بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
القلب يمكن أن يكون نورانياً يشع بنور الإيمان والتقوى، ويمكن أن يكون سوداوياً مطبقاً بالظلمة بسبب الابتعاد عن نهج الدين وكثرة المعاصي والذنوب؛ فالقلب يشع نوراً بالطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ويكون مظلماً عندما يكون صاحبه غارقاً في المعاصي والذنوب الكبيرة.
وقد أشار رسولُ اللَّهِ ﷺ إلى ذلك بقوله: «قَلبُ المؤمنِ أجرَدُ فيهِ سِراجٌ يَزهَرُ، وقَلبُ الكافِرِ أسوَدُ مَنكوسٌ» [1] .
والمعيار في ترتب الآثار الأخروية يرتكز على نورانية القلب والأعمال الصالحة، وليس شكل البدن وكمية المال، يقول رسولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تباركَ وتعالى لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكُم ولا إلى أموالِكُم ولكنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم وأعمالِكُم» [2] .
والقصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من حركات البدن، قال الإمامُ الصّادقُ : «القَصدُ إلَى اللَّهِ بالقُلوبِ أبلَغُ مِن القَصدِ إلَيهِ بالبَدَنِ، وحَرَكاتُ القُلوبِ أبلَغُ مِن حَرَكاتِ الأعمالِ» [3] . وعن الإمام الجواد قال: «القَصدُ إلَى اللَّهِ تعالى بالقُلوبِ أبلَغُ مِن إتعابِ الجَوارحِ بالأعمالِ» [4] .
مما يزيد في نورانية القلب
تشير طائفة من الروايات إلى مجموعة من الطاعات والأعمال الصالحة التي تزيد في نورانية القلب، ومنها:
1. ذكر الله تعالى:
إن تعويد اللسان على ذكر الله كثيراً ينير القلب، ويبعث الطمأنينة فيه كما أشار الله عزّ وجلّ إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[5] .
وقال الإمامُ عليٌّ : «عَليكَ بِذِكرِ اللَّهِ، فإنّهُ نورُ القلوبِ» [6] . وعنه قال: «الذِكرُ نورٌ ورُشدٌ، النِّسيانُ ظُلمَةٌ وفَقدٌ» [7] . وعنه قال: «مَن ذَكَرَ اللَّهَ سبحانَهُ أحيا اللَّهُ قَلبَهُ ونَوَّرَ عَقلَهُ ولُبَّهُ» [8] . وعنه قال: «الذِكرُ نورُ العُقولِ، وحياةُ النُّفوسِ، وجَلاءُ الصُّدورِ» [9] .
وعنه قال: «الذِّكرُ يُؤنِسُ اللُبَّ ويُنيرُ القَلبَ ويَستَنزِلُ الرَّحمَةَ» [10] .
فمن أراد أن يجعل قلبه نورانياً فليلهج لسانه بذكر الله تعالى في كل وقت وحين ومكان، فاذكر الله سبحانه بأية حالة وكيفية كنت، وأنت قائم أو جالس أو راكب أو مستلق كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾[11] . والمرء وما اعتاد، فعوّد لسانك على ذكر الله سبحانه دائماً حتى تكون ممن ينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[12] .
2. تلاوة القرآن الكريم:
إن المداومة على تلاوة القرآن الكريم - وهو كلام الله تعالى - له أثر كبير في إنارة القلب، وتقوية البصر والبصيرة. فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيراً، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض» [13] .
وكان من دعائه ﷺ: «اللّهُمّ نَوِّرْ بكتابِكَ بَصَرِي، واشرَحْ بهِ صَدري، وفَرِّحْ بهِ قَلبي، وأطلِقْ بهِ لِساني، واستَعمِلْ بهِ بَدَني، وقَوِّني على ذلكَ، فإنّهُ لا حَولَ ولا قُوّةَ إلّابكَ» [14] .
