بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد
من موائد الطعام تأدّبنا::
بينما كنا نتمشى أنا وصديقي القديم، رأينا عائلة جالسة في إحدى الحدائق العامة ويبدو عليها الانسجام من خلال التودد لبعضهم البعض وحنو الأب على أحد أبنائه وهو يمسح ما علق على شفتيه من الطعام، والأم تضع ابنتها في حجرها وتطعمها بكل حنّية وثالث يتناول الطعام بكل أدب، حينها ظهرت من صديقي إبتسامة ملفتة، فبادرني بالقول: انّ هذا الموقف يذكرني بوالدي رحمه الله..
فقلت وكيف ذلك..
فقال: كان أبي معروفاً بشدته وقساوته، فهو لا يتهاون مع أي خطأ يراه، ويعاقب عليه بشدة..
ومن الأشياء المهمة لديه ولا يتنازل عنها أبداً هو حضور العائلة كلّها على مائدة واحدة وفي وقت معروف لدى الجميع، ولا يقبل بالتخلف عنه إلا لعذر مانع.. بالرغم من اننا في بعض الأحيان قد نتأخر بسبب انتظار حضور أحد أفراد العائلة الذي تغيّب لسبب وجيه..
من خلال هذه الجلسة الغذائية العائلية كنا نرقب بحذر عيني والدي، خوفا من أن نخطئ بشئ فيكون مصيرنا المحتوم وهو العقاب لا محاله، وأدناه التوبيخ الشديد..
كانت معاملته فيها نوع من الخشونة والقساوة، وكنا نحسب في بعض الأحيان انّه ربما يكرهنا (ولكن أثبتت لنا الأيام فيما بعد مدى حبّه لنا)، وما معاملته لنا هكذا إلا لخوفه علينا وليجعلنا نتربى تربية صحيحة فيحصننا ويقينا من هجمات العالم الخارجي (والذي يعرفه تمام المعرفة بخبرته في الحياة وسنينه التي أفناها فيها) والذي كنا نجهله تماما إلا بما يعرفوه أهلنا به..
على المائدة.. لكل شيء آداب، في الجلوس فكل يعرف مكانه الكبير على يمين الوالد وهكذا، لا يتقدم أحدنا بمد يده الى الطعام قبل أن نرى والدنا قد إبتدأ أولاً، يسبق كل ذلك التسمية والتي يتشدّد على من لا يسمعه يقولها، الكلام شبه ممنوع إلا للضرورة..
لم تكن هناك أصناف كثيرة ولا أطباق متعددة، ومع ذلك كنا نشبع ونشعر بحضور البركة في طعامنا، الحمد لله ربّ العالمين يجب قولها عند الانتهاء، وكانت تبدر من والدي بعض الحكم والأحاديث الشريفة أثناء جلوسنا، كان يستشهد بها لما يناسب الموقف والحالة التي كنا فيها..
ولا أنسى.. انّ من صدرت منه بعض المشاكل في ذلك اليوم فهو (بالإضافة الى تعرضه للتوبيخ الشديد وفي أحيان كثيرة الى الضرب) يعاقب بعدم جلوسه الى مائدة الطعام، والمعاقب يكون بين فرح وحزن، فهو فرح لأنه قد تخلّص من الروتين اليومي ويشعر بالحرية، وحزين لأنه يشعر بأن هذه العقوبة هي إهانة له بحيث لا يستحق أن يجلس بين عائلته على مائدة واحدة، ومن الطريف انّه في اليوم الثاني عندما ترفع العقوبة عنه يأتي بكل فرح ليجلس بين اخوانه وقد يكون أول الجالسين..
أما يوم الخميس وخاصة ليلة الجمعة فكان نوع الطعام يختلف نوعا ما، فهي ليلة مميزة عند والدي، فكانت هناك طقوس خاصة بعد الانتهاء من الطعام، فبعد حمد الله على نعمه التي منّها علينا وفضلنا على كثير من الناس (الذين باتوا من غير أن تدخل لقمة الى جوفهم وما أكثرهم في أرض الله الواسعة) لابد من قراءة سورة الفاتحة على أرواح المؤمنين والمؤمنات وبالخصوص أرواح أمواتنا، فكان أبي يعدّد من يعرفه من أرحامه وأصدقائه أما نحن (فقد كنا نقرأها مرة واحدة ونخصّها للكل!!)، وبعد الانتهاء من الأكل.. يا ويل من تكاسل أو نسي غسل يديه..
هذه هي جزئية بسيطة من الحياة التي كنا نعيشها، وكنت صغيراً أنتقدها بشدة للتقيد في الوقت المحدد، لأننا كنا في بعض الأحيان نجوع قبل هذا الموعد فلا يحق لنا ان نأكل، وفي أحيان أخرى بالعكس لا نشعر بالجوع ولكننا يجب أن نأكل..
والمفارقة اللطيفة!! انّ ما كنت أنتقده صرت حريصاً على تطبيقه على عائلتي، وأنتقد كل عائلة لا تلتزم به، وأعدها عائلة غير اجتماعية..
لأنني أدركت عندما صارت لي عائلة مدى التلاحم والتماسك الذي تخلقه هذه الجلسة، فالطفل يتعلم من والديه آداب الاحترام والتأدب وطريقة الأكل المهذبة وغيرها من الأمور التي لا يتعلمها الطفل ما لم يجلس تلك الجلسة، فهي تطبيق عملي لما يقوله الوالدان وحتى ما يقوله المعلم في المدرسة..
ما ان انتهى صديقي من سرد بعض ذكرياته إلا ونحن قد تجاوزنا بيتنا.. فودعته شاكراً له تلك الذكريات الجميلة والتي تحمل الكثير من المعاني..
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد
من موائد الطعام تأدّبنا::
بينما كنا نتمشى أنا وصديقي القديم، رأينا عائلة جالسة في إحدى الحدائق العامة ويبدو عليها الانسجام من خلال التودد لبعضهم البعض وحنو الأب على أحد أبنائه وهو يمسح ما علق على شفتيه من الطعام، والأم تضع ابنتها في حجرها وتطعمها بكل حنّية وثالث يتناول الطعام بكل أدب، حينها ظهرت من صديقي إبتسامة ملفتة، فبادرني بالقول: انّ هذا الموقف يذكرني بوالدي رحمه الله..
فقلت وكيف ذلك..
فقال: كان أبي معروفاً بشدته وقساوته، فهو لا يتهاون مع أي خطأ يراه، ويعاقب عليه بشدة..
ومن الأشياء المهمة لديه ولا يتنازل عنها أبداً هو حضور العائلة كلّها على مائدة واحدة وفي وقت معروف لدى الجميع، ولا يقبل بالتخلف عنه إلا لعذر مانع.. بالرغم من اننا في بعض الأحيان قد نتأخر بسبب انتظار حضور أحد أفراد العائلة الذي تغيّب لسبب وجيه..
من خلال هذه الجلسة الغذائية العائلية كنا نرقب بحذر عيني والدي، خوفا من أن نخطئ بشئ فيكون مصيرنا المحتوم وهو العقاب لا محاله، وأدناه التوبيخ الشديد..
كانت معاملته فيها نوع من الخشونة والقساوة، وكنا نحسب في بعض الأحيان انّه ربما يكرهنا (ولكن أثبتت لنا الأيام فيما بعد مدى حبّه لنا)، وما معاملته لنا هكذا إلا لخوفه علينا وليجعلنا نتربى تربية صحيحة فيحصننا ويقينا من هجمات العالم الخارجي (والذي يعرفه تمام المعرفة بخبرته في الحياة وسنينه التي أفناها فيها) والذي كنا نجهله تماما إلا بما يعرفوه أهلنا به..
على المائدة.. لكل شيء آداب، في الجلوس فكل يعرف مكانه الكبير على يمين الوالد وهكذا، لا يتقدم أحدنا بمد يده الى الطعام قبل أن نرى والدنا قد إبتدأ أولاً، يسبق كل ذلك التسمية والتي يتشدّد على من لا يسمعه يقولها، الكلام شبه ممنوع إلا للضرورة..
لم تكن هناك أصناف كثيرة ولا أطباق متعددة، ومع ذلك كنا نشبع ونشعر بحضور البركة في طعامنا، الحمد لله ربّ العالمين يجب قولها عند الانتهاء، وكانت تبدر من والدي بعض الحكم والأحاديث الشريفة أثناء جلوسنا، كان يستشهد بها لما يناسب الموقف والحالة التي كنا فيها..
ولا أنسى.. انّ من صدرت منه بعض المشاكل في ذلك اليوم فهو (بالإضافة الى تعرضه للتوبيخ الشديد وفي أحيان كثيرة الى الضرب) يعاقب بعدم جلوسه الى مائدة الطعام، والمعاقب يكون بين فرح وحزن، فهو فرح لأنه قد تخلّص من الروتين اليومي ويشعر بالحرية، وحزين لأنه يشعر بأن هذه العقوبة هي إهانة له بحيث لا يستحق أن يجلس بين عائلته على مائدة واحدة، ومن الطريف انّه في اليوم الثاني عندما ترفع العقوبة عنه يأتي بكل فرح ليجلس بين اخوانه وقد يكون أول الجالسين..
أما يوم الخميس وخاصة ليلة الجمعة فكان نوع الطعام يختلف نوعا ما، فهي ليلة مميزة عند والدي، فكانت هناك طقوس خاصة بعد الانتهاء من الطعام، فبعد حمد الله على نعمه التي منّها علينا وفضلنا على كثير من الناس (الذين باتوا من غير أن تدخل لقمة الى جوفهم وما أكثرهم في أرض الله الواسعة) لابد من قراءة سورة الفاتحة على أرواح المؤمنين والمؤمنات وبالخصوص أرواح أمواتنا، فكان أبي يعدّد من يعرفه من أرحامه وأصدقائه أما نحن (فقد كنا نقرأها مرة واحدة ونخصّها للكل!!)، وبعد الانتهاء من الأكل.. يا ويل من تكاسل أو نسي غسل يديه..
هذه هي جزئية بسيطة من الحياة التي كنا نعيشها، وكنت صغيراً أنتقدها بشدة للتقيد في الوقت المحدد، لأننا كنا في بعض الأحيان نجوع قبل هذا الموعد فلا يحق لنا ان نأكل، وفي أحيان أخرى بالعكس لا نشعر بالجوع ولكننا يجب أن نأكل..
والمفارقة اللطيفة!! انّ ما كنت أنتقده صرت حريصاً على تطبيقه على عائلتي، وأنتقد كل عائلة لا تلتزم به، وأعدها عائلة غير اجتماعية..
لأنني أدركت عندما صارت لي عائلة مدى التلاحم والتماسك الذي تخلقه هذه الجلسة، فالطفل يتعلم من والديه آداب الاحترام والتأدب وطريقة الأكل المهذبة وغيرها من الأمور التي لا يتعلمها الطفل ما لم يجلس تلك الجلسة، فهي تطبيق عملي لما يقوله الوالدان وحتى ما يقوله المعلم في المدرسة..
ما ان انتهى صديقي من سرد بعض ذكرياته إلا ونحن قد تجاوزنا بيتنا.. فودعته شاكراً له تلك الذكريات الجميلة والتي تحمل الكثير من المعاني..
تعليق