بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يَا دَمْعُ سُحَّ بِوَبْلِكَ الْهَتِنِ لِتَحُولَ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْوَسَنِ
كَيْفَ الْعَزَاءُ وَلَيْسَ وَجْدِيَ مِنْ فَقْدِ الْأَنِيْسِ وَوَحْشَةِ الْدِّمَنِ
أَوَ مَا نَظَرْتَ إِلَىْ صَفِيِّ بَنِيْ مُضَرَ الْكِرَامِ وَخَيْرِ مُؤْتَمَنِ
شِبْلُ الْوَصِيِّ وَفَرْخِ فَاطِمَةٍ وَابْنِ الْنَّبِيِّ وَسِبْطِهِ الْحَسَنِ
كَمْ نَالَ بَعْدَ أَبِيْهِ مِنْ غُصَصٍ يَطْوِي الْضُّلُوْعَ بِهَا عَلَىْ شَجَنٍ
لَهْفِيْ لَهُ مِنْ وَاجِدٍ كَمِدٍ مُسْتَضْعَفٍ فِيْ الْأَرْضِ مُمْتَهَنِ
مَا أَبْصَرَتْ عَيْنٌ وَلَا سَمِعَتْ أُذْنٌ بِمَنْ سَاوَاهُ فِيْ الْمِحَنِ
يَرعَىْ عِدَاهُ بِعَيْنِهِ وَيَعِي شَتْمَ الْوَصِيِّ أَبِيْهِ فِيْ أُذُنِ
وَقَدِ ارْتَدَىْ بِالْصَّبْرِ مُشْتَمِلاً بِالْحِلْمِ مُحْتَفِظاً عَلَىْ الْسُّنَنِ
حَتَّىْ سَقَوْهُ الْسُّمَّ فَاقْتَطَعُوْا مِنْ دَوْحِ أَحْمَدَ أَيَّمَا غُصُنِ!
سُمّاً يُقَطِّعُ قَلْبَ فَاطِمَةٍ وَجْداً عَلَىْ قَلْبِ ابْنِهَا الْحَسَنِ
وَهَوَىْ شَهِيْداً صَابِراً فَهَوَتْ حُزْناً عَلَيْهِ كَوَاكِبُ الْدَّجَنِ1
شعبي:
كبد الحسن متقطعه ابسم المنية
أصبح يعالج واصبحت زينب شجية
دخلت عليه وعاينت له ايلوج وحده
عنده اخوه حسين دمعه فوق خده
آمر اخيّه ايشيل طشت البيه كبده
شيله يخويه لا تشوفه الهاشمية
شيل الطشت خاف الوديعة تشوف كبدي
يخوفي تحن ومن بكاها يزيد وجدي
هذي وديعة والدي حيدر وجدّي
مقدر اشوف ادموعها ابخدها جريّة
أبوذيّة:
الليلة ماتم المسموم ينصاب
او خل دمعك عليه ادموم ينصاب
مثل كبد الحسن ما شفت ينصاب
ابنبل يرموه نعش ابن الزكية
لمّا عزم معاوية على قتل الإمام الحسن عليه السلام , أرسل إلى ملك الروم ليرسل إليه شربة من السمّ القتّال, ففعل.. وبعث معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس بمال جسيم, وجعل يعدها بأن يعطيها مائة ألف درهم, ويزوّجها من ابنه يزيد, وحمل إليها ذلك السمّ لتسقيه الإمام الحسن عليه السلام..
وفي يوم من أيّام الصيف الحارّ, كان الإمام عليه السلام صائماً, ولمّا انصرف إلى منزله لتناول طعام الإفطار أخرجت له شربة من اللبن كانت قد ألقت فيه ذلك السمّ, ولمّا حان وقت الإفطار شرب الإمام ذلك اللبن المسموم, ولمّا أحسّ بحرارة السمّ قال: يا عدوّة الله! قَتَلْتِني قتلك الله...
وبقي الإمام على فراش المرض يعاني حرارة السمّ, يتقلّب يميناً وشمالاً, وهو يتقيّأ دماً ويخرج ما في أحشائه قطعة قطعة, يُوضع له طَسْتٌ ويُرفعُ آخَر..
وجاؤوا له بالطبيب ليتولّى معالجته, فلمّا نظر إلى حالته قال: هذا رجل قد قطَّع السمّ أمعاءه..
ودخل الحسين عليه السلام يوماً إلى الحسن عليه السلام ، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يُؤتى إليّ سمٌّ يُدسُّ إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام،
فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار..
