بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
لماذا قبل الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية عهد المأمون ؟
الجواب:
نلقي نظرة إلى واقع الحركة الرسالية عندما تولى الرضا مركز الإمامة من بعد والده الإمام الكاظم ( عليهما السلام ) .
في حديث شريف : كان من المقدر أن يكون الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو قائم آل محمد إلاّ أن الشيعة أذاعوا الأمر فبدا لله فتأخر إلى أجل غير مسمى .
وهذا يعني أن الحركة الرسالية كادت تبلغ يومئذ إلى مستوى التصدي لشؤون الأمة . وبالرغم من أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قضى نحبه في سجن هارون مسموماً ، إلاّ أن الحركة لم تصب بأذى كثير كما نستفيد ذلك من حديث شريف .
وهكذا كانت إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) واحدة من فرصتين :
الأولى : القيام بحركة مسلحة قد تنتهي إلى دمار الحركة .
الثانية : الإستجابة لتحدي المأمون بقبول ولاية العهد للعمل من خلال السلطة دون إعطاء شرعية لها، كما فعل النبي يوسف حينما طلب من عزيز مصر بأن يجعله على خزائن الأرض . ثم قام بما استطاع إليه سبيلا ، من الإصلاح من داخل النظام ..
وكما فعل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الخلفاء الذين سبقوه عندما قبل بالدخول في الشورى كواحد من ستة أعضاء .
وأقل ما في هذه الفرصة الثانية أنها تشكل حماية للحركة الرسالية من التصفية ، والقبول بها كحركة معارضة رسمية .
وهكذا نعرف أن الإمام لم يترك قيادته للحركة الرسالية ـ بل استفاد من مركزه الجديد ، كما استفاد الشيعة لدعم مسيرة حركتهم الرسالية التي فرضت نفسها على النظام فرضاً .
ولتحقيق هذه الغايات اتبع الإمام النهج التالي :
أولاً : امتنع عن قبول الخلافة التي عرضها عليه المأمون أولاً ، ولعل السبب في رفض الخلافة كان أمرين :
أ : إن تلك الخلافة كانت ثوباً خاصاً بأمثال المأمون وإنها لا تليق بحجة الله البالغة ، لأن بنائها كان قائماً على أساس فاسد ، جيشها ونظامها وقوانينها وكل شيء فيها ، ولو قبل الإمام بها كان عليه أن يهدمها ويبنيها من جديد ولم يكن ذلك أمراً ممكناً في تلك الظروف .
باء : إن المأمون لم يكن صادقاً في عرضه ، فهو كان يدبر حيلة مع حزبه الماكر للإيقاع بالإمام إن قبل ، بعد أخذ الشرعية منه ، كما فعل بالنسبة إلى ولاية العهد .
ثانياً : اشترط في قبوله لولاية العهد ألاّ يتدخل في شؤون الدولة من قريب أو بعيد ، مما أفقدهم القدرة على تمشية الأمور باسم الإمام وكسب الشرعية له وأبان للعالمين ذلك اليوم وللتاريخ إلى الأبد أنه لا يعترف بشرعية النظام بأي وجه . وقد حاول المأمون مراراً أن يستدرج الإمام للتدخل في الشؤون فلم يقبل والحديث التالي يدل على ذلك :
إن المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ، وللرضا (عليه السلام) بولاية العهد ، وللفضل بن سهل بالوزارة ، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم ، فلما قعدوا عليها أذن للناس ، فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى الإبهام ، فتبسم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ثم قال : " كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها " .
فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها ؟ قال أبو الحسن (عليه السلام) :
" عقد البيعة هو من أعلى ا لخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر " .
قال : فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن (عليه السلام) وقال الناس : كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة ، إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم ، قال : فحمله ذلك على ما فعله من سمه 1 .
ثالثاً : منذ الأيام الأولى لولايته للعهد انتهز الإمام كل فرصة ممكنة لنشر بصائر الوحي ، وأظهر أنه أحق بالخلافة من غيره ، فمثلاً نقرأ في وثيقة ولايته للعهد ما يدل على أن المأمون إنما عمل بواجبه في الأحتفاء بأهل بيت الرسالة ، دعنا نقرأ ونتدبر معاً الوثيقة التالية :
" بسم ا لله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعّال لما يشاء لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وصلى الله على نبيّه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين .
أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر أن أمير المؤمنين عضّده الله بالسداد ووفقَّه للرشاد ، عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قطعت ، وآمن نفوساً فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغياً رضى رب العالمين ، لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين .
وإنه جعل إلي عهده ، والأمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حل عقدة أمر الله بشدها ، وقصم عروة أحب الله إيثاقها ، فقد أباح حريمه ، وأحل محرمة ، إذ كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الإسلام ، بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض بعدها على العزمات خوفاً على شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبائقة تبتدر .
وقد جعل لله على نفسي أن استرعاني أمر المسلمين ، وقلَّدني خلافته ، والعمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) وأن لا أسفك دماً حراماً ولا أبيح فرجاً ، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده ، وأباحته فرائضه ، وأن اتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً يسألني الله عنه ، فإنه عزّ وجلّ يقول : ﴿ ... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ 2 .
وإن أحدثت أو غيّرت أو بدَّلت كنت للغير مستحقاً ، وللنكال متعرضاً ، وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين .
والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك ، وما أدري ما يفعل بي ، ولا بكم إن الحكم إلاّ لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين .
لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاه ، والله يعصمني وإياه ، وأشهدت الله على نفسي بذلك ، وكفى بالله شهيداً " 3 4 .
-------------------
1. بحار الأنوار : ج 49 ص 144 .
2. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 285 .
3. المصدر : ص 152 ـ 153 .
4. الإمام الرضا ( عليه السلام ) قدوة وأسوة ، الفصل الثاني ، لآية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : مكتب آية الله المدرسي ، القطع : رقعي ، الطبعة الخامسة
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
لماذا قبل الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية عهد المأمون ؟
الجواب:
نلقي نظرة إلى واقع الحركة الرسالية عندما تولى الرضا مركز الإمامة من بعد والده الإمام الكاظم ( عليهما السلام ) .
في حديث شريف : كان من المقدر أن يكون الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو قائم آل محمد إلاّ أن الشيعة أذاعوا الأمر فبدا لله فتأخر إلى أجل غير مسمى .
وهذا يعني أن الحركة الرسالية كادت تبلغ يومئذ إلى مستوى التصدي لشؤون الأمة . وبالرغم من أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قضى نحبه في سجن هارون مسموماً ، إلاّ أن الحركة لم تصب بأذى كثير كما نستفيد ذلك من حديث شريف .
وهكذا كانت إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) واحدة من فرصتين :
الأولى : القيام بحركة مسلحة قد تنتهي إلى دمار الحركة .
الثانية : الإستجابة لتحدي المأمون بقبول ولاية العهد للعمل من خلال السلطة دون إعطاء شرعية لها، كما فعل النبي يوسف حينما طلب من عزيز مصر بأن يجعله على خزائن الأرض . ثم قام بما استطاع إليه سبيلا ، من الإصلاح من داخل النظام ..
وكما فعل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الخلفاء الذين سبقوه عندما قبل بالدخول في الشورى كواحد من ستة أعضاء .
وأقل ما في هذه الفرصة الثانية أنها تشكل حماية للحركة الرسالية من التصفية ، والقبول بها كحركة معارضة رسمية .
وهكذا نعرف أن الإمام لم يترك قيادته للحركة الرسالية ـ بل استفاد من مركزه الجديد ، كما استفاد الشيعة لدعم مسيرة حركتهم الرسالية التي فرضت نفسها على النظام فرضاً .
ولتحقيق هذه الغايات اتبع الإمام النهج التالي :
أولاً : امتنع عن قبول الخلافة التي عرضها عليه المأمون أولاً ، ولعل السبب في رفض الخلافة كان أمرين :
أ : إن تلك الخلافة كانت ثوباً خاصاً بأمثال المأمون وإنها لا تليق بحجة الله البالغة ، لأن بنائها كان قائماً على أساس فاسد ، جيشها ونظامها وقوانينها وكل شيء فيها ، ولو قبل الإمام بها كان عليه أن يهدمها ويبنيها من جديد ولم يكن ذلك أمراً ممكناً في تلك الظروف .
