بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لقد دار خلافٌ بين علماء الخاصة والعامة حول السبب في وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في الثمن والعشرين من شهر صفر في آخر العام العاشر الهجري وقبل بداية العام الحادي عشر الذي يصوِّر فيه المخالفون بأن وفاة نبينا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) كانت في العام الحادي عشر بناءً على القاعدة المنكوسة التي سنَّها لهم عمر بن الخطاب بأن بداية العام الهجري هو شهر محرَّم الحرام وليس ربيع الأول،ووافقهم على ذلك بعض علماء الشيعة المائلين إلى أقيستهم وإستحساناتهم،متجاهلين أخبارنا الصحيحة الدالة على أن هجرة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله كانت في اليوم الأول من ربيع الأول وقد أبات على فراشه مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
(والحاصل ):أن الخلاف حول السبب في الوفاة هل هي وفاة طبيعيَّة أو قهريَّة بسبب عاملٍ تخريبيٍّ طرأ على شخص الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله ؟؟.
المشهور بين المؤرخين العامة والخاصة بل يكاد مجمعاً عليه بين محققيهم بشكلٍ خاصٍ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات مسموماً،أمَّا السواد الأعظم من علماء الفريقين فهم كالسواد العام يجهلون التحقيق في المطالب العلميَّة بل هم أقرب إلى التقليد منهم إلى التحقيق في المطالب والإجتهاد بفهمها.... فالموت بالسُمَ لا خلاف فيه بين المحصِّلين، لكنَ الخلاف وقع بمسبَب السُّم أي الداس للسمّ في دواء أو طعام تناوله النبيّ الأعظم :هل هو إمرأةٌ يهودية كما ادعى جمهور العامة على ذلك، ام أن المسبّب هو بعض أزواج النبي (صلَّى الله عليه وآله) كما هو شائع ومشهور بين محققي الإمامية القدامى والجدد، ولا عبرة بقول الشواذ منهم ممن لا تحصيل عنده....وها نحن نستعرض أدلة المخالفين ومناقشتها ثمَّ ندلي بدلونا لإثبات مطلوبنا بعونه تبارك وتعالى.
أدلة المخالفين:
إستدل المخالفون على أن المسبِّب لموته صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسٌّم هو امراة يهودية بعد معركة خيبر في السنة السابعة للهجرة فلم يؤثر فيه السُّم إلاّ في السنة العاشرة للهجرة كما هو الصحيح بحسب التحقيق بأن موته صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في السنة العاشرة،وأما المخالفون فيقولون أنَّه في الحادية عشرة للهجرة في شهر صفر،والخلاف في تحديد السنة يرجع إلى الخلاف بيننا وبينهم في مبدأ رأس السنة الهجريَّة هل هو محرَّم الحرام أو ربيع الأول...وقد اعتمدوا على دليلين لإثبات أن القاتل للرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هما التالي:
(الدليل الأول): ليس بين أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من كان عدواً لرسول الله حتى يقوم بعملية قتله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسٌّم ، لأن كلَّ اصحابه مؤمنون مرضيون...إذن لا بد أن يكون القتل بواسطة أشخاص آخرين غير الأصحاب...
يرد على هذا الدليل:
دعوى أن الأصحاب كلَّهم مؤمنون طيبون مخالفة لصريح الكتاب والسنة النبوية...
أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق...) التوبة 101.
نصت الآية أن الناس في المدينة لم يكونوا بأجمعهم من المسلمين واقعاً بالله تعالى ورسوله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بل إنَّ بعضهم من المتظاهرين بحب النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهؤلاء منافقون لا علاقة لهم بالإسلام...
وقوله تعالى أيضاً: (يا أيها الّذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) النساء/136.
فالخطاب المتكرر بالذين آمنوا واضح في دلالة الآية المباركة على وجود منافقين متظاهرين بالإيمان دون تصديقٍ واقعيٍّ ،من هنا جاء تكرار لفظ الإيمان بقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا ..﴾ ولو لم يكن ثمة منافقون في المدينة لما صحَّ التكرار المذكور ،لذا أكدت الآية المئة وثمانية وثلاثين من نفس السورة على تهديد المنافقين بأن لهم عذاباً شديداً بقوله تعالى ﴿ بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً﴾ فهذه الآية قرينة واضحة على وجود منافقين في الوسط المدني في عصر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقوله تعالى(ولتعرفنهم_اي للمنافقين_في لحن القول)محمّد 3
ورد عن أبي سعيد الخدري أنه قال مفسِّراً لهذه الآية حسبما ورد في الدر المنشور وأسد الغابة ج4/29 :قال: ببغضهم علياً(عليه السلام).
