القرآن نزل بلسانٍ عربي لا بلغة عربية

[يحيى غالي ياسين]

لم يرد لفظ اللغة في القرآن الكريم وإنما جاء لفظ اللسان :

+ قال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ ) . ابراهيم ٤
+ وقال تعالى ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) . النحل ١٠٣
+ وقال تعالى ( وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا ) . الأحقاف ١٢

وآيات مباركات أُخر ..

وثبت في بعض التحقيقات أنّ لا ترادف في القرآن وأن هنالك قصدية في كل لفظ قرآني وبالشكل الذي لا يمكن فيه إستبدال لفظ مكان لفظ آخر .. وعليه فاللسان لا يعني اللغة ، ولنقل ليس بينهما معنى مطابقي بحيث يصلح أن يحلّ أحدهما محل الآخر في الآية ..

والتعبير باللسان هنا لا شك أنّه أكثر دقة وحكمة مادام قد أستعمله النص الشريف ، وسنحاول هنا ذكر بعض الإحتمالات التي نعتقد أنها من اسباب ذكر لفظ اللسان دون غيره وهي قابلة للنقاش طبعاً :

1. اللسان هو أسم العضو ( الآلة ) التي ينطق بها الإنسان ، والنطق بلغة القرآن وألفاظه يكون من تمام قرآنيته وإعجازه وما يلازم ذلك من ثواب وآثار .. فكأنما عبّر باللسان للتنويه إلى خصوصية القرآن بالقراءة والنطق وبشكل أكثر واكبر من الكتابة او الحفظ ..

٢. لخصوصية الفصاحة ، فغيرُ العربي حتى وإن تعلّم اللغة العربية إلّا أنّه لا يستطيع نطقها كما ينطقها العربي وستُلاحظ اللكنة كما يُعبّر واضحة على لسانه وكذا بالنسبة للعربي عندما ينطق غير العربية ، ولمّا كان القرآن كتاباً مقروءاً أكثر من كونه مكتوباً فإحتاج إلى نطق عربي سليم ، ولعلنا من هنا ندرك علّة ذكر الفصاحة دون البلاغة في قول الرسول ص وآله الذي مفاده : أنا أفصح من نطق بالضاد . وهذا أيضاً ينطبق على كل لغة ، فنلاحظ في هذه الآية المباركة ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي .. ) القصص ٣٤ إشارة واضحة لذلك حيث أن لغة نبي الله موسى ع ليست عربية ..

٣. لخصوصية البلاغة ، فلا ينحصر اللفظ بالصوت وإنما يتعدّى الى المعنى ، ومعنى اللفظ يتغير بتغيّره النحوي ( الإعرابي ) او الصرفي او موقعه الجُمَلي أو مناسبته التي قيلت فيه .. الخ ، وهذه التفاصيل من حيث أصل وجودها ووضعها وفلسفتها تعود الى أجواء العرب وأخلاقهم وعاداتهم وبعض طبائعهم .. فبعض الألفاظ مثلاً اقترنت بحادثة جيدة فأصبحت محبّذة بينما بعضها الآخر اقترن بموقف تعيبه العرب فأصبحت اللفظة معيبة وهكذا .. هذه التفاصيل اذن تعود الى حضارة اهل اللسان ويعرفونها هم أكثر من غيرهم ولا تأتي بتعلّم اللغة فقط ..

فالتعبير باللسان اذن في إشارة دقيقة الى ثلاث خصوصيات مجتمعة ، هما : النطق والفصاحة والبلاغة ..

والبحث فيه الكثير والكثير من الكلام لمن أراد التوسعة