في كل زيارة للإمام الحسين (عليه السلام)
يتجلى جزء من عظمته،
وسر من أسراره،
وفي كل عام يزداد عشاق الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبيه لتشكل (زيارة الأربعين)
ذروة الزحف نحو حرمه الطاهر ومشهده الزاهر؛ ليكونوا بالقرب من روحه ونهجه وشعاعه المبارك، كي يستلهموا منه قيم العدل والإصلاح والحق، وقيم التضحية والبذل والإيثار والإخلاص والمسؤولية.
وتثبت زيارة الأربعين جاذبية الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا يمكن لأحد أن يجمع هذه الملايين من البشر، وبقناعة وحماس منقطع النظير، وفي وقت واحد، ومكان واحد؛ كما جمعهم الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين، والمصادف للعشرين من شهر صفر من كل عام.
وتتجلى في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) الأجواء الروحانية والإيمانية العميقة، ويستمد المؤمنون منها طاقة معنوية هائلة، مملؤة بلذة العبادة، وحلاوة الإيمان، وتزكية النفس وتهذيبها؛ من خلال المشي لا عن قلة راحلة وإنما من أجل جهاد النفس، وهو الجهاد الأكبر كما سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والإمام الحسين (عليه السلام) الذي قُتِل مظلوماً، وبصورة بشعة جداً، وعمد أعداؤه إلى تشويه أهدافه النهضوية، واتهموه مع أهل بيته وأصحابه بأنه من الخوارج؛ لكن ما نراه اليوم في زيارة الأربعين أن الملايين من الناس تزحف نحو قبره الشريف، ليعلنوا أنهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) في أهدافه وقيمه ومبادئه، وأنهم مع المظلوم ضد الظالم، ومع المقتول ضد القاتل، ومع الحق ضد الباطل، وهذا يعني أن الإمام الحسين هو المنتصر الحقيقي في معركة كربلاء.
لقد انتصر الإمام الحسين (عليه السلام) بشهادته، وانهزم أعداؤه بجريمتهم البشعة، حيث قاموا بقتل سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته وحبيبه شر قتلة، ولكن الحسين انتصر بمبادئه وقيمه وأهدافه، وبقي ذكره مخلداً في العالمين؛ أما أعداؤه فلم يحصدوا إلا الخيبة والعار والشقاء، والخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
إن ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين (عليه السلام) تعبر عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء؛ كما تؤكد على أن الانتصار المادي الذي حدث في كربلاء للجيش الأموي كان مؤقتاً وزائلاً، بينما انتصار القيم والمبادئ مستمر وثابت، وهذا ما أكدته أحداث كربلاء وما حدث بعدها؛ وهذا هو الانتصار الحقيقي.
وقد تنبأت بهذا الأمر السيدة زينب الكبرى (عليه السلام) في حديثها ليزيد عندما قالت له: «فَوَاللَّهِ لا تَمحُوَنَّ ذِكرَنا، ولا تُميتُ وَحيَنا، ولا تُدرِكَ أمَدَنا، ولا تَرحَضُ[1] عَنكَ عارَها، وهَل رَأيُكَ إلّا فَنَدٌ[2]، وأيّامُكَ إلّا عَدَدٌ، وجَمعُكَ إلّا بَدَدٌ[3]، يَومَ يُنادِي المُنادِ: ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[4] »[5]، وهذا ما تحقق بالفعل؛ فإن ذكر الإمام الحسين وأئمة أهل البيت يزداد انتشاراً واتساعاً يوماً بعد آخر؛ أما ظلمتهم فقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.
وتشير هذه الملحمة والحماسة الحسينية التي تتجسد في أجلى صورها في زيارة الأربعين؛ حيث يشاهد العالم كله الملايين من البشر تزحف مشياً على الأقدام نحو قبر الإمام الحسين حباً وعشقاً لمن ذاب في الله، وضحى في سبيل الله، وأعطى كل شيء من أجل الله؛ فذاب الناس فيه عشقاً وهُيَاماً!
ومع مرور الزمن تزداد القضية الحسينية توهجاً، وتشتد حرارتها ولا تبرد أبداً، وقد تنبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقد روي عن ابن سنان عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] عليه السلام، قال: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ مُقبِلٌ، فَأَجلَسَهُ في حِجرِهِ، وقالَ: «إنَّ لِقَتلِ الحُسَينِ حَرارَةً في قُلوبِ المُؤمِنينَ لا تَبرُدُ أبَداً»[6].
وحدث ما تنبأ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالضبط، حيث نلاحظ في عصرنا الملايين من البشر تزحف في كل أربعينية نحو قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم تمنعهم حرارة الشمس، ولا سوء الطقس، ولا جرائم الإرهاب، بل تحدوا كل المخاطر والمصاعب بإرادة وعزيمة لا تلين نحو زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وإحياء مناسبة الأربعينية بأجمل صورة عرفتها الإنسانية.
