بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الشّاهد على المأساة
والمحور الأساس في سيرة الإمام زين العابدين (ع)، أنّه عاصر كلّ مراحل ثورة أبيه الحسين (ع). كان حينها في عمر الشّباب، في الثّالثة والعشرين من عمره، كان معه عندما خرج من المدينة المنوَّرة مروراً بمكّة إلى كربلاء، ولكن شاءت الظّروف أن يُبتلى بمرضٍ أقعده عن الحركة، لكنّّه لم يكن من الشدَّة بحيث يمنعه من وعي ما يدور حوله. وكانت الحكمة من ذلك واضحةً، حتى لا تخلو الأرض من حُجَّة.
لقد كان الإمام زين العابدين الشَّاهد على ما جرى في كربلاء، وقد تجرَّع المرارات وهو يرى مشاهدها أمام عينيه، وأكثر من ذلك، وهو يرى ما آلت إليه أمَّة جدّه من سقوط وانحدار وصل إلى حدّ أن تقتل ابن بنت نبيّها، ريحانة رسول الله (ص)، وسيّد شباب أهل الجنّة، وهو من خرج لأجل إصلاحها والنّهوض بها. لقد شكّل ذلك بداية لمرحلة كان يراها الإمام (ع) خطيرة في واقع المسلمين.
العمل على خطّين
بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (ع)، انطلق الإمام زين العابدين (ع) بحمل أعباء الإمامة، وعمل آنذاك على خطّين:
الخطّ الأوّل: وجداني توثيقيّ؛ فهو لم يوفِّر أيَّ فرصة ومناسبة ليوضح صورة ما جرى في كربلاء خلال مسيرة السّبي وهو مقيَّد بالسّلاسل، ولقد أراد أن يهزّ الوعي المخدَّر بدعايات يزيد وأضاليله، وأن يؤكّد ليزيد المنتشي بنظره أن "أبشر بالخزي والنّدامة".
وبعد ذلك، كان هو وعمّته زينب في المدينة صوتاً لا يهدأ، صوتاً ممزوجاً بالعاطفة والوعي، ليخبر أهلها والوافدين إليها، لماذا كنت ثورة الحسين (ع)، وأيّة أهداف كان يسعى إليها في كربلاء، كي تُحفظ ولا تنسى ولا تُطمس معالمها، فتنتشر وتُدوَّن ويتناقلها النّاس من زمن الى زمن، وهي بذلك وصلت إلينا.
والخطّ الثّاني: تربويّ، توعويّ، توجيهيّ.
فقد واجه الإمام (ع) ما كان يعانيه المجتمع من الانحراف العقائدي والمفاهيمي، والذي بدا واضحاً في مفاصل الأمّة، نتيجة السياسة التي انتهجها معاوية، وجاء يزيد ليكرّسها عبر وعّاظ السلاطين وبائعي الأحاديث، وسريان منطق "إمّا المال أو السّيف"، فصرت ترى من يفصل بين علاقته بالله ومواقفه، فهو يصلّي ويصوم ويحجّ، ولكنّه يؤيّد ظالماً أو يهادن انحرافاً، ومن كان مستعداً أن يبيع موقفه وضميره من أجل منفعة أو بفعل خوف... وصار الدين عند الكثيرين كما وصفه الإمام الحسين (ع): "لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم".
هو شرخ وانفصام وازدواجيّة أصاب الشخصية المسلمة التي أراد لها رسول الله (ص) أن تكون متكاملة ومنسجمة؛ قولاً وعملاً، عاطفةً وسلوكاً، شخصيّة مستقيمة لديها وضوح في الرّؤية، وعندها جهاد للنّفس، وإرادة مستمدَّة من صلابة إيمانها، وثقتها بربّها، لا تهزّها المغريات ولا الشّهوات ولا التّهديدات.
ثقافة الدّعاء
لقد سعى الإمام زين العابدين إلى ردم هذه الهوّة في بناء هذه الشخصيّة، وإعادة تصويب علاقة الإنسان بالله، وقد استخدم في ذلك أسلوب الحوار والمناظرة وإظهار الحقائق، من أجل الرّدّ على الشّبهات الفكريّة والعقائديّة ومواجهة الواقع المنحرف.
