البراق العجيب
1.البداية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.
وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج؟
الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.
أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.
كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.
وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).
فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.
وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.
أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
2.مشهد في الطريق
وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأة جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.
ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اناءين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:
اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".
وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..
فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله ودعوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..
واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيت المقدس, وصلى بالأنبياء اماما, وربط البراق بحلقة باب المسجد.
3.مشاهد المعراج
المشهد الأول
وفتح له, فتحت لهما السماء والدنيا, ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رجل تام الخلقة عن يمينه أسودة (أرواح), وعن يساره أسودة. فاذا نظر الى التي عن يمينه تبسم, وقال: روح طيبة اجعلوها في عليين فيفتح باب ويخرج منه ريح طيبة, فتدخل فيه, واذا نظر الى التي على يساره حزن وقطّب جبينه وقال: روح خبيثة اجعلوها في سجيّن, فيفتح باب ويخرج منه ريح خبيثة, فتدخل فيه.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشخص التام الخلق وعن هذه الأسودة, وعن هذين البابين فقال جبريل عليه السلام:
أما الشخص التام الخلقة فهو أبوك آدم.
واما هذه الأسودة عن يمينه وعن يساره فهي أرواح بنيه؛ أهل يمينه هم أهل الجنة, وأهل شماله هم أهل النار, فاذا نظر الى أهل الجنة تبسم واذا نظر الى أهل النار حزن وابتأس.
وأما البابان فالباب الذي الى اليمين باب الجنة, والباب الذي الى اليسار باب جهنّم.
رحّب آدم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التحية بأحسن منها. ومضى الى مشهد آخر من مشاهد المعراج. التي تعدّ درسا من دروس الدعوة العظيمة وقدوة حميدة للناس أجمعين.
المشهد الثاني
قال جبريل: هذا حال ناس من أمتك يتركون الحلال الطيّب فلا يطعمونه, ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه!!.
المشهد الثالث
قال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل ظلما, انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.
المشهد الرابع
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يتعاملون بالربا من أمتك.
{ولا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
المشهد الخامس
مضى الرسول فرأى أقواما يقطع اللحم من جنوبهم ثم يقال لكل منهم:
كل من هذا اللحم كما كنت تأكل لحم أخيك ميتا.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" من هؤلاء يل جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يغتابون الناس من أمتك, كان كل منهم يأكل لحم أخيه ميتا.
المشهد السادس
قال جبريل عليه السلام: هؤلاء من أمتك هم الذين تتثاقل رؤؤسهم عن الصلاة المكتوبة.
المشهد السابع
قال جبريل عليه السلام: هؤلاء هم الذين لا يؤدون صدقات أموالهم, وما ظلمهم الله تعالى شيئا, وما الله بظلام للعبيد.
المشهد الثامن
قال جبريل: هذا الرجل من أمتك تكون عليه أمانات الناس, لايقدر على أدائها وهو يزيد عليها أمانات اخرى, وقد دعا الاسلام الى ردّ الأمانات.
المشهد التاسع
قال جبريل: هؤلاء خطباء الفتنة.
المشهد العاشر
قال جبريل: هؤلاء هم المجاهدون في سبيل الله, تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف.
ولذلك يشبه الله العمل الصالح في الآية:{ كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء}.
المشهد الحادي عشر
قال جبريل: هذا صوت الجنة تقول: رب ائتني بما وعدتني, فقد كثرت غرفي, واستبرقي, وحريري, وسندسي, ولؤلؤي, ومرجاني وفضتي, وذهبي, وأكوابي, وصحافي, وأباريقي, وكؤؤسي, وعسلي ومائي, وخمري, ولبني, فائتني بما وعدتني.
فقال عز وجل: لك كل مسلم ومسلمة, ومؤمن ومؤمنة, ومن آمن بي وبرسلي, وعمل صالحا, ولم يشرك بي شيئا.. ولم يتخذ من دوني أندادا.. ومن خشيني فهو آمن, ومن سالني أعطيته, ومن أقرضني جزيته, ومن توكل عليّ كفيته, اني أنا الله لا اله الا أنا لا أخلف الميعاد وقد أفلح المؤمنون, وتبارك الله أحسن الخالقين.
قالت الجنة: قد رضيت..
المشهد الثاني عشر
قال جبريل: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بما وعدتني فقد كثرت سلاسلي, وأغلالي, وسعيري, وحميمي, وضريعي, وغسّاقي, وعذابي, وقد بعد قراري, واشتد حرّي, فائتني بما وعدتني.
فقال لها رب العزة: لك كل مشرك ومشركة, وكافر وكافرة, وكل خبيث وخبيثة, وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب.
قالت النار قد رضيت.
أعاذنا الله من شرها, وجنّبنا المعاصي وحبّب الينا الطاعات حتى نكون من أهل الجنة بعيدا عن النار وعذابها.
هذه مشاهد السماء الأولى, ترى ماذا في السماء الثانية, هذا ما سنعرفه في الصفحات التالية.