وقوله تعالى( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا)الأحزاب/58
ذكر جمعٌ من المفسرين انها نزلت في الإمام أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه، نقل ذلك صاحب تفسير القرطبي والخازن.
وقوله تعالى( وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)آل عمران/144
الخطاب في الآية للمسلمين في عصر النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بحسب مورد نزولها، وأنهم سينقلبون ويرتدون عن الإسلام بعد موت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ما حصل فعلاً بعد شهادته صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث اعتدوا على وصيِّه الأعظم أمير المؤمنين عليٍّ وزوجته الطاهرة سيِّدة نساء العالمين ووليِّة الله الكبرى الزهراء البتول صلوات الله عليهما.
وأمَّا السنة النبوية: فقد دلت على ارتداد أكثر الصحابة بعد شهادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد روى البخاري وغيره من محدثي العامة أخباراً في هذا المضمون :راجع البخاري أخبار الحوض:ج6ص79_80 وص232ح4625 وحديث رقم 4170_وجزء 7 ص 264 و ج6 ص 149 ح 4403، وها نحن نستعرض أخباراً كثيرة من صحيح البخاري وهو كتاب مقدَّس عند المخالفين على قاعدة(إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) وقاعدة(من فمك أدينك) وهي الآتي:
(الخبر الأول):حدثني أحمد بن اشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال يا ابن أخي انك لا تدرى ما أحدثنا بعده.راجع صحيح البخاري ج5 ص 191
(الخبر الثاني):حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين إلى آخر الآية ثم قال الا وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الا وانه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 7 - ص 206 - /209باب في الحوض وقول الله تعالى انا أعطيناك الكوثر ...
(الخبر الثالث):قال عبد الله بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انا فرطكم على الحوض.
(الخبر الرابع):وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
(الخبر الخامس): حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليردن عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك .
(الخبر السادس):حدثنا سعيد ابن أبي مريم حدثنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اني فرطكم على الحوض من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم.
(الخبر السابع):قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي.
وقال ابن عباس سحقا بعدا يقال سحيق بعيد سحقه واسحقه أبعده.
(الخبر الثامن):وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري. (الخبر التاسع):حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبن شهاب عن ابن المسيب انه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري.
(الخبر العاشر):وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجلون وقال عقيل فيحلؤون وقال الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الخبر الحادي عشر): حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم .
(الخبر الثاني عشر):حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم اني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم انا نعوذ بك ان نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا أعقابكم تنكصون ترجعون على العقب.
راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 8 - ص 90 – 91،باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا عمر بن حفص حدثني أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق قال قال عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة أخبرني واقد عن أبيه عن ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا ترجوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا قرة بن خالد.
بما تقدَّم من أخبار البخاري الذي لا يعدله كتاب عند المخالفين، يتضح عدم صحة مقالة كون الصحابة عدولاً لا يصدر منهم فسقٌ أو مروقُ أو خيانة، بعد كونهم أناساً عاديين معرَّضين لما يتعرض إليه الناس العاديون، مع عدم كونهم معصومين عن الخطأ والزلل، فإذا لم يكونوا كذلك فلم لا يقدمون على قتل بعضهم البعض، فضلاً عن إقدامهم على قتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد حدثنا التاريخ أنهم تركوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة أُحد يتعرض لسيوف الكفار وليس معه إلاّ أمير المؤمنين عليٌّ وعمّار وبعض المخلّصين من تلامذة أمير المؤمنين علي عليه الآف التحية والسلام.
