الإِمَامُ عَلِيٌّ(عليه السلام) وفَنُّ الإِدَارَة
الإدارة: (هي القيام بتحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بشكل صحيح ثم التأكد من أنهم
يؤدون ما هو مطلوب منهم من أعمال بأفضل وأرخص الطرق). على الرغم من أن هذا
التعريف بسيط لكنه عميق المغزى إلى أبعد حد، ويكاد يكون قريباً إلى حدّ كبير من منهج الإمام
علي (عليه السلام) في الإدارة خلال مدة حكمه، قبل ألف وأربعمائة سنة.
لقد اعتمد الإمام علي(عليه السلام) على المنهج الإسلامي في تطبيق منهجه الإداري لتدعيم
دولته المترامية الأطراف، وقد وضع عدداً من الأسس كونت الجهاز الإداري الذي أولاه
الإمام أهمية كبرى في استقرار دولته، فكانت مثالاً يُحتذى به لدولة العدالة التي تصبو إليها
الأمم وتتمناها الشعوب كافة، فقد وضع الإمام(عليه السلام) الشروط والمواصفات للإداري العادل.
شروط الإداري:
حدّد الإمام(عليه السلام) شروط القائد الإداري في نقطتين أساسيتين هما: القوة والعلم، فقد
قال "الإنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه"(1) ويقصد بالقوة هنا
القوة الجسدية والفكرية والاستعداد التام لتحمل هذه المسؤولية، أمّا العلم بكتاب الله فهو المعرفة
الكاملة بالدستور الإسلامي من تشريعات وقوانين سماوية تمكّنه من إقرار العدل في مدة حكمه.
مواصفات الإداري:
لقد حدّد الإمام علي(عليه السلام) المواصفات التي يجب أن تكون في الإداري فقال "وقد
علمتم أنه لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل
فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا
الحائف(2) للدول(3) فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها
دون المقاطع(4)، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة"(5)
إنّ هذا التحديد الموضوعي لصفات الإداري التي يقرها الإسلام حدا بالإمام عند توليه الخلافة
إلى الاستغناء عن بعض الموظفين السابقين حرصاً منه على تطبيق الشريعة الإسلامية.
مهام الإداري:
ثم حدّد (عليه السلام) مهام الإداري في رسالته إلى مالك الأشتر، فقال "وأشعِرْ قلبَكَ الرحمةَ
للرعيةِ، والمحبةَ لهُم، واللطفَ بهِم، ولا تكونَنَّ عليهم سَبُعاً ضَارياً تغتنِمُ أَكلَهُم، فإنهم صنفَان:
إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخَلْق، يفرُطُ منهم الزَلَلُ، وتَعرِضُ لهم العِلَلُ، ويُؤتى
على أيديهِم في العَمْدِ والخَطأ، فأعطِهِم من عفوِك وصفحِكَ مثلَ الذي تحبُّ وتَرضى أن يعطيكَ
اللهُ من عفوِهِ وصفحِهِ، فإنك فوقَهُم، ووالي الأمرِ عليك فوقَك، واللهُ فوقَ مَن ولّاك"(6)
وكتب إلى أحد عماله: "أمّا بعد، فإنّك ممّن أَستظهرُ به على إقامة الدين، وأَقمعُ به نخوةَ
الأثيم، وأسدُّ به لَهَاةَ الثَّغرِ المَخُوف. فاستعِنْ باللَّه على ما أهمّك، واخلِط الشدّةَ بضِغْثٍ من
اللين، وأرفُقْ ما كان الرفقُ أرفقَ، واعتزمْ بالشدّةِ حين لا تُغني عنكَ إلّا الشدّة. واخفضْ
للرعيّةِ جَناحَك، وابسطْ لهم وجهَكَ، وألِنْ لهم جَانبَك. وآسِ بينهم في اللحظةِ والنظرةِ،
والإشارةِ والتحيّةِ؛ حتى لا يطمَع العظماءُ في حَيفِكَ، ولا ييأسَ الضعفاءُ من عدلِكَ.
والسلام"(7)، هذه صورة من الصور العديدة التي يوجهها الإمام علي (عليه السلام) إلى
ولاته وعمّاله على البلدان للعمل والالتزام بها بما فيها من نهج إداري إسلامي قويم.
