بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
واعلم أن السبب الأصلي والباعث الكلي في غَوْر الأنهار، واحتباس الأمطار، وظهور الغلاء، والجدب، وسائر علامات الغضب:
1- شيوع المعصية(2)، 2- وكفران النعمة، 3- والتمادي في البغي والعدوان، 4- ومنع الحقوق، 5- والتطفيف في المكيال والميزان، 6- والظلم، 7- والغدر، 8- وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 9- ونقص المكيال والميزان، 10- ومنع الزكاة، 11- والحكم بغير ما أنزل اللَّه. ونحو ذلك من المعاصي التي تخرق الأستار وتغضب الجبار. قال اللَّه تعالى: ﴿... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...﴾ (الرعد: 11). وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف:96). وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل:112). وقال عز اسمه: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41). وقال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ (الجن:16) أي كثيراً.
_ وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا غضب اللَّه تبارك وتعالى على أمة ثم لم ينزل بها العذاب أي عذاب الاستئصال غلت أسعارها، وقصرت أعمارها، ولم يربح تجّارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وسلط اللَّه عليها أشرارها"(3). وقال صلى الله عليه وآله أيضاً: "خمس خصال إن أدركتموها فتعوذوا بالله من النار:
1- لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها (يعلنوها) إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا.
2- ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة(4) وجور السلطان.
3- ولم يمنعوا (تمنع) الزكاة إلا منع القطر من السماء، فلولا البهائم لم يمطروا.
4- ولم ينقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط (الله) عليهم عدوهم، فأخذ بعض ما في أيديهم.
5- "ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم"(5).
* وقال الباقر عليه السلام: "إنه ما من سنة أقل مطراً من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن اللَّه عزَّ وجلَّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدِّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى الفيافى(6)، والبحار والجبال"(7).
* وقال الصادق عليه السلام: "إذا فشا أربعة ظهرت أربعة إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشى الجور في الحكم احتبس القطر (المطر) إلى أن قال: وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة"(8).
* وقال الرضا عليه السلام: "إذا كذب الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي"(9).
* وفي حديث: إن اللَّه تعالى أوحى إلى شعيب: أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم فقال عليه السلام: هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى اللَّه عزَّ وجلَّ إليه: (إنهم) داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي(10).
* وفي حديث عقوبات المعاصي: الذنوب التي تغير النعم: البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجِّل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين(11).
* وفى الخبر: إنَّ أسرع الشر عقوبة البغي(12).
* وقال أحدهم عليهم السلام مشيراً إلى فتوى نقلت له عن بعض الناس : مِن هذا وأشباهه تحبس السماء قطرها(13). إلى غير ذلك من الآيات والأخبار التي هي أكثر من أن تحصى.
_ ولعل أعظم أسباب حلول النقم وتحويل النعم احتقار النعمة وبطر المعيشة والاستهانة بجلائل النعم التي أنعم اللَّه بها على عباده، خصوصا الخبز، فقد أمرنا بإكرامه وتعظيمه قيل: وقد ورد أن من إكرامه أن لا يشم ولا يقطع ولا يوطأ ولا يوضع تحت القصع وكذا الاستهانة بالمائدة ووطؤها بالرجل، بل عن الصادق عليه السلام قال: لقد دخلت على أبي العباس وقد أخذ القوم المجلس، فمد يده إلي والسفرة بين يديه موضوعة، فأخذ بيدي فذهبت لأخطو إليه فوقعت رجلي على طرف السفرة فدخلني من ذلك ما شاء اللَّه أن يدخلني، إن اللَّه يقول: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ (الأنعام: 14)(89)... إلى آخره((15).
* ولقد أصاب الأمم السالفة بكفران النعم والاستهانة بها ما قصَّه اللَّه تعالى في كتابه العزيز، وورد تفصيله في الأخبار المروية عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام. وحسبك من ذلك قصة سبأ وأصحاب الثرثار(16) وغيرهم(17)، والذين في قصصهم عبرة لأولي الأبصار.
* والذي ينبغي للناس إذا ظهرت مخائل(18) الجدب والغلاء أن يفزعوا إلى اللَّه تعالى، ويلحّوا في الدعاء ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، عن صدر نقي وقلب تقي وإخبات وإخلاص خوفاً وطمعاً، فإن ذلك يحرك سحاب الجود ويستعطف كرم المعبود، كيف لا والدعاء من مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح، والمناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص. وإذا اشتد الفزع فإلى اللَّه المفزع.وقد قال اللَّه سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60) وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾(النمل:62) وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).
* وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرُّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فان سلاح المؤمن الدعاء)(19). وقال صلى الله عليه وآله: "الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرضين"(20). (..) وقال أبو عبد اللَّه جعفر بن محمد عليهما السلام: "الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر"(21). (..) وعنه عليه السلام: "ما اجتمع أربعة رهط قط على أمرٍ واحد فدعوا إلا تفرقوا عن إجابة"(22). وفي آخر: ما من رهطٍ أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا اللَّه عزَّ وجلَّ في أمرٍ إلا استجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللَّه عزَّ وجلَّ عشر مرات إلا استجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللَّه أربعين مرة فيستجيب اللَّه العزيز الجبار له(23).
-----------------------------------------------------------------------
(1) الشيخ الجواهري؛ جواهر الكلام؛ ج21 ص127.
الشيخ الجواهري، كما قدمه العلم الحجة الشيخ محمد رضا المظفر رحمه اللَّه تعالى: هو "محمد حسن" بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن آغا محمد الصغير بن عبد الرحيم الشريف الكبير.(هو) عنوان الأسرة الجواهرية العلمية المعروفة بالنجف الأشرف، وبكتابه "جواهر الكلام" عُرفت. لم يقتصر جهد هذا الشيخ الجليل على تصنيف كتابه العظيم "الجواهر" فحسب وإن كان هذا وحده ليس بالشيء القليل؛ فقد جعله في مصاف العظماء النوابغ على ما سيأتي ولكنه كان من عظماء القرن الثالث عشر الهجري ونوابغه (الوفاة 1266 والولادة حوالي 1200 هجرية).
راجع: مقدمة جواهر الكلام؛ ط: المكتبة الإسلامية؛ طهران.
(2) ليست هذه المفردات مرقَّمة في الأصل.
(3) الشيخ الصدوق؛ من لا يحضره الفقيه؛1 524. أيضاً، الكليني؛ الكافي؛5- 317.
(4) المراد بها: النكد في تحصيل القوت، والدخل المحدود الذي يكاد يشبه المجاعة.
(5) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار؛ 261.
(6) الفيافي: البراري الواسعة.
(7) الكليني؛ الكافي؛2 272.
فيه إضافة: (وإن اللَّه ليعذب الجعل) والجعل كصرد: دويبة كالخنفساء أكبر منها شديدة السواد في بطنها لون حمرة...( في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها، وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي. قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام فاعتبروا يا أولي الأبصار). وفي حديث أيضاً "إن اللَّه ليعذب الجعل في جحره بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها لمجاورتها أهل المعاصي ولها السبيل إلى غيرهم".
(8) الكليني؛ الكافي؛2 448.
فيه ما أشار إليه المصنف بقوله: "إلى أن قال" وهو: وإذا خفرت الذمة، أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام. وفي هامش الكافي، تعليقة العلامة المجلسي، في مرآة العقول، على هذه الفقرة بقوله: (خفره وبه وعليه: أجاره ومنعه وآمنه. وخفره: أخذ منه جعلا ليجيره وبه خفرا وخفوراً: نقض عهده، والإدالة: الغلبة وفى الدعاء "أدل لنا و(لا) تُدِلْ منا" وذلك لأنهم ينقضون الأمان ويخالفون اللَّه في ذلك فيورد اللَّه عليهم نقيض مقصودهم كما أنهم يمنعون الزكاة لحصول الغنى مع أنها سبب لنمو أموالهم فيذهب اللَّه ببركتها ويحوجهم. وكون المراد حاجة الفقراء كما قيل بعيد نعم يحتمل الأعم. وفى بعض النسخ )(من أهل الإيمان).
(9) الشيخ الطوسي؛ الأمالي79. أيضاً، المجلسي؛ البحار؛ 70 373.
(10) الكليني، الكافي؛5 56.
(11) الحر العاملي؛ وسائل الشيعة؛ ط: آل البيت؛ 16 247؛ عن الإمام الصادق عليه السلام.
(12) الكليني، الكافي؛2 460؛ عن الإمام الباقر عليه السلام. وفيه؛2 - 327 عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أعجل الشر عقوبة، البغي.