(الدليل الثاني): الأخبار الواردة في مصادر العامة التي تمسكوا بها على أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً بفعل ذراع شاة قدّمتها له إمرأة يهودية، وقد روى هذه الأخبار: البخاري في ج5 ص 179 وإبن هشام في السيرة النبوية ج3 ص 352 ومسلم في صحيحه ج14 ص 149 حديث 2190 ونحن نكتفي هنا بنص إبن هشام فقال: ( فلما إطمأن رسول الله_في خيبر_ أهدت له زينب بنت الحارث، إمرأة سلام بن مشكم شاة مصليةً،وقد سألتْ أي عضوٍ من الشاة أحبّ إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السمّ ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فلاك منها مضغةً، فلم يسغها،ومعه بِشر بن البراء إبن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملِكاً استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخبر، قال فتجاوز عنها رسول الله، ومات بِشر من أكلته التي أكل.
قال إبن هشام، قال إبن إسحاق: وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المُعلّى قال: كان رسول الله قد قال في مرضه الذي توفى فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أم بشر:إن هذا الأوان وجدتُ فيه إنقطاع أبهري (الابهر:عرق متصل بالقلب) من الأكلة التي أكلتُ مع أخيك بخيبر...
ثم قال: فإن المسلمين ليرون أن رسول الله مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
هذه الأخبار العامية الصريحة في شهادة النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ على يد إمرأة يهوديَّة، يوجد بعضٌ منها في مصادرنا سيَّما في البحار ج17 ص317 ص 395 وص 405 وص 406_ 408 .
وهذه الأخبار على طوائف ثلاث:
(الطائفة الأولى):تشير إلى أنَّ الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد استضافته إمرأة يهوديَّة تظاهرت بالإيمان وسمَّت له شاة فلمَّا أراد الأكل منها أنطق الله تعالى الذراع فتكلمت قائلةً له : " بأنَّي مسمومة فلا تأكلني " فأحجم النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الأكل منها بعدما أكل منها البراء فمات مباشرةً .
(الطائفة الثانية): تشير إلى أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأكل أصلاً من الشاة،والفارق بين هذه الطائفة وبين السابقة عليها هو أن الطائفة الأولى همَّ النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ليأكل منها لكنه أحجم بعدما تكلم الذراع،وأمَّا الطائفة الثانية فقد دلت على أن النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّملم يهمّ أصلاً للأكل منها.
(الطائفة الثالثة):تشير إلى أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أكل من الشاة وأصاب جوفه سمُّها ثمَّ تكلم الذراع وأخبره بأنَّه مسموم،أي تكلمت الذراع بعدما أكل منها.
وهذه الأخبار مبثوثة في بحار الأنوار الجزء السابع عشر وهي على الشكل التالي:
(أخبار الطائفة الأولى):ما رواه المجلسي من التفسير المنسوب إلى مولانا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في خبرٍ طويلٍ جداً ما لفظه الآتي في صفحة317: ( ...وأما كلام الذراع المسمومة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاءته امرأة من اليهود قد أظهرت الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية وضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذه؟ قالت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فإني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيبة أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، ونذرت لله لئن سلمك الله منهم لأذبحنه ولأطعمنك من شوائة ذراعيه، والآن فقد سلمك الله منهم وأظفرك عليهم ، وقد جئتك بنذري ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء بن معرور وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالخبز، فاتي به فمد البراء بن المعرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال البراء وكان أعرابيا: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ! فقال علي عليه السلام: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني أبجله وأوقره ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول ولا فعل ولا أكل ولا شرب، فقال البراء: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي عليه السلام ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت إلى نفسك يقول علي هذا والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع فقالت : يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت ولم يرفع إلا ميتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة فاتي بها، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما ، قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي وابني، ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول وقد وعد فتح مكة والنصر والظفر فيمنعه الله منه ويحفظه ولن يضره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يغرك موت البراء فإنما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفي شره وسمه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا وفلانا، وذكر قوما من خيار أصحابه فيهم سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وصهيب وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم، فقال: اقعدوا وتحلقوا عليه، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال : " بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ ولا داء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثم قال: كلوا على اسم الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأكلوا حتى شبعوا، ثم شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست، فلما كان اليوم الثاني جاء بها فقال: أليس هؤلاء أكلوا ذلك السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن قد أيقنت أنك رسول الله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله وحسن إسلامها.
