نص الشبهة:
قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... ﴾ . فإنّ الله عز وجل أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منهم ، لكن عند التنازع فالرد لا يكون إلا إلى الله والرسول دون أولي الأمر ، لأنّ الله عز وجل هو الرب ، والرسول هو عن المبلغ عن الله وهو معصوم لا يخطئ في بيان الحق عند التنازع ، أما أولي الأمر فلأنهم ليسوا مبلغين عن الله ولا عصمة لديهم بل مسلمون امتن الله عليهم بالسلطة وأمرنا الله بطاعتهم ما أقاموا الدين ، ولذلك لم يجعل الله الرد إليهم . ولو كان أولوا الأمر معصومين ومبلغين عن الله كما تذكر النظرية الإمامية لجعل الله الرد إليهم ، لكن الله عز وجل أبى إلا أن يجعل الحقيقة واضحة للعيان .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
إن علينا ملاحظة الأمور التالية :
1 ـ لا يمكن للناس أن يرجعوا إلى الله مباشرة ، ليكون هو الذي يتولى فض نزاعاتهم . .
وبعد استشهاد النبي « صلى الله عليه وآله » لا يمكنهم الرجوع إليه « صلى الله عليه وآله » ليباشر هو فض نزاعاتهم بنفسه أيضاً .
2 ـ إن هذه الآية لا تختص بحياة رسول الله « صلى الله عليه وآله » . لأنه لا يمكن الرجوع في حياة الرسول إلى غير رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
3 ـ إن التنازع بعد استشهاد رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد حصل ولا يزال يحصل ، وهذا الإختلاف قد حصل في الإمامة نفسها والاختلاف صار بين الإمام عليه السلام وبين المستولين على الخلافة فإلى من يرجع المختلفون هل يرجعون إلى الإمام علي ، أم يرجعون إلى أبي بكر .ولا بد للناس من مرجعية تحل لهم هذه النزاعات الدينية وغيرها .
وقد قلتم : إن القرآن لم يجعل الرد إلى الأئمة المعصومين « عليهم السلام » . فإلى من يرجع الناس في نزاعاتهم ؟! . وهل تترك الشبهات والخلافات في الدين تنتج الفتن التي تفتك فيهم ، وتدمر وجودهم ، وتقضي على كل نبضات الحياة .
4 ـ إن ما تقدم يجعلنا نفهم الآية بنحو آخر يختلف عما ذكرتموه .
وهو أن المرجع الذي يحل النزاع هو القرآن ، وكلام الرسول . . والآيات وكلام الرسول يؤيدان ولاية علي عليه السلام وإمامته . .
ويمكن توضيح هذا الجواب بطريقة أخرى وهي أن يقال :
أولاً : إن الآية تدل على عصمة الرسول « صلى الله عليه وآله » ، لأنه تعالى أمر بطاعته بنحو مطلق ، فلو كان يعصي أو يخطئ ، لكان المطلوب هو عصيانه . . وهذا تناقض .
ثانياً : إن الآية المباركة تدل أيضاً على عصمة أولي الأمر بنفس الدليل السابق ، لأن أمر الله تعالى بطاعتهم أمر مطلق غير مشروط ، ولو كانوا يخطئون ويعصون فلا يمكن أن يأمر بإطاعتهم مطلقاً ، بحيث يشمل حال الخطأ والمعصية ، بل هو سيأمر في هذه الحال بمعصيتهم ، ولا يجتمع الأمر بالطاعة والأمر بالمعصية .
وعلينا أن لا ننسى :
أنه تعالى أمر بطاعة الله بصورة مستقلة . فقال : أطيعوا الله ، ثم أمر بطاعة الرسول ، وأولى الأمر بأمر واحد .
فقال : ﴿ ... وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... ﴾ 1 . . ولعل الفرق بينهما : أن للرسول « صلى الله عليه وآله » حيثيتين :
إحداهما : أنه مبلغ عن الله تعالى : دينه ، وشرائعه .
الثانية : وما يراه من صواب الرأي والتدبير ، وتطبيق الأحكام التي لها ارتباط بحكومته وولايته .
أما أولوا الأمر فليسوا كذلك ، إذ لا نصيب لهم من الوحي ، وإنما هم حفظة التشريع ، وحملته للناس . وقد أخذوه من كتاب الله ، ومن رسول الله « صلى الله عليه وآله » . .
فيجب تصديقهم والأخذ منهم ، وطاعتهم فيما يرتبط بحكومتهم وتدبيرهم .
ثالثاً : إن الآيات التي تلت هذه الآية المباركة توضح : أن التنازع الذي أمر الله تعالى الناس برده إلى الله سبحانه ، وإلى الرسول « صلى الله عليه وآله » ، هو التنازع في أحكام الله .
ولا يجوز الرجوع في مثل هذا الأمر إلى الطاغوت ، لأن ذلك يوجب ضلالهم ، بل كفرهم . ولا بد لحل النزاع المتعلق بالأحكام من الرجوع إلى الله ورسوله . أي إلى الكتاب والسنة .
فإذا كان أولوا الأمر حافظين للأحكام ، معصومين عن الخطأ فيها ، فإن الرجوع إليهم لأخذها منهم رجوع إلى حكم الله في كتابه ، وإلى رسوله فيما سنه وبينه وبلغه . .
رابعاً : إن الآية لم تحدد من هم أولوا الأمر ، ولا بينت كيفية نصبهم ، ولا حدّدت من الذي ينصبهم ، ومن الذي يجعل لهم ولاية الأمر .
فلا بد من الرجوع في ذلك كله إلى سائر الآيات التي حددث ذلك . . فلماذا لا ترجعون إلى حديث الغدير ؟!
فقد أمر الله رسوله بقوله : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ 2 .
أو إلى آية : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 3 .
فمن هم هؤلاء الراكعون الذين جعل الله لهم الولاية بعد ولايته وولاية رسوله ؟! نكتفي بهذا القدر من البيان . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . . 4 .
المصادر
1. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 59، الصفحة: 87.
2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 55، الصفحة: 117.
4. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، الأسئلة الملحقة ، السؤال رقم (204) .