(13) عن الإمام الصادق عليه السلام في فتوى لأبي حنيفة حول من اكترى دابة إلى مكان فأخذها إلى غيره، وسافر عليها من بلد إلى بلد خمسة عشر يوماً، فأفتى له أبو حنيفة بسقوط الأجرة والإكتفاء برجوع الدابة إلى صاحبها، لأن المستأجر استعملها في غير مااستأجرها له.
(14) الحر العاملي، وسائل الشيعة (ط: آل البيت) 24 / 385، وفيه تتمة الرواية: قوماً واللَّه يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويذكرون اللَّه كثيراً. انتهى. والظاهر أن المراد بأبي العباس: السفاح العباسي. وحول الآية وهذه الرواية قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان7 265: (أقول: محصله استحياؤه عليه السلام من اللَّه سبحانه بوقوع قدمه على طرف السفرة اضطراراً كأن في وطى السفرة كفراناً لنعمه اللَّه ففيه تعميم للكفر في قوله: (ليسوا بها بكافرين) لكفر النعمة).
(15) في المصدر: إلى آخر الآية، والظاهر أنه من تبديل (الخ) من الناسخ بإلى آخر الآية، في حين أن مراد المصنف إلى آخر الرواية، لأنه لم يوردها بتمامها.
(16) قصة سبأ معروفة، وقصة (أصحاب الثرثار) تلخصها رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، أووردها الكليني في الكافي 6 - 301 تحت عنوان: "فضل الخبز".
(_) 1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: إني لألحس أصابعي من الآدم حتى أخاف أن يراني خادمي فيرى أن ذلك من التجشع وليس ذلك كذلك إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوها خبزا هجاء وجعلوا ينجون به صبيانهم (يستعملونه للإستنجاء بدلاً من الحجارة) حتى اجتمع من ذلك جبل عظيم، قال: فمرَّ بهم رجل صالح وإذا امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها، فقال لهم: ويحكم اتقوا اللَّه عزَّ وجلَّ ولا تغيروا ما بكم من نعمة فقالت له: كأنك تخوفنا بالجوع أما ما دام ثرثارنا تجري فإنا لا نخاف الجوع قال: فأسف اللَّه عزَّ وجلَّ فأضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبات الأرض قال: فاحتاجوا إلى ذلك الجبل وإنه كان يقسم بينهم بالميزان). قال الشريف الرضي في المجازات النبوية 178: (وأصل الثرثار مأخوذ من العين الثرثارة، وهى الواسعة الأرجاء، الغزيرة الماء. يقال: عين ثرة وثرثارة، وبذلك سمى الثرثار، وهو النهر المعروف بالشام). وقال الحموي في معجم البلدان2 75: (الثرثار: واد عظيم بالجزيرة يمد إذا كثرت الأمطار، فأما في الصيف فليس فيه إلا مناقع ومياه حامية وعيون قليلة ملحة، وهو في البرية ببين سنجار وتكريت، كان في القديم منازل بكر بن وائل واختص بأكثره بنو تغلب منهم، وكان للعرب بنواحية وقائع مشهورة، ولهم في ذكره أشعار كثيرة، رأيته أنا غير مرة، وتنصب إليه فضلات من مياه نهر الهرماس، وهو نهر نصيبين، ويمر بالحضر مدنية الساطرون، ثم يصب في دجلة أسفل تكريت، ويقال إن السفن كانت تجري فيه، وكانت عليه قرى كثيرة وعمارة، فأما الآن فهو كما وصفت، وأصله من الثر، وهو الكثير).
(17) أنظر مثلاً: علل الشرائع؛ الشيخ الصدوق؛1/ 40، أيضاً الجزائري؛ قصص الأنبياء؛ 437؛ حول أصحاب الرس.
(18) مخائل: جمع مخيلة، وهي السحابة التي تظهر كأنها ماطرة ثم لا تمطر.
(19) الكليني؛ الكافي؛468/2.
(20) المصدر.
(21) الكليني؛ الكافي؛471/2.
(22) المصدر؛ 487.
(23) المصدر؛ مصححاً على ما فيه.