باء : إن المأمون لم يكن صادقاً في عرضه ، فهو كان يدبر حيلة مع حزبه الماكر للإيقاع بالإمام إن قبل ، بعد أخذ الشرعية منه ، كما فعل بالنسبة إلى ولاية العهد .
ثانياً : اشترط في قبوله لولاية العهد ألاّ يتدخل في شؤون الدولة من قريب أو بعيد ، مما أفقدهم القدرة على تمشية الأمور باسم الإمام وكسب الشرعية له وأبان للعالمين ذلك اليوم وللتاريخ إلى الأبد أنه لا يعترف بشرعية النظام بأي وجه . وقد حاول المأمون مراراً أن يستدرج الإمام للتدخل في الشؤون فلم يقبل والحديث التالي يدل على ذلك :
إن المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ، وللرضا (عليه السلام) بولاية العهد ، وللفضل بن سهل بالوزارة ، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم ، فلما قعدوا عليها أذن للناس ، فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى الإبهام ، فتبسم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ثم قال : " كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها " .
فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها ؟ قال أبو الحسن (عليه السلام) :
" عقد البيعة هو من أعلى ا لخنصر إلى أعلى الإبهام وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر " .
قال : فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن (عليه السلام) وقال الناس : كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة ، إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم ، قال : فحمله ذلك على ما فعله من سمه 1 .
ثالثاً : منذ الأيام الأولى لولايته للعهد انتهز الإمام كل فرصة ممكنة لنشر بصائر الوحي ، وأظهر أنه أحق بالخلافة من غيره ، فمثلاً نقرأ في وثيقة ولايته للعهد ما يدل على أن المأمون إنما عمل بواجبه في الأحتفاء بأهل بيت الرسالة ، دعنا نقرأ ونتدبر معاً الوثيقة التالية :
" بسم ا لله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعّال لما يشاء لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وصلى الله على نبيّه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين .
أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر أن أمير المؤمنين عضّده الله بالسداد ووفقَّه للرشاد ، عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاماً قطعت ، وآمن نفوساً فزعت ، بل أحياها وقد تلفت ، وأغناها إذ افتقرت ، مبتغياً رضى رب العالمين ، لا يريد جزاء من غيره ، وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع أجر المحسنين .
وإنه جعل إلي عهده ، والأمرة الكبرى إن بقيت بعده ، فمن حل عقدة أمر الله بشدها ، وقصم عروة أحب الله إيثاقها ، فقد أباح حريمه ، وأحل محرمة ، إذ كان بذلك زارياً على الإمام ، منتهكاً حرمة الإسلام ، بذلك جرى السالف ، فصبر منه على الفلتات ، ولم يعترض بعدها على العزمات خوفاً على شتات الدين ، واضطراب حبل المسلمين ، ولقرب أمر الجاهلية ، ورصد فرصة تنتهز ، وبائقة تبتدر .
وقد جعل لله على نفسي أن استرعاني أمر المسلمين ، وقلَّدني خلافته ، والعمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) وأن لا أسفك دماً حراماً ولا أبيح فرجاً ، ولا مالاً إلاّ ما سفكته حدوده ، وأباحته فرائضه ، وأن اتخير الكفاة جهدي وطاقتي ، وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً يسألني الله عنه ، فإنه عزّ وجلّ يقول : ﴿ ... وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ 2 .
وإن أحدثت أو غيّرت أو بدَّلت كنت للغير مستحقاً ، وللنكال متعرضاً ، وأعوذ بالله من سخطه ، وإليه أرغب في التوفيق لطاعته ، والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين .
والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك ، وما أدري ما يفعل بي ، ولا بكم إن الحكم إلاّ لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين .
لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين ، وآثرت رضاه ، والله يعصمني وإياه ، وأشهدت الله على نفسي بذلك ، وكفى بالله شهيداً " 3 4 .
-------------------
1. بحار الأنوار : ج 49 ص 144 .
2. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 285 .
3. المصدر : ص 152 ـ 153 .
4. الإمام الرضا ( عليه السلام ) قدوة وأسوة ، الفصل الثاني ، لآية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : مكتب آية الله المدرسي ، القطع : رقعي ، الطبعة الخامسة