بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
استحياءً وخجلاً من مقام الله تعالى، ينطق ضميري بحقيقة ادركها في وسطنا الشيعي والتي تكمن في قلة استحضار مقام الله تعالى في كثير من خطاباتنا ومحاضراتنا وندواتنا حتى على مستوى حواراتنا المتعددة والمتنوعة سواء كانت بالمواجهات أو عن بعد «الحوارات الإلكترونية» وغيرها. الكثير من أصحاب الآراء المختلفة فيما بينهم هم أساساً أصحاب نيات حسنة، الواحد منهم يجتهد لإقناع البقية بالحقيقة التي يراها، وعادة ما تكون نيته طاهرة في بداية الأمر، لكن سرعان ما يدخل في الأجواء المتوترة، فيبدأ تدريجياً يتشنج ويتحيز دون أن يشعر، والسبب في ذلك يعود إلى ما ذكرتُ أعلاه، قلة استحضار مقام الله تعالى وجدانياً ليكن فوق أي اعتبار وفوق كل مقام، ولو كان الأمر كذلك، لبقيت النفس مستشعرة بالرقيب دائما، ضامنة لطاهرة النية من الهوى.
قال جل جلاله ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى «41»﴾ النازعات﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ 14 ابراهيم ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ 46 الرحمن وأعظم آيات القران الكريم تصب بالدرجة الأولى في مقام الله تعالى على اختلاف اللفظ، لكن يا حسرتاه، لطالما نذكر الله بأفواهنا ولا نستحضره في وجداننا، أو نبدأ ببسم الله ولكننا لا نعي إننا ربطنا اسم الله تعالى بما ننوي، خيراً كان أم شراً، كاللص الذي يمد يده فيقول بسم الله ثم يسرق. وأتساءل لماذا يعتري ضميرنا هزة إذا ظُلم المخلوق ولا يكن كذلك إذا ظُلم الخالق؟ حيث يغيب مقامه تعالى متى ما استحضرنا مقام من هو دونه، سواء كان ملكاً أو نبياً أوصي، أو من هو أدنى من ذلك كله.
يا أصحاب الألباب، إنني عندما أذكر مقام الله تعالى ثم أذكر من هو دونه أو كلمة أدنى، لا أعني التقليل من مقام أحد رفع الله مقامهم، بل لينبض الفكر بمقام الله تعالى قبل أي مقام آخر، حصناً ألا نخوض مع الخائضين، أما من هم دونه تعالى ممن أرتضى لهم مقام، يجب أن نقدر لهم مقاماتهم في الحد الذي لا نساوي مقامهم بمقامه، تعالى الله عما يشركون. قال جل جلاله: ﴿وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ 164 الصافات ﴿الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ 51 الدخان ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ 79 الاسراء وكثير من الآيات التي تتحدث عن مقام من هم دون الله بألفاظ مختلفة. قال جل جلاله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ 253 البقرة الحديث عن مقام الله تعالى طويل وعميق جداً، لا يمكننا استفاءه، وقد ذكرته في مقدمة كتابتي لأني ولعل كثير من يتفق معي، إن ساحتنا الفكرية الشيعية تعيش توتر بشكل متفاقم، السبب الأول والأخير هو إن وجداننا في غياب عن مقام الله في الوقت الذي نتناول فيه دينه عز وجل.
تُرى ما هي أسباب غياب مقام الله تعالى في كثير من الموارد وبشكل خاص في أطروحاتنا الفكرية الدينية الشيعية؟ ولكي نعرف أول سبب علينا أن نطرح سؤال آخر: من أين تتلقى أكثرية الأفراد الشيعة معتقداتها ومعلوماتها بشكل مباشر؟ أليس من المنبر؟ هل المنبر يشبع من مقام الله تجاه المتلقي أكثر من أي موضع آخر؟ هل هناك آلية لإدارة المنبر أساسا، لكي يكون على مستوى من مسماه، وقبل أن يصدر منه حرف عن مقام الله تعالى أو عن مقام أهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام أو عن غيرهم؟ هل هناك رقيب على الخطيب وهو يتحدث بحرية من على المنبر؟ أو بشكل أدق هل الخطيب ذاته يشعر بمقام الله حاضراً معه في اللحظة التي ينوي لفظ كلمة واحدة؟ هل يستحضر الخطيب قوله جل جلاله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ 18 قهل علمنا المنبر طوال السنين الماضية إلى حاضرنا كيف نتحاور أو نتبادل فكرياً حاسبين لمقام الله حساباً ونحن نتناول دينه؟ أم أكتفى بأن يصغي المتلقي للمنبر دون أن يصغي المنبر للمتلقي؟ المنبر وما أدراك ما المنبر، إنه المعلم عشير العمر، والحديث حوله ذو شجون، يحتاج إلى موضوعاً مستقلاً، إن لم يكن كتاباً، وسأكتفي بأني أشير إليه معتبره بحسب من يعتليه، سببا في قلة استحضار مقام الله تعالى لدى روح المسمع والمستمع، بالرغم من تنوع اتجاهاتهم، والأخطر في الأمر، إن الخطيب أحيانا يتأثر عاطفياً أو يأخذه هواه عندما يتحدث عن ما هو آت عن الله، سواء من آيات أو أحاديث، وهو يحسب إنه يحسن صنعا، ولو إن مقام الله تعالى حاضراً وقتها، لخاف مقام ربه ثم تحذر كل الحذر وأجتهد كل الاجتهاد في أقناع نفسه قبل الآخرين، بأنه مستنداً في تفسيره للآية أو الحديث إلى دليل من الراسخين في العلم، لا لميوله واسترضاءه لمن ينتمي إليهم.