يگله يا عضيدي يبو امحمّد
كبدك من نجيع السم تمرّد
يخويه اليوم طاغي الشام عيَّد
واعلى قلبي يخويه اتراكم الهم
ثمّ جعل يوصي أخاه الحسين عليه السلام: يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزَّ وجلَّ وقد سُقيتُ السمّ, ورَميتُ بكبدي في الطست, وإنّي لعارف بمن سقاني السمّ, ومن أين دهيتُ, وأنا أخاصمه إلى الله تعالى..
فإذا قضيت فغمّضني وغسّلني وكفّنِّي واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجدّد به عهداً، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفنّي هناك. وستعلم يا ابن أمّ أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجلبون في منعكم عن ذلك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم..
ولمّا جرى السمّ في بدنه تغيّر لونه واخضرَّ واعتنقه الحسين عليه السلام طويلاً وبكيا..
قالوا: وبينما هما كذلك، وإذا بالعقيلة زينب وباقي الهاشميّات
جئن لعيادة الإمام عليه السلام , فالتفت الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين قائلاً: أخي أبا عبد الله, نحِّ هذا الطَّشْتَ عنّي لئلّا تراه أختنا زينب.
يحسين شيل الطشت عني
خواتك يبو السجاد اجنّي
يردن يشبعن شوف مني
ويردن يخويه ايودعني
وينوحن عليّ ويندبني
ولمّا دنت وفاته, قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار, فأخرجوه, فقال: أللهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك, فإنّي لم أصب بمثلها.
قالوا: ولمّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين عليه السلام: أحضر لي أولادي وأهلي, فأحضرهم الحسين عليه السلام عنده فأدار عينيه فيهم, وجعل يوصيهم بالحسين عليه السلام وأنّه الإمام من بعده, ويقول: هذا الحسين إمام بعدي فلا إمام غيره..وهو خليفتي عليكم..ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام وإلى إخوته وحرمه وأولاده وقال: حفظكم الله, أستودعكم الله, الله خليفتي عليكم, وكفى به خليفة, وإنّي منصرف عنكم, ولاحق بجدّي وأبي وأمّي وأعمامي..
ووضع الحسين عليه السلام يده في يد أخيه الحسن عليه السلام , فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزاً خفيفاً.. ثمّ قال: عليكم السلام يا ملائكة
ربي ورحمة الله وبركاته, ثمّ سكن أنينه, وعرق جبينه, ومدَّ يديه ورجليه, وغمّض عينيه, وفارقت روحه الدنيا..
وا إماماه..وا سيّداه.. وا حسناه..
ونادى الحسين عليه السلام: وا أخاه وا حسناه وا قلّة ناصراه..
حن احسين أويلي وصفك بيده
او ونّ ونّات المفارگ عضيده
يگله العمر من بعدك ما ريده
يخويه اليوم عدوانك معيدين
وضجّ الناس ضجّة عظيمة.. وصار كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وارتجّت المدينة والناس تصيح من كلّ جانب فلا يلقى إلّا باكياً, وخرج أولاد الإمام وإخوته يبكون وينوحون, وخرج بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه..
مات سبط المصطفى او صارت ابطيبة زلزلة
هذا يصرخ ذاك يلطم ذا دموعه سايله
او صوّت الناعي ابسككها مات سبط المصطفى
سمته جعدة اللعينة او غاب نوره وانطفى
أحزنت قلب الموالي والعدو قلبه اشتفى
ألف وسفه اعلى الزكي أظلم يويلي منزله
ثمّ قام الإمام الحسين عليه السلام بتغسيله وتكفينه كما أوصاه الإمام الحسن عليه السلام , وصلّى عليه, وحملوه على سرير متّجهين به إلى مثواه الأخير قرب جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , لكنّ القوم وفيهم مروان بن الحكم وبنو أميّة, حملوا السلاح وتجمّعوا ومنعوا الإمام من أن يدفن إلى جوار جدّه..
ثمّ، عظّم الله لكم الأجر، رُميتْ جنازة الإمام بالنبال, قال الراوي: حتّى سُلَّ منها سبعون سهماً..
فرح ما شفت طول العمر بس هم
ولا جفّ الدمع بالعين بسهم
وسافه الحسن نعشه انضرب بسهم
او دفنه انمنع يم سيد البرية
وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أميّة, فقال الحسين عليه السلام: والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء, وأن لا أهريق في أمره محجمة دم, لعلمتم كيف تأخذُ سيوفُ الله منكم مأخذها!
فمضوا بالجنازة إلى البقيع ودفنوه بجوار قبر جدّته فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها.