وأكثر ما ركَّز الإمام في منهجه التربويّ، على المناحي الروحية والأخلاقية والإنسانية، التي عمل الحكم الأموي على تجفيف منابعها، فغلبت المادَّة، وساد التّفكير المصلحيّ، وانتشرت فلسفة تبنّاها الكثير من الناس، حتى راح يقال: "الصلاة مع عليّ (ع) أقوم، والطّعام مع معاوية أدسم، والجلوس على التلّ حين الحرب أسلم".
لقد سعى الإمام إلى بثّ الأجواء الروحيّة، عبر ثقافة الدّعاء الذي وسّع دائرته من إطار الحاجات الشخصيّة، إلى الأفق الاجتماعي وحتى السياسي العامّ. والباحث في أسلوب الدّعاء لديه، يلاحظ كم تميّز بغزارته وانعكاس تلك المرحلة فيه، بظروفها السياسيّة الصّعبة ومتغيراتها الاجتماعيّة، فجاء ليكون دواءً لكثير من الأمراض المستشرية في المجتمع في ذلك الوقت.
ومن ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، دعاؤه: "الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، والحمد لله الذي أرجوه ولا أرجو غيره، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي".
وفي دعاء آخر: "اللّهمّ إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلّي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك، ورأيت أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه. فكم قد رأيت، يا إلهي، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا".
"الهي، بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت القلوب المتباينة، فلا تطمئنّ القلوب إلّا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبَّح في كلّ مكان، والمعبود في كلّ زمان، والموجود في كلّ أوان، والمدعوّ بكلّ لسان، والمعظّم في كلّ جَنان.. وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك".
هو بذلك أراد أن يعزِّز العلاقة بالله سبحانه وتعالى، وأن يكون هو المبدأ والمنتهى، وإليه الملجأ في كلّ الأمور.
وقد حدَّد للإنسان المؤمن وجهته في دعائه في الصّباح والمساء، عندما قال: "اللّهمَّ وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ، وَفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا، لِاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وَهِجْرَانِ الشَّرِّ، وَشُكْرِ النِّعَمِ، وَاتِّبَاعِ السُّنَنِ، وَمُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، وَالأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَحِيَاطَةِ الاسْلامِ، وَانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَإِذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِهِ".
وغيرها الكثير من الأدعية في الصّحيفة السجاديّة التي هي منهج متكامل من الزّاد الذي جمع بين اللّين والخشوع، وبين القوَّة والحزم، والموقف الصّادح بالحقّ ورفض الظّلم.
مكانته عند النّاس
هذا هو الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، الّذي استمرّت إمامته خمساً وثلاثين سنة قضاها بين النّاس، عاش بينهم، أغناهم بعلمه وفقهه وحديثه، وملك قلوبهم بحلمه وسماحته ومحبّته واستيعابه حتى للّذين أساؤوا إليه، وهو الذي كان يقول: "ما تجرّعت جرعةً أحبّ إليّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها". وكان يخرج في اللّيالي المظلمة، حاملاً جراب الطعام على ظهره خشية أن يبيت أحدهم جائعاً، حتّى عُدَّ خليفة قلوب النّاس، ولا أدلّ على ذلك من قصّة الأمواج البشريّة التي ارتادت بيت الله الحرام، والتي ما إن رأت عليّ بن الحسين (ع) يريد أن يشقّ طريقه، حتى انفرجت له تاركةً المجال له من تلقاء نفسها، في الوقت الّذي كان هشام بن عبدالملك مع موكبه الرّسميّ، محتفظاً بموطئ قدم له، منتظراً أن يخفّ الزحام ليؤدي مناسك الحجّ. يومها، سأله أحدهم: من هذا الذي أفسحت له الناس دونك؟ فتجاهل الأمر وقال لا أعرف. وكان الشّاعر الفرزدق آنذاك حاضراً، فجاء جوابه شعراً في قصيدة العصماء، ومما جاء فيها:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَم
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
ما قال لا قطُّ إلّا في تَشَهُّدِهِ لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الشّاهد على المأساة
والمحور الأساس في سيرة الإمام زين العابدين (ع)، أنّه عاصر كلّ مراحل ثورة أبيه الحسين (ع). كان حينها في عمر الشّباب، في الثّالثة والعشرين من عمره، كان معه عندما خرج من المدينة المنوَّرة مروراً بمكّة إلى كربلاء، ولكن شاءت الظّروف أن يُبتلى بمرضٍ أقعده عن الحركة، لكنّّه لم يكن من الشدَّة بحيث يمنعه من وعي ما يدور حوله. وكانت الحكمة من ذلك واضحةً، حتى لا تخلو الأرض من حُجَّة.
