السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
❌⚫❌⚫❌⚫❌⚫❌
اللهم صل على محمد وآل محمد
❌⚫❌⚫❌⚫❌⚫❌
- اعلم أنّ الإخبار بوصول النفع وعد ، وبوصول الضرر وعيد.
- والأوّل إن كان مع الاستحقاق والتعظيم ثواب ، وإن كان مع الأوّل بدون الثاني انتقام ، وإن كان بالعكس تف كان مع الاستحقاق والإهانة عقاب ومع الأوّل بدون الثاني انتقام ، وإن كان بالعكس ظلم.
- ووجوب الثواب عقليّ ؛ لكونه في مقابل الإتيان بالمأمور به ، والكفّ عن المنهيّ عنه اللذين يكونان مستلزمين للمشقّة العظيمة ، والمشقّة العظيمة من غير عوض مع التعظيم قبيح ، فيكون العوض مع التعظيم لازما ، وهو المراد من الثواب.
- ووجوب العقاب بالنسبة إلى حقوق الناس عقليّ إن لم يستحقّ التعظيم ؛ لئلاّ يلزم المنافاة مع العدل ، وبالنسبة إلى حقوق الله نقليّ.
- ويجب أن يكونا خالصين من الشوائب.
- ويجب دوامهما ؛ دفعا للشوب ، مضافا إلى دلالة السمع كقوله تعالى : {خَالِدَيْنِ فِيهَا } [الحشر: 17] ولكن عذاب الفسّاق من أهل الإيمان منقطع ؛ لاقتضاء الإيمان الثواب الذي لا يجتمع مع العقاب ، ولا يقدّم عليه إجماعا ، فيكون مؤخّرا. وذلك لا يستلزم انقطاع العقاب.
- والجنّة دار معدّة لإيصال الثواب ، وجهنّم دار معدّة لإيصال العقاب. ووجودهما في الجملة إجماعي.
- وإنّما الخلاف في وجودهما الآن ، وهو الحقّ.
- تدلّ عليه قصّة آدم وحوّاء وإسكانهما الجنّة وإخراجهما عنها بأكل الشجرة ، وكونهما يخصفان عليهما من ورق الجنّة على ما نطق به الكتاب (1) والسنّة (2). وانعقد عليه إجماع الخاصّة والعامّة قبل المخالف على ما حكي (3).
- والحمل على البساتين خلاف الظاهر الذي لا تدعو إليه حاجة إلاّ تشهّي النفس والتفسير بالرأي على ما يطابق رضاه. وعدم القول بوجود الجنّة دون النار يثبت تمام المدّعى.
- وقد وردت في ذلك ما عدا ما ذكر آيات كثيرة صريحة كقوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 13 - 15].
- وقوله تعالى في حقّ الجنّة : {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الشعراء: 90].
- وفي حقّ النار {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91]. ونحو ذلك.
- وحملها على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للمبالغة في تحقّقهما كما في {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } [الكهف: 99] ونحوه خلاف الظاهر ، ولا قرينة عليه.
- والتمسّك في المنع بأنّ خلقهما قبل يوم الجزاء عبث لا يليق بجنابه تعالى فاسد ، أمّا أوّلا ؛ فلأنّهما محلاّن لبعض المخلوقين كالحور والغلمان في الجنّة.
- وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ عدم العلم بالفائدة لا يستلزم عدمها.
- وأمّا قوله تعالى : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] فعلى تقدير عدم إرادة كونه كالهالك لضعف الوجود الإمكاني غير مناف لما ذكرنا ، من جهة لزوم دوام أكل الجنّة وظلّها المنافي للفناء ظاهرا ؛ لكون المراد زوال الصورة لا المادّة. ولو سلّم فمخصوص بغيرهما ، مع احتمال حمل الدوام على عدم انقطاع البقاء زمانا يعتدّ به ، كما في دوام المأكول فإنّه يتجدّد تجدّدا غير مناف لفنائه لحظة.