(أخبار الطائفة الثانية): عن المجلسي عن أمالي الصدوق:عن إبن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن أبي جميلة، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ، عن علي عليه السلام قال: إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة قد علمت أن محمدا قد هد ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية، وقد غالى الملأ من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها وأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا محمد قد علمت ما توجب لي من حق الجوار، وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي عليه السلام وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به، وكذبت اليهود عليها لعنة الله، إنما فعلت ذلك مخافة سورة السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت: مه يا محمد لا تأكلني فإني مسمومة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عبدة فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان كاذبا أو ساحرا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل: بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد، من شر السم والسحر واللمم، بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلا هو، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذلك، وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال: كلوا ثم أمرهم أن يحتجموا .
(أخبار الطائفة الثالثة):عن المجلسيّ عن مناقب ابن شهرآشوب: عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، وزاد بعد قوله: وسهل بن حنيف: وفي خبر وسلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبو ذر وبلال والبراء بن معرور. ثم قال بعد تمام الخبر: وفي خبر إن البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم: فوضعها في فيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تتقدم رسول الله في كلام له جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإن أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك، فنطق الذراع وسقط البراء ومات وروي أنها كانت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مسلم، والآكل كان بشر بن البراء بن معرور، وأنه دخلت أمه على النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته فقال: يا أم بشر ما زالت اكلة خيبر التي اكلت مع ابنك تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري، ولذلك يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله مات شهيدا. وعن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه.
وعن المجلسيّ أيضاً عن بصائر الدرجات بأسناده عن: أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سم رسول الله يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله إني مسموم، قال: فقال: النبي صلى الله عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاياي الاكلة التي أكلت بخيبر: وما من نبي ولا وصي إلا شهيد . بيان: المطايا جمع المطية وهي الدابة، ولعلها استعيرت هنا لما يعتمد عليه الانسان من الأعضاء والقوى، ويحتمل أن يكون في الأصل مطاي، أي ظهري فصحف.
وعن المجلسيّ عن بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمت اليهودية النبي صلى الله عليه وآله في ذراع، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف، ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أوتي بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها، فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، وما زال ينتفض به سمه حتى مات صلى الله عليه وآله .
وعن المجلسيِّ في بحاره ج17ح 37 قال:روي أن امرأة عبد الله بن مشكم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب، فتناول النبي صلى الله عليه وآله الذراع، فتناول بشر الكراع، فأما النبي صلى الله عليه وآله فلاكها ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات، فأرسل إليها فأقرت، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: قتلت زوجي وأشراف قومي، فقلت: إن كان ملكا قتلته، وإن كان نبيا فسيطلعه الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لقد دار خلافٌ بين علماء الخاصة والعامة حول السبب في وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في الثمن والعشرين من شهر صفر في آخر العام العاشر الهجري وقبل بداية العام الحادي عشر الذي يصوِّر فيه المخالفون بأن وفاة نبينا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) كانت في العام الحادي عشر بناءً على القاعدة المنكوسة التي سنَّها لهم عمر بن الخطاب بأن بداية العام الهجري هو شهر محرَّم الحرام وليس ربيع الأول،ووافقهم على ذلك بعض علماء الشيعة المائلين إلى أقيستهم وإستحساناتهم،متجاهلين أخبارنا الصحيحة الدالة على أن هجرة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله كانت في اليوم الأول من ربيع الأول وقد أبات على فراشه مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
(والحاصل ):أن الخلاف حول السبب في الوفاة هل هي وفاة طبيعيَّة أو قهريَّة بسبب عاملٍ تخريبيٍّ طرأ على شخص الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله ؟؟.
المشهور بين المؤرخين العامة والخاصة بل يكاد مجمعاً عليه بين محققيهم بشكلٍ خاصٍ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مات مسموماً،أمَّا السواد الأعظم من علماء الفريقين فهم كالسواد العام يجهلون التحقيق في المطالب العلميَّة بل هم أقرب إلى التقليد منهم إلى التحقيق في المطالب والإجتهاد بفهمها.... فالموت بالسُمَ لا خلاف فيه بين المحصِّلين، لكنَ الخلاف وقع بمسبَب السُّم أي الداس للسمّ في دواء أو طعام تناوله النبيّ الأعظم :هل هو إمرأةٌ يهودية كما ادعى جمهور العامة على ذلك، ام أن المسبّب هو بعض أزواج النبي (صلَّى الله عليه وآله) كما هو شائع ومشهور بين محققي الإمامية القدامى والجدد، ولا عبرة بقول الشواذ منهم ممن لا تحصيل عنده....وها نحن نستعرض أدلة المخالفين ومناقشتها ثمَّ ندلي بدلونا لإثبات مطلوبنا بعونه تبارك وتعالى.