لقد كان الإمام زين العابدين الشَّاهد على ما جرى في كربلاء، وقد تجرَّع المرارات وهو يرى مشاهدها أمام عينيه، وأكثر من ذلك، وهو يرى ما آلت إليه أمَّة جدّه من سقوط وانحدار وصل إلى حدّ أن تقتل ابن بنت نبيّها، ريحانة رسول الله (ص)، وسيّد شباب أهل الجنّة، وهو من خرج لأجل إصلاحها والنّهوض بها. لقد شكّل ذلك بداية لمرحلة كان يراها الإمام (ع) خطيرة في واقع المسلمين.
العمل على خطّين
بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (ع)، انطلق الإمام زين العابدين (ع) بحمل أعباء الإمامة، وعمل آنذاك على خطّين:
الخطّ الأوّل: وجداني توثيقيّ؛ فهو لم يوفِّر أيَّ فرصة ومناسبة ليوضح صورة ما جرى في كربلاء خلال مسيرة السّبي وهو مقيَّد بالسّلاسل، ولقد أراد أن يهزّ الوعي المخدَّر بدعايات يزيد وأضاليله، وأن يؤكّد ليزيد المنتشي بنظره أن "أبشر بالخزي والنّدامة".
وبعد ذلك، كان هو وعمّته زينب في المدينة صوتاً لا يهدأ، صوتاً ممزوجاً بالعاطفة والوعي، ليخبر أهلها والوافدين إليها، لماذا كنت ثورة الحسين (ع)، وأيّة أهداف كان يسعى إليها في كربلاء، كي تُحفظ ولا تنسى ولا تُطمس معالمها، فتنتشر وتُدوَّن ويتناقلها النّاس من زمن الى زمن، وهي بذلك وصلت إلينا.
والخطّ الثّاني: تربويّ، توعويّ، توجيهيّ.
فقد واجه الإمام (ع) ما كان يعانيه المجتمع من الانحراف العقائدي والمفاهيمي، والذي بدا واضحاً في مفاصل الأمّة، نتيجة السياسة التي انتهجها معاوية، وجاء يزيد ليكرّسها عبر وعّاظ السلاطين وبائعي الأحاديث، وسريان منطق "إمّا المال أو السّيف"، فصرت ترى من يفصل بين علاقته بالله ومواقفه، فهو يصلّي ويصوم ويحجّ، ولكنّه يؤيّد ظالماً أو يهادن انحرافاً، ومن كان مستعداً أن يبيع موقفه وضميره من أجل منفعة أو بفعل خوف... وصار الدين عند الكثيرين كما وصفه الإمام الحسين (ع): "لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم".
هو شرخ وانفصام وازدواجيّة أصاب الشخصية المسلمة التي أراد لها رسول الله (ص) أن تكون متكاملة ومنسجمة؛ قولاً وعملاً، عاطفةً وسلوكاً، شخصيّة مستقيمة لديها وضوح في الرّؤية، وعندها جهاد للنّفس، وإرادة مستمدَّة من صلابة إيمانها، وثقتها بربّها، لا تهزّها المغريات ولا الشّهوات ولا التّهديدات.
ثقافة الدّعاء
لقد سعى الإمام زين العابدين إلى ردم هذه الهوّة في بناء هذه الشخصيّة، وإعادة تصويب علاقة الإنسان بالله، وقد استخدم في ذلك أسلوب الحوار والمناظرة وإظهار الحقائق، من أجل الرّدّ على الشّبهات الفكريّة والعقائديّة ومواجهة الواقع المنحرف.
