المَقامُ العِلمي والمعرفي للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهما السلام)
_________________________________________________
إنَّ السيدة زينب (عليها السلام) كانتْ بحقٍ عالمةً غير مُعلَّمة وفَهِمَةً غير مُفهَمَةٍ
كما ورد ذلك بحقها على لسان ابن أخيها الإمام المعصوم علي بن الحسين
(عليه السلام)
(أنتِ بحمد اللَّه عالمةٌ غير مُعلَّمة ، وفَهمة غير مُفهَّمة )
:الاحتجاج: الطبرسي : ج2:ص31.
إذ روتْ عن أبيها الإمام علي (عليه السلام) ، وأُمها السيدة فاطمة الزهراء ، وعن أُمّ أيمن ، وأُم سلمة .
و روى عنها : ابن أخيها المعصوم علي بن الحسين ، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري وعبد الله بن عباس ، وكان يقول : حدثتني عقيلتنا ، زينب بنت علي وروى عنها
زيد بن علي بن الحسين عن أبيه , وكانت عالمة ، خطيبة ، فصيحة ، جليلة الشأن .
كانت لها وصاية خاصة عن الإمام الحسين ( عليه السّلام ) بعد شهادته , وكان يُرجع إليها في الحلال والحرام في وقت مرض علي بن الحسين .
ولها خطبٌ وكلماتٌ تتجلى فيها بلاغتها ورجاحة عقلها ، وقوة حجتها ، ووعيها للقرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة .
وإنّ من جملة ما روته السيدة الجليلة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد(عليه السلام) في شأن ذلك هو
( أنّ الحسين بن علي عليهما السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام في الظاهر ، وكان ما يخرجُ عن علي بن الحسين من عِلمٍ يُنسبُ إلي زينب بنت علي تستراً على علي بن الحسين (عليه السلام) )
: كمال الدين وتمام النعمة :الصدوق:ص501.
:الغيبة :الطوسي:ص230.
فالسيدة زينب (عليها السلام ) قد حفظتْ لنا خطبة أمها الصديقة الزهراء (عليها السلام) في حادثة فدك وغصبها كما في الرواية .
( وروي عن إسماعيل بن مهران ، عن أحمد بن محمد ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن زينب بنت علي عليهما السلام قالتْ :
قالتْ فاطمة عليها السلام في خطبتها في معنى فدك : لله فيكم عهدٌ قدّمه إليكم وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره ، وآي منكشفةٌ سرائره ، وبرهان متجلية ظواهره ، مُديم للبرية استماعه ، وقائد إلى الرضوان أتباعه ، مؤديا إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنورة ، ومحارمه المحدودة وفضائله المندوبة ، وجمله الكافية ، ورخصة الموهوبة ، وشرايعة المكتوبة ،وبيناته الخالية ،
ففرض الله الايمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر والزكاة زيادة في الرزق ، والصيام تبيينا للإخلاص ، الحج تسنية للدين ، والعدل تسكينا للقلوب ، الطاعة نظاما للملة ، والإمامة لما من الفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونة على الاستيجاب ، والامر بالمعروف مصلحة للعامة ،
وبر الوالدين وقاية عن السخط ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكائيل والموازين تعييرا للبخسة ، وقذف المحصنات حجبا عن اللعنة ، وترك السرقة إيجابا للعفة ، وأكل أموال اليتامى إجارة من الظلم ، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية ، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته فيما أمركم الله به وانتهوا عما نهاكم عنه والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة)
: مَنْ لا يحضره الفقيه :الطوسي :ج3:ص567.
وعن السيدة زينب (عليها السلام) أخذَ عبد الله بن عباس (حَبرُ الأمّة ) خطبة فدك
(والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك ، فقال : حدثتني
عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام )
:مقاتل الطالبيين :أبو الفرج الأصفهاني:ص60.
وقد روى عنها زيد بن علي (الشهيد)
(عن زيد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ، عن عمته زينب بنت علي عليه السلام
عن فاطمة عليها السلام قالت :
كان دخل إلي رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم عند ولادتي الحسين عليه السلام ، فناولته إياه في
خرقة صفراء ، فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء ولفه فيها ثم قال :
خُذيه يا فاطمة فإنه إمام ابن إمام أبو الأئمة التسعة ، من صلبه أئمة
أبرار والتاسع قائمهم )
:كفاية الأثر: الخزاز القمي:ص194.
وقد وقع ذكر السيدة زينب (عليها السلام) في أسانيد الرواة بكثرة
(قال : أخبرني أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال : أخبرنا أبو عبد الله
جعفر بن محمد بن جعفر الحسني قال : حدثنا عيسى بن مهران ، عن يونس ،
عن عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن زينب بنت علي ابن أبي طالب عليهما السلام قالت : لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليهما السلام فدك والعوالي ، وأيست من إجابته لها عَدَلت إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله فألقت نفسها عليه وشكت إليه ما فعله القوم بها وبكت حتى بلت تربته بدموعها وندبته )
: الأمالي : الشيخ المفيد:ص41.
وقد روتْ السيدة زينب بنت علي أغلب خطب أبيها في نهج البلاغة
انظر :مصادر نهج البلاغة وأسانيده :السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب:ص333.
وقد ترجم حياتها ابن الُزهري المشهور بابن سعد صاحب كتاب (الطبقات الكبرى)
فقال :
( زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عبد الله
بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فولدت له عليا وعونا الأكبر وعباسا
ومحمدا وأم كلثوم)
: الطبقات الكبرى: ابن سعد (المتوفى سنة 230 للهجرة): ج8:ص465.
و ذكر خطبها أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر بن طيفور
(فقالت زينب بنت علي ( عليها السلام ) صدق الله ورسوله يا يزيد
(( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ )) (10)الروم إلخ...)
:بلاغات النساء :ابن طيفور( المتوفى سنة 280 للهجرة) :ص21.
وترجم لها أيضاً ابن حجر العسقلاني ما نصه :
(قال بن الأثير إنها ولدتْ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت عاقلة لبيبة جزلة زوجها أبوها بن أخيه عبد الله بن جعفر فولدت له أولادا وكانت مع أخيها لما قتل فحُمِلَت إلى دمشق وحضرت عند يزيد بن معاوية وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور يدل على عقل وقوة جنان)
: الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852 للهجرة ):ج8:ص167.
كانت السيدة زينب (عليه السلام ) بحسب التحقيق تفرغُ و تصبُ العلمَ والمعرفةَ
عن أبيها (علي) صبّا سعةً لعلمها وإحاطتها بالعقيدة والشريعة .
( قال بشير بن حذيم الأسدي : نظرتُ إلى زينب بنت على يومئذ - ولم أرَ خفرةً
قط أنطقُ منها كأنما تنطقُ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) وتفرغُ عنه -وأومأتْ إلى الناس أن اسكتوا فارتدتْ الأنفاس ، وسكنتْ الأجراس )
:معالم المدرستين :السيد مرتضى العسكري:ج3:ص145.
_____________________________
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف .
تعليق