بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن للمرأة عبر التاريخ ماض مؤلم بوصفها الأضعف جسديًا مقارنة بالرجل، نرى ظلمة التاريخ قد اجتهدوا كثيرا في سبيل سحق انسانيتها وشخصيتها، ما أبشع ما ارتكب بحقها خصوصًا في شبه الجزيرة العربية (الحجاز) وعصر كعصر الجاهلية المحقة، التي كانت أكثر تحطيما للمرأة وشخصيتها من أي مكان آخر.
المرأة هناك.. استرقت، تباع وتشترى كسائر البضائع، لا نصيب لها في إرث الرجال ويستاؤون إذ ولدت لهم أنثى، وكما نعلم فقد كانت البنت توأد بمجرد أن تدرك نور الحياة، فجاء الإسلام لإحياء القيم الإلهية والإنسانية، فحارب وبشدة ذلك التفكير الجاهلي وصرخ مناديا بإحياء شخصية المرآة المحرومة.
ومن هذه الشخصيات التي ظلمت على مسار التاريخ السيدة الجليلة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، التي دوى صوتها في عروش الظالمين، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) ينادي بالحق والعدالة والحرية: (أيها الناس اعلموا: إني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عودا وبدوا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)[1].
إنه صوت دوى في عروش الظالمين فأسقطها وارتفع كالأذان في الغافلين فأيقظهم وسار بهم إلى حيث الوعي والرشد والانتصار، إنه صوت فاطمة، صوت أم أبيها، إنه صوت الكوثر الذي لا ينقطع أبدًا، إنَّه صوت البتول الحوراء الإنسية المعبر عنه على لسان النبي (صلى الله عليه واله)، إنه قال: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل ( عليه السلام ) فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة)[2].
وعن سلمان المحمدي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومن أبغضها فهو في النار ، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها)[3]، فهي سلام الله عليها (لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي ( صلى الله عليه وآله )، وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب، يغشى عليها كل ساعة بعد ساعة في كل ساعة، وحين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل عليها فيعظم حزنها)[4].
اجتمعت هذه الأمور مع بعضها مسببة ضغطا على روحها وقلبها الطاهرين، لكن فاطمة (عليها السلام) أخفت همها وغمها عن روح زوجها الطاهرة، مخافة أن يتسع جرحه الناتج من معاناة ظلم الأمة له وتجاوزها على الكثير من وصايا رسول الله (صلى الله عليه واله)، لهذا كانت تذهب الى قبر أبيها لتبث إليه آلامها وحرقة أعماقها وما آل إليه حالها، فقد قالت ذات مرة: ( يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري)[5].
وفي مرة أخرى نراها تقول:
قل للمغيب تحت اطباق الثرى ــــ إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبت علي مصائب لو أنها ــــ صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظل محمد ـــ لا أخشى من ضيم وكان جماليا
فاليوم أخشع للذليل واتقي ــــ ضيمي وادفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها ـــــ شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي ــــ ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا
ماذا على من شم تربة أحمد ـــ أن لا يشم مدى الزمان غواليا[6]
فعلى الرغم من قصر حياتها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) حيث استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءها ولبت بدورها نداء الباري (عزَّ وجلَّ) لتنقل إلى جوار ربها فتحظى برؤية أبيها (صلى الله عليه واله)، وعلى الرغم من ذلك فقد بذلت كل ما في وسعها من فداء وتضحية في الدفاع عن الإسلام والتذكير بحق الوصي(عليه السلام) وهو يرثيها بلوعة الحزن والفراق السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، وعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، والسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّه عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ورَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وفَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ...)[7].
(صلى الله عليك يا بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته)
الهوامش:
[1] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: 1 /134 .
[2] الأمالي، الشيخ الصدوق:546 .
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي:27 /117 .
[4] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: 3 /137 .
[5] بيت الأحزان، الشيخ عباس القمي:164 .
[6] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي: 19 /160 .