أدلة المخالفين:
إستدل المخالفون على أن المسبِّب لموته صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسٌّم هو امراة يهودية بعد معركة خيبر في السنة السابعة للهجرة فلم يؤثر فيه السُّم إلاّ في السنة العاشرة للهجرة كما هو الصحيح بحسب التحقيق بأن موته صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في السنة العاشرة،وأما المخالفون فيقولون أنَّه في الحادية عشرة للهجرة في شهر صفر،والخلاف في تحديد السنة يرجع إلى الخلاف بيننا وبينهم في مبدأ رأس السنة الهجريَّة هل هو محرَّم الحرام أو ربيع الأول...وقد اعتمدوا على دليلين لإثبات أن القاتل للرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هما التالي:
(الدليل الأول): ليس بين أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من كان عدواً لرسول الله حتى يقوم بعملية قتله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسٌّم ، لأن كلَّ اصحابه مؤمنون مرضيون...إذن لا بد أن يكون القتل بواسطة أشخاص آخرين غير الأصحاب...
يرد على هذا الدليل:
دعوى أن الأصحاب كلَّهم مؤمنون طيبون مخالفة لصريح الكتاب والسنة النبوية...
أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق...) التوبة 101.
نصت الآية أن الناس في المدينة لم يكونوا بأجمعهم من المسلمين واقعاً بالله تعالى ورسوله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام بل إنَّ بعضهم من المتظاهرين بحب النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهؤلاء منافقون لا علاقة لهم بالإسلام...
وقوله تعالى أيضاً: (يا أيها الّذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً) النساء/136.
فالخطاب المتكرر بالذين آمنوا واضح في دلالة الآية المباركة على وجود منافقين متظاهرين بالإيمان دون تصديقٍ واقعيٍّ ،من هنا جاء تكرار لفظ الإيمان بقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا آمنوا ..﴾ ولو لم يكن ثمة منافقون في المدينة لما صحَّ التكرار المذكور ،لذا أكدت الآية المئة وثمانية وثلاثين من نفس السورة على تهديد المنافقين بأن لهم عذاباً شديداً بقوله تعالى ﴿ بشِّر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً﴾ فهذه الآية قرينة واضحة على وجود منافقين في الوسط المدني في عصر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقوله تعالى(ولتعرفنهم_اي للمنافقين_في لحن القول)محمّد 3
ورد عن أبي سعيد الخدري أنه قال مفسِّراً لهذه الآية حسبما ورد في الدر المنشور وأسد الغابة ج4/29 :قال: ببغضهم علياً(عليه السلام).
وقوله تعالى( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا)الأحزاب/58
ذكر جمعٌ من المفسرين انها نزلت في الإمام أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه، نقل ذلك صاحب تفسير القرطبي والخازن.
وقوله تعالى( وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)آل عمران/144
الخطاب في الآية للمسلمين في عصر النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بحسب مورد نزولها، وأنهم سينقلبون ويرتدون عن الإسلام بعد موت النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ما حصل فعلاً بعد شهادته صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث اعتدوا على وصيِّه الأعظم أمير المؤمنين عليٍّ وزوجته الطاهرة سيِّدة نساء العالمين ووليِّة الله الكبرى الزهراء البتول صلوات الله عليهما.