* ملاحظة: إن جميع الهوامش طبق برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
واعلم أن السبب الأصلي والباعث الكلي في غَوْر الأنهار، واحتباس الأمطار، وظهور الغلاء، والجدب، وسائر علامات الغضب:
1- شيوع المعصية(2)، 2- وكفران النعمة، 3- والتمادي في البغي والعدوان، 4- ومنع الحقوق، 5- والتطفيف في المكيال والميزان، 6- والظلم، 7- والغدر، 8- وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 9- ونقص المكيال والميزان، 10- ومنع الزكاة، 11- والحكم بغير ما أنزل اللَّه. ونحو ذلك من المعاصي التي تخرق الأستار وتغضب الجبار. قال اللَّه تعالى: ﴿... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...﴾ (الرعد: 11). وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف:96). وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل:112). وقال عز اسمه: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم:41). وقال تعالى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ (الجن:16) أي كثيراً.
_ وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا غضب اللَّه تبارك وتعالى على أمة ثم لم ينزل بها العذاب أي عذاب الاستئصال غلت أسعارها، وقصرت أعمارها، ولم يربح تجّارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها، وسلط اللَّه عليها أشرارها"(3). وقال صلى الله عليه وآله أيضاً: "خمس خصال إن أدركتموها فتعوذوا بالله من النار:
1- لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها (يعلنوها) إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا.
2- ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة(4) وجور السلطان.
3- ولم يمنعوا (تمنع) الزكاة إلا منع القطر من السماء، فلولا البهائم لم يمطروا.
4- ولم ينقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط (الله) عليهم عدوهم، فأخذ بعض ما في أيديهم.
5- "ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم"(5).
* وقال الباقر عليه السلام: "إنه ما من سنة أقل مطراً من سنة، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن اللَّه عزَّ وجلَّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدِّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم، وإلى الفيافى(6)، والبحار والجبال"(7).
* وقال الصادق عليه السلام: "إذا فشا أربعة ظهرت أربعة إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشى الجور في الحكم احتبس القطر (المطر) إلى أن قال: وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة"(8).
* وقال الرضا عليه السلام: "إذا كذب الولاة حبس المطر، وإذا جار السلطان هانت الدولة، وإذا حبست الزكاة ماتت المواشي"(9).
* وفي حديث: إن اللَّه تعالى أوحى إلى شعيب: أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستين ألفاً من خيارهم فقال عليه السلام: هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى اللَّه عزَّ وجلَّ إليه: (إنهم) داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي(10).
* وفي حديث عقوبات المعاصي: الذنوب التي تغير النعم: البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجِّل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين(11).
* وفى الخبر: إنَّ أسرع الشر عقوبة البغي(12).
* وقال أحدهم عليهم السلام مشيراً إلى فتوى نقلت له عن بعض الناس : مِن هذا وأشباهه تحبس السماء قطرها(13). إلى غير ذلك من الآيات والأخبار التي هي أكثر من أن تحصى.
_ ولعل أعظم أسباب حلول النقم وتحويل النعم احتقار النعمة وبطر المعيشة والاستهانة بجلائل النعم التي أنعم اللَّه بها على عباده، خصوصا الخبز، فقد أمرنا بإكرامه وتعظيمه قيل: وقد ورد أن من إكرامه أن لا يشم ولا يقطع ولا يوطأ ولا يوضع تحت القصع وكذا الاستهانة بالمائدة ووطؤها بالرجل، بل عن الصادق عليه السلام قال: لقد دخلت على أبي العباس وقد أخذ القوم المجلس، فمد يده إلي والسفرة بين يديه موضوعة، فأخذ بيدي فذهبت لأخطو إليه فوقعت رجلي على طرف السفرة فدخلني من ذلك ما شاء اللَّه أن يدخلني، إن اللَّه يقول: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ (الأنعام: 14)(89)... إلى آخره((15).
* ولقد أصاب الأمم السالفة بكفران النعم والاستهانة بها ما قصَّه اللَّه تعالى في كتابه العزيز، وورد تفصيله في الأخبار المروية عن النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام. وحسبك من ذلك قصة سبأ وأصحاب الثرثار(16) وغيرهم(17)، والذين في قصصهم عبرة لأولي الأبصار.
