اللهم صل على محمد وآل محمد
يقول آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي [رزقنا الله شفاعته] :
يبدو لكلّ متتبّع للتاريخ ما كانت عليه الأمم قبل الإسلام مِن الجهل ، وما وصلت إليه مِن الانحطاط في معارفهم وأخلاقهم ، فكانت الهمَجيّة سائدة عليهم ، والغارات متواصلة فيما بينهم ، والقلوب متّجهة إلى النَهْب والغنيمة ، والخُطى مسرعة إلى إصلاء نيران الحروب والمعارك وكان للعرب القِسم الوافر مِن خرافات العقيدة ، ووحشية السلوك ، فلا دين يجمعهم ، ولا نظام يربطهم ، وعادات الآباء تذهب بهم يميناً وشمالاً .
وكان الوثنيّون في بلاد العرب هم السواد الأعظم ، فكانت لهم - باختلاف قبائلهم وأُسَرِهم - آلهة يعبدونها ويتّخذونها شفعاء إلى الله ، وشاع بينهم الاستقسام بالأنصاب والأزلام ، واللعب بالمَيْسِر ، حتّى كان الميسِر مِن مفاخرهم ، وكان مِن عاداتهم التزويج بنساء الآباء ، ولهم عادة أخرى هي أفظع منها - وهي وَأْد البنات - دفنهنّ في حال الحياة.
هذه بعض عادات العرب في جاهليتهم وحين بزغ نور محمّد - ص - وأشرقت شمس الإسلام في مكّة ، تنوّروا بالمعارف، وتخلّقوا بمكارم الأخلاق ، فاستبدلوا الوثنية بالتوحيد ، والجهل بالعِلم ، والرذائل بالفضائل ، والشقاق والتخالف بالإخاء والتآلف، فأصبحوا أمّة وثيقة العُرى ، مدَّت جناح ملكها على العالَم ، ورفعتْ أعلام الحضارة في أقطار الأرض وأرجائها قال ألَدوري: ( وبعد ظهور الذي جمع قبائل العرب أمّة واحدة ، تقصد مقصداً واحداً ، ظهرتْ للعَيان أمّة كبيرة ، مدّتْ جناح مُلكها مِن نهر تاج إسبانيا إلى نهر الجانج في الهند ، ورفعتْ على منار الإشادة أعلام التمدّن في أقطار الأرض ، أيّام كانت أوروبا مظلمة بجهالات أهلها في القرون المتوسّطة ثمّ قال : إنّهم كانوا في القرون المتوسّطة مختصّين بالعلوم مِن بين سائر الأمم ، وانقشعت بسببهم سحائب البربرية ، التي امتدّت على أوروبا حين اختلّ نظامها بفتوحات المتوحّشين ). نعم إنّ جميع ذلك كان بفضْل تعاليم كتاب الله الكريم ، الذي فاق جميع الصُحُف السماوية ، فإنّ للقرآن في أنظمته وتعاليمه مسلكاً يتمشّى مع البراهين الواضحة ، وحُكم العقل السليم ، فقد سلك سبيل العدْل ، وتجنّب عن طرفَي الإفراط والتفريط.
___________________
البيان في تفسير القرآن