وقال الإمامُ عليٌّ - في صفةِ القرآنِ -: «جَعَلَهُ اللَّهُ ريّاً لِعَطَشِ العُلَماءِ، ورَبيعاً لِقُلوبِ الفُقَهاءِ، ومَحاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحاءِ، ودَواءً ليسَ بَعدَهُ داءٌ، ونوراً ليسَ مَعهُ ظُلمَةٌ» [15] .
وكان من دعائه أيضاً - عندَ خَتمِهِ القرآنَ -: «اللّهُمّ اشرَحْ بالقرآنِ صَدرِي، واستعمِلْ بالقرآنِ بَدَني، ونَوِّرْ بالقرآنِ بَصَري، وأطلِقْ بالقرآنِ لِساني، وأعِنِّي علَيهِ ما أبقَيتَنِي، فإنّهُ لا حَولَ ولا قُوّةَ إلّابكَ» [16] .
وقال الإمامُ الحسنُ : «إنّ هذا القرآنَ فيهِ مَصابيحُ النُّورِ وشِفاءُ الصُّدورِ، فَلْيَجلُ جالٍ بضَوئهِ، وليُلجمِ الصِّفةَ قَلبَهُ، فإنَّ التّفكيرَ حَياةُ القَلبِ البَصيرِ كما يَمشِي المُستَنيرُ في الظُّلُماتِ بالنورِ» [17] .
إن المداومة على تلاوة القرآن الكريم والتدبر في آياته، وحضور القلب عند تلاوته، يزيد من نورانية القلب، وانشراح الصدر وانفساحه.
3. المحافظة على الصلوات الواجبة:
إن المحافظة على أداء الصلوات الواجبة في أوقاتها، وقيام الليل، والتهجد في السحر، من الأمور التي تجعل القلب نورانياً كما ورد في الأخبار والروايات. ومنها:
ما روي حول أن الصلاة تنير القلب: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّلاةُ نورُ المُؤمِنِ، والصَّلاةُ نورٌ مِنَ اللهِ» [18] . وعنه ﷺ قال: «صَلاةُ الرَّجُلِ نورٌ في قَلبِهِ، فَمَن شاءَ مِنكُم فَليُنَوِّر قَلبَهُ» [19] .
وعن التهجد في السحر والناس نيام، والإتيان بصلاة الليل، وأن ذلك يجعل القلب نورانياً، فقد روي عن رسول اللَّهِ ﷺ أنه قال: «إنَّ العَبدَ إذا تَخَلّى بِسَيِّدِهِ في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ وناجاهُ، أثبَتَ اللَّهُ النورَ في قَلبِهِ... ثُمّ يقولُ جَلَّ جلالُهُ لِملائكَتِهِ:
يا ملائكَتي، انظُرُوا إلى عَبدِي، فقد تَخَلّى بي في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ والبطّالونَ لاهُونَ، والغافِلونَ نِيامٌ، اشهَدُوا أنّي قد غَفَرتُ لَهُ» [20] .
وعن الإمام عليّ قال: «ما تَرَكتُ صلاةَ اللَّيلِ منذُ سَمِعتُ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وآله: صلاةُ اللَّيلِ نُورٌ». فقالَ ابنُ الكَوّاءِ: ولا ليلةَ الهَريرِ؟ قالَ: «ولا ليلةَ الهَرِيرِ» [21] .
وعن الإمام الصادق قال: «صلاةُ اللَّيلِ تُبَيِّضُ الوَجهَ، وصلاةُ اللَّيلِ تُطَيِّبُ الرِّيحَ، وصلاةُ اللَّيلِ تَجلِبُ الرِّزقَ» [22] .
وقال الإمامُ زينُ العابدينَ - لَمّا سُئلَ: مابالُ المُتَهَجِّدِينَ بِاللَّيلِ مِن أحسَنِ الناسِ وَجهاً؟ -: «لأنّهُم خَلَوا باللَّهِ فَكَساهُمُ اللَّهُ مِن نُورِهِ» [23] .
4. الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد:
إن الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد ينير القلب، وينير القبر، ويكون له نوراً على الصراط، وفي الجنة؛ فقد روي عن رسول اللَّهِ ﷺ أنه قال: «أكثروا الصلاة عليَّ، فإنّ الصلاة عليّ، نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة» [24] .
القلب السليم
إن القلب النوراني يكون سليماً من الأحقاد والضغائن والعقد والأمراض النفسية والروحية، بينما القلب السوداوي يكون ملوثاً بالأحقاد والكراهية والبغض تجاه الآخرين. فقد قال الإمامُ عليٌّ : «لا يَسلَمُ لكَ قَلبُكَ حتّى تُحِبَّ للمُؤمنينَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ» [25] . وعنه قال: «لا يَصدُرُ عنِ القَلبِ السَّليمِ إلّا المَعنى المُستَقيمُ» [26] . والقلب النوراني يأتي يوم القيامة سليماً من حب الدنيا، ومن كل الأمراض القلبية، وهو الذي ينفع صاحبه، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وقال الإمامُ عليٌّ : «إذا أحَبَّ اللَّهُ عَبداً رَزَقَهُ قَلباً سَليماً وخُلُقاً قَويماً» [28] .
ويفسر الإمامُ الصّادقُ معنى القلب السليم - في قولِهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ - بقوله: «القَلبُ السَّليمُ الذي يَلقَى رَبَّهُ، وليسَ فيهِ أحَدٌ سِواهُ، وكُلُّ قَلبٍ فيهِ شِركٌ أو شَكٌّ فهُو ساقِطٌ» [29] .
وعنه - أيضاً - قال: «هُو القَلبُ الذي سَلِمَ مِن حُبِّ الدنيا» [30] .
وعنه قال: «صاحِبُ النِّيّةِ الصادِقَةِ صاحِبُ القَلبِ السَّليمِ، لأنَّ سلامَةَ القَلبِ مِن هَواجِسِ المحذوراتِ، بتخليصِ النِّيّة للَّهِ فيالامورِ كُلِّها، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾» [31] .
فلنحافظ على سلامة قلوبنا، حتى تكون مشعة بنور الإيمان والتقوى، ومتنورة بفعل الطاعات والصالحات، وبذلك نكون من أصحاب القلوب السليمة؛ وخير القلوب القلب السليم.
[1] بحارالأنوار: 67/ 59/ 39.
[2] الأمالي للطوسي: 536/ 1162.
[3] مشكاة الأنوار: 448/ 1505.
[4] الدّرة الباهرة: 39.
[5] سورة الرعد: الآية 28.
[6] غرر الحكم: 6103.
[7] غرر الحكم: 602 - 603.
[8] غرر الحكم: 8876.
[9] غرر الحكم: 1999.
[10] غرر الحكم: 1858.
[11] سورة آل عمران: الآية 191.
[12] سورة الأحزاب: الآية 35.
[13] الخصال: الشيخ الصدوق، ص 525، رقم 13.
[14] قرب الإسناد: 5/ 16.
[15] نهج البلاغة: الخطبة 198.
[16] بحار الأنوار: 89/ 209/ 6.
[17] كشف الغمّة: 2/ 199.
[18] مستدرك الوسائل: ج 3، ص 92، ح 3098.
[19] كنز العمال: ج 7، ص 300، ح 18973.
[20] الأمالي للصدوق: 354/ 432.
[21] بحار الأنوار: 41/ 17/ 10.
[22] علل الشرائع: 363/ 1.
[23] علل الشرائع: 366/ 1.
[24] مستدرك الوسائل: ج 5، ص 332، ح 6017.
[25] بحار الأنوار: 75/ 8/ 64.
[26] غرر الحكم: 10874.
[27] سورة الشعراء: 87 - 89.
[28] غرر الحكم: 4112.
[29] الكافي: 2/ 16/ 5.
[30] مجمع البيان: 7/ 305.
