◄بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله (ص)،
في هذا الموضوع نتناول إسم من أسماء الله الحسنى، وهو إسم "الفتاح". و"الفتاح" جاء في القرآن مرتين. أما كلمة "يفتح" و"فتحنا" فجاءت في القرآن كثيراً. المرة الأولى (.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف/ 89)، والمرة الثانية (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (سبأ/ 26).
المحور الأوّل: ما معنى "الفتاح" – كيف أتعرف إلى الله باسمه "الفتاح"؟ · المحور الثاني: نقاط مهمة وأنت تتعامل مع "الفتاح". ·
المحور الثالث: واجبك تجاه إسم "الفتاح".
- المحور الأوّل: ما معنى إسم الله "الفتاح"؟ الناس العاديون يقولون لك: "ربنا يفتحها في وجهك". وأصحاب المحلات والمهن وهم يفتحون كل يوم في الصباح أول كلمة يقولونها: "يا فتاح يا عليم". والعلماء عندما يجدون شاباً وقد فتح الله عليه في العلم يقولون له: "اذهب ربنا يفتح عليك فتوح العارفين". ما هو الموضوع إذن؟ وما سر إسم الله الفتاح على ألسنة الناس العاديين؟ تعالوا نبدأ نغوص ونقترب من إسم الله "الفتاح". إنّ كلمة "فتح" لغوياً عكس "مغلق". و"الفتح" هو إزالة كل شيء مغلق. هل تستطيع أن تقول "فتحت الباب" وهو أصلاً مفتوح؟ بل يجب أن يكون مغلقاً. إسم الله "الفتاح" له ثلاثة معانٍ:
1- الذي بإرادته وقدرته يفتح كل مغلق، فيكشف الكرب، ويزيل الغمة، ويرفع البلاء، ويكشف العسر. ولو أغلقت الأبواب في وجهك، ولو الناس قالوا لك: ليس هناك فائدة، ولو أظلمت الدنيا، وخنقتك دموعك، اذهب إلى الفتاح. إن استقر هذا المعنى في قلبك وعرفت الله بهذا المعنى، إذن أنت أقوى إنسان في الوجود. إذهب وتذلل وإبكِ وإسجد بين يديه، وسيفتح لك إن شاء الله. الذي فطر وخلق السماوات والأرض هو الذي يملك أن يقول سبحانه وتعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر/ 2). إذا فتح الله لك الأبواب، فمن الذي يقدر أن يغلقها؟ لو فتح لك الله باب رحمة لحل مشكلتك، فلن تستطيع قوى الأرض مجتمعة إغلاق باب فتحه الله لك. مَن عنده مشاكل عائلية، ومَن العلاقة بينه وبين امرأته أغلقت وستصل إلى الطلاق، والإخوة الذين بينهم مشكلات عائلية، لو أغلقت عليك المشكلة المادية تماماً، فليذهبوا إلى الفتاح. تذلل وإسجد له. قل له "يا فتاح.. الموضوع صعب عليّ، وليس له حل إلا أنت يا فتاح". يوم غزوة بدر، كان المسلمون 300 والكفار 1000. وكان مع المسلمين فَرسان ومع المشركين 100 فرس. الموضوع كان غير متكافئ ومغلقاً. انظر إلى النبي (ص) ماذا يفعل: رفع يديه وظل يدعو ويدعو ويدعو، حتى ظهر بياض إبطيه وسقط رداؤه: "اللّهمّ أنجزني ما وعدتني"، لدرجة أن سيدنا أبا بكر، من خوفه على النبي (ص)، "طبطب" عليه وقال له: "هوّن عليك، هون عليك يا رسول الله"، من كثرة إقبال وإلحاح النبي (ص) على الدعاء. ثمّ انظر إلى الآية ماذا تقول على الكافرين: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ...) (الأنفال/ 19). والنبي (ص) استبشر ووقف وقال: "الله أكبر.. أبشروا هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقود ألفاً من الملائكة يقاتلون معكم يوم بدر". وجاء الفتح وانتصر المسلمون. أتعرف الذهاب إلى الفتاح بهذا الشكل والتذلل له؟ أتعرف أن ترفع يديك وتخفض رأسك ذلاً للفتاح وتقول له: يا فتاح أتوسل إليك، باسمك الفتاح أن تزيل مشكلتي؟ يقولون إن ابن تيمية إذا استعصت عليه مشكلة علمية كان يخرج إلى الصحراء ويضع خده على التراب تذللاً للفتاح، ويستغفر طويلاً. يقول: "فوالله لا أعود إلا وقد فتح الله عليّ المسألة". أعرف صديقاً ابنه وُلِد ولادة متعسرة، فسحبوا رأسه بجهاز، فحدث خلل في الخلايا العصبية. والنتيجة رعشة شديدة أجمع كل الأطباء أنّه سيشل أو يموت، استسلم الوالد، وكان أكبر مُناه أن يموت الولد. وبينما هو ذاهب إلى صديق له، قابل طبيباً صدفة، فقال له: مازال هناك دواء. هو يحكي أنّه لجأ إلى الله عندما أغلق الأطباء الباب، ودعا على الرغم من أن كل ما بذله من جهد، فشفي الولد، وهو الآن في الثانية عشرة، وهو يلعب وينمو. تُرى كم مرة الفتاح فتح لك في مشكلة أُغلقت من دون أن تطلب؟
2- الفتاح هو الذي يفتح أبواب النجاح والتوفيق في بداية الأمور. ستفتح شركة، ستتزوجين، ستدخل في موضوع جديد مغلق بالنسبة إليك، ولا تعرف بعدُ نهايته، وأنت في حاجة إلى دفعة إلى الأمام وتريد النجاح والتوفيق، ماذا تفعل؟ اجرِ إذن إلى الفتاح. يا من تتمنون أن يكون رمضان هذه السنة فتحاً عليكم، فلتجروا إلى الفتاح، لأنّه يفتح الأمور التي استحكمت واستغلقت. انظر إلى الآية ماذا تقول (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ...) (الأنعام/ 59).
3- يفتح بين المتخاصمين بالحق: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (سبأ/ 26). (.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف/ 89). عندما يشتد الصراع بينك وبين الناس وتظلم، ويتم تشويه سمعتك وأنت بريء، ويقال عنك، كذا وكذا وكذا، فإنّ الفتاح يفصل بين المتخاصمين ويُظهر الحق. لو ظلمك أحدهم، ولو كادوا لك، ولو اتهموك، اجرِ إلى الفتاح، لأنك طالما أنك على حق فليس عليك أن تخاف. كم مرّة أنصفك الله من دون الذهاب إلى الفتاح؟ كم مرة لم تعرف ما تقول وأنطقَ لسانك بكلام يُبرئك؟ كم مرّة أخرج لك من يدافع عنك؟ كم مرة عدوك ظهر للناس أنّه الكاره الظالم لك؟ وكم مرة نجاك من مشكلة؟ كم مرة تقول أنا بشطارتي فتحت شركة أو ألّفت قصيدة؟ هو الفتاح سبحانه وتعالى. ألقِ نفسك بين يديه.. قل له: سامحني.. عرفتك يا فتاح. نحن في انتظار لحظة فتح لعتق رقابنا من النار ورضا من الله.
- المحور الثاني: نقاط مهمة وأنت تتعامل مع "الفتاح":
1- "الفتاح" يحبك أن تعمل بجد وبقوة حتى آخر لحظة، لأنك لا تعلم متى سيأتي الفتح، فيؤخر عليك الفتح ليختبر ثقتك به وإصرارك على العمل. قد يؤخر الفتح لكي تظل مُصراً وواثقاً بأنّه سيفتح لك لآخر لحظة، وقد يؤخر عنك الفتح لتقف على الباب طويلاً، لتبقى بين يديه طويلاً. أحد العلماء يقول: "لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طُردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين، وقل له: مسكين فتصدق عليّ، فإنما الصدقات للفقراء والمساكين. وأنا فقير ومسكين". لا تحزن لو تأخر الفتح. المهم أن تظل على الباب، إن باباً يُطرق بشدة لابدّ أن يُفتح. هل تحب الإسلام وواثق بأنّ الله سيفتح أملاً؟ "الفتاح" يعطيك ويجدد الأمل داخلك. ادعه بالفتاح، هو سيفتح بالتأكيد. ولكن، هل أنت مُصر على نُصرة الإسلام؟
