اللهم صل على محمد وآل محمد
2 - سوء الظن في القرآن الكريم:
لقد تحدّثت عدّة آيات كريمة عن هذا المرض الأخلاقي الفتّاك في الأفراد والمجتمعات، نقتصر منها على آيتيتن:
الآية الأولى: سوء الظن بالناس: تستعرض الحديث عن سوء الظن، وتنهى المؤمنين بصراحة وبشدة عن سوء الظن في تعاملهم الاجتماعي فيما بينهم، وتشير إلى أنّه قد يكون بمثابة المقدمة إلى التجسّس والغيبة، وتقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾.5
وقد ورد في الآية التعبير "كثيراً من الظن" لأنّ أكثر أشكال الظن بين الناس بالنسبة إلى الطرف الآخر تقع في دائرة السوء والشر؛ لذلك ورد التعبير بقوله كثيراً.
والملفت للنظر هو أنّ هذه الآية بعد النهي عن كثير من الظن، ذكرت العلّة في ذلك، وقالت بأنّ بعض الظنون هي في الحقيقة إثم وذنب، وهو إشارة إلى أنّ الظنون السيّئة قسمان:
فمنها ما يطابق الواقع، ومنها ما يخالف الواقع. فما كان على خلاف الواقع يكون إثماً وذنباً، وبما أنّ الإنسان لا يعلم أيّهما المطابق للواقع وأيّهما المخالف، فيجب تجنّب الظن السيّء إطلاقاً؛ حتى لا يتورّط الإنسان في سوء الظن المخالف للواقع، وبالتالي يقع في الإثم وممارسة الخطيئة؛ روي عن الإمام علي عليه السلام قوله: "سُوءُ الظَّنِّ يُفسِدُ الأمور وَيَبعَثُ عَلَى الشُّرُورِ"6.
وبما أنّ سوء الظن بالنسبة إلى الأعمال الخاصّة للناس، يعدّ أحد أسباب التجسّس، وأحد الدوافع التي تقود الإنسان إلى أن يتجسّس على أخيه، والتجسّس بدوره يتسبّب أحياناً في الكشف عن العيوب المستورة للآخرين، وبالتالي سيكون سبباً ودافعاً للغيبة أيضاً، لذلك فانّ الآية الشريفة تتحدّث عن سوء الظن أوّلا، وفي المرحلة الثانية ذكرت التجسّس، وفي الثالثة نهت عن الغيبة.
ولهذا اعتبره النبي صلى الله عليه واله وسلم من أكذب الكذب، فروي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "إِيّاكُم وَالظّنُّ؛ فَاِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الكِذبِ"7، بل هو من أقبح الظلم كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "سُوءُ الظَّنِّ بِالمُحسِنِ شَرُّ الإِثمِ وَأَقبَحُ الظُّلمِ" 8.
يتبع ...
---------------------
5-الحجرات، 12.
6- الواسطي، عيون الحكم والمواعظ،ص283.
7-المحجة البيضاء، ج5، ص268.
8- الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص284.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