* والذي ينبغي للناس إذا ظهرت مخائل(18) الجدب والغلاء أن يفزعوا إلى اللَّه تعالى، ويلحّوا في الدعاء ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، عن صدر نقي وقلب تقي وإخبات وإخلاص خوفاً وطمعاً، فإن ذلك يحرك سحاب الجود ويستعطف كرم المعبود، كيف لا والدعاء من مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح، والمناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص. وإذا اشتد الفزع فإلى اللَّه المفزع.وقد قال اللَّه سبحانه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: 60) وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾(النمل:62) وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).
* وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرُّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فان سلاح المؤمن الدعاء)(19). وقال صلى الله عليه وآله: "الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرضين"(20). (..) وقال أبو عبد اللَّه جعفر بن محمد عليهما السلام: "الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر"(21). (..) وعنه عليه السلام: "ما اجتمع أربعة رهط قط على أمرٍ واحد فدعوا إلا تفرقوا عن إجابة"(22). وفي آخر: ما من رهطٍ أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا اللَّه عزَّ وجلَّ في أمرٍ إلا استجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللَّه عزَّ وجلَّ عشر مرات إلا استجاب لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللَّه أربعين مرة فيستجيب اللَّه العزيز الجبار له(23).
-----------------------------------------------------------------------
(1) الشيخ الجواهري؛ جواهر الكلام؛ ج21 ص127.
الشيخ الجواهري، كما قدمه العلم الحجة الشيخ محمد رضا المظفر رحمه اللَّه تعالى: هو "محمد حسن" بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن آغا محمد الصغير بن عبد الرحيم الشريف الكبير.(هو) عنوان الأسرة الجواهرية العلمية المعروفة بالنجف الأشرف، وبكتابه "جواهر الكلام" عُرفت. لم يقتصر جهد هذا الشيخ الجليل على تصنيف كتابه العظيم "الجواهر" فحسب وإن كان هذا وحده ليس بالشيء القليل؛ فقد جعله في مصاف العظماء النوابغ على ما سيأتي ولكنه كان من عظماء القرن الثالث عشر الهجري ونوابغه (الوفاة 1266 والولادة حوالي 1200 هجرية).
راجع: مقدمة جواهر الكلام؛ ط: المكتبة الإسلامية؛ طهران.
(2) ليست هذه المفردات مرقَّمة في الأصل.
(3) الشيخ الصدوق؛ من لا يحضره الفقيه؛1 524. أيضاً، الكليني؛ الكافي؛5- 317.
(4) المراد بها: النكد في تحصيل القوت، والدخل المحدود الذي يكاد يشبه المجاعة.
(5) الطبرسي؛ مشكاة الأنوار؛ 261.
(6) الفيافي: البراري الواسعة.
(7) الكليني؛ الكافي؛2 272.
فيه إضافة: (وإن اللَّه ليعذب الجعل) والجعل كصرد: دويبة كالخنفساء أكبر منها شديدة السواد في بطنها لون حمرة...( في جحرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها، وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي. قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام فاعتبروا يا أولي الأبصار). وفي حديث أيضاً "إن اللَّه ليعذب الجعل في جحره بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها لمجاورتها أهل المعاصي ولها السبيل إلى غيرهم".
(8) الكليني؛ الكافي؛2 448.
فيه ما أشار إليه المصنف بقوله: "إلى أن قال" وهو: وإذا خفرت الذمة، أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام. وفي هامش الكافي، تعليقة العلامة المجلسي، في مرآة العقول، على هذه الفقرة بقوله: (خفره وبه وعليه: أجاره ومنعه وآمنه. وخفره: أخذ منه جعلا ليجيره وبه خفرا وخفوراً: نقض عهده، والإدالة: الغلبة وفى الدعاء "أدل لنا و(لا) تُدِلْ منا" وذلك لأنهم ينقضون الأمان ويخالفون اللَّه في ذلك فيورد اللَّه عليهم نقيض مقصودهم كما أنهم يمنعون الزكاة لحصول الغنى مع أنها سبب لنمو أموالهم فيذهب اللَّه ببركتها ويحوجهم. وكون المراد حاجة الفقراء كما قيل بعيد نعم يحتمل الأعم. وفى بعض النسخ )(من أهل الإيمان).
(9) الشيخ الطوسي؛ الأمالي79. أيضاً، المجلسي؛ البحار؛ 70 373.
(10) الكليني، الكافي؛5 56.
(11) الحر العاملي؛ وسائل الشيعة؛ ط: آل البيت؛ 16 247؛ عن الإمام الصادق عليه السلام.