[31] بحار الأنوار: 67/ 210/ 32.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
القلب يمكن أن يكون نورانياً يشع بنور الإيمان والتقوى، ويمكن أن يكون سوداوياً مطبقاً بالظلمة بسبب الابتعاد عن نهج الدين وكثرة المعاصي والذنوب؛ فالقلب يشع نوراً بالطاعات والعبادات والأعمال الصالحة، ويكون مظلماً عندما يكون صاحبه غارقاً في المعاصي والذنوب الكبيرة.
وقد أشار رسولُ اللَّهِ ﷺ إلى ذلك بقوله: «قَلبُ المؤمنِ أجرَدُ فيهِ سِراجٌ يَزهَرُ، وقَلبُ الكافِرِ أسوَدُ مَنكوسٌ» [1] .
والمعيار في ترتب الآثار الأخروية يرتكز على نورانية القلب والأعمال الصالحة، وليس شكل البدن وكمية المال، يقول رسولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ تباركَ وتعالى لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكُم ولا إلى أموالِكُم ولكنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم وأعمالِكُم» [2] .
والقصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من حركات البدن، قال الإمامُ الصّادقُ : «القَصدُ إلَى اللَّهِ بالقُلوبِ أبلَغُ مِن القَصدِ إلَيهِ بالبَدَنِ، وحَرَكاتُ القُلوبِ أبلَغُ مِن حَرَكاتِ الأعمالِ» [3] . وعن الإمام الجواد قال: «القَصدُ إلَى اللَّهِ تعالى بالقُلوبِ أبلَغُ مِن إتعابِ الجَوارحِ بالأعمالِ» [4] .
مما يزيد في نورانية القلب
تشير طائفة من الروايات إلى مجموعة من الطاعات والأعمال الصالحة التي تزيد في نورانية القلب، ومنها:
1. ذكر الله تعالى:
إن تعويد اللسان على ذكر الله كثيراً ينير القلب، ويبعث الطمأنينة فيه كما أشار الله عزّ وجلّ إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[5] .
وقال الإمامُ عليٌّ : «عَليكَ بِذِكرِ اللَّهِ، فإنّهُ نورُ القلوبِ» [6] . وعنه قال: «الذِكرُ نورٌ ورُشدٌ، النِّسيانُ ظُلمَةٌ وفَقدٌ» [7] . وعنه قال: «مَن ذَكَرَ اللَّهَ سبحانَهُ أحيا اللَّهُ قَلبَهُ ونَوَّرَ عَقلَهُ ولُبَّهُ» [8] . وعنه قال: «الذِكرُ نورُ العُقولِ، وحياةُ النُّفوسِ، وجَلاءُ الصُّدورِ» [9] .
وعنه قال: «الذِّكرُ يُؤنِسُ اللُبَّ ويُنيرُ القَلبَ ويَستَنزِلُ الرَّحمَةَ» [10] .
فمن أراد أن يجعل قلبه نورانياً فليلهج لسانه بذكر الله تعالى في كل وقت وحين ومكان، فاذكر الله سبحانه بأية حالة وكيفية كنت، وأنت قائم أو جالس أو راكب أو مستلق كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾[11] . والمرء وما اعتاد، فعوّد لسانك على ذكر الله سبحانه دائماً حتى تكون ممن ينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[12] .
2. تلاوة القرآن الكريم:
إن المداومة على تلاوة القرآن الكريم - وهو كلام الله تعالى - له أثر كبير في إنارة القلب، وتقوية البصر والبصيرة. فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيراً، فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض» [13] .
وكان من دعائه ﷺ: «اللّهُمّ نَوِّرْ بكتابِكَ بَصَرِي، واشرَحْ بهِ صَدري، وفَرِّحْ بهِ قَلبي، وأطلِقْ بهِ لِساني، واستَعمِلْ بهِ بَدَني، وقَوِّني على ذلكَ، فإنّهُ لا حَولَ ولا قُوّةَ إلّابكَ» [14] .