[7] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /182 .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إن للمرأة عبر التاريخ ماض مؤلم بوصفها الأضعف جسديًا مقارنة بالرجل، نرى ظلمة التاريخ قد اجتهدوا كثيرا في سبيل سحق انسانيتها وشخصيتها، ما أبشع ما ارتكب بحقها خصوصًا في شبه الجزيرة العربية (الحجاز) وعصر كعصر الجاهلية المحقة، التي كانت أكثر تحطيما للمرأة وشخصيتها من أي مكان آخر.
المرأة هناك.. استرقت، تباع وتشترى كسائر البضائع، لا نصيب لها في إرث الرجال ويستاؤون إذ ولدت لهم أنثى، وكما نعلم فقد كانت البنت توأد بمجرد أن تدرك نور الحياة، فجاء الإسلام لإحياء القيم الإلهية والإنسانية، فحارب وبشدة ذلك التفكير الجاهلي وصرخ مناديا بإحياء شخصية المرآة المحرومة.
ومن هذه الشخصيات التي ظلمت على مسار التاريخ السيدة الجليلة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، التي دوى صوتها في عروش الظالمين، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) ينادي بالحق والعدالة والحرية: (أيها الناس اعلموا: إني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عودا وبدوا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)[1].
إنه صوت دوى في عروش الظالمين فأسقطها وارتفع كالأذان في الغافلين فأيقظهم وسار بهم إلى حيث الوعي والرشد والانتصار، إنه صوت فاطمة، صوت أم أبيها، إنه صوت الكوثر الذي لا ينقطع أبدًا، إنَّه صوت البتول الحوراء الإنسية المعبر عنه على لسان النبي (صلى الله عليه واله)، إنه قال: (لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل ( عليه السلام ) فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة)[2].
وعن سلمان المحمدي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومن أبغضها فهو في النار ، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها)[3]، فهي سلام الله عليها (لا زالت بعد النبي معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي ( صلى الله عليه وآله )، وهي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب، يغشى عليها كل ساعة بعد ساعة في كل ساعة، وحين تذكره وتذكر الساعات التي كان يدخل عليها فيعظم حزنها)[4].
اجتمعت هذه الأمور مع بعضها مسببة ضغطا على روحها وقلبها الطاهرين، لكن فاطمة (عليها السلام) أخفت همها وغمها عن روح زوجها الطاهرة، مخافة أن يتسع جرحه الناتج من معاناة ظلم الأمة له وتجاوزها على الكثير من وصايا رسول الله (صلى الله عليه واله)، لهذا كانت تذهب الى قبر أبيها لتبث إليه آلامها وحرقة أعماقها وما آل إليه حالها، فقد قالت ذات مرة: ( يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري)[5].
وفي مرة أخرى نراها تقول:
قل للمغيب تحت اطباق الثرى ــــ إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبت علي مصائب لو أنها ــــ صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظل محمد ـــ لا أخشى من ضيم وكان جماليا
فاليوم أخشع للذليل واتقي ــــ ضيمي وادفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها ـــــ شجنا على غصن بكيت صباحيا
فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي ــــ ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا
ماذا على من شم تربة أحمد ـــ أن لا يشم مدى الزمان غواليا[6]
فعلى الرغم من قصر حياتها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) حيث استجاب الله سبحانه وتعالى دعاءها ولبت بدورها نداء الباري (عزَّ وجلَّ) لتنقل إلى جوار ربها فتحظى برؤية أبيها (صلى الله عليه واله)، وعلى الرغم من ذلك فقد بذلت كل ما في وسعها من فداء وتضحية في الدفاع عن الإسلام والتذكير بحق الوصي(عليه السلام) وهو يرثيها بلوعة الحزن والفراق السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، وعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، والسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّه عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ورَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وفَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ...)[7].
(صلى الله عليك يا بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته)
الهوامش:
[1] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: 1 /134 .
[2] الأمالي، الشيخ الصدوق:546 .
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي:27 /117 .
[4] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: 3 /137 .
[5] بيت الأحزان، الشيخ عباس القمي:164 .
[6] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي: 19 /160 .
[7] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /182 .