حبّ الأم للطفل
يختلف نوع الحبّ الذي يحتاج إليه الصغير عن الآخرين، ومن خصوصياته أنه حب كبير وعظيم يحيط الطفل
من كلّ جانب حتى يغرق فيه. وقد زرع الله سبحانه وتعالى هذه الخصوصيات في قلب الأم من الساعات الأولى
للحمل، فهو حبّ غريزي لا إرادي وهو حبّ أكبر من الوصف، حب مليء بالتضحيات، فتضحي الأم بنفسها من
أجل طفلها. قد لا يبادلها صغيرها هذا الحب حينما يشتد عوده، وقد يكون سبب عذابها، إلا أنها تبقى على
عهدها.
كلّما يتكامل الطفل وينمو سيدرك مدى الحبّ بشكل أفضل وسيبدي رضاه ويبادلها الحبّ.
يرسم حبّ الأم مستقبل الطفل ومن ثمَّ تصرفاته المستقبلية في أن يكون محباً، أو كارهاً، ليناً، خشناً، قاسياً،
اجتماعياً، منطوياً على نفسه.
طرائق إظهار الحبّ:
هناك طرائق عديدة تستطيع الأم من خلالها أن تبدي حبّها لصغيرها، وأفضلها احتضان الطفل وتقبيله والمسح
على رأسه، عندها يطمئن الطفل لحياته ومستقبله ويعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ الشدة والمحاسبة الدقيقة هي من أجله،
من أجل أن يكون يوماً ما إنساناً مهماً في المجتمع، وهنا يتضح سرّ الوصية الإسلامية بتقبيل الأطفال. وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: "من قبل ولده كان له حسنة"، وعن الصدوق قال النبي صلى الله عليه وآله: "من كان عنده صبيّ فليتصاب له".
النقص في الحبّ أو فقدانه:
يؤدي النقص في حبّ الأم للطفل أو فقدانه كلياً إلى معاناة عديدة، تظهر بعضها في السنوات الأولى، وقلة الحبّ
أو انعدامه تؤثر في شخصية الطفل في كبره، ففي السنوات الأولى تنحصر المعاناة في انعدام الشهية للطعام مثلاً،
والأرق، والصرّاخ في النوم، والتبول اللاإرادي في الفراش ليلاً أو نهاراً، ومحاكاة الآخرين من دون مبرر،
والقيام بحركات شاذة لإبراز ذاته ولفت أنظار الآخرين إليه، فهو بالحقيقة يبحث عن الحبّ.
وينمو الطفل الذي حُرم من حبّ الأم ليكون عصبيَّ المزاج وناقماً وخشناً وعنيفاً في تصرفاته لا يرحم أحداً ولا
يشعر بالشفقة على الآخرين وسيّء الظن، وتسلك من ثمَّ مشاعره طريقاً خاطئاً ولا يفكر إلاّ بنفسه وينسى
الآخرين والمحيطين به.
مقدار الحبّ:
يجب أن تكون للحب حدود معينة، فإن الإفراط في حبّ الطفل يسبب أضراراً عديدة منها: أنه يضعف لديه
الشعور بالمسؤولية ويحدّ من نموّه العقلي ويدفعه إلى الاعتداء على حقوق الآخرين، فينشأ مستبداً ويشعر
بالاضطراب والقلق في كِبره، لرفض المجتمع لتصرفاته، وينبغي مراعاة الاعتدال في حبّ الطفل حتى تقوم
حياته بين الخوف والرجاء.
تم نشره في المجلة العدد (85)
تعليق