وكما إن القرآن الكريم ذكر آيات تناولت مقام الله تعالى، كذلك ذكر آيات في القول بما لم يأت به الله تعالى، بل يوصي بأن يكون الرب حاضراً دائما وأبداً. قال جل جلاله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «78» مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ «79» وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ «80»﴾ آل عمران يجب أن يكون المنبر في استحضار لمقام الله تعالى قبل أن يطلق عليه «منبر الحسين» وكما أكد أبو عبد الله في مقام الله تعالى حيث قال: «يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وأَوْلِياؤهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ،» «الهي، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونالأعلى، هي التي تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً،» ولنقف على كل كلمة يقولها في مقام الله تعالى حتى ندرك كم بعُدنا عن هذا المقام الأعلى، حيث أخذتنا النزاعات باسم الدفاع عن دينه تبارك وتعالى. هيا نشرب من كلمات الحسين حتى نحيي مقام الله تعالى في وجداننا، حيث ينبع الحسين قائلاً «وَأَنَا أَشْهَدُ يا إِلهي بِحَقيقَةِ إيماني، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني، وَخالِصِ صَريحِ تَوْحيدي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَميري، وَعَلائِقِ مَجاري نُورِ بَصَري، وَأَساريرِ صَفْحَةِ جَبيني، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسي، وَخَذاريفِ مارِنِ عِرْنَيني، وَمَسارِبِ صِماخِ سَمْعي، وَما ضُمَّتْ وَأَطبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحرِكاتِ لَفظِ لِساني، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمي وَفَكّي، وَمَنابِتِ أَضْراسي، وَمَساغِ مَطْعَمي وَمَشْرَبي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَأْسي، وَبُلُوغِ فارِغِ حبائِلِ عُنُقي، وَمَا اشْتَمَلَ عَليْهِ تامُورُ صَدري، وَحمائِلِ حَبْلِ وَتيني، وَنِياطِ حِجابِ قَلْبي، وَأَفْلاذِ حَواشي كَبِدي، وَما حَوَتْهُ شَراسيفُ أَضْلاعي، وَحِقاقُ مَفاصِلي، وَقَبضُ عَوامِلي، وَأَطرافُ أَنامِلي، وَلَحْمي وَدَمي، وَشَعْري وَبَشَري، وَعَصَبي وَقَصَبي، وَعِظامي، وَمُخّي وَعُرُوقي، وَجَميعُ جَوارِحي، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيّامَ رَضاعي، وَما أَقلَّتِ الأَرْضُ مِنّي، وَنَوْمي وَيقَظَتي، وَسُكُوني وَحرَكاتِ رُكُوعي وَسُجُودي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الأَعصَارِ وَالأَحْقابِ - لَوْ عُمِّرْتُها - أَنْ أُؤَدِّي شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إِلاّ بِمَنِّكَ الْمُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرَاً آنِفاً جَديداً، وَثَناءً طارِفاً عَتيداً».