وهناك عند القبر لمّا وضع الإمام الحسن في لحده, وقف الإمام الحسين عليه السلام يرثي أخاه قائلاً:
أَأَدْهَنُ رَأْسِيْ أَمْ تَطِيْبُ مَجَالِسِيْ وَرَأْسُكَ مَعْفُوْرٌ وَأَنْتَ سَلِيْبُ؟
أَوْ اسْتَمْتِعُ الْدُنْيَا لِشَيْءٍ أُحِبُّهُ؟ أَلَا كُلُّ مَا أَدْنَىْ إِلَيْكَ حَبِيْبُ
فَلَا زِلْتُ أَبْكِي مَا تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ عَلَيْكَ وَمَا هَبَّتْ صَبَاً وَجَنُوْبُ
وَمَا هَمَلَتْ عَيْنِيْ مِنَ الْدَّمْعِ قَطْرَةً وَمَا اخْضَرَّ فِيْ دَوْحِ الْحِجَازِ قَضِيْبُ
بُكَائِيْ طَوِيْلٌ وَالْدُّمُوْعُ غَزِيْرَةٌ وَأَنْتَ بَعِيْدٌ وَالْمَزَارُ قَرِيْبُ
غَرِيْبٌ وَأَطْرَافُ الْبُيُوْتِ تَحُوْطُهُ أَلَا كُلُّ مَنْ تَحْتَ الْتُّرَابِ غَرِيْبُ
وَلَا يَفْرَحُ الْبَاقِيْ خِلَافَ الَّذِيْ مَضَىْ وَكُلُّ فَتَىً لِلْمَوْتِ فِيْهِ نَصِيْبُ
فَلَيْسَ حَرِيْباً مَنْ أُصِيْبَ بِمَالِهِ وَلَكِنَّ مَنْ وَارَى أَخَاهُ حَرِيْبُ
نَسِيْبُكَ مَنْ أَمْسَىْ يُنَاجِيْكَ طَرْفُهُ وَلَيْسَ لِمَنْ تَحْتَ التُّرَابِ نَسِيْبُ
* * *
هوامش
1- القصيدة للسيّد رضا الهنديّ رحمه الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يَا دَمْعُ سُحَّ بِوَبْلِكَ الْهَتِنِ لِتَحُولَ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْوَسَنِ
كَيْفَ الْعَزَاءُ وَلَيْسَ وَجْدِيَ مِنْ فَقْدِ الْأَنِيْسِ وَوَحْشَةِ الْدِّمَنِ
أَوَ مَا نَظَرْتَ إِلَىْ صَفِيِّ بَنِيْ مُضَرَ الْكِرَامِ وَخَيْرِ مُؤْتَمَنِ
شِبْلُ الْوَصِيِّ وَفَرْخِ فَاطِمَةٍ وَابْنِ الْنَّبِيِّ وَسِبْطِهِ الْحَسَنِ
كَمْ نَالَ بَعْدَ أَبِيْهِ مِنْ غُصَصٍ يَطْوِي الْضُّلُوْعَ بِهَا عَلَىْ شَجَنٍ
لَهْفِيْ لَهُ مِنْ وَاجِدٍ كَمِدٍ مُسْتَضْعَفٍ فِيْ الْأَرْضِ مُمْتَهَنِ
مَا أَبْصَرَتْ عَيْنٌ وَلَا سَمِعَتْ أُذْنٌ بِمَنْ سَاوَاهُ فِيْ الْمِحَنِ
يَرعَىْ عِدَاهُ بِعَيْنِهِ وَيَعِي شَتْمَ الْوَصِيِّ أَبِيْهِ فِيْ أُذُنِ
وَقَدِ ارْتَدَىْ بِالْصَّبْرِ مُشْتَمِلاً بِالْحِلْمِ مُحْتَفِظاً عَلَىْ الْسُّنَنِ
حَتَّىْ سَقَوْهُ الْسُّمَّ فَاقْتَطَعُوْا مِنْ دَوْحِ أَحْمَدَ أَيَّمَا غُصُنِ!
