السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️
يعتبر وعي الفقر الذاتي الذي جُبل عليه الإنسان من الأمور المهمَّة التي يستثيرها الدُّعاء، وذلك أنّ من طبيعة الحياة الدُّنيا أنَّ الإنسان فيها يعاني من مرضٍ شرسٍ وهو مرضُ الغفلة، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾17، والغفلة تولِّدُ مرضاً آخر، واسمه مرض حبّ النفس وتوهُّم استقلالها في النّفع والضّرر. يثيرُ الدُّعاء في الإنسان حقيقةَ الفقر الكامل الذي ينبغي أن يقف عنده في هذه الدُّنيا، وأن يتوجَّه إلى الغنيّ الذي لا تنفد خزائنه.
يقول الله تعالى: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾18، فالله هو القيوم على هذا العالم، ويعني هذا أنَّ عالم الوجود مرتبط به سبحانه.
"وإدراك هذا الغنى واجبٌ، كما أنّ إدراك فقر الإنسان واجب أيضاً. إذا أدرك الإنسان "الفقر" فلن تأتي "الأنانية" إلى الوجود. والروح الفرعونية موجودةٌ في الجميع. وإذا تهيَّأت الأرضيّة المناسبة فإنّ أكثر الناس تقول: "أنا ربّكم الأعلى" إلا من استطاع كسر أنانيته"19.
إنّ الدُّعاء والمناجاة مع الله يقلع جذور هذه الأنانية من الإنسان، فيرى نفسه ضئيلاً أمام الله، وفي الوقت نفسه، الذي يطلب فيه شيئاً من الله فإنَّه يثبت الغنى المطلق لله تعالى والفقر المطلق لنفسه عملياً.
نستطيع من خلال وعي الحاجة والفقر أن نكتشف علاقة الدُّعاء بالاستجابة، ونفهم كيف يكون الدُّعاء مفتاحاً لرحمة الله، وكيف يستنزل الدُّعاء رحمة الله تعالى. يجسّد كلّ دعاءٍ درجةً من وعي الفقر، ويعبِّر عن مرتبةٍ من مراتب وعي الحاجة إلى الله. وبقدر ما يكون وعي العبد لحاجته إلى الله أكثر يكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة، وتكون رحمة الله أقرب إليه. فليس مِن شحٍّ ولا بُخلٍ في رحمة الله تعالى، وإنَّما يختلف حظُّ النّاس من رحمة الله لاختلاف أواني نفوسهم و أوعيتها. وعي الحاجة والفقر هو وعاء الإنسان الذي ينال به رحمة الله، وكلّما يكون وعيه لفقره إلى الله أكثر، يكون وعاؤه الذي ينال به رحمة الله أكبر.
"والله تعالى يعطي كلّاً بقدر وعائه، وكلّ ينال من رحمة الله بقدر ما يتَّسع له وعاؤه، وكلَّما كان وعاؤه أكبر كان حظُّه من رحمةِ الله أعظم"20. ويمكننا في هذا السِّياق أن نختصر علاقة الدُّعاء بالفقر في ثلاث كلمات:
أ- "الفقر إلى الله.
ب- الوعي لافتقاره إلى الله.
ج- رفع الفقر ونشره وبثّه بين يدي الله"21.
والفقر غير وعي الفقر، فقد يكون الإنسان، وهو الفقير إلى الله في كلّ شيءٍ، غيرَ واعٍ لفقره إلى الله، وقد يكون واعياً لفقره إلى الله، ولكنّه لا يحسن أنْ يرفع فقرَه إلى الله وينشره ويبثُّه بين يديه، ولا يُحسن السُّؤال والطَّلب والدُّعاء من الله، وعندما تجتمع هذه الكلمات الثَّلاث يتحقَّق الدُّعاء. إذاً، الحاجة والفقر من منازل رحمة الله تعالى، وحيثُ يكون الفقرُ وتكونُ الحاجة تجدُ رحمةَ الله تعالى.
وهذا المعنى من الفقر، والوعي له، ونشره بين يدي الغني المطلق، تجده في مناجاةٍ بليغةٍ ومؤثرةٍ للإمام السجاد عليه السلام، يقول فيها:
مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المَوْلى وَأَنا العَبْدُ، وَهَلْ يَرْحَمُ العَبْدُ إِلاّ المَوْلى؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المالِكُ وَأَنا المَمْلُوكُ، وهَلْ يَرْحَمُ المَمْلُوكَ إِلاّ المالِكُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَزِيزُ وَأَنا الذَّلِيلَ، وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إِلاّ العَزِيزُ. مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الخالِقُ وَأَنا المَخْلُوقُ، وَهَلْ يَرْحَمُ المَخْلُوقَ إِلاّ الخالِقُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَظِيمُ وَأَنا الحَقِيرُ، وهَلْ يَرْحَمُ الحَقِيرُ إِلاّ العَظِيمُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ القَوِيُّ وَأَنا الضَّعِيفُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ إِلاّ القَوِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَأَنا الفَقِيرُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الفَقِيرَ إِلاّ الغَنِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المُعْطِي وَأَنا السَّائِلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ السَّائِلُ إِلاّ المُعْطِي"22
اللهم صل على محمد وآل محمد
🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️🔹️🔶️
يعتبر وعي الفقر الذاتي الذي جُبل عليه الإنسان من الأمور المهمَّة التي يستثيرها الدُّعاء، وذلك أنّ من طبيعة الحياة الدُّنيا أنَّ الإنسان فيها يعاني من مرضٍ شرسٍ وهو مرضُ الغفلة، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾17، والغفلة تولِّدُ مرضاً آخر، واسمه مرض حبّ النفس وتوهُّم استقلالها في النّفع والضّرر. يثيرُ الدُّعاء في الإنسان حقيقةَ الفقر الكامل الذي ينبغي أن يقف عنده في هذه الدُّنيا، وأن يتوجَّه إلى الغنيّ الذي لا تنفد خزائنه.