- وأمّا قوله تعالى : {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران: 133] فعلى تقدير كونهما في هذا العالم غير مناف لوجودهما من جهة امتناع تداخل الأجسام ؛ لأنّه محمول على التشبيه ولو سلّم العدم لامتناع قيام عرض شخصي بمحلّين موجودين ، ويشهد عليه قوله تعالى في آية أخرى : {كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21]. وورد خبر دالّ على أنّ : من لم يقل بوجودهما الآن فهو ليس منّا (4).
- وأمّا سؤال القبر وعذابه فهما ممكنان قد تواترت الأخبار عليهما مضافا إلى الآيات ، بل قد قيل: إنّ الخلاف مسبوق بالإجماع (5).
- وأمّا الآيات : فمنها قوله تعالى : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46] إذ عطف عذاب القيامة على عرض النار صباحا ومساء يقتضي كونه غيره ، وكون المعطوف عليه قبله ، فهو في القبر.
- ومنها : قوله تعالى حكاية : {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11]. وإحدى الحياتين ليست إلاّ في القبر ، ومن قال بالإحياء فيه قال بالسؤال والعذاب فيه أيضا.
- ويدلّ عليه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال في القبر : « روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (6). ونحوه آخر (7).
- وقوله صلى الله عليه وآله : « استنزهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه » (8).
- وكذا ما روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كفّن أمّ أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت أسد عليها السلام في قميصه بعد ما فرغت النساء من غسلها ، وحمل جنازتها على عاتق عنقه فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها ودخل القبر واضطجع فيه ، ثمّ قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها ، ثمّ انكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول : « ابنك ابنك » ، ثمّ خرج وسوّى عليها التراب ، ثمّ انكبّ على قبرها فسمعوه وهو يقول : « اللهم إنّي أودعتها إيّاك » ثمّ انصرف ، فقال له المسلمون : يا رسول الله إنّا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم؟
- فقال : « في اليوم فقدت برّ أبي طالب عليه السلام ، إنّها كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها ، وإنّي ذكرت القيامة ، وأنّ الناس يحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتاه ، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية ، وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : وا ضعفاه ، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك ، فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، وإنّما سئلت عن ربّها ، فقالت الله ، وسئلت عن نبيّها فأجابت ، وسئلت عن وليّها وإمامها فأرتج عليها فقلت لها : ابنك ابنك ، فقالت : ولدي إمامي فانصرفا عنها ، وقالا : لا سبيل لنا عليك نامي كما تنام العروس في خدرها ، ثمّ مرّة ثانية » (9).
- والاحتجاج لإنكار ما ذكرنا بقوله تعالى : {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } [الدخان: 56] فاسد ؛ إذ المراد وصف أهل الجنّة ، فلا دلالة فيه على انتفاء الموت بعد السؤال وقبل دخول الجنّة.
- والتخصيص بالموتة الأولى إنّما هو لظهورها ، والمقصود نفي الموت في الجنّة على طريق التعليق بالمحال ؛ إذ عود الموتة الأولى محال.
- وكيف كان فالظاهر أنّ سؤال القبر عقيب الدفن لا في زمان يكون قريب الساعة.
- __________________
- (1) الأعراف (7) : 20 ـ 22 ؛ طه (20) : 117 ـ 121.
- (2) « معاني الأخبار » : 108 ـ 110 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 11 : 172 ـ 174 ، ح 19.
- (3) « شرح المقاصد » 5 : 108.
- (4) « عيون أخبار الرضا » 1 : 116 ، ح 3 ؛ « الأمالي » للصدوق : 373 ، المجلس 70.
- (5) تقدّم في ص 225.
- (6) « بحار الأنوار » 6 : 205 و 275 ؛ « سنن الترمذي » 4 : 640 ، ح 2460 ؛ « مجمع الزوائد » 3 : 46.
- (7) « الخصال » : 119 ـ 120 ، ح 108 ؛ « الأمالي » للطوسي : 28 ، ح 31 ، المجلس 1.
- (8) « سنن الدارقطني » 1 : 128 ، باب نجاسة البول ... ، ح 7 ؛ « نيل الأوطار » 1 : 114 ؛ « نصب الراية » 1 : 128.
- (9) « الكافي » 1 : 453 ـ 454 ، باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام مع الاختلاف ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 6 : 279.