احتجاج الإمام الحسن(ع) على جماعة من المنكرين لفضل أبيه في مجلس معاوية
قال الإمام الحسن المجتبى(ع): الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا ، وآخركم بآخرنا ، وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم .
اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك أبدء يا معاوية : إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني ، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني ولكن شتمتني ، وسببتني ، فحشا منك ، وسوء رأي ، وبغيا ، وعدوانا ، وحسدا علينا ، وعداوة لمحمد صلى الله عليه وآله ، قديما وحديثا ، وأنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أن يتكلموا به ، ولا استقبلوني بما استقبلوني به .
فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي ، ولا تكتموا حقا علمتوه ، ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به ، وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيك إلا دون ما فيك .
أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما وأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى ، وبايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية بالأولى كافر ، وبالأخرى ناكث .
ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا ، أنه لقيكم مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين ، ومعك يا معاوية راية المشركين وأنت تعبد اللات والعزى ، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فرضا واجبا ، ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي ، ومعك يا معاوية راية المشركين ، ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومعك يا معاوية راية المشركين ، كل ذلك يفلج الله حجته ، ويحق دعوته ، ويصدق أحدوثته ، وينصر رايته ، وكل ذلك رسول الله يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك .
ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حاصر بني قريضة وبني النظير ، ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين ، وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار.
فأما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا ، وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن ويجبن أصحابه ويجبنه أصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ” لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ثم لا يرجع حتى يفتح الله عليه يديه ” فتعرض لها أبو بكر وعمر ، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فتفل في عينيه فبرأ من رمده ، وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله ، وأنت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله . فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله ، ورجل عادى الله ورسوله ثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد ، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب .
أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة في غزاة تبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة ، وتكلم فيه المنافقون فقال : لا تخلفني يا رسول الله فإني لم أتخلف عنك في غزوة قط ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال : أيها الناس من تولاني فقد تولى الله ، ومن تولى عليا فقد تولاني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أحب عليا فقد أحبني .
ثم قال : أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حجة الوداع : أيها الناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعملوا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : آمنا بما أنزل الله من الكتاب ، وأحبوا أهل بيتي وعترتي ، ووالوا من والاهم ، وانصروهم على من عاداهم ، وأنهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة .
ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا ، ولا في السماء مصعدا ، واجعله في أسفل درك من النار ؟
وأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله ؟
أنشدكم بالله أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال علي : ما يبكيك يا رسول الله ؟
فقال : يبكيني أني أعلم : أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن ، لا يبدونها لك حتى أتولى عنك ؟
أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين حضرته الوفاة واجتمع عليه أهل بيته قال : ” اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي ، اللهم وال من ولاهم وعاد من عاداهم ” وقال : ” إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من دخل فيها نجى ، ومن تخلف عنها غرق ؟
وأنشدكم بالله أتعلمون : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وحياته ؟
أنشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله ، فأنزل الله عز وجل : ” يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ” وكان عندهم علم المنايا ، وعلم القضايا ، وفصل الكتاب ، ورسوخ العلم ، ومنزل القرآن ، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة ، نبأهم الله أنهم مؤمنون ، وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأشهد لكم وأشهد عليكم : أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم وأنشدكم بالله هل تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال : ” هو يأكل ” فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول ” هو يأكل ” فقال رسول الله ” اللهم لا تشبع بطنه ” فهي والله في نهمتك ، وأكلك إلى يوم القيامة ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا : يوم الأحزاب ، فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق ، فكان : أبوك الراكب ، وأنت يا أزرق السائق ، وأخوك هذا القاعد القائد ؟
أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطن أولهن : حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام ، فوقع فيه أبو سفيان فسبه ، وأوعده ، وهم أن يبطش به ، ثم صرفه الله عز وجل عنه .
والثانية : يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله .
والثالثة : يوم أحد قال رسول الله : الله مولانا ولا مولى لكم ، وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم ، فلعنه الله ، وملائكته ، ورسله ، والمؤمنون أجمعون .
والرابعة يوم حنين : يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن ، وجاء عينية بغطفان واليهود ، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا ، هذا : قول الله عز وجل أنزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا ، وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة ، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى رأيه ودينه .
والخامسة : قول الله عز وجل : ” والهدي معكوفا أن يبلغ محله “.
وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله ، فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة .
والسادسة : يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش ، وجاء عينية بن حصين بن بدر بغطفان ، فلعن رسول الله القادة والأتباع ، والساقة إلى يوم القيامة .
فقيل : يا رسول الله أما في الأتباع مؤمن ؟
قال : لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع ، أما القادة فليس فيهم مؤمن ، ولا مجيب ، ولا ناج .
والسابعة : يوم الثنية ، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر رجلا ، سبعة منهم من بني أمية ، وخمسة من سائر قريش ، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية غير النبي صلى الله عليه وآله وسائقه وقائده .
ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا بن أخي هل علينا من عين ؟
فقال : لا .
فقال أبو سفيان : تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية فوالذي نفس أبي سفيان بيده ، ما من جنة ولا نار .
وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال : يا بن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد ، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته :
يا أهل القبور ! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم .
فقال الحسين بن علي عليه السلام : قبح الله شيبتك ، وقبح وجهك ، ثم نتر يده وتركة ، فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك .
فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا .
ومن لعنتك يا معاوية إن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم ، فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم ، تنهاه عن الإسلام وتصده .
ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به ، وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ، ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله : أنك قاتلت عليا عليه السلام وقد عرفته وعرفت سوابقه ، وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك ، ومن غيرك عند الله وعند الناس ، ولأذيته بل أوطأت الناس عشوة ، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك ، فعل من لا يؤمن بالمعاد ، ولا يخشى العقاب ، فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى ، وعلي إلى خير منقلب ، والله لك بالمرصاد .
فهذا لك يا معاوية خاصة ، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل .
المصدر: الاحتجاج 1/ 401.
تعليق