وأمَّا السنة النبوية: فقد دلت على ارتداد أكثر الصحابة بعد شهادة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقد روى البخاري وغيره من محدثي العامة أخباراً في هذا المضمون :راجع البخاري أخبار الحوض:ج6ص79_80 وص232ح4625 وحديث رقم 4170_وجزء 7 ص 264 و ج6 ص 149 ح 4403، وها نحن نستعرض أخباراً كثيرة من صحيح البخاري وهو كتاب مقدَّس عند المخالفين على قاعدة(إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) وقاعدة(من فمك أدينك) وهي الآتي:
(الخبر الأول):حدثني أحمد بن اشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وبايعته تحت الشجرة فقال يا ابن أخي انك لا تدرى ما أحدثنا بعده.راجع صحيح البخاري ج5 ص 191
(الخبر الثاني):حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أخبرنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قال كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين إلى آخر الآية ثم قال الا وان أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الا وانه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصيحابي فيقال انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 7 - ص 206 - /209باب في الحوض وقول الله تعالى انا أعطيناك الكوثر ...
(الخبر الثالث):قال عبد الله بن زيد قال النبي صلى الله عليه وسلم اصبروا حتى تلقوني على الحوض حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انا فرطكم على الحوض.
(الخبر الرابع):وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال انا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
(الخبر الخامس): حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليردن عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك .
(الخبر السادس):حدثنا سعيد ابن أبي مريم حدثنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اني فرطكم على الحوض من مر على شرب ومن شرب لم يظمأ ابدا ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم.
(الخبر السابع):قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول انهم مني فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي.
وقال ابن عباس سحقا بعدا يقال سحيق بعيد سحقه واسحقه أبعده.
(الخبر الثامن):وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي حدثنا أبي عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انه كان يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري. (الخبر التاسع):حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبن شهاب عن ابن المسيب انه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد عليَّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على ادبارهم القهقري.
(الخبر العاشر):وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجلون وقال عقيل فيحلؤون وقال الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الخبر الحادي عشر): حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم فقلت أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم قلت أين قال إلى النار والله قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم .
(الخبر الثاني عشر):حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم اني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم انا نعوذ بك ان نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا أعقابكم تنكصون ترجعون على العقب.
راجع:صحيح البخاري - البخاري - ج 8 - ص 90 – 91،باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا عمر بن حفص حدثني أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق قال قال عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة أخبرني واقد عن أبيه عن ابن عمر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا ترجوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا قرة بن خالد.
بما تقدَّم من أخبار البخاري الذي لا يعدله كتاب عند المخالفين، يتضح عدم صحة مقالة كون الصحابة عدولاً لا يصدر منهم فسقٌ أو مروقُ أو خيانة، بعد كونهم أناساً عاديين معرَّضين لما يتعرض إليه الناس العاديون، مع عدم كونهم معصومين عن الخطأ والزلل، فإذا لم يكونوا كذلك فلم لا يقدمون على قتل بعضهم البعض، فضلاً عن إقدامهم على قتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد حدثنا التاريخ أنهم تركوا النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة أُحد يتعرض لسيوف الكفار وليس معه إلاّ أمير المؤمنين عليٌّ وعمّار وبعض المخلّصين من تلامذة أمير المؤمنين علي عليه الآف التحية والسلام.
(الدليل الثاني): الأخبار الواردة في مصادر العامة التي تمسكوا بها على أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم مات مسموماً بفعل ذراع شاة قدّمتها له إمرأة يهودية، وقد روى هذه الأخبار: البخاري في ج5 ص 179 وإبن هشام في السيرة النبوية ج3 ص 352 ومسلم في صحيحه ج14 ص 149 حديث 2190 ونحن نكتفي هنا بنص إبن هشام فقال: ( فلما إطمأن رسول الله_في خيبر_ أهدت له زينب بنت الحارث، إمرأة سلام بن مشكم شاة مصليةً،وقد سألتْ أي عضوٍ من الشاة أحبّ إلى رسول الله؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السمّ ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فلاك منها مضغةً، فلم يسغها،ومعه بِشر بن البراء إبن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليُخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملِكاً استرحتُ منه، وإن كان نبياً فسيُخبر، قال فتجاوز عنها رسول الله، ومات بِشر من أكلته التي أكل.
قال إبن هشام، قال إبن إسحاق: وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المُعلّى قال: كان رسول الله قد قال في مرضه الذي توفى فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أم بشر:إن هذا الأوان وجدتُ فيه إنقطاع أبهري (الابهر:عرق متصل بالقلب) من الأكلة التي أكلتُ مع أخيك بخيبر...