وقال الأنبياء والأوصياء والصالحون الكثير في مقام الله تعالى، ولكن متى سنفيق إنه لا جدوى من حوار في دينه الله ويخلو من مقامه تبارك تعالى. يا أصحاب الألباب، ربطتُ بين مقام الله تعالى وبين الحوار في دينه، لفقد كثير من الحوارات «مقام الله تعالى» في جوها العام
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
استحياءً وخجلاً من مقام الله تعالى، ينطق ضميري بحقيقة ادركها في وسطنا الشيعي والتي تكمن في قلة استحضار مقام الله تعالى في كثير من خطاباتنا ومحاضراتنا وندواتنا حتى على مستوى حواراتنا المتعددة والمتنوعة سواء كانت بالمواجهات أو عن بعد «الحوارات الإلكترونية» وغيرها. الكثير من أصحاب الآراء المختلفة فيما بينهم هم أساساً أصحاب نيات حسنة، الواحد منهم يجتهد لإقناع البقية بالحقيقة التي يراها، وعادة ما تكون نيته طاهرة في بداية الأمر، لكن سرعان ما يدخل في الأجواء المتوترة، فيبدأ تدريجياً يتشنج ويتحيز دون أن يشعر، والسبب في ذلك يعود إلى ما ذكرتُ أعلاه، قلة استحضار مقام الله تعالى وجدانياً ليكن فوق أي اعتبار وفوق كل مقام، ولو كان الأمر كذلك، لبقيت النفس مستشعرة بالرقيب دائما، ضامنة لطاهرة النية من الهوى.
قال جل جلاله ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى «40» فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى «41»﴾ النازعات﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ 14 ابراهيم ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ 46 الرحمن وأعظم آيات القران الكريم تصب بالدرجة الأولى في مقام الله تعالى على اختلاف اللفظ، لكن يا حسرتاه، لطالما نذكر الله بأفواهنا ولا نستحضره في وجداننا، أو نبدأ ببسم الله ولكننا لا نعي إننا ربطنا اسم الله تعالى بما ننوي، خيراً كان أم شراً، كاللص الذي يمد يده فيقول بسم الله ثم يسرق. وأتساءل لماذا يعتري ضميرنا هزة إذا ظُلم المخلوق ولا يكن كذلك إذا ظُلم الخالق؟ حيث يغيب مقامه تعالى متى ما استحضرنا مقام من هو دونه، سواء كان ملكاً أو نبياً أوصي، أو من هو أدنى من ذلك كله.
يا أصحاب الألباب، إنني عندما أذكر مقام الله تعالى ثم أذكر من هو دونه أو كلمة أدنى، لا أعني التقليل من مقام أحد رفع الله مقامهم، بل لينبض الفكر بمقام الله تعالى قبل أي مقام آخر، حصناً ألا نخوض مع الخائضين، أما من هم دونه تعالى ممن أرتضى لهم مقام، يجب أن نقدر لهم مقاماتهم في الحد الذي لا نساوي مقامهم بمقامه، تعالى الله عما يشركون. قال جل جلاله: ﴿وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ 164 الصافات ﴿الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ 51 الدخان ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ 79 الاسراء وكثير من الآيات التي تتحدث عن مقام من هم دون الله بألفاظ مختلفة. قال جل جلاله: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ 253 البقرة الحديث عن مقام الله تعالى طويل وعميق جداً، لا يمكننا استفاءه، وقد ذكرته في مقدمة كتابتي لأني ولعل كثير من يتفق معي، إن ساحتنا الفكرية الشيعية تعيش توتر بشكل متفاقم، السبب الأول والأخير هو إن وجداننا في غياب عن مقام الله في الوقت الذي نتناول فيه دينه عز وجل.
تُرى ما هي أسباب غياب مقام الله تعالى في كثير من الموارد وبشكل خاص في أطروحاتنا الفكرية الدينية الشيعية؟ ولكي نعرف أول سبب علينا أن نطرح سؤال آخر: من أين تتلقى أكثرية الأفراد الشيعة معتقداتها ومعلوماتها بشكل مباشر؟ أليس من المنبر؟ هل المنبر يشبع من مقام الله تجاه المتلقي أكثر من أي موضع آخر؟ هل هناك آلية لإدارة المنبر أساسا، لكي يكون على مستوى من مسماه، وقبل أن يصدر منه حرف عن مقام الله تعالى أو عن مقام أهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام أو عن غيرهم؟ هل هناك رقيب على الخطيب وهو يتحدث بحرية من على المنبر؟ أو بشكل أدق هل الخطيب ذاته يشعر بمقام الله حاضراً معه في اللحظة التي ينوي لفظ كلمة واحدة؟ هل يستحضر الخطيب قوله جل جلاله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ 18 قهل علمنا المنبر طوال السنين الماضية إلى حاضرنا كيف نتحاور أو نتبادل فكرياً حاسبين لمقام الله حساباً ونحن نتناول دينه؟ أم أكتفى بأن يصغي المتلقي للمنبر دون أن يصغي المنبر للمتلقي؟ المنبر وما أدراك ما المنبر، إنه المعلم عشير العمر، والحديث حوله ذو شجون، يحتاج إلى موضوعاً مستقلاً، إن لم يكن كتاباً، وسأكتفي بأني أشير إليه معتبره بحسب من يعتليه، سببا في قلة استحضار مقام الله تعالى لدى روح المسمع والمستمع، بالرغم من تنوع اتجاهاتهم، والأخطر في الأمر، إن الخطيب أحيانا يتأثر عاطفياً أو يأخذه هواه عندما يتحدث عن ما هو آت عن الله، سواء من آيات أو أحاديث، وهو يحسب إنه يحسن صنعا، ولو إن مقام الله تعالى حاضراً وقتها، لخاف مقام ربه ثم تحذر كل الحذر وأجتهد كل الاجتهاد في أقناع نفسه قبل الآخرين، بأنه مستنداً في تفسيره للآية أو الحديث إلى دليل من الراسخين في العلم، لا لميوله واسترضاءه لمن ينتمي إليهم.
وكما إن القرآن الكريم ذكر آيات تناولت مقام الله تعالى، كذلك ذكر آيات في القول بما لم يأت به الله تعالى، بل يوصي بأن يكون الرب حاضراً دائما وأبداً. قال جل جلاله: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «78» مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ «79» وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ «80»﴾ آل عمران يجب أن يكون المنبر في استحضار لمقام الله تعالى قبل أن يطلق عليه «منبر الحسين» وكما أكد أبو عبد الله في مقام الله تعالى حيث قال: «يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وأَوْلِياؤهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ،» «الهي، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونالأعلى، هي التي تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً،» ولنقف على كل كلمة يقولها في مقام الله تعالى حتى ندرك كم بعُدنا عن هذا المقام الأعلى، حيث أخذتنا النزاعات باسم الدفاع عن دينه تبارك وتعالى. هيا نشرب من كلمات الحسين حتى نحيي مقام الله تعالى في وجداننا، حيث ينبع الحسين قائلاً «وَأَنَا أَشْهَدُ يا إِلهي بِحَقيقَةِ إيماني، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني، وَخالِصِ صَريحِ تَوْحيدي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَميري، وَعَلائِقِ مَجاري نُورِ بَصَري، وَأَساريرِ صَفْحَةِ جَبيني، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسي، وَخَذاريفِ مارِنِ عِرْنَيني، وَمَسارِبِ صِماخِ سَمْعي، وَما ضُمَّتْ وَأَطبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحرِكاتِ لَفظِ لِساني، وَمَغْرَزِ حَنَكِ فَمي وَفَكّي، وَمَنابِتِ أَضْراسي، وَمَساغِ مَطْعَمي وَمَشْرَبي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَأْسي، وَبُلُوغِ فارِغِ حبائِلِ عُنُقي، وَمَا اشْتَمَلَ عَليْهِ تامُورُ صَدري، وَحمائِلِ حَبْلِ وَتيني، وَنِياطِ حِجابِ قَلْبي، وَأَفْلاذِ حَواشي كَبِدي، وَما حَوَتْهُ شَراسيفُ أَضْلاعي، وَحِقاقُ مَفاصِلي، وَقَبضُ عَوامِلي، وَأَطرافُ أَنامِلي، وَلَحْمي وَدَمي، وَشَعْري وَبَشَري، وَعَصَبي وَقَصَبي، وَعِظامي، وَمُخّي وَعُرُوقي، وَجَميعُ جَوارِحي، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيّامَ رَضاعي، وَما أَقلَّتِ الأَرْضُ مِنّي، وَنَوْمي وَيقَظَتي، وَسُكُوني وَحرَكاتِ رُكُوعي وَسُجُودي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الأَعصَارِ وَالأَحْقابِ - لَوْ عُمِّرْتُها - أَنْ أُؤَدِّي شُكْرَ واحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إِلاّ بِمَنِّكَ الْمُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرَاً آنِفاً جَديداً، وَثَناءً طارِفاً عَتيداً».
وقال الأنبياء والأوصياء والصالحون الكثير في مقام الله تعالى، ولكن متى سنفيق إنه لا جدوى من حوار في دينه الله ويخلو من مقامه تبارك تعالى. يا أصحاب الألباب، ربطتُ بين مقام الله تعالى وبين الحوار في دينه، لفقد كثير من الحوارات «مقام الله تعالى» في جوها العام