(12) الكليني، الكافي؛2 460؛ عن الإمام الباقر عليه السلام. وفيه؛2 - 327 عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أعجل الشر عقوبة، البغي.
(13) عن الإمام الصادق عليه السلام في فتوى لأبي حنيفة حول من اكترى دابة إلى مكان فأخذها إلى غيره، وسافر عليها من بلد إلى بلد خمسة عشر يوماً، فأفتى له أبو حنيفة بسقوط الأجرة والإكتفاء برجوع الدابة إلى صاحبها، لأن المستأجر استعملها في غير مااستأجرها له.
(14) الحر العاملي، وسائل الشيعة (ط: آل البيت) 24 / 385، وفيه تتمة الرواية: قوماً واللَّه يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويذكرون اللَّه كثيراً. انتهى. والظاهر أن المراد بأبي العباس: السفاح العباسي. وحول الآية وهذه الرواية قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان7 265: (أقول: محصله استحياؤه عليه السلام من اللَّه سبحانه بوقوع قدمه على طرف السفرة اضطراراً كأن في وطى السفرة كفراناً لنعمه اللَّه ففيه تعميم للكفر في قوله: (ليسوا بها بكافرين) لكفر النعمة).
(15) في المصدر: إلى آخر الآية، والظاهر أنه من تبديل (الخ) من الناسخ بإلى آخر الآية، في حين أن مراد المصنف إلى آخر الرواية، لأنه لم يوردها بتمامها.
(16) قصة سبأ معروفة، وقصة (أصحاب الثرثار) تلخصها رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، أووردها الكليني في الكافي 6 - 301 تحت عنوان: "فضل الخبز".
(_) 1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: إني لألحس أصابعي من الآدم حتى أخاف أن يراني خادمي فيرى أن ذلك من التجشع وليس ذلك كذلك إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوها خبزا هجاء وجعلوا ينجون به صبيانهم (يستعملونه للإستنجاء بدلاً من الحجارة) حتى اجتمع من ذلك جبل عظيم، قال: فمرَّ بهم رجل صالح وإذا امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها، فقال لهم: ويحكم اتقوا اللَّه عزَّ وجلَّ ولا تغيروا ما بكم من نعمة فقالت له: كأنك تخوفنا بالجوع أما ما دام ثرثارنا تجري فإنا لا نخاف الجوع قال: فأسف اللَّه عزَّ وجلَّ فأضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبات الأرض قال: فاحتاجوا إلى ذلك الجبل وإنه كان يقسم بينهم بالميزان). قال الشريف الرضي في المجازات النبوية 178: (وأصل الثرثار مأخوذ من العين الثرثارة، وهى الواسعة الأرجاء، الغزيرة الماء. يقال: عين ثرة وثرثارة، وبذلك سمى الثرثار، وهو النهر المعروف بالشام). وقال الحموي في معجم البلدان2 75: (الثرثار: واد عظيم بالجزيرة يمد إذا كثرت الأمطار، فأما في الصيف فليس فيه إلا مناقع ومياه حامية وعيون قليلة ملحة، وهو في البرية ببين سنجار وتكريت، كان في القديم منازل بكر بن وائل واختص بأكثره بنو تغلب منهم، وكان للعرب بنواحية وقائع مشهورة، ولهم في ذكره أشعار كثيرة، رأيته أنا غير مرة، وتنصب إليه فضلات من مياه نهر الهرماس، وهو نهر نصيبين، ويمر بالحضر مدنية الساطرون، ثم يصب في دجلة أسفل تكريت، ويقال إن السفن كانت تجري فيه، وكانت عليه قرى كثيرة وعمارة، فأما الآن فهو كما وصفت، وأصله من الثر، وهو الكثير).
(17) أنظر مثلاً: علل الشرائع؛ الشيخ الصدوق؛1/ 40، أيضاً الجزائري؛ قصص الأنبياء؛ 437؛ حول أصحاب الرس.
(18) مخائل: جمع مخيلة، وهي السحابة التي تظهر كأنها ماطرة ثم لا تمطر.
(19) الكليني؛ الكافي؛468/2.
(20) المصدر.
(21) الكليني؛ الكافي؛471/2.
(22) المصدر؛ 487.
(23) المصدر؛ مصححاً على ما فيه.
* ملاحظة: إن جميع الهوامش طبق برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.
تعليق