من السماء الثانية الى السابعة
من هذا الذي معك يا جبريل؟
فقال جبريل: هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أوقد بعث؟
قال جبريل: نعم.
فقال: حيّاه الله من أخ, ومن خليفة, فنعم الأخ ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا بشابين, فسأل جبريل:" من الشابان يا جبريل؟".
قال جبريل: هذان عيسى بن مريم, ويحيى بن زكريا عليهما السلام, وكل منها ابن خالة الآخر, فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاهما عليه السلام, ثم صعد جبريل الى السماء الثالثة برسول الله صلى الله عليه وسلم قاستفتح, فقالوا: من هذا؟ قال جبريل: أنا جبريل, فقالوا: من معك؟ قال جبريل: محمد رسول الله. قالوا: أوقد أرسل اليه؟ قال جبريل: نعم. قالوا: حيّاه الله من أخ وخليفة, فنعم الأخ, ونعم الخليفة, ونعم المجيء جاء.
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل قد فضّل على الناس في الحسن والجمال, فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل الذي فضّل على الناس في الحسن؟".
قال جبريل: هذا أخوك يوسف عليه السلام.
فحيّاه الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآه يوسف عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح.
ثم صعد به جبريل الى السماء الرابعة فاستفتح, ففتح له ولقي تحية وترحيبا كعادته فاذا هو برجل عليه علامات الوقار والجلال, ورفعة الشأن فقال عليه السلام:" من هذا يا جبريل؟".
قال جبريل: هذا ادريس نبي الله عليه السلام رفعه الله مكانا عليّا فلما رآه ادريس عليه السلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فردّ عليه السلام التحيّة.
ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم الى السماء الخامسة فاستفتح ففتح له, ولقي من التحيّة ما اعتاد عليه في السموات السابقة, فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فاذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ عليهم من أمر الله ما شاء الله؛ فقال: "من هذا يا جبريل؟".
فقال جبريل عليه السلام: هذا المحبب الى قومه هارون بن عمران, وهؤلاء بنو اسرائيل, فلما رأى هارون محمدا عليه الصلاة والسلام قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح, فحيّاه الرسول عليه السلام.
ثم صعد به جبريل الى السماء السادسة فاستفتح, ففتحت السماء له, ورحّب به عليه السلام ولما دخل عليه السلام فاذا برجل جالس فمرّ به فبكى الرجل, فقال الرسول عليه السلام:" يا جبريل من هذا؟".
قال جبريل: هذا موسى ابن عمران.
فقال عليه السلام:" فماله يبكي؟".
قال جبريل: انه يقول: تزعم بنو اسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عز وجل, وهذا رجل من بني آدم قد فاقني في رتبته, فلو أنه بنفسه لما اهتممت, ولكنه مع كل نبي أمّته.
ثم صعد به جبريل عليه السلام الى السماء السابعة فاستفتح ففتحت له, ودخل عليه السلام فاذا به يرى البيت المعمور, وهو بيت في السماء السابعة يقوم في سمت الكعبة الشريفة في أرضنا هذه يدخله كل يوم للصلاة فيه سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة, ورأى عليه السلام رجلا أحسن ما يكون الرجال قد أسند ظهره الى البيت المعمور فقال عليه السلام:" من هذا الرجل يا جبريل؟".
قال جبريل: هذا أبوك ابراهيم عليه السلام, خليل الرحمن. فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ عليه الخليل السلام.
ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم حول ابراهيم الخليل قوما جلوسا بيض الوجوه أمثال القراطيس.. وقوما في ألوانهم شيء, فدخلوا نهرا اغتسلوا فيه, فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء, ثم دخلوا نهرا آخر, فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم, فصارت مثل ألوان أصحابهم, فجاؤؤا فجلسوا الى أصحابهم.
فقال عليه السلام:" يا جبريل من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاؤوا وقد صفت ألوانهم؟".
قال جبريل: أما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا ايمانهم بظلم, أي أنهم أخلصوا دينهم لله؛ فليس في قلوبهم شيء من شك أو ميل الى الاثم والبغي, فكان ايمانهم نقيا صافيا.
وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؛ فقوم خلطوا عملا صالحا, وآخر سيئا, قتابوا فتاب الله عليهم.
وأما الأنهار فهي: نهر الرحمة, ونهر النعمة, والثالث: شراب طهور.
هذه هي معجزة الاسراء والمعراج, معجزة مشاهد الطريق العظيمة, ومشاهد العروج الى السماء معجزة الخروج من مكة ليلا والوصول الى بيت المقدس في لحظات سريعة, وكان البراق هو الأداة التي سخرها الله ضمن أدوات انصرفت مشيئته أن تكون, فكان لونه معجزة, يضع قدمه في محل رؤيا العين أو على امتداد البصر خافت من حس أقدامه الابل وهربت في الصحراء ولم يكن البراق الشيء العجيب الوحيد, بل ما شاهده الرسول صلى الله عليه وسلم يعد معجزات متعددة واحدة تلو الأخرى تقدم النصح والارشاد للناس أجمعين.