكّن من أداء واجب تلك الأعباء الصعبة بشكل صحيح ومطلوب .
ولابدّ أن أصابع الاتّهام كانت موجهةً إليه ما دام موجوداً في المدينة ، أو أي بلدٍ إسلامي آخر ، تلاحق حركاته وسكناته ، وتحصي أنفاسه وكلماته .
الى ان قال هكذا أصبحنا ، إن لم يُعلم : كيف أصبحنا ? .
قال المنهال : فظننت أنَه أراد أن يُسمِعَ مَن في البيتويصرّح في موقف مماثل يُسأل فيه عن الركب الذي هو فيه ، فيقول :
إنا من أهل البيت ، الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلمٍ ، فقال تبارك وتعالى لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) ( فإقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت ) .
إلى غير ذلك من المواقف التي كان لها أثر حاسم في تغيير سياسة يزيد تجاه هذا الركب المأسور ، حتّى أرجعه إلى المدينة .
إنّ هذه المواقف لم تكن تصدر من قلب مُلىء رُعباً ، أو شخصٍ يفضّل السلامة ، أو يميل إلى الهدوء والراحة ، بَلْه المسالمة مع العدو أو الركون إلى الظالمين إنّما صاحب هذه المواقف ذو روحٍ متطلّعة وثّابة هادفة ، إذا لم يُتَحْ له بعد كربلاء أن يأخذ بقائمة السيف ، فسنان المنطق لا يزال في قدرته ، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلّل .
⚫🔴⚫🔴⚫🔴⚫🔴⚫
تعليق