الرقابة الإدارية:
على الرغم من أنّ الإمام(عليه السلام) اختار بعناية فائقة عمّاله إلا أنه زوّدهم بخطط مفصله
عن منهجه الإداري في الحكم وأعطاهم النصائح والإرشادات التي تمكّنهم من عملهم وكما أراد
هو بحسب الشريعة والدستور، واستحدث أسلوب الرقابة الإدارية؛ وذلك لحفظ الحقوق العامة
للدولة والمجتمع بكلّ طبقاته، ولم يكن يستثني أحداً من هذه الرقابة، لكي يتأكد من مدى تطبيقهم
لمنهاجه الاجتماعي الشامل، وكان يشدّد على ولاته من الهاشميّين، بل كان يضيّق عليهم حتى
إن بعضهم اعتزل كما فعل ابن عباس حين اعتزل حكم البصرة وعاد إلى مكة.
ولم يكن يخفى عليه ما يفعله عمّاله حتى في علاقاتهم الاجتماعية والشخصية، فقد أرسل كتاباً
إلى عثمان بن حنيف حينما كان والياً على البصرة قائلا: "أمّا بعدُ، يا بنَ حُنَيف: فقد بلغني أنّ
رجلاً من فِتيةِ أهلِ البصرةِ دَعَاك إلى مَأدُبةٍ، فأسرعتَ إليها، تُستَطابُ لك الألوانُ، وتُنقَلُ إليك
الجِفَانُ، وما ظننتُ أنّك تُجيبُ إلى طعامِ قومٍ، عائلُهُم مجفُوُّ وغنيُّهُم مدعُوُّ. فانظرْ إلى ما
تقضَمُه من هذا المَقْضَم، فما اشتَبهَ عليك علمُهُ فالفِظْهُ، وما أيقنتَ بطِيبِ وجوهِهِ فنَلْ مِنه"(8)
فكان يتابعهم في كلّ صغيرة وكبيرة، ولم يمنعه من ذلك بعد المسافة وطول الطريق أو صعوبة
الاتصالات في ذلك الوقت أو الانشغال بالحروب التي افتعلها الخارجون والمارقون والقاسطون،
فلم يهمل جانباً ويترك آخر، فمَن مثلُ علي(عليه السلام) ؟.
.............................
(1) ميزان الحكمة: ج1، ص118.
(2) الظالم.
(3) المال.
(4) الحدود التي حددها الله.
(5) ميزان الحكمة: ج1، ص119.
(6) ميزان الحكمة: ج11، ص395.
(7) موسوعة الإمام علي: ج5، ص120.
(8) موسوعة الإمام علي: ج5، ص111.
بتصرف من كتاب ملامح من الفكر الإداري عند الإمام علي(عليه السلام)
تم نشره في المجلة العدد(82)
الإدارة: (هي القيام بتحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بشكل صحيح ثم التأكد من أنهم
يؤدون ما هو مطلوب منهم من أعمال بأفضل وأرخص الطرق). على الرغم من أن هذا
التعريف بسيط لكنه عميق المغزى إلى أبعد حد، ويكاد يكون قريباً إلى حدّ كبير من منهج الإمام
علي (عليه السلام) في الإدارة خلال مدة حكمه، قبل ألف وأربعمائة سنة.
لقد اعتمد الإمام علي(عليه السلام) على المنهج الإسلامي في تطبيق منهجه الإداري لتدعيم
دولته المترامية الأطراف، وقد وضع عدداً من الأسس كونت الجهاز الإداري الذي أولاه
الإمام أهمية كبرى في استقرار دولته، فكانت مثالاً يُحتذى به لدولة العدالة التي تصبو إليها
الأمم وتتمناها الشعوب كافة، فقد وضع الإمام(عليه السلام) الشروط والمواصفات للإداري العادل.
شروط الإداري:
حدّد الإمام(عليه السلام) شروط القائد الإداري في نقطتين أساسيتين هما: القوة والعلم، فقد
قال "الإنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه"(1) ويقصد بالقوة هنا
القوة الجسدية والفكرية والاستعداد التام لتحمل هذه المسؤولية، أمّا العلم بكتاب الله فهو المعرفة
الكاملة بالدستور الإسلامي من تشريعات وقوانين سماوية تمكّنه من إقرار العدل في مدة حكمه.
مواصفات الإداري:
لقد حدّد الإمام علي(عليه السلام) المواصفات التي يجب أن تكون في الإداري فقال "وقد
علمتم أنه لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل
فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا
الحائف(2) للدول(3) فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها
دون المقاطع(4)، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة"(5)
إنّ هذا التحديد الموضوعي لصفات الإداري التي يقرها الإسلام حدا بالإمام عند توليه الخلافة
إلى الاستغناء عن بعض الموظفين السابقين حرصاً منه على تطبيق الشريعة الإسلامية.