2- "الفتاح" يأتي بالفتح من حيث لا تدري، وقد تظنه إغلاقاً وهو قمة الفتح، سيدنا يوسف سُجن 9 سنين، وسجْنه هذا قمة الفتح، لأنّه لو لم يسجن لما كان تعرف إلى ساقي الملك، الملك الذي شاهد الرؤيا، ولو كان خرج من السجن مبكراً قبل رؤية الملك للرؤيا، فهل سيكون عزيز مصر؟ لا.. بل لكان شخصاً عادياً في المجتمع. قد تكون حال الأمة الآن فتحاً ونحن لا نعلم. يوم صلح الحديبية، ذهب المسلمون من أجل العمرة، فمُنعوا من العمرة. فالنبي (ص) عرض الصلح، فاتفقوا على الصلح. ولكن سيدنا عمر بن الخطاب كان يريد العمرة أو الحرب. ونزلت الآية: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح/ 1)، فذهب سيدنا عمر إلى النبي (ص) وقال: يا رسول الله.. أفْتَحٌ هو؟ فقال: نعم يا عمر. فقال: يا رسول الله.. ألم تحدثنا أننا سنعتمر؟ قال: نعم يا عمر، سنعتمر. فقال: فلم نعتمر يا رسول الله. قال: أحدثتكم أنّه هذا العام يا عمر؟ فقال: لا. فقال: إذن هو فتح. عدد المسلمين الذين أسلموا في السنتين بعد صلح الحديبية يساوي كل المسلمين الذين أسلموا من بداية دعوة النبي (ص) وحتى صلح الحديبية.
3- يفتح الله بأهون الأشياء.. بكلمة، بدمعة، بآية، بلحظة. إليك الأمثلة: - تقرأ آية 100 مرة، وفجأة تسمعها، فيفتح الله عليك بطريقة لم تفكر فيها في حياتك، ويُغير شكل حياتك. أعرف شخصاً لم يكن متديناً، يحكي أنّه كان في طريقه إلى العمل، فسمع آية في قهوة تُشَغّل القرآن الكريم، تقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) (الكهف/ 50). يقول: وجدت نفسي أقول: والله لن أستبدلك بعد اليوم يا رب بإبليس. - شاب يحكي قصة هدايته وأنّه كان مسافراً من القاهرة إلى الإسكندرية في القطار، وقد أعد لمعصية من أسوأ ما يكون، وأخذ كل احتياطاته. ركب القطار، فجلس بجوار شاب متدين يقرأ القرآن الكريم. يقول: فأسمعني الله هذه الآية: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ...) (النساء/ 108)، فظل يبكي حتى وصل الإسكندرية، فحجز تذكرة عودة وعاد للقاهرة.
4- إذا فتح الله فإنّه لا يفتح فتحاً عادياً، بل فتح مبين، لأنّه لو فتح فتحاً عادياً، وأنت كنت تتوقع أن يحدث هذا فستسأل: أين الفتح؟ إذا جاء الفتح يجب أن يكون فوق قدرتك على التخيل والتصور: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح/ 1). السيدة هاجر كانت تسعى بين الصفا والمروة، وتبذل مجهوداً لآخر لحظة. ما هو أقصى فتح تتمناه؟ أن يشرب إسماعيل. ولكن، يجيء الفتح، وهو ليس عادياً، بل ممتد إلى يوم القيامة، تقديراً للجهد الذي بذلته. فإلى يوم القيامة يشربون من تحت قدمي ابنك يا هاجر. النبي (ص) من غار حراء الضيق الصغير، كان لا يعرفه ولا يؤمن به إنسان حتى فتح مكة: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا). لم يدخل مكة أحد من قبله ولا أحد من بعده فاتحاً لها كما فعل هو. في بدر كان عدد الصحابة 300، وفي أحد 1000، وفي الخندق 1000، وفي الحديبية 1400، وفي خيبر 1400. العدد قليل قليل. فجأة أصبح العدد في فتح مكة 10000 وأصبحت الجزيرة العربية بعد فتح مكة تتوزع بين مؤمن به أو مسالم له أو خائف منه بعد ما كان يحذر كل الناس. ونزلت الآية: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) (النصر/ 1-2). ودخل مكة وطافَ بالكعبة ومعه الـ10000، ويقرأ سورة (الفتح): (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (الفتح/ 1-3).
- المحور الثالث: واجبك تجاه إسم "الفتاح":
1- تَذلُل للفتاح حتى يفتح عليك.
2- عش بأمل أنّ الفتاح سينصر الأمة إن شاء الله.
3- كُن مفتاحاً للخير، مِغلاقاً للشر.
من صفحة البلاغ