وإذا كان من الحب ما قتل، ومن العشق ما جنن؛ فإن حب الإمام الحسين (عليه السلام) وعشقه فيه كل الخير، وعلامة على الإيمان والتوفيق، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال (عليه السلام): «مَن أرادَ اللَّهُ بِهِ الخَيرَ قَذَفَ في قَلبِهِ حُبَ الحُسَينِ عليه السلام وحُبَّ زِيارَتِهِ، ومَن أرادَ اللَّهُ بِهِ السّوءَ قَذَفَ في قَلبِهِ بُغضَ الحُسَينِ عليه السلام وبُغضَ زِيارَتِهِ»[7]. وعنه عليه السّلام أيضاً أنه قال: «مَن لَم يَزُر قَبرَ الحُسَينِ عليه السّلام فَقَد حُرِمَ خَيراً كَثيراً، ونُقِصَ مِن عُمُرِهِ سَنَةٌ»[8].
فالسعيد من رزق حب الإمام الحسين (عليه السلام) والتوفيق لزيارته، والمحروم حقاً من حُرم من هذا الخير، وأما من استكثر من الزيارة فقد استكثر من الخير كثيراً، فطوبى للزائرين وحسن مآب.
...................................
الهوامش:
[1] الرّحْضُ: الغَسلُ ( النهاية: ج 2 ص 208« رحض»).
[2] الفَنَدُ: الكذب، والفَنَدُ: ضعف الرأي ( الصحاح: ج 2 ص 520« فند»).
[3] بَدَدَاً: أي متفرّقين ( النهاية: ج 1 ص 105« بدد»).
[4] سورة هود: الآية 18.
[5] بحار الأنوار: ج 45، ص 135.
[6] مستدرك الوسائل: ج 10 ص 318 ح 12084.
[7] كامل الزيارات: 269/ 417، بحار الأنوار: ج 98 ص 76 ح 28.
[8] كامل الزيارات: ص 285 ح 458، بحار الأنوار: ج 98 ص 48 ح 15.
🌠🌠🌠🌠🌠🌠🌠🌠
يتجلى جزء من عظمته،
وسر من أسراره،
وفي كل عام يزداد عشاق الإمام الحسين (عليه السلام) ومحبيه لتشكل (زيارة الأربعين)
ذروة الزحف نحو حرمه الطاهر ومشهده الزاهر؛ ليكونوا بالقرب من روحه ونهجه وشعاعه المبارك، كي يستلهموا منه قيم العدل والإصلاح والحق، وقيم التضحية والبذل والإيثار والإخلاص والمسؤولية.
وتثبت زيارة الأربعين جاذبية الإمام الحسين (عليه السلام)، فلا يمكن لأحد أن يجمع هذه الملايين من البشر، وبقناعة وحماس منقطع النظير، وفي وقت واحد، ومكان واحد؛ كما جمعهم الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم الأربعين، والمصادف للعشرين من شهر صفر من كل عام.
وتتجلى في زيارة الأربعين للإمام الحسين (عليه السلام) الأجواء الروحانية والإيمانية العميقة، ويستمد المؤمنون منها طاقة معنوية هائلة، مملؤة بلذة العبادة، وحلاوة الإيمان، وتزكية النفس وتهذيبها؛ من خلال المشي لا عن قلة راحلة وإنما من أجل جهاد النفس، وهو الجهاد الأكبر كما سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والإمام الحسين (عليه السلام) الذي قُتِل مظلوماً، وبصورة بشعة جداً، وعمد أعداؤه إلى تشويه أهدافه النهضوية، واتهموه مع أهل بيته وأصحابه بأنه من الخوارج؛ لكن ما نراه اليوم في زيارة الأربعين أن الملايين من الناس تزحف نحو قبره الشريف، ليعلنوا أنهم مع الإمام الحسين (عليه السلام) في أهدافه وقيمه ومبادئه، وأنهم مع المظلوم ضد الظالم، ومع المقتول ضد القاتل، ومع الحق ضد الباطل، وهذا يعني أن الإمام الحسين هو المنتصر الحقيقي في معركة كربلاء.
لقد انتصر الإمام الحسين (عليه السلام) بشهادته، وانهزم أعداؤه بجريمتهم البشعة، حيث قاموا بقتل سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته وحبيبه شر قتلة، ولكن الحسين انتصر بمبادئه وقيمه وأهدافه، وبقي ذكره مخلداً في العالمين؛ أما أعداؤه فلم يحصدوا إلا الخيبة والعار والشقاء، والخزي في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
إن ظاهرة الزيارة المليونية في زيارة الاربعين للإمام الحسين (عليه السلام) تعبر عن انتصار القيم والمبادئ والأهداف التي استشهد من أجلها الإمام الحسين في معركة كربلاء؛ كما تؤكد على أن الانتصار المادي الذي حدث في كربلاء للجيش الأموي كان مؤقتاً وزائلاً، بينما انتصار القيم والمبادئ مستمر وثابت، وهذا ما أكدته أحداث كربلاء وما حدث بعدها؛ وهذا هو الانتصار الحقيقي.
