بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ..
ماذا أقول والحزن فطر قلبي وبأي حبر أكتب والدمع بلَّلَ خدي ..
آاااه والآه لا تشفي الغليل ، كيف وابن المصطفى قطعت أحشاؤه السموم غريباً وعن الوطن بعيداً ..
بالأمس سُرت سامراء بإقامة الإمام الهادي على ترابها واليوم سُر ترابها بضمه لجثمانه الطاهر ، لكن حال من على ترابها ساء برحيل المولى عنه ..
نعم: لقد ساء استشهاد الإمام الهادي تلك المدينة وإن سُر ترابها بضم جثمانه ..
لقد عانا الإمام الهادي من طغاة بني العباس أيما معاناة ، تجرع على أيديهم ألوان الأذى ، فصبر واحتسب لا خوفاً ولا ضعفاً بل لأن يبقى دين الله حياً ..
وصل الأذى بالإمام عليه السلام أن يُدعى لمجلس طغت فيه رائحة الخمرة ، إهانة له وتحقيراً لمقامه ، لكن الرفيع يبقى رفيعاً وإن حاول الطغاة إهانته وتحقيره ..
لقد أعطى الإمام الهادي عليه درساً لكل متجبر في ذلك المجلس يرى الخلود في دنياه والمتعة في فعل ما حرم الله ..
لما أراد المتوكل من الإمام عليه السلام أن يشاركه شرب الخمر أبى قائلاً والله ما خالط لحمي ، خيره بين أن يشرب أو يلقي شعراً ، حول الإمام مجلس اللهو إلى مجلس بكاء حينما ألقى تلك الدروس القيمة والتوجيهات النيرة من خلال قصيدته العصماء التي أبكت عين الطاغية وزلزلت كيانه ..
قال عليه السلام :-
باتوا على قللِ الاجبال تحرسُهم ... غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم ... وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا ... أين الاسرّةُ و التيجانُ و الحللُ
أيـن الوجوه التي كانتْ منعمةً ... من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ
فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم ... تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ... ففارقوا الدورَ و الأهلينَ وارتحلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا ... فـخلّفوها على الأعداء و انتقلوا
أضـحـت منازلُهم قفراً معطلةً ... و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الـخـليفةَ إذ وافت منيتهُ ... أين الحماة و أين الخيلُ و الخولُ
ايـن الرماة ُ أما تُحمى بأسهمِهمْ ... لـمّـا أتـتك سهامُ الموتِ تنتقلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا ... أين الجيوش التي تُحمى بهاالدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعوا ... عـنك المنية إن وافى بها الأجلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصلاً ... من روحه بجبالِ الموتِ تتصلُ ..
لقد أفزع وجود الإمام الهادي عليه السلام طاغوت بني العباس قيل المعتز وقيل المعتمد فلم يجد بداً من التخلص منه ، أرسل له طعاماً مسموماً قطع أمعاءه وبقي متألماً يجود بنفسه إلى أن فاضت روحه الطاهرة في الثالث من شهر رجب سنة 254 من الهجرة النبوية المباركة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ..