السيدة فاطمة الزهراء (ع) في سطور
الاسم: فاطمة (ع).
ومن ألقابها (ع): الصديقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الرضية، المرضية، المحدثة، الزهراء، البتول(1)، الحوراء، الحرة، السيدة، العذراء، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية(2).
الكنية: أم أبيها، أم الحسنين، أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم الأئمة(3).
الأب: رسول الله محمد.
الأم: السيدة خديجة الكبرى(ع).
زمان الولادة: 20/ جمادى الثانية/ 5 سنوات بعد البعثة (4).
مكان الولادة: مكة المكرمة.
الزوج: الإمام أمير المؤمنين.
الأولاد: الحسن، الحسين، زينب، أم كلثوم، محسن السقط.
مدة العمر: 18 سنة وسبعة أشهر(5).
زمان الاستشهاد: بعد وفاة الرسول (ص) بـ 40 أو 72 أو 75 أو 90 يوماً، وقيل أربعة أشهر(6).
مكان الاستشهاد: المدينة المنورة.
المدفن: المدينة المنورة، لكن لا يعلم أين موضع قبرها وذلك عملاً بوصيتها لتبقى ظلامتها (7).
قام بتغسيلها وتكفينها ودفنها: الإمام علي بن أبي طالب (ع) .
الولادة المباركة
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف كان ولادة فاطمة(ع) ؟
فقال (ع) : «نعم، إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (ص) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه (ص) ، فلما حملت بفاطمة، كانت فاطمة (ع) تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (ص) ، فدخل رسول الله (ص) يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟
قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.
قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني [يبشرني] أنها أنثى وإنها النسلة الطاهرة الميمونة، وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه»(8).
تفسير بعض ألقابها(ع)
عن يونس أنه قال: «..قال أبو عبد الله (ع) : أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟» قلت: أخبرني يا سيدي، قال: «فطمت من الشر»(9).
وقد روت الخاصة والعامة بطرق معتبرة أن النبي (ص) قال: «إنما سميت فاطمة فاطمة لأن الله عزوجل فطم من أحبها من النار»(10).
وفي رواية أن النبي (ص) سئل ما البتول؟ فقال (ص) : «البتول التي لم تر حمرة قط»(11).
قال العلامة المجلسي (ره) : إن الصديقة بمعنى المعصومة.
والمباركة: بمعنى كونها ذات بركة في العالم والفضل والكمالات والمعجزات والأولاد.
والطاهرة: بمعنى طهارتها من صفات النقص.
والزكية: بمعنى نموها في الكمالات والخيرات.
والراضية: بمعنى رضاها بقضاء الله تعالى.
والمرضية: بمعنى مقبوليتها عند الله تعالى.
والمحدثة: بمعنى حديث الملائكة معها.
والزهراء: بمعنى نورانيتها ظاهراً وباطناً (12).
من فضائلها (ع)
في الحديث القدسي عن الله عزوجل: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(13).
وعن الرسول (ص) أنه قال: «فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس عليّ»(14).
وعن عائشة أنها قالت: (ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقبّل يديها، وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه)(15).
وعن رسول الله (ص) : «لو كان الحُسن هيئة لكانت فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(16).
وعن فاطمة الزهراء (ع): «إن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت»(17).
وعن الإمام الصادق (ع) : «لولا أن أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(18).
وعن الإمام الكاظم (ع) : «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين.. أو فاطمة من النساء»(19).
وعن الإمام الحجة (ع) : «وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة»(20) الحديث.
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث على أفضلية فاطمة الزهراء (ع) على جميع الخلق من الأنبياء والأولياء وغيرهم، عدا أبيها رسول الله (ص) وبعلها أمير المؤمنين (ع) (21).
عبادتها (ع)
عن الإمام الحسن (ع) أنه قال: «رأيت أمي فاطمة(ع) قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفلق عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه لم تدعي لنفسك كما تدعين لغيرك؟، قالت: يا بني الجار ثم الدار»(22).
وقال رسول الله (ص) لسلمان: «يا سلمان، ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله»(23) الحديث.
وقال الحسن البصري: إنه ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة(ع) كانت تقوم حتى تتورم قدماها(24).
الأعمال البيتية
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «رأى النبي (ص) فاطمة (ع) وعليها كساء من أجلة(25) الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص) ، فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه والشكر على آلائه، فأنزل الله: ] ولسوف يعطيك ربك فترضى[ (26)»(27).
وعن أمير المؤمنين (ع) : «إنها (ع) كانت عندي... وأنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد..»(28).
الحجاب كرامة المرأة
عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: «استأذن أعمى على فاطمة (ع) فحجبته، فقال لها النبي (ص) : لم تحجبينه، وهو لا يراك؟
قالت (ع): يا رسول الله إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح.
فقال رسول الله (ص) : أشهد أنك بضعة مني»(29).
وقال (ع) : «سأل رسول الله (ص) أصحابه: عن المرأة ما هي؟
قالوا: عورة.
قال: فمتى تكون أدنى من ربها؟
فلم يدروا.
فلما سمعت فاطمة ذلك، قالت: «أدنى ما تكون من ربها أن تلتزم قعر بيتها»، فقال رسول الله (ص) : «إن فاطمة بضعة مني» (30).
وقال النبي (ص) لها: «أي شيء خير للمرأة؟».
قالت: «أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل»، فضمها إليه وقال: «ذرية بعضها من بعض»(31).
تسبيح الزهراء (ع)
قد كثرت الأحاديث في فضل تسبيح فاطمة الزهراء (ع) وثوابه، ومنها ما جاء عن الإمام الباقر (ع) قال: «ما عبد الله بشيء أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء(ع) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (ص) فاطمة، إن تسبيح فاطمة الزهراء (ع) في كل يوم دبر كل صلاة، أحب إليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم»(32).
وقال الإمام الصادق (ع) : «يا أبا هارون، إنا لنأمر صبياننا بتسبيح فاطمة(ع) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه ما لزمه عبد فشقي»(33).
أما كيفية تسبيح الزهراء (ع) أن تقول: أربعاً وثلاثين مرة (الله أكبر)، وثلاثاً وثلاثين مرة (الحمد لله)، وثلاثاً وثلاثين مرة (سبحان الله)، فيكون المجموع مائة، والدوام عليه يوجب السعادة ويبعد الإنسان عن الشقاء وسوء العاقبة كما ورد في بعض الروايات(34).
دعاء لرفع الحمى
روي عن فاطمة الزهراء (ع) أنها قالت ـ مخاطبة سلمان الفارسي (ره) ـ : «إن سرك أن لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا، فواظب عليه» أي الدعاء.
ثم قال سلمان: علمتني هذا الحرز، فقالت:
«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين».
قال سلمان: فتعلمتهن فوالله ولقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم علل الحمى فكل برئ من مرضه بإذن الله تعالى(35).
صلاة الاستغاثة بها (ع)
وقد روي أنه «إذا كانت لك حاجة إلى الله وضقت بها ذرعاً، فصل ركعتين، فإذا سلمت كبّر ثلاثاً وسبح تسبيح فاطمة (ع) ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي فاطمة أغيثيني) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل كذلك، ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك تقضى» (36).
الحج والعمرة قبل النوم
روي عن فاطمة الزهراء(ع) أنها قالت: «دخل عليّ رسول الله (ص) وقد افترشت فراشي للنوم، فقال لي: يا فاطمة لا تنامي إلا وقد عملت أربعة، ختمت القرآن، وجعلت الأنبياء شفعاءك، وأرضيت المؤمنين عن نفسك، وحججت واعتمرت!.
فقلت: يا رسول الله أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال.
فتبسم (ص) وقال: إذا قرأت ] قل هو الله أحد[ ثلاث مرات فكأنك ختمت القرآن، وإذا صليت عليّ وعلى الأنبياء قبلي كنا شفعائك يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلهم عنك، وإذا قلت: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فقد حججت واعتمرت(37).
شهادتها (ع) (38)
تُعد أكبر مصيبة في تاريخ الإسلام فقد رسول الله (ص) والذي تلته شهادة الزهراء (ع).
وقد كان رسول الله (ص) يصف ابنته فاطمة (ع) بأنها (ع) بضعة منه (ص) وأنها أم أبيها، وقد قال (ص) مراراً وتكراراً: فداها أبوها..
ولكن القوم لم يراعوا فيها حق رسول الله (ص) ولا حقها، حيث جرت على فاطمة الزهراء (ع) مصائب عظيمة وجليلة.
حيث هجم الثاني ـ بأمر الأول ـ مع مجموعة من الأوباش على دارها، وقد جمعوا حطباً، فأمر بحرق الدار ثم ضرب برجله الباب، ولما أحس بأن فاطمة الزهراء (ع) لاذت وراء الباب عصرها (ع) بين الحائط والباب حتى انكسر ضلعها وأسقطت جنينها الذي سماه رسول الله (ص) محسناً، ولكزها الملعون قنفذ بنعل السيف، وضربها بالسوط على عضدها حتى صار كمثل الدملج، فمرضت (ع) مرضاً شديداً، ومكثت أربعين ليلة في مرضها، وقيل 75 يوماً، وقيل 90 يوماً، وهي تعاني من آلامها وتشكو إلى الله من ظلمها، ومن بعد ذلك توفيت شهيدة مظلومة، وقد أوصت بأن يخفى قبرها ولا يحضر جنازتها من ظلمها، وبذلك أثبتت ظلامتها وظلامة بعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفضحت الظالمين والغاصبين للخلافة إلى يوم القيامة.
صبت على الأيام صرن لياليا
ما رواه الشيخ الصدوق (ره)
روى الشيخ الصدوق (ره) عن ابن عباس، قال: إن رسول الله (ص) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (ع) فلما رآه بكى (ص) ، ثم قال: «إليّ إليّ يا بنيّ»، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى.
ثم أقبل الحسين (ع) فلما رآه (ص) بكى، ثم قال: «إليّ إليّ يا بنيّ»، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.
ثم أقبلت فاطمة (ع)، فلما رآها بكى (ص) ثم قال: «إليّ إليّ يا بنية»، فأجلسها بين يديه.
ثم أقبل أمير المؤمنين (ع) فلما رآه بكى (ص) ، ثم قال: «إليّ إليّ يا أخي»، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن.
فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟.
فقال (ص) : «والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.
أما علي بن أبي طالب (ع) : فانه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به حتى أنه ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته...
وأما ابنتي فاطمة: فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار.
وإني لما رأيتها ذكرتُ ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة…
فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين» الحديث(39).
رواية سليم بن قيس
وروى سليم بن قيس الهلالي عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمة (ع) : «..إنك أول من يلحقني من أهل بيتي وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ولعن الله الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك..»(40).
وقد أشار بعض علماء العامة أيضا إلى ظلامة الزهراء (ع) وما ورد عليها من المصائب:
يقول البلاذري وهو من علماء العامة في كتابه (أنساب الأشراف) (41): «إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قبس، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة يا بن الخطاب، أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك».
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(42):«جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً حتى بايعوا أبا بكر».
وقال اليعقوبي في (تاريخه) (43): «وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله (ص) فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر فصرعه وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله...».
وقال الطبري في (تاريخه)(44): «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة».
وذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد)(45): «الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبوبكر، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة».
وقال ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة): «وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند (علي كرم الله وجهه)، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة.
فقال: وإن.
فخرجوا فبايعوا إلا عليا، فانه زعم أنه قال: «حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن».
فوقفت فاطمة (رضي الله عنها) على بابها فقالت: «لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا».
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟
فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: أذهب فادع لي علياً.
قال: فذهب إلى علي، فقال له: «ما حاجتك؟»
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال علي: «لسريع ما كذبتم على رسول الله».
فرجع فأبلغ الرسالة.
قال: فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: «سبحان الله لقد ادعى ما ليس له».
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة.
فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت (فاطمة) أصواتهم نادت بأعلى صوتها: «يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة».
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: «إن أنا لم أفعل فمه»؟
قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.
فقال: «إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله».
قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لايتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي (ع) بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي يا: ] ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني[ (46).
فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها.
فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما.
فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام.
فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة»!.
فقالت: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به؟»
قالا: نعم.
فقالت: «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟»
قالا: نعم سمعناه من رسول الله (ص) .
قالت: «فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه».
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: «والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها»، ثم خرج باكياً، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي».(47) الحديث
إلى غير ذلك مما هو كثير..
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
من وصاياها (ع)
ورد إن فاطمة الزهراء (ع) لما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي (ع) وأحضرته، فقالت: «يا ابن عم، أنه قد نعيت إليَّ نفسي وإنني لأرى ما بي لا أشك إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي».
قال لها علي (ع) : «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله»، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت.
ثم قالت: «يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني؟».
فقال (ع) : «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك بفقدك، إلا أنه أمر لابد منه، والله جدد عليّ مصيبة رسول الله (ص) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها».
ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (ع) رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري».
ثم قالت: «جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم، أوصيك أولاً: أن تتزوج بعدي بابنة أمامة فإنها لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء».
ثم قالت: «أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته».
فقال لها: «صفيه إليّ».
فوصفته، فاتخذه لها، فأول نعش عمل في الأرض ذاك.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي؛ فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (ص) وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار..»(48).
وقد عمل بكامل وصيتها (ع) أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
في اللحظات الأخيرة
لما حضرتها (ع) الوفاة أمرت أسماء بنت عميس أن تأتيها بالماء، فتوضأت، وقيل: اغتسلت ودعت الطيب فتطيبت به، ودعت ثياباً جدد فلبستها، وقالت لأسماء: «إن جبرئيل (ع) أتى النبي (ص) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً، ثلث لنفسه وثلث لعلي وثلث لي، وكان أربعين درهماً، فقالت: يا أسماء ائتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا، فضعيه عند رأسي، فوضعته(49)، ثم تسجت بثوبها وقالت: «انتظريني هنيهة، ثم ادعيني، فإن أجبتك.. وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي (ص) ».
فانتظرتها هنيهة، ثم نادتها.. فلم تجبها.. فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، قال: فلم تجبها.. فكشفت الثوب عن وجهها، فإذا بها قد فارقت الدنيا [ مظلومة شهيدة ]، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله (ص) فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام.
فبينا هي كذلك دخل الحسن والحسين (ع) فقالا: «يا أسماء ما يُنيم أمنا في هذه الساعة؟».
قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة قد فارقت الدنيا..
فوقع عليها الحسن يقبلها مرة، ويقول: «يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني» قالت: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: «يا أماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت».
قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أمكما.
فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله، لا أبكى الله أعينكما، لعلكما نظرتما إلى موقف جدكما (ص) فبكيتما شوقاً إليه؟
فقالا: «لا أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة (صلوات الله عليها).
قال: فوقع علي (ع) على وجهه يقول: «بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك؟»(50).
ولما توفيت (ع) صاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهنّ وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله.
وأقبل الناس إلى علي (ع) وهو جالس والحسن والحسين (ع) بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجلّلة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
عند ما هدأت العيون
واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (ص) قد أخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا..
فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين (ع) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبوذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه، صلوا عليها (51) ودفنوها.
وروي: ولما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد تشبه يد رسول الله (ص) فتناولها(52).
نعم دفنت فاطمة الزهراء (ع) في جوف الليل وسوىّ علي (ع) أربعين قبراً حتى لا يعرف قبرها، وذلك عملاً بوصيتها (ع) ليكون حجة لمن أراد أن يعرف الحق إلى يوم القيامة(53).
مناجاة مع الرسول (ص)
ولما دفنها أمير المؤمنين علي (ع) في تلك الليلة نفض يده من تراب القبر فهاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (ص) فقال: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقيعك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمّضتك بيدي وتوليت أمرك بنفسي.
نعم، وفي كتاب الله أنعم القبول ] إنا لله وإنا إليه راجعون[ (54)، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق الله بيننا والى الله أشكو. وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لاسئم ولا قال، فإن انصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين، الصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن بنتك سراً، ويهتضم حقها قهراً، ويمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته»(55).
علي (ع) يرثيها
وانشأ أمير المؤمنين علي (ع) بعد وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) هذه الأبيات:
وصاحبها حتى الممات عليل
وكل الذي دون الفراق قليل
دليل على أن لا يدوم خليل(56)
وانشأ (ع) أيضاً:
يا ليتها خرجت مع الزفرات
أبكي مخافة أن تطول حياتي(57)
درر من كلماتها (ع)
نحن الوسيلة
قالت السيدة فاطمة الزهراء (ع): «واحمدوا الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه ونحن ورثة أنبيائه»(58).
خالص العبادة
وقالت (ع): «من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عزوجل له أفضل مصلحته»(59).
أكرموا النساء
وقالت (ع): «خياركم ألينكم مناكبه وأكرمهم لنسائهم»(60).
وفي نصرة الحق
وعن أبي محمد (ع) قال: «قالت فاطمة (ع) وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحاً شديداً، فقالت فاطمة (ع): إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وإن الله عزوجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان معداً له من الجنان»(61).
البشر في وجه المؤمن
وقالت (ع): «البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار»(62).
أبوا هذه الأمة
وقالت (ع): «أبوا هذه الأمة محمد وعلي، يقيمان أودهم، وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما»(63).
من شروط قبول الصيام
وقالت (ع): «ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه»(64).
لا عذر بعد يوم الغدير
ولما مُنعت (ع) من فدك وخاطبت القوم...، قالوا لها: يا بنت محمد، لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحداً، فقالت (ع): «وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً»(65).
من هو الشيعي؟
وقال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (ص) فسليها عني أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟
فسألتها، فقالت (ع): «قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلا فلا».
فرجعت فأخبرته فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا؟ فأنا إذاً خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار.
فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (ع) ما قال زوجها.
فقالت فاطمة (ع): «قولي له: ليس هكذا، [فإن] شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعدائنا والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعدما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا»(66).
تعليم المسائل الشرعية
وعن الإمام الحسن العسكري (ع) قال: «وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (ع) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (ع) عن ذلك.
ثم ثنت، فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت، فأجابت ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (ع): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكرائه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسالة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل عليّ»(67).
إلى غيرها من الروايات والخطب الواردة عن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، وعلى رأسها خطبتها العظيمة في المسجد النبوي الشريف التي احتجت فيها على القوم، فطالبت بحق زوجها أمير المؤمنين (ع) في خلافة رسول الله (ص) وحقها في فدك، وأتمت الحجة على الجميع.
ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتاب «من فقه الزهراء(ع)» للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) و«العوالم ومستدركاتها» للبحراني (ره) المجلد الخاص بفاطمة الزهراء (ع)، وكتاب «الاحتجاج» للطبرسي (ره) وكتاب «سليم بن قيس الهلالي» وغيرها.
الاسم: فاطمة (ع).
ومن ألقابها (ع): الصديقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الرضية، المرضية، المحدثة، الزهراء، البتول(1)، الحوراء، الحرة، السيدة، العذراء، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى، ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية(2).
الكنية: أم أبيها، أم الحسنين، أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم الأئمة(3).
الأب: رسول الله محمد.
الأم: السيدة خديجة الكبرى(ع).
زمان الولادة: 20/ جمادى الثانية/ 5 سنوات بعد البعثة (4).
مكان الولادة: مكة المكرمة.
الزوج: الإمام أمير المؤمنين.
الأولاد: الحسن، الحسين، زينب، أم كلثوم، محسن السقط.
مدة العمر: 18 سنة وسبعة أشهر(5).
زمان الاستشهاد: بعد وفاة الرسول (ص) بـ 40 أو 72 أو 75 أو 90 يوماً، وقيل أربعة أشهر(6).
مكان الاستشهاد: المدينة المنورة.
المدفن: المدينة المنورة، لكن لا يعلم أين موضع قبرها وذلك عملاً بوصيتها لتبقى ظلامتها (7).
قام بتغسيلها وتكفينها ودفنها: الإمام علي بن أبي طالب (ع) .
الولادة المباركة
عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف كان ولادة فاطمة(ع) ؟
فقال (ع) : «نعم، إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (ص) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه (ص) ، فلما حملت بفاطمة، كانت فاطمة (ع) تحدثها من بطنها وتصبرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله (ص) ، فدخل رسول الله (ص) يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة، فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟
قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.
قال: يا خديجة هذا جبرئيل يخبرني [يبشرني] أنها أنثى وإنها النسلة الطاهرة الميمونة، وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه»(8).
تفسير بعض ألقابها(ع)
عن يونس أنه قال: «..قال أبو عبد الله (ع) : أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟» قلت: أخبرني يا سيدي، قال: «فطمت من الشر»(9).
وقد روت الخاصة والعامة بطرق معتبرة أن النبي (ص) قال: «إنما سميت فاطمة فاطمة لأن الله عزوجل فطم من أحبها من النار»(10).
وفي رواية أن النبي (ص) سئل ما البتول؟ فقال (ص) : «البتول التي لم تر حمرة قط»(11).
قال العلامة المجلسي (ره) : إن الصديقة بمعنى المعصومة.
والمباركة: بمعنى كونها ذات بركة في العالم والفضل والكمالات والمعجزات والأولاد.
والطاهرة: بمعنى طهارتها من صفات النقص.
والزكية: بمعنى نموها في الكمالات والخيرات.
والراضية: بمعنى رضاها بقضاء الله تعالى.
والمرضية: بمعنى مقبوليتها عند الله تعالى.
والمحدثة: بمعنى حديث الملائكة معها.
والزهراء: بمعنى نورانيتها ظاهراً وباطناً (12).
من فضائلها (ع)
في الحديث القدسي عن الله عزوجل: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»(13).
وعن الرسول (ص) أنه قال: «فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعز الناس عليّ»(14).
وعن عائشة أنها قالت: (ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقبّل يديها، وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه)(15).
وعن رسول الله (ص) : «لو كان الحُسن هيئة لكانت فاطمة، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً»(16).
وعن فاطمة الزهراء (ع): «إن الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت»(17).
وعن الإمام الصادق (ع) : «لولا أن أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(18).
وعن الإمام الكاظم (ع) : «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين.. أو فاطمة من النساء»(19).
وعن الإمام الحجة (ع) : «وفي ابنة رسول الله لي أسوة حسنة»(20) الحديث.
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث على أفضلية فاطمة الزهراء (ع) على جميع الخلق من الأنبياء والأولياء وغيرهم، عدا أبيها رسول الله (ص) وبعلها أمير المؤمنين (ع) (21).
عبادتها (ع)
عن الإمام الحسن (ع) أنه قال: «رأيت أمي فاطمة(ع) قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفلق عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه لم تدعي لنفسك كما تدعين لغيرك؟، قالت: يا بني الجار ثم الدار»(22).
وقال رسول الله (ص) لسلمان: «يا سلمان، ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله»(23) الحديث.
وقال الحسن البصري: إنه ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة(ع) كانت تقوم حتى تتورم قدماها(24).
الأعمال البيتية
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «رأى النبي (ص) فاطمة (ع) وعليها كساء من أجلة(25) الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص) ، فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة.
فقالت: يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه والشكر على آلائه، فأنزل الله: ] ولسوف يعطيك ربك فترضى[ (26)»(27).
وعن أمير المؤمنين (ع) : «إنها (ع) كانت عندي... وأنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد..»(28).
الحجاب كرامة المرأة
عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: «استأذن أعمى على فاطمة (ع) فحجبته، فقال لها النبي (ص) : لم تحجبينه، وهو لا يراك؟
قالت (ع): يا رسول الله إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح.
فقال رسول الله (ص) : أشهد أنك بضعة مني»(29).
وقال (ع) : «سأل رسول الله (ص) أصحابه: عن المرأة ما هي؟
قالوا: عورة.
قال: فمتى تكون أدنى من ربها؟
فلم يدروا.
فلما سمعت فاطمة ذلك، قالت: «أدنى ما تكون من ربها أن تلتزم قعر بيتها»، فقال رسول الله (ص) : «إن فاطمة بضعة مني» (30).
وقال النبي (ص) لها: «أي شيء خير للمرأة؟».
قالت: «أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل»، فضمها إليه وقال: «ذرية بعضها من بعض»(31).
تسبيح الزهراء (ع)
قد كثرت الأحاديث في فضل تسبيح فاطمة الزهراء (ع) وثوابه، ومنها ما جاء عن الإمام الباقر (ع) قال: «ما عبد الله بشيء أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء(ع) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (ص) فاطمة، إن تسبيح فاطمة الزهراء (ع) في كل يوم دبر كل صلاة، أحب إليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم»(32).
وقال الإمام الصادق (ع) : «يا أبا هارون، إنا لنأمر صبياننا بتسبيح فاطمة(ع) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه ما لزمه عبد فشقي»(33).
أما كيفية تسبيح الزهراء (ع) أن تقول: أربعاً وثلاثين مرة (الله أكبر)، وثلاثاً وثلاثين مرة (الحمد لله)، وثلاثاً وثلاثين مرة (سبحان الله)، فيكون المجموع مائة، والدوام عليه يوجب السعادة ويبعد الإنسان عن الشقاء وسوء العاقبة كما ورد في بعض الروايات(34).
دعاء لرفع الحمى
روي عن فاطمة الزهراء (ع) أنها قالت ـ مخاطبة سلمان الفارسي (ره) ـ : «إن سرك أن لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا، فواظب عليه» أي الدعاء.
ثم قال سلمان: علمتني هذا الحرز، فقالت:
«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين».
قال سلمان: فتعلمتهن فوالله ولقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكة ممن بهم علل الحمى فكل برئ من مرضه بإذن الله تعالى(35).
صلاة الاستغاثة بها (ع)
وقد روي أنه «إذا كانت لك حاجة إلى الله وضقت بها ذرعاً، فصل ركعتين، فإذا سلمت كبّر ثلاثاً وسبح تسبيح فاطمة (ع) ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي فاطمة أغيثيني) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل كذلك، ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك تقضى» (36).
الحج والعمرة قبل النوم
روي عن فاطمة الزهراء(ع) أنها قالت: «دخل عليّ رسول الله (ص) وقد افترشت فراشي للنوم، فقال لي: يا فاطمة لا تنامي إلا وقد عملت أربعة، ختمت القرآن، وجعلت الأنبياء شفعاءك، وأرضيت المؤمنين عن نفسك، وحججت واعتمرت!.
فقلت: يا رسول الله أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال.
فتبسم (ص) وقال: إذا قرأت ] قل هو الله أحد[ ثلاث مرات فكأنك ختمت القرآن، وإذا صليت عليّ وعلى الأنبياء قبلي كنا شفعائك يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلهم عنك، وإذا قلت: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فقد حججت واعتمرت(37).
شهادتها (ع) (38)
تُعد أكبر مصيبة في تاريخ الإسلام فقد رسول الله (ص) والذي تلته شهادة الزهراء (ع).
وقد كان رسول الله (ص) يصف ابنته فاطمة (ع) بأنها (ع) بضعة منه (ص) وأنها أم أبيها، وقد قال (ص) مراراً وتكراراً: فداها أبوها..
ولكن القوم لم يراعوا فيها حق رسول الله (ص) ولا حقها، حيث جرت على فاطمة الزهراء (ع) مصائب عظيمة وجليلة.
حيث هجم الثاني ـ بأمر الأول ـ مع مجموعة من الأوباش على دارها، وقد جمعوا حطباً، فأمر بحرق الدار ثم ضرب برجله الباب، ولما أحس بأن فاطمة الزهراء (ع) لاذت وراء الباب عصرها (ع) بين الحائط والباب حتى انكسر ضلعها وأسقطت جنينها الذي سماه رسول الله (ص) محسناً، ولكزها الملعون قنفذ بنعل السيف، وضربها بالسوط على عضدها حتى صار كمثل الدملج، فمرضت (ع) مرضاً شديداً، ومكثت أربعين ليلة في مرضها، وقيل 75 يوماً، وقيل 90 يوماً، وهي تعاني من آلامها وتشكو إلى الله من ظلمها، ومن بعد ذلك توفيت شهيدة مظلومة، وقد أوصت بأن يخفى قبرها ولا يحضر جنازتها من ظلمها، وبذلك أثبتت ظلامتها وظلامة بعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفضحت الظالمين والغاصبين للخلافة إلى يوم القيامة.
صبت علي مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا
ما رواه الشيخ الصدوق (ره)
روى الشيخ الصدوق (ره) عن ابن عباس، قال: إن رسول الله (ص) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (ع) فلما رآه بكى (ص) ، ثم قال: «إليّ إليّ يا بنيّ»، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى.
ثم أقبل الحسين (ع) فلما رآه (ص) بكى، ثم قال: «إليّ إليّ يا بنيّ»، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.
ثم أقبلت فاطمة (ع)، فلما رآها بكى (ص) ثم قال: «إليّ إليّ يا بنية»، فأجلسها بين يديه.
ثم أقبل أمير المؤمنين (ع) فلما رآه بكى (ص) ، ثم قال: «إليّ إليّ يا أخي»، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن.
فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟.
فقال (ص) : «والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزوجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.
أما علي بن أبي طالب (ع) : فانه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به حتى أنه ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته...
وأما ابنتي فاطمة: فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار.
وإني لما رأيتها ذكرتُ ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة…
فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين» الحديث(39).
رواية سليم بن قيس
وروى سليم بن قيس الهلالي عن رسول الله (ص) أنه قال لابنته فاطمة (ع) : «..إنك أول من يلحقني من أهل بيتي وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلما وغيظا حتى تضربي ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك ولعن الله الآمر والراضي والمعين والمظاهر عليك وظالم بعلك وابنيك..»(40).
وقد أشار بعض علماء العامة أيضا إلى ظلامة الزهراء (ع) وما ورد عليها من المصائب:
يقول البلاذري وهو من علماء العامة في كتابه (أنساب الأشراف) (41): «إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه قبس، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة يا بن الخطاب، أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك».
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(42):«جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم... ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً حتى بايعوا أبا بكر».
وقال اليعقوبي في (تاريخه) (43): «وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله (ص) فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر فصرعه وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت: والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله...».
وقال الطبري في (تاريخه)(44): «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة».
وذكر ابن عبد ربه في (العقد الفريد)(45): «الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر: علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة، حتى بعث إليهم أبوبكر، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة».
وقال ابن قتيبة الدينوري في كتابه (الإمامة والسياسة): «وإن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند (علي كرم الله وجهه)، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة.
فقال: وإن.
فخرجوا فبايعوا إلا عليا، فانه زعم أنه قال: «حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن».
فوقفت فاطمة (رضي الله عنها) على بابها فقالت: «لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا».
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟
فقال أبوبكر لقنفذ وهو مولى له: أذهب فادع لي علياً.
قال: فذهب إلى علي، فقال له: «ما حاجتك؟»
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال علي: «لسريع ما كذبتم على رسول الله».
فرجع فأبلغ الرسالة.
قال: فبكى أبو بكر طويلا، فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال: «سبحان الله لقد ادعى ما ليس له».
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة.
فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت (فاطمة) أصواتهم نادت بأعلى صوتها: «يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة».
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: «إن أنا لم أفعل فمه»؟
قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.
فقال: «إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله».
قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لايتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي (ع) بقبر رسول الله (ص) يصيح ويبكي وينادي يا: ] ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني[ (46).
فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها.
فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما.
فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام.
فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة»!.
فقالت: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به؟»
قالا: نعم.
فقالت: «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله (ص) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟»
قالا: نعم سمعناه من رسول الله (ص) .
قالت: «فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه».
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: «والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها»، ثم خرج باكياً، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي».(47) الحديث
إلى غير ذلك مما هو كثير..
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
من وصاياها (ع)
ورد إن فاطمة الزهراء (ع) لما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي (ع) وأحضرته، فقالت: «يا ابن عم، أنه قد نعيت إليَّ نفسي وإنني لأرى ما بي لا أشك إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي».
قال لها علي (ع) : «أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله»، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت.
ثم قالت: «يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني؟».
فقال (ع) : «معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي، فقد عزّ عليّ بمفارقتك بفقدك، إلا أنه أمر لابد منه، والله جدد عليّ مصيبة رسول الله (ص) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها».
ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (ع) رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال: «أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفياً أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري».
ثم قالت: «جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم، أوصيك أولاً: أن تتزوج بعدي بابنة أمامة فإنها لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء».
ثم قالت: «أوصيك يا ابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوّروا صورته».
فقال لها: «صفيه إليّ».
فوصفته، فاتخذه لها، فأول نعش عمل في الأرض ذاك.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي؛ فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (ص) وأن لا يصلّي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار..»(48).
وقد عمل بكامل وصيتها (ع) أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
في اللحظات الأخيرة
لما حضرتها (ع) الوفاة أمرت أسماء بنت عميس أن تأتيها بالماء، فتوضأت، وقيل: اغتسلت ودعت الطيب فتطيبت به، ودعت ثياباً جدد فلبستها، وقالت لأسماء: «إن جبرئيل (ع) أتى النبي (ص) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثاً، ثلث لنفسه وثلث لعلي وثلث لي، وكان أربعين درهماً، فقالت: يا أسماء ائتيني ببقية حنوط والدي من موضع كذا، فضعيه عند رأسي، فوضعته(49)، ثم تسجت بثوبها وقالت: «انتظريني هنيهة، ثم ادعيني، فإن أجبتك.. وإلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي (ص) ».
فانتظرتها هنيهة، ثم نادتها.. فلم تجبها.. فنادت: يا بنت محمد المصطفى، يا بنت أكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى، يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى، قال: فلم تجبها.. فكشفت الثوب عن وجهها، فإذا بها قد فارقت الدنيا [ مظلومة شهيدة ]، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول: فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله (ص) فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام.
فبينا هي كذلك دخل الحسن والحسين (ع) فقالا: «يا أسماء ما يُنيم أمنا في هذه الساعة؟».
قالت: يا ابني رسول الله ليست أمكما نائمة قد فارقت الدنيا..
فوقع عليها الحسن يقبلها مرة، ويقول: «يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني» قالت: وأقبل الحسين يقبل رجلها ويقول: «يا أماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن يتصدع قلبي فأموت».
قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله انطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت أمكما.
فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله، لا أبكى الله أعينكما، لعلكما نظرتما إلى موقف جدكما (ص) فبكيتما شوقاً إليه؟
فقالا: «لا أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة (صلوات الله عليها).
قال: فوقع علي (ع) على وجهه يقول: «بمن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك؟»(50).
ولما توفيت (ع) صاحت أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهنّ وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله.
وأقبل الناس إلى علي (ع) وهو جالس والحسن والحسين (ع) بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما، وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجلّلة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
عند ما هدأت العيون
واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها، وخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (ص) قد أخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا..
فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين (ع) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبوذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواصه، صلوا عليها (51) ودفنوها.
وروي: ولما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد تشبه يد رسول الله (ص) فتناولها(52).
نعم دفنت فاطمة الزهراء (ع) في جوف الليل وسوىّ علي (ع) أربعين قبراً حتى لا يعرف قبرها، وذلك عملاً بوصيتها (ع) ليكون حجة لمن أراد أن يعرف الحق إلى يوم القيامة(53).
مناجاة مع الرسول (ص)
ولما دفنها أمير المؤمنين علي (ع) في تلك الليلة نفض يده من تراب القبر فهاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (ص) فقال: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقيعك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمّضتك بيدي وتوليت أمرك بنفسي.
نعم، وفي كتاب الله أنعم القبول ] إنا لله وإنا إليه راجعون[ (54)، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق الله بيننا والى الله أشكو. وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لاسئم ولا قال، فإن انصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين، الصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن بنتك سراً، ويهتضم حقها قهراً، ويمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته»(55).
علي (ع) يرثيها
وانشأ أمير المؤمنين علي (ع) بعد وفاة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) هذه الأبيات:
أرى علل الدنيا علي كثيرة
وصاحبها حتى الممات عليل
...
لكل اجتماع من خليلين فرقة
وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطماً بعد احمد
دليل على أن لا يدوم خليل(56)
وانشأ (ع) أيضاً:
نفسي على زفراتها محبوسة
يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما
أبكي مخافة أن تطول حياتي(57)
درر من كلماتها (ع)
نحن الوسيلة
قالت السيدة فاطمة الزهراء (ع): «واحمدوا الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه ونحن ورثة أنبيائه»(58).
خالص العبادة
وقالت (ع): «من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عزوجل له أفضل مصلحته»(59).
أكرموا النساء
وقالت (ع): «خياركم ألينكم مناكبه وأكرمهم لنسائهم»(60).
وفي نصرة الحق
وعن أبي محمد (ع) قال: «قالت فاطمة (ع) وقد اختصم إليها امرأتان فتنازعتا في شيء من أمر الدين، إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحاً شديداً، فقالت فاطمة (ع): إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وإن الله عزوجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف مما كنت أعددت لها، واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان معداً له من الجنان»(61).
البشر في وجه المؤمن
وقالت (ع): «البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار»(62).
أبوا هذه الأمة
وقالت (ع): «أبوا هذه الأمة محمد وعلي، يقيمان أودهم، وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما»(63).
من شروط قبول الصيام
وقالت (ع): «ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه»(64).
لا عذر بعد يوم الغدير
ولما مُنعت (ع) من فدك وخاطبت القوم...، قالوا لها: يا بنت محمد، لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي أحداً، فقالت (ع): «وهل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً»(65).
من هو الشيعي؟
وقال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول الله (ص) فسليها عني أنا من شيعتكم أو لست من شيعتكم؟
فسألتها، فقالت (ع): «قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه، فأنت من شيعتنا وإلا فلا».
فرجعت فأخبرته فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا؟ فأنا إذاً خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار.
فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (ع) ما قال زوجها.
فقالت فاطمة (ع): «قولي له: ليس هكذا، [فإن] شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعدائنا والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعدما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم إلى حضرتنا»(66).
تعليم المسائل الشرعية
وعن الإمام الحسن العسكري (ع) قال: «وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (ع) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (ع) عن ذلك.
ثم ثنت، فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت، فأجابت ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (ع): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكرائه مائة ألف دينار أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسالة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل عليّ»(67).
إلى غيرها من الروايات والخطب الواردة عن فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، وعلى رأسها خطبتها العظيمة في المسجد النبوي الشريف التي احتجت فيها على القوم، فطالبت بحق زوجها أمير المؤمنين (ع) في خلافة رسول الله (ص) وحقها في فدك، وأتمت الحجة على الجميع.
ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة كتاب «من فقه الزهراء(ع)» للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) و«العوالم ومستدركاتها» للبحراني (ره) المجلد الخاص بفاطمة الزهراء (ع)، وكتاب «الاحتجاج» للطبرسي (ره) وكتاب «سليم بن قيس الهلالي» وغيرها.