وقد تنبأت بهذا الأمر السيدة زينب الكبرى (عليه السلام) في حديثها ليزيد عندما قالت له: «فَوَاللَّهِ لا تَمحُوَنَّ ذِكرَنا، ولا تُميتُ وَحيَنا، ولا تُدرِكَ أمَدَنا، ولا تَرحَضُ[1] عَنكَ عارَها، وهَل رَأيُكَ إلّا فَنَدٌ[2]، وأيّامُكَ إلّا عَدَدٌ، وجَمعُكَ إلّا بَدَدٌ[3]، يَومَ يُنادِي المُنادِ: ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[4] »[5]، وهذا ما تحقق بالفعل؛ فإن ذكر الإمام الحسين وأئمة أهل البيت يزداد انتشاراً واتساعاً يوماً بعد آخر؛ أما ظلمتهم فقد ذهبوا إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير.
وتشير هذه الملحمة والحماسة الحسينية التي تتجسد في أجلى صورها في زيارة الأربعين؛ حيث يشاهد العالم كله الملايين من البشر تزحف مشياً على الأقدام نحو قبر الإمام الحسين حباً وعشقاً لمن ذاب في الله، وضحى في سبيل الله، وأعطى كل شيء من أجل الله؛ فذاب الناس فيه عشقاً وهُيَاماً!
ومع مرور الزمن تزداد القضية الحسينية توهجاً، وتشتد حرارتها ولا تبرد أبداً، وقد تنبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، فقد روي عن ابن سنان عن جعفر بن مُحَمَّد [الصادق] عليه السلام، قال: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وهُوَ مُقبِلٌ، فَأَجلَسَهُ في حِجرِهِ، وقالَ: «إنَّ لِقَتلِ الحُسَينِ حَرارَةً في قُلوبِ المُؤمِنينَ لا تَبرُدُ أبَداً»[6].
وحدث ما تنبأ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالضبط، حيث نلاحظ في عصرنا الملايين من البشر تزحف في كل أربعينية نحو قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، ولم تمنعهم حرارة الشمس، ولا سوء الطقس، ولا جرائم الإرهاب، بل تحدوا كل المخاطر والمصاعب بإرادة وعزيمة لا تلين نحو زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وإحياء مناسبة الأربعينية بأجمل صورة عرفتها الإنسانية.
وإذا كان من الحب ما قتل، ومن العشق ما جنن؛ فإن حب الإمام الحسين (عليه السلام) وعشقه فيه كل الخير، وعلامة على الإيمان والتوفيق، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال (عليه السلام): «مَن أرادَ اللَّهُ بِهِ الخَيرَ قَذَفَ في قَلبِهِ حُبَ الحُسَينِ عليه السلام وحُبَّ زِيارَتِهِ، ومَن أرادَ اللَّهُ بِهِ السّوءَ قَذَفَ في قَلبِهِ بُغضَ الحُسَينِ عليه السلام وبُغضَ زِيارَتِهِ»[7]. وعنه عليه السّلام أيضاً أنه قال: «مَن لَم يَزُر قَبرَ الحُسَينِ عليه السّلام فَقَد حُرِمَ خَيراً كَثيراً، ونُقِصَ مِن عُمُرِهِ سَنَةٌ»[8].
فالسعيد من رزق حب الإمام الحسين (عليه السلام) والتوفيق لزيارته، والمحروم حقاً من حُرم من هذا الخير، وأما من استكثر من الزيارة فقد استكثر من الخير كثيراً، فطوبى للزائرين وحسن مآب.
...................................
الهوامش:
[1] الرّحْضُ: الغَسلُ ( النهاية: ج 2 ص 208« رحض»).
[2] الفَنَدُ: الكذب، والفَنَدُ: ضعف الرأي ( الصحاح: ج 2 ص 520« فند»).
[3] بَدَدَاً: أي متفرّقين ( النهاية: ج 1 ص 105« بدد»).
[4] سورة هود: الآية 18.
[5] بحار الأنوار: ج 45، ص 135.
[6] مستدرك الوسائل: ج 10 ص 318 ح 12084.
[7] كامل الزيارات: 269/ 417، بحار الأنوار: ج 98 ص 76 ح 28.
[8] كامل الزيارات: ص 285 ح 458، بحار الأنوار: ج 98 ص 48 ح 15.
🌠🌠🌠🌠🌠🌠🌠🌠
تعليق