بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
مفردة الانتظار عقيدة يبتني عليها منهج الإنسان في فكره وسلوكه، فهل تعد ومضة نيرة ترتقي به في سماء التكامل وتهذيب النفس وصقلها بالفضائل، أم هي مطب يهوي به في وادي سحيق من الخنوع والتخلي عن المسئوليات، وبالتالي يمارس واجباته الفردية بعيدا عن الواجب الجماعي كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ثقافة الانتظار في النهج المحمدي الأصيل صناعة للمؤمن القوي في فكره وتصرفاته وعلاقاته بعيدا عن الاستهتار والعبثية والهمة الضعيفة، تضع نصب عينيه قبسا يسير به في طريق القرب من الله تعالى وطلب رضوانه، من خلال التطلع وتحري موقف إمام الزمان ورضاه عن ذاك الفعل.
وبتوضيح أبسط فإن ثقافة الانتظار ليست بسير مغاير لإصلاح النفس وتزكيتها بالفضائل وطاعة الرحمن، ولكنه تعضيد ومآزرة بدك نور رباني يتعلق بمفهوم قرآني عقائدي وهو الإمامة ومدخلية ثقافة الانتظار، فيرقب المؤمن سلوكه بما يجعله من بناة وأوتدة ذاك الهدف الإلهي بإقامة دولة الإسلام وتطهير المعمورة من كل علامات الانحراف العقائدي والسلوكي.
فالغاية من غيبة الإمام المهدي هو إقامة دولة العدل الإلهي وإطفاء وإخماد كل أصوات الضلال والانحراف والانحلال، وأما أعوان الإمام وأفراد هذه النهضة الإصلاحية فلابد أنهم يتصفون بنعوت ومؤهلات تتعلق بعقائدهم وإيمانهم ومواقفهم المرتبطة برضا الله تعالى والدوران معه حيثما دار، والاستدارة عن الإصغاء لصوت الأهواء والشهوات ونزغات النفس الأمارة بالسوء، فتصقل تلك النفوس الإيمانية بنفحات دعاء الإمام وتوجيهاته ، والتي تسلك بهم في معارج الكمال ودرجات الوعي والرشد بأعلاها، فقبس النور المهدوي ينير لهم سبيل رضوان الله تعالى متحملين لمسئولياتهم بكل اقتدار.
ويخطيء الفهم لثقافة الانتظار من يتصور أنها تخدير للعقل وإسكات للدعوات الرامية لنشر الفضيلة والصلاح، فترى في المنتظرين من يحمل راية الاستسلام وإبداء القبول بواقع الفساد والخنوع للزمن السيء بكل ألوانه، بل ثقافة الانتظار تنمية لشخصية المؤمن وصقل قدراته وتحفيز همته وتقوية إرادته في طريق الورع عن محارم الله عز وجل، وطلب رضاه في إصلاح نفسه في محراب المناجاة والوقوف بين يديه تعالى، ومن ثم الانطلاق في ساحة التغيير المجتمعي بقدر الإمكان في إطار فريضة الأمر بالمعروف، فالتمهيد الذي يسبق ظهوره المبارك ليس بتكتيف اليدين والتخلي عن مسئولية تهذيب نفسه والإسهام في راية الإصلاح، ولكنه تصور واضح للمراحل بما يضعه على محجة بيضاء تضع له سقفا من الأهداف والآمال، فما قبل الظهور يمارس دوره الإصلاحي بكل اقتدار أملا في الوصول إلى يوم الفرج بتطهير الأرض من كل أشكال الظلم.
والخلاصة أن ثقافة الانتظار خلق للروح الإيمانية الفاعلة وبناء المجتمع المتخلي عن الفجور والفساد، والمؤمن يقع في صلب هذا المشروع النهضوي فيعمل بهمة عالية على تنقية نفسه من شوائب الغفلة وتبلد الوجدان وضعف الحساسية تجاه المعصية، ويترجم الداخل الإيماني عنده في سلوكيات مجتمعية تظهر الطيب والتسامح والسلام، مستشعرا الواقع المزري المحشي بسلوكيات يتألم لها قلب صاحب العصر والزمان، فيستنشق عبق سروره من خلال الأعمال الصالحة على المستوى الفردي والمجتمعي، فإن العبادة ليست بطقوس تمارس يقبع بين جدرانها، بل العبادات في زمن الانتظار رشفات إيمانية يراها مهيئة للقيا صاحب العصر والزمان، وعمل دؤوب في طريق محو مظاهر الفساد بكل خطوة منه مهما تضاءلت.