سُمّاً يُقَطِّعُ قَلْبَ فَاطِمَةٍ وَجْداً عَلَىْ قَلْبِ ابْنِهَا الْحَسَنِ
وَهَوَىْ شَهِيْداً صَابِراً فَهَوَتْ حُزْناً عَلَيْهِ كَوَاكِبُ الْدَّجَنِ1
شعبي:
كبد الحسن متقطعه ابسم المنية
أصبح يعالج واصبحت زينب شجية
دخلت عليه وعاينت له ايلوج وحده
عنده اخوه حسين دمعه فوق خده
آمر اخيّه ايشيل طشت البيه كبده
شيله يخويه لا تشوفه الهاشمية
شيل الطشت خاف الوديعة تشوف كبدي
يخوفي تحن ومن بكاها يزيد وجدي
هذي وديعة والدي حيدر وجدّي
مقدر اشوف ادموعها ابخدها جريّة
أبوذيّة:
الليلة ماتم المسموم ينصاب
او خل دمعك عليه ادموم ينصاب
مثل كبد الحسن ما شفت ينصاب
ابنبل يرموه نعش ابن الزكية
لمّا عزم معاوية على قتل الإمام الحسن عليه السلام , أرسل إلى ملك الروم ليرسل إليه شربة من السمّ القتّال, ففعل.. وبعث معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس بمال جسيم, وجعل يعدها بأن يعطيها مائة ألف درهم, ويزوّجها من ابنه يزيد, وحمل إليها ذلك السمّ لتسقيه الإمام الحسن عليه السلام..
وفي يوم من أيّام الصيف الحارّ, كان الإمام عليه السلام صائماً, ولمّا انصرف إلى منزله لتناول طعام الإفطار أخرجت له شربة من اللبن كانت قد ألقت فيه ذلك السمّ, ولمّا حان وقت الإفطار شرب الإمام ذلك اللبن المسموم, ولمّا أحسّ بحرارة السمّ قال: يا عدوّة الله! قَتَلْتِني قتلك الله...
وبقي الإمام على فراش المرض يعاني حرارة السمّ, يتقلّب يميناً وشمالاً, وهو يتقيّأ دماً ويخرج ما في أحشائه قطعة قطعة, يُوضع له طَسْتٌ ويُرفعُ آخَر..
وجاؤوا له بالطبيب ليتولّى معالجته, فلمّا نظر إلى حالته قال: هذا رجل قد قطَّع السمّ أمعاءه..
ودخل الحسين عليه السلام يوماً إلى الحسن عليه السلام ، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يُؤتى إليّ سمٌّ يُدسُّ إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام،
فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار..
يگله يا عضيدي يبو امحمّد
كبدك من نجيع السم تمرّد
يخويه اليوم طاغي الشام عيَّد
واعلى قلبي يخويه اتراكم الهم
ثمّ جعل يوصي أخاه الحسين عليه السلام: يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزَّ وجلَّ وقد سُقيتُ السمّ, ورَميتُ بكبدي في الطست, وإنّي لعارف بمن سقاني السمّ, ومن أين دهيتُ, وأنا أخاصمه إلى الله تعالى..
فإذا قضيت فغمّضني وغسّلني وكفّنِّي واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأجدّد به عهداً، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفنّي هناك. وستعلم يا ابن أمّ أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجلبون في منعكم عن ذلك، وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم..
ولمّا جرى السمّ في بدنه تغيّر لونه واخضرَّ واعتنقه الحسين عليه السلام طويلاً وبكيا..
قالوا: وبينما هما كذلك، وإذا بالعقيلة زينب وباقي الهاشميّات
جئن لعيادة الإمام عليه السلام , فالتفت الحسن عليه السلام إلى أخيه الحسين قائلاً: أخي أبا عبد الله, نحِّ هذا الطَّشْتَ عنّي لئلّا تراه أختنا زينب.
يحسين شيل الطشت عني
خواتك يبو السجاد اجنّي
يردن يشبعن شوف مني
ويردن يخويه ايودعني
وينوحن عليّ ويندبني
ولمّا دنت وفاته, قال: أخرجوا فراشي إلى صحن الدار, فأخرجوه, فقال: أللهمّ إنّي أحتسب نفسي عندك, فإنّي لم أصب بمثلها.
قالوا: ولمّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين عليه السلام: أحضر لي أولادي وأهلي, فأحضرهم الحسين عليه السلام عنده فأدار عينيه فيهم, وجعل يوصيهم بالحسين عليه السلام وأنّه الإمام من بعده, ويقول: هذا الحسين إمام بعدي فلا إمام غيره..وهو خليفتي عليكم..ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام وإلى إخوته وحرمه وأولاده وقال: حفظكم الله, أستودعكم الله, الله خليفتي عليكم, وكفى به خليفة, وإنّي منصرف عنكم, ولاحق بجدّي وأبي وأمّي وأعمامي..
