بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ..
وتدور الأيام ليأتي اليوم الذي ترحل فيه كعبة الأحزان عن هذه الحياة بعد حياة ملأت بالأحداث المؤلمة والغموم المحزنة ..
لقد أحيطت حياة السيدة زينب عليها السلام بالمصائب منذ نعومة أظفارها ، فلقد فقدت جدها المصطفى وهي بعد لم تبلغ الخامسة من عمرها ، ورأت النار وهي تضطرم بالباب وكذا رأت ما جرى على أمها وما حصل لأبيها من أحداث مؤلمة حيث رأت أمها وقد عصرت بين الحائط والباب وأباها مقاداً بحمائل سيفه من أرذل الخلق وهو البطل الضرغام ..
ما كادت عليها السلام لتسلى عن تلك المصائب وتنسى تلك الأحداث إلا وترى أخاها أبا محمد الحسن المجتبى عليه السلام وهو يتلوى وجعاً قاذفاً كبده قطعاً بعد أن تمكن سم الحقد الأموي منه وجعله يذوق مرارة الألم من معدة لم تذق من الزاد إلا اللبن المسموم والذي بسببه ارتحل شهيداً عن هذه الحياة ..
بعد سنيات على فاجعة الإمام الحسن وإذا بالحوراء ترى أخاها الحسين عليه السلام صريعاً تمزق جسده السيوف والرماح ، وترى رأسه مرفوعاً على السنان ..
أبت الحوراء عليها السلام إلا أن تشارك أخاها الحسين مسئولية فضح حكام الضلال ورفع الستار المختبئون وراءه ، بقلب ثابت بالإيمان ونفس واثقة بالعزيز القهار ، لتعريهم وتفضحهم وتخزيهم ..
بينت عقيلة بني هاشم أن أعداء الله وإن امتلكوا أعظم السلاح واحتموا بأقوى الجيوش لا يمكن أن يقفوا في وجه الحق وأهله وإن كان أهل الحق موثوقي الأيدي ، أسارى قد أنهكتهم سياط اللئام ، وأثبتت عليها السلام أن القوة لا تكون بالبطش بل تكون بإحقاق الحق ولو باللسان ..
نعم لقد حفلت حياة لبوة المرتضى عليها السلام بالعطاء والتضحية ليتجلى ذلك في أرض الفداء وفي أسر الأعداء وعند الوقوف في مجالس الطغاة ، عزيزة وإن أراد العدو إذلالها ، لتذله بإيمانها وتُبدي مثالبه ببلاغتها مثبتة للأجيال أن المرأة العفيفة تستطيع أن تكسر العدو بحيائها وتزلزل كيانه بصلابتها وتعريه بحجابها ، وإن حاول أن يبديها للعوام متشفياً ، فزينب المؤمنة لا يكسرها ذلك بل يكسر عدوها الجبان وأعوانه اللئام ..
لم تنسَ زينب واقعة الطف فهي تراها في اليقظة والنوم ..
بقيت عليها السلام نائحة باكية على مصاب أخيها الحسين عليه السلام إلى أن حانت منها المنية لتختم حياتها الدنيوية مواسية له مظهرة لظلامته ..
رحلت بنت الزهراء عن هذه الحياة بعد أن أدت ما عليها من دور عظيم إلى بارئها راضية مرضية مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين في مثل هذا اليوم المصادف للخامس عشر من شهر رجب سنة 65 من الهجرة النبوية المباركة ..