مهام الإداري:
ثم حدّد (عليه السلام) مهام الإداري في رسالته إلى مالك الأشتر، فقال "وأشعِرْ قلبَكَ الرحمةَ
للرعيةِ، والمحبةَ لهُم، واللطفَ بهِم، ولا تكونَنَّ عليهم سَبُعاً ضَارياً تغتنِمُ أَكلَهُم، فإنهم صنفَان:
إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخَلْق، يفرُطُ منهم الزَلَلُ، وتَعرِضُ لهم العِلَلُ، ويُؤتى
على أيديهِم في العَمْدِ والخَطأ، فأعطِهِم من عفوِك وصفحِكَ مثلَ الذي تحبُّ وتَرضى أن يعطيكَ
اللهُ من عفوِهِ وصفحِهِ، فإنك فوقَهُم، ووالي الأمرِ عليك فوقَك، واللهُ فوقَ مَن ولّاك"(6)
وكتب إلى أحد عماله: "أمّا بعد، فإنّك ممّن أَستظهرُ به على إقامة الدين، وأَقمعُ به نخوةَ
الأثيم، وأسدُّ به لَهَاةَ الثَّغرِ المَخُوف. فاستعِنْ باللَّه على ما أهمّك، واخلِط الشدّةَ بضِغْثٍ من
اللين، وأرفُقْ ما كان الرفقُ أرفقَ، واعتزمْ بالشدّةِ حين لا تُغني عنكَ إلّا الشدّة. واخفضْ
للرعيّةِ جَناحَك، وابسطْ لهم وجهَكَ، وألِنْ لهم جَانبَك. وآسِ بينهم في اللحظةِ والنظرةِ،
والإشارةِ والتحيّةِ؛ حتى لا يطمَع العظماءُ في حَيفِكَ، ولا ييأسَ الضعفاءُ من عدلِكَ.
والسلام"(7)، هذه صورة من الصور العديدة التي يوجهها الإمام علي (عليه السلام) إلى
ولاته وعمّاله على البلدان للعمل والالتزام بها بما فيها من نهج إداري إسلامي قويم.
الرقابة الإدارية:
على الرغم من أنّ الإمام(عليه السلام) اختار بعناية فائقة عمّاله إلا أنه زوّدهم بخطط مفصله
عن منهجه الإداري في الحكم وأعطاهم النصائح والإرشادات التي تمكّنهم من عملهم وكما أراد
هو بحسب الشريعة والدستور، واستحدث أسلوب الرقابة الإدارية؛ وذلك لحفظ الحقوق العامة
للدولة والمجتمع بكلّ طبقاته، ولم يكن يستثني أحداً من هذه الرقابة، لكي يتأكد من مدى تطبيقهم
لمنهاجه الاجتماعي الشامل، وكان يشدّد على ولاته من الهاشميّين، بل كان يضيّق عليهم حتى
إن بعضهم اعتزل كما فعل ابن عباس حين اعتزل حكم البصرة وعاد إلى مكة.
ولم يكن يخفى عليه ما يفعله عمّاله حتى في علاقاتهم الاجتماعية والشخصية، فقد أرسل كتاباً
إلى عثمان بن حنيف حينما كان والياً على البصرة قائلا: "أمّا بعدُ، يا بنَ حُنَيف: فقد بلغني أنّ
رجلاً من فِتيةِ أهلِ البصرةِ دَعَاك إلى مَأدُبةٍ، فأسرعتَ إليها، تُستَطابُ لك الألوانُ، وتُنقَلُ إليك
الجِفَانُ، وما ظننتُ أنّك تُجيبُ إلى طعامِ قومٍ، عائلُهُم مجفُوُّ وغنيُّهُم مدعُوُّ. فانظرْ إلى ما
تقضَمُه من هذا المَقْضَم، فما اشتَبهَ عليك علمُهُ فالفِظْهُ، وما أيقنتَ بطِيبِ وجوهِهِ فنَلْ مِنه"(8)
فكان يتابعهم في كلّ صغيرة وكبيرة، ولم يمنعه من ذلك بعد المسافة وطول الطريق أو صعوبة
الاتصالات في ذلك الوقت أو الانشغال بالحروب التي افتعلها الخارجون والمارقون والقاسطون،
فلم يهمل جانباً ويترك آخر، فمَن مثلُ علي(عليه السلام) ؟.
.............................
(1) ميزان الحكمة: ج1، ص118.
(2) الظالم.
(3) المال.
(4) الحدود التي حددها الله.
(5) ميزان الحكمة: ج1، ص119.
(6) ميزان الحكمة: ج11، ص395.
(7) موسوعة الإمام علي: ج5، ص120.
(8) موسوعة الإمام علي: ج5، ص111.
بتصرف من كتاب ملامح من الفكر الإداري عند الإمام علي(عليه السلام)
تم نشره في المجلة العدد(82)
تعليق