ووضع الحسين عليه السلام يده في يد أخيه الحسن عليه السلام , فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزاً خفيفاً.. ثمّ قال: عليكم السلام يا ملائكة
ربي ورحمة الله وبركاته, ثمّ سكن أنينه, وعرق جبينه, ومدَّ يديه ورجليه, وغمّض عينيه, وفارقت روحه الدنيا..
وا إماماه..وا سيّداه.. وا حسناه..
ونادى الحسين عليه السلام: وا أخاه وا حسناه وا قلّة ناصراه..
حن احسين أويلي وصفك بيده
او ونّ ونّات المفارگ عضيده
يگله العمر من بعدك ما ريده
يخويه اليوم عدوانك معيدين
وضجّ الناس ضجّة عظيمة.. وصار كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وارتجّت المدينة والناس تصيح من كلّ جانب فلا يلقى إلّا باكياً, وخرج أولاد الإمام وإخوته يبكون وينوحون, وخرج بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه..
مات سبط المصطفى او صارت ابطيبة زلزلة
هذا يصرخ ذاك يلطم ذا دموعه سايله
او صوّت الناعي ابسككها مات سبط المصطفى
سمته جعدة اللعينة او غاب نوره وانطفى
أحزنت قلب الموالي والعدو قلبه اشتفى
ألف وسفه اعلى الزكي أظلم يويلي منزله
ثمّ قام الإمام الحسين عليه السلام بتغسيله وتكفينه كما أوصاه الإمام الحسن عليه السلام , وصلّى عليه, وحملوه على سرير متّجهين به إلى مثواه الأخير قرب جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , لكنّ القوم وفيهم مروان بن الحكم وبنو أميّة, حملوا السلاح وتجمّعوا ومنعوا الإمام من أن يدفن إلى جوار جدّه..
ثمّ، عظّم الله لكم الأجر، رُميتْ جنازة الإمام بالنبال, قال الراوي: حتّى سُلَّ منها سبعون سهماً..
فرح ما شفت طول العمر بس هم
ولا جفّ الدمع بالعين بسهم
وسافه الحسن نعشه انضرب بسهم
او دفنه انمنع يم سيد البرية
وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أميّة, فقال الحسين عليه السلام: والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء, وأن لا أهريق في أمره محجمة دم, لعلمتم كيف تأخذُ سيوفُ الله منكم مأخذها!
فمضوا بالجنازة إلى البقيع ودفنوه بجوار قبر جدّته فاطمة بنت أسد رضوان الله عليها.
وهناك عند القبر لمّا وضع الإمام الحسن في لحده, وقف الإمام الحسين عليه السلام يرثي أخاه قائلاً:
أَأَدْهَنُ رَأْسِيْ أَمْ تَطِيْبُ مَجَالِسِيْ وَرَأْسُكَ مَعْفُوْرٌ وَأَنْتَ سَلِيْبُ؟
أَوْ اسْتَمْتِعُ الْدُنْيَا لِشَيْءٍ أُحِبُّهُ؟ أَلَا كُلُّ مَا أَدْنَىْ إِلَيْكَ حَبِيْبُ
فَلَا زِلْتُ أَبْكِي مَا تَغَنَّتْ حَمَامَةٌ عَلَيْكَ وَمَا هَبَّتْ صَبَاً وَجَنُوْبُ
وَمَا هَمَلَتْ عَيْنِيْ مِنَ الْدَّمْعِ قَطْرَةً وَمَا اخْضَرَّ فِيْ دَوْحِ الْحِجَازِ قَضِيْبُ
بُكَائِيْ طَوِيْلٌ وَالْدُّمُوْعُ غَزِيْرَةٌ وَأَنْتَ بَعِيْدٌ وَالْمَزَارُ قَرِيْبُ
غَرِيْبٌ وَأَطْرَافُ الْبُيُوْتِ تَحُوْطُهُ أَلَا كُلُّ مَنْ تَحْتَ الْتُّرَابِ غَرِيْبُ
وَلَا يَفْرَحُ الْبَاقِيْ خِلَافَ الَّذِيْ مَضَىْ وَكُلُّ فَتَىً لِلْمَوْتِ فِيْهِ نَصِيْبُ
فَلَيْسَ حَرِيْباً مَنْ أُصِيْبَ بِمَالِهِ وَلَكِنَّ مَنْ وَارَى أَخَاهُ حَرِيْبُ
نَسِيْبُكَ مَنْ أَمْسَىْ يُنَاجِيْكَ طَرْفُهُ وَلَيْسَ لِمَنْ تَحْتَ التُّرَابِ نَسِيْبُ
* * *
هوامش
1- القصيدة للسيّد رضا الهنديّ رحمه الله.
تعليق