وقال الإمامُ عليٌّ - في صفةِ القرآنِ -: «جَعَلَهُ اللَّهُ ريّاً لِعَطَشِ العُلَماءِ، ورَبيعاً لِقُلوبِ الفُقَهاءِ، ومَحاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحاءِ، ودَواءً ليسَ بَعدَهُ داءٌ، ونوراً ليسَ مَعهُ ظُلمَةٌ» [15] .
وكان من دعائه أيضاً - عندَ خَتمِهِ القرآنَ -: «اللّهُمّ اشرَحْ بالقرآنِ صَدرِي، واستعمِلْ بالقرآنِ بَدَني، ونَوِّرْ بالقرآنِ بَصَري، وأطلِقْ بالقرآنِ لِساني، وأعِنِّي علَيهِ ما أبقَيتَنِي، فإنّهُ لا حَولَ ولا قُوّةَ إلّابكَ» [16] .
وقال الإمامُ الحسنُ : «إنّ هذا القرآنَ فيهِ مَصابيحُ النُّورِ وشِفاءُ الصُّدورِ، فَلْيَجلُ جالٍ بضَوئهِ، وليُلجمِ الصِّفةَ قَلبَهُ، فإنَّ التّفكيرَ حَياةُ القَلبِ البَصيرِ كما يَمشِي المُستَنيرُ في الظُّلُماتِ بالنورِ» [17] .
إن المداومة على تلاوة القرآن الكريم والتدبر في آياته، وحضور القلب عند تلاوته، يزيد من نورانية القلب، وانشراح الصدر وانفساحه.
3. المحافظة على الصلوات الواجبة:
إن المحافظة على أداء الصلوات الواجبة في أوقاتها، وقيام الليل، والتهجد في السحر، من الأمور التي تجعل القلب نورانياً كما ورد في الأخبار والروايات. ومنها:
ما روي حول أن الصلاة تنير القلب: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّلاةُ نورُ المُؤمِنِ، والصَّلاةُ نورٌ مِنَ اللهِ» [18] . وعنه ﷺ قال: «صَلاةُ الرَّجُلِ نورٌ في قَلبِهِ، فَمَن شاءَ مِنكُم فَليُنَوِّر قَلبَهُ» [19] .
وعن التهجد في السحر والناس نيام، والإتيان بصلاة الليل، وأن ذلك يجعل القلب نورانياً، فقد روي عن رسول اللَّهِ ﷺ أنه قال: «إنَّ العَبدَ إذا تَخَلّى بِسَيِّدِهِ في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ وناجاهُ، أثبَتَ اللَّهُ النورَ في قَلبِهِ... ثُمّ يقولُ جَلَّ جلالُهُ لِملائكَتِهِ:
يا ملائكَتي، انظُرُوا إلى عَبدِي، فقد تَخَلّى بي في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ والبطّالونَ لاهُونَ، والغافِلونَ نِيامٌ، اشهَدُوا أنّي قد غَفَرتُ لَهُ» [20] .
وعن الإمام عليّ قال: «ما تَرَكتُ صلاةَ اللَّيلِ منذُ سَمِعتُ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وآله: صلاةُ اللَّيلِ نُورٌ». فقالَ ابنُ الكَوّاءِ: ولا ليلةَ الهَريرِ؟ قالَ: «ولا ليلةَ الهَرِيرِ» [21] .
وعن الإمام الصادق قال: «صلاةُ اللَّيلِ تُبَيِّضُ الوَجهَ، وصلاةُ اللَّيلِ تُطَيِّبُ الرِّيحَ، وصلاةُ اللَّيلِ تَجلِبُ الرِّزقَ» [22] .
وقال الإمامُ زينُ العابدينَ - لَمّا سُئلَ: مابالُ المُتَهَجِّدِينَ بِاللَّيلِ مِن أحسَنِ الناسِ وَجهاً؟ -: «لأنّهُم خَلَوا باللَّهِ فَكَساهُمُ اللَّهُ مِن نُورِهِ» [23] .
4. الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد:
إن الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد ينير القلب، وينير القبر، ويكون له نوراً على الصراط، وفي الجنة؛ فقد روي عن رسول اللَّهِ ﷺ أنه قال: «أكثروا الصلاة عليَّ، فإنّ الصلاة عليّ، نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة» [24] .
القلب السليم
إن القلب النوراني يكون سليماً من الأحقاد والضغائن والعقد والأمراض النفسية والروحية، بينما القلب السوداوي يكون ملوثاً بالأحقاد والكراهية والبغض تجاه الآخرين. فقد قال الإمامُ عليٌّ : «لا يَسلَمُ لكَ قَلبُكَ حتّى تُحِبَّ للمُؤمنينَ ما تُحِبُّ لنفسِكَ» [25] . وعنه قال: «لا يَصدُرُ عنِ القَلبِ السَّليمِ إلّا المَعنى المُستَقيمُ» [26] . والقلب النوراني يأتي يوم القيامة سليماً من حب الدنيا، ومن كل الأمراض القلبية، وهو الذي ينفع صاحبه، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وقال الإمامُ عليٌّ : «إذا أحَبَّ اللَّهُ عَبداً رَزَقَهُ قَلباً سَليماً وخُلُقاً قَويماً» [28] .
ويفسر الإمامُ الصّادقُ معنى القلب السليم - في قولِهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ - بقوله: «القَلبُ السَّليمُ الذي يَلقَى رَبَّهُ، وليسَ فيهِ أحَدٌ سِواهُ، وكُلُّ قَلبٍ فيهِ شِركٌ أو شَكٌّ فهُو ساقِطٌ» [29] .
وعنه - أيضاً - قال: «هُو القَلبُ الذي سَلِمَ مِن حُبِّ الدنيا» [30] .
وعنه قال: «صاحِبُ النِّيّةِ الصادِقَةِ صاحِبُ القَلبِ السَّليمِ، لأنَّ سلامَةَ القَلبِ مِن هَواجِسِ المحذوراتِ، بتخليصِ النِّيّة للَّهِ فيالامورِ كُلِّها، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾» [31] .
فلنحافظ على سلامة قلوبنا، حتى تكون مشعة بنور الإيمان والتقوى، ومتنورة بفعل الطاعات والصالحات، وبذلك نكون من أصحاب القلوب السليمة؛ وخير القلوب القلب السليم.
[1] بحارالأنوار: 67/ 59/ 39.
[2] الأمالي للطوسي: 536/ 1162.
[3] مشكاة الأنوار: 448/ 1505.
[4] الدّرة الباهرة: 39.
[5] سورة الرعد: الآية 28.
[6] غرر الحكم: 6103.
[7] غرر الحكم: 602 - 603.
[8] غرر الحكم: 8876.
[9] غرر الحكم: 1999.
[10] غرر الحكم: 1858.
[11] سورة آل عمران: الآية 191.
[12] سورة الأحزاب: الآية 35.
[13] الخصال: الشيخ الصدوق، ص 525، رقم 13.
[14] قرب الإسناد: 5/ 16.
[15] نهج البلاغة: الخطبة 198.
[16] بحار الأنوار: 89/ 209/ 6.
[17] كشف الغمّة: 2/ 199.
[18] مستدرك الوسائل: ج 3، ص 92، ح 3098.
[19] كنز العمال: ج 7، ص 300، ح 18973.
[20] الأمالي للصدوق: 354/ 432.
[21] بحار الأنوار: 41/ 17/ 10.
[22] علل الشرائع: 363/ 1.
[23] علل الشرائع: 366/ 1.
[24] مستدرك الوسائل: ج 5، ص 332، ح 6017.
[25] بحار الأنوار: 75/ 8/ 64.
[26] غرر الحكم: 10874.
[27] سورة الشعراء: 87 - 89.
[28] غرر الحكم: 4112.
[29] الكافي: 2/ 16/ 5.
[30] مجمع البيان: 7/ 305.
[31] بحار الأنوار: 67/ 210/ 32.