ثم قال: فإن المسلمين ليرون أن رسول الله مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
هذه الأخبار العامية الصريحة في شهادة النبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسمِّ على يد إمرأة يهوديَّة، يوجد بعضٌ منها في مصادرنا سيَّما في البحار ج17 ص317 ص 395 وص 405 وص 406_ 408 .
وهذه الأخبار على طوائف ثلاث:
(الطائفة الأولى):تشير إلى أنَّ الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد استضافته إمرأة يهوديَّة تظاهرت بالإيمان وسمَّت له شاة فلمَّا أراد الأكل منها أنطق الله تعالى الذراع فتكلمت قائلةً له : " بأنَّي مسمومة فلا تأكلني " فأحجم النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الأكل منها بعدما أكل منها البراء فمات مباشرةً .
(الطائفة الثانية): تشير إلى أنَّ الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يأكل أصلاً من الشاة،والفارق بين هذه الطائفة وبين السابقة عليها هو أن الطائفة الأولى همَّ النبيُّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ليأكل منها لكنه أحجم بعدما تكلم الذراع،وأمَّا الطائفة الثانية فقد دلت على أن النبيَّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّملم يهمّ أصلاً للأكل منها.
(الطائفة الثالثة):تشير إلى أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أكل من الشاة وأصاب جوفه سمُّها ثمَّ تكلم الذراع وأخبره بأنَّه مسموم،أي تكلمت الذراع بعدما أكل منها.
وهذه الأخبار مبثوثة في بحار الأنوار الجزء السابع عشر وهي على الشكل التالي:
(أخبار الطائفة الأولى):ما رواه المجلسي من التفسير المنسوب إلى مولانا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في خبرٍ طويلٍ جداً ما لفظه الآتي في صفحة317: ( ...وأما كلام الذراع المسمومة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجع من خيبر إلى المدينة وقد فتح الله له جاءته امرأة من اليهود قد أظهرت الايمان، ومعها ذراع مسمومة مشوية وضعتها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما هذه؟ قالت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله همني أمرك في خروجك إلى خيبر، فإني علمتهم رجالا جلدا، وهذا حمل كان لي ربيبة أعده كالولد لي، وعلمت أن أحب الطعام إليك الشواء، وأحب الشواء إليك الذراع، ونذرت لله لئن سلمك الله منهم لأذبحنه ولأطعمنك من شوائة ذراعيه، والآن فقد سلمك الله منهم وأظفرك عليهم ، وقد جئتك بنذري ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله البراء بن معرور وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالخبز، فاتي به فمد البراء بن المعرور يده وأخذ منه لقمة فوضعها في فيه، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا براء لا تتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال البراء وكان أعرابيا: يا علي كأنك تبخل رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ! فقال علي عليه السلام: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكني أبجله وأوقره ليس لي ولا لك ولا لاحد من خلق الله أن يتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله بقول ولا فعل ولا أكل ولا شرب، فقال البراء: ما أبخل رسول الله صلى الله عليه وآله، قال علي عليه السلام ما لذلك قلت، ولكن هذا جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلته بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلت إلى نفسك يقول علي هذا والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع فقالت : يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت ولم يرفع إلا ميتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ايتوني بالمرأة فاتي بها، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: وترتني وترا عظيما ، قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي وابني، ففعلت هذا وقلت: إن كان ملكا فسأنتقم منه، وإن كان نبيا كما يقول وقد وعد فتح مكة والنصر والظفر فيمنعه الله منه ويحفظه ولن يضره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيتها المرأة لقد صدقت، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يغرك موت البراء فإنما امتحنه الله لتقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان بأمر رسول الله أكل منه لكفي شره وسمه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ادع لي فلانا وفلانا، وذكر قوما من خيار أصحابه فيهم سلمان والمقداد وأبو ذر وعمار وصهيب وبلال وقوم من سائر الصحابة تمام عشرة وعلي عليه السلام حاضر معهم، فقال: اقعدوا وتحلقوا عليه، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على الذراع المسمومة ونفث عليه، وقال : " بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ ولا داء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثم قال: كلوا على اسم الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وأكلوا حتى شبعوا، ثم شربوا عليه الماء، ثم أمر بها فحبست، فلما كان اليوم الثاني جاء بها فقال: أليس هؤلاء أكلوا ذلك السم بحضرتك؟ فكيف رأيت دفع الله عن نبيه وصحابته؟ فقالت: يا رسول الله كنت إلى الآن في نبوتك شاكة، والآن قد أيقنت أنك رسول الله حقا، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله وحسن إسلامها.