يقول الله تعالى: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾18، فالله هو القيوم على هذا العالم، ويعني هذا أنَّ عالم الوجود مرتبط به سبحانه.
"وإدراك هذا الغنى واجبٌ، كما أنّ إدراك فقر الإنسان واجب أيضاً. إذا أدرك الإنسان "الفقر" فلن تأتي "الأنانية" إلى الوجود. والروح الفرعونية موجودةٌ في الجميع. وإذا تهيَّأت الأرضيّة المناسبة فإنّ أكثر الناس تقول: "أنا ربّكم الأعلى" إلا من استطاع كسر أنانيته"19.
إنّ الدُّعاء والمناجاة مع الله يقلع جذور هذه الأنانية من الإنسان، فيرى نفسه ضئيلاً أمام الله، وفي الوقت نفسه، الذي يطلب فيه شيئاً من الله فإنَّه يثبت الغنى المطلق لله تعالى والفقر المطلق لنفسه عملياً.
نستطيع من خلال وعي الحاجة والفقر أن نكتشف علاقة الدُّعاء بالاستجابة، ونفهم كيف يكون الدُّعاء مفتاحاً لرحمة الله، وكيف يستنزل الدُّعاء رحمة الله تعالى. يجسّد كلّ دعاءٍ درجةً من وعي الفقر، ويعبِّر عن مرتبةٍ من مراتب وعي الحاجة إلى الله. وبقدر ما يكون وعي العبد لحاجته إلى الله أكثر يكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة، وتكون رحمة الله أقرب إليه. فليس مِن شحٍّ ولا بُخلٍ في رحمة الله تعالى، وإنَّما يختلف حظُّ النّاس من رحمة الله لاختلاف أواني نفوسهم و أوعيتها. وعي الحاجة والفقر هو وعاء الإنسان الذي ينال به رحمة الله، وكلّما يكون وعيه لفقره إلى الله أكثر، يكون وعاؤه الذي ينال به رحمة الله أكبر.
"والله تعالى يعطي كلّاً بقدر وعائه، وكلّ ينال من رحمة الله بقدر ما يتَّسع له وعاؤه، وكلَّما كان وعاؤه أكبر كان حظُّه من رحمةِ الله أعظم"20. ويمكننا في هذا السِّياق أن نختصر علاقة الدُّعاء بالفقر في ثلاث كلمات:
أ- "الفقر إلى الله.
ب- الوعي لافتقاره إلى الله.
ج- رفع الفقر ونشره وبثّه بين يدي الله"21.
والفقر غير وعي الفقر، فقد يكون الإنسان، وهو الفقير إلى الله في كلّ شيءٍ، غيرَ واعٍ لفقره إلى الله، وقد يكون واعياً لفقره إلى الله، ولكنّه لا يحسن أنْ يرفع فقرَه إلى الله وينشره ويبثُّه بين يديه، ولا يُحسن السُّؤال والطَّلب والدُّعاء من الله، وعندما تجتمع هذه الكلمات الثَّلاث يتحقَّق الدُّعاء. إذاً، الحاجة والفقر من منازل رحمة الله تعالى، وحيثُ يكون الفقرُ وتكونُ الحاجة تجدُ رحمةَ الله تعالى.
وهذا المعنى من الفقر، والوعي له، ونشره بين يدي الغني المطلق، تجده في مناجاةٍ بليغةٍ ومؤثرةٍ للإمام السجاد عليه السلام، يقول فيها:
مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المَوْلى وَأَنا العَبْدُ، وَهَلْ يَرْحَمُ العَبْدُ إِلاّ المَوْلى؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المالِكُ وَأَنا المَمْلُوكُ، وهَلْ يَرْحَمُ المَمْلُوكَ إِلاّ المالِكُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَزِيزُ وَأَنا الذَّلِيلَ، وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إِلاّ العَزِيزُ. مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الخالِقُ وَأَنا المَخْلُوقُ، وَهَلْ يَرْحَمُ المَخْلُوقَ إِلاّ الخالِقُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ العَظِيمُ وَأَنا الحَقِيرُ، وهَلْ يَرْحَمُ الحَقِيرُ إِلاّ العَظِيمُ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ القَوِيُّ وَأَنا الضَّعِيفُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ إِلاّ القَوِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ الغَنِيُّ وَأَنا الفَقِيرُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الفَقِيرَ إِلاّ الغَنِيُّ؟ مَوْلايَ يا مَوْلايَ، أَنْتَ المُعْطِي وَأَنا السَّائِلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ السَّائِلُ إِلاّ المُعْطِي"22