وأكثر ما ركَّز الإمام في منهجه التربويّ، على المناحي الروحية والأخلاقية والإنسانية، التي عمل الحكم الأموي على تجفيف منابعها، فغلبت المادَّة، وساد التّفكير المصلحيّ، وانتشرت فلسفة تبنّاها الكثير من الناس، حتى راح يقال: "الصلاة مع عليّ (ع) أقوم، والطّعام مع معاوية أدسم، والجلوس على التلّ حين الحرب أسلم".
لقد سعى الإمام إلى بثّ الأجواء الروحيّة، عبر ثقافة الدّعاء الذي وسّع دائرته من إطار الحاجات الشخصيّة، إلى الأفق الاجتماعي وحتى السياسي العامّ. والباحث في أسلوب الدّعاء لديه، يلاحظ كم تميّز بغزارته وانعكاس تلك المرحلة فيه، بظروفها السياسيّة الصّعبة ومتغيراتها الاجتماعيّة، فجاء ليكون دواءً لكثير من الأمراض المستشرية في المجتمع في ذلك الوقت.
ومن ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، دعاؤه: "الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي، والحمد لله الذي أرجوه ولا أرجو غيره، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي".
وفي دعاء آخر: "اللّهمّ إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلّي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك، ورأيت أنّ طلب المحتاج إلى المحتاج سفه من رأيه. فكم قد رأيت، يا إلهي، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثّروة من سواك فافتقروا".
"الهي، بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت القلوب المتباينة، فلا تطمئنّ القلوب إلّا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك، أنت المسبَّح في كلّ مكان، والمعبود في كلّ زمان، والموجود في كلّ أوان، والمدعوّ بكلّ لسان، والمعظّم في كلّ جَنان.. وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك".
هو بذلك أراد أن يعزِّز العلاقة بالله سبحانه وتعالى، وأن يكون هو المبدأ والمنتهى، وإليه الملجأ في كلّ الأمور.
وقد حدَّد للإنسان المؤمن وجهته في دعائه في الصّباح والمساء، عندما قال: "اللّهمَّ وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا، وَلَيْلَتِنَا هَذِهِ، وَفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا، لِاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وَهِجْرَانِ الشَّرِّ، وَشُكْرِ النِّعَمِ، وَاتِّبَاعِ السُّنَنِ، وَمُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، وَالأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَحِيَاطَةِ الاسْلامِ، وَانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَإِذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِهِ".
وغيرها الكثير من الأدعية في الصّحيفة السجاديّة التي هي منهج متكامل من الزّاد الذي جمع بين اللّين والخشوع، وبين القوَّة والحزم، والموقف الصّادح بالحقّ ورفض الظّلم.
مكانته عند النّاس
هذا هو الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين، الّذي استمرّت إمامته خمساً وثلاثين سنة قضاها بين النّاس، عاش بينهم، أغناهم بعلمه وفقهه وحديثه، وملك قلوبهم بحلمه وسماحته ومحبّته واستيعابه حتى للّذين أساؤوا إليه، وهو الذي كان يقول: "ما تجرّعت جرعةً أحبّ إليّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها". وكان يخرج في اللّيالي المظلمة، حاملاً جراب الطعام على ظهره خشية أن يبيت أحدهم جائعاً، حتّى عُدَّ خليفة قلوب النّاس، ولا أدلّ على ذلك من قصّة الأمواج البشريّة التي ارتادت بيت الله الحرام، والتي ما إن رأت عليّ بن الحسين (ع) يريد أن يشقّ طريقه، حتى انفرجت له تاركةً المجال له من تلقاء نفسها، في الوقت الّذي كان هشام بن عبدالملك مع موكبه الرّسميّ، محتفظاً بموطئ قدم له، منتظراً أن يخفّ الزحام ليؤدي مناسك الحجّ. يومها، سأله أحدهم: من هذا الذي أفسحت له الناس دونك؟ فتجاهل الأمر وقال لا أعرف. وكان الشّاعر الفرزدق آنذاك حاضراً، فجاء جوابه شعراً في قصيدة العصماء، ومما جاء فيها:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَم
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
ما قال لا قطُّ إلّا في تَشَهُّدِهِ لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
تعليق