(أخبار الطائفة الثانية): عن المجلسي عن أمالي الصدوق:عن إبن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن أبي جميلة، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ، عن علي عليه السلام قال: إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة قد علمت أن محمدا قد هد ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية، وقد غالى الملأ من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها ثم جمعت الرؤساء في بيتها وأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا محمد قد علمت ما توجب لي من حق الجوار، وقد حضرني رؤساء اليهود فزيني بأصحابك، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه علي عليه السلام وأبو دجانة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وجماعة من المهاجرين، فلما دخلوا وأخرجت الشاة سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: اقعدوا، فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به، وكذبت اليهود عليها لعنة الله، إنما فعلت ذلك مخافة سورة السم ودخانه، فلما وضعت الشاة بين يديه تكلم كتفها فقالت: مه يا محمد لا تأكلني فإني مسمومة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عبدة فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان كاذبا أو ساحرا أرحت قومي منه، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: السلام يقرئك السلام ويقول: قل: بسم الله الذي يسميه به كل مؤمن، وبه عز كل مؤمن، وبنوره الذي أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته التي خضع لها كل جبار عنيد، وانتكس كل شيطان مريد، من شر السم والسحر واللمم، بسم العلي الملك الفرد الذي لا إله إلا هو، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذلك، وأمر أصحابه فتكلموا به، ثم قال: كلوا ثم أمرهم أن يحتجموا .
(أخبار الطائفة الثالثة):عن المجلسيّ عن مناقب ابن شهرآشوب: عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، وزاد بعد قوله: وسهل بن حنيف: وفي خبر وسلمان والمقداد وعمار وصهيب وأبو ذر وبلال والبراء بن معرور. ثم قال بعد تمام الخبر: وفي خبر إن البراء بن معرور أخذ منه لقمة أول القوم: فوضعها في فيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تتقدم رسول الله في كلام له جاءت به هذه وكانت يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإن أكلته بأمر رسول الله فهو الضامن لسلامتك منه، وإذا أكلته بغير إذنه وكلك إلى نفسك، فنطق الذراع وسقط البراء ومات وروي أنها كانت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مسلم، والآكل كان بشر بن البراء بن معرور، وأنه دخلت أمه على النبي صلى الله عليه وآله عند وفاته فقال: يا أم بشر ما زالت اكلة خيبر التي اكلت مع ابنك تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري، ولذلك يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله مات شهيدا. وعن عروة بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله بقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه.
وعن المجلسيّ أيضاً عن بصائر الدرجات بأسناده عن: أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سم رسول الله يوم خيبر فتكلم اللحم فقال: يا رسول الله إني مسموم، قال: فقال: النبي صلى الله عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاياي الاكلة التي أكلت بخيبر: وما من نبي ولا وصي إلا شهيد . بيان: المطايا جمع المطية وهي الدابة، ولعلها استعيرت هنا لما يعتمد عليه الانسان من الأعضاء والقوى، ويحتمل أن يكون في الأصل مطاي، أي ظهري فصحف.
وعن المجلسيّ عن بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمت اليهودية النبي صلى الله عليه وآله في ذراع، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف، ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أوتي بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها، فأكل ما شاء الله ثم قال الذراع: يا رسول الله إني مسموم فتركه، وما زال ينتفض به سمه حتى مات صلى الله عليه وآله .
وعن المجلسيِّ في بحاره ج17ح 37 قال:روي أن امرأة عبد الله بن مشكم أتته بشاة مسمومة، ومع النبي صلى الله عليه وآله بشر بن البراء بن عازب، فتناول النبي صلى الله عليه وآله الذراع، فتناول بشر الكراع، فأما النبي صلى الله عليه وآله فلاكها ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات، فأرسل إليها فأقرت، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: قتلت زوجي وأشراف قومي، فقلت: إن كان ملكا قتلته، وإن كان نبيا فسيطلعه الله.
تعليق