اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زيد بن صوحان ومواقفه ومجاهدته مع الإمام عليّ (عليه السَّلَام)، معركة الجمل أنموذجاً.
الباحث: سَلَام مَكّيّ خُضَيّر الطَّائِيّ
الحمد لله ربّ العالمين وصلَّى الله تعالى على نبيّه مُحمَّد الصَّادق الأمين، وعلى آل بيته الغر الميامين، وبعد:
إن الحديث عن صحابة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بصورة عامَّة وعن زيد بن صوحان بصورة خاصَّة حديث طويل، ولكن نأخذ شيئاً منه لعلَّ الذي لا يعرف وفاء الصَّحابة للإمام (عليه السَّلَام) وحبهم وصدق نيَّتهم وإخلاصهم ينتهل من هذا البحث المختصر بعض الشواهد التي شهد بها التأريخ على مدى وفاء الصحابة المخلصين وشجاعتهم وبطولاتهم، وموضوع هذا البحث يتحدَّث عن شخصيَّة إسلاميَّة كان لها مواقف وأدوار قياديَّة عديدة مع الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وهذه الشَّخصيَّة هي شخصيَّة صحابيّ الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) زيد بن صوحان العبدي الكوفي (رحمه الله تعالى).
اسمه ونسبه:
اسمه: زيد بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن حدرجان بن عباس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمر بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس الربعي العبدي[1] الكوفيّ[2]. أُختلِفَ في كنيته، فيروى أنَّه كان يكنَّى بأبي سليمان[3]، ويقال أنَّه كان يكنَّى بأبي سلمان الكوفيّ، وأيضاً يقال أنَّه يكنَّى بأبي عبد الله[4].
لقبه (رضوان الله عليه):
كان من خيار النَّاس، وإنَّه كان يدعى بـ(زيد الخير)[5]، وقد لقبه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) به، إذ أنَّه قال: (زيد الخير الأجذم...)[6]، وكذلك لقب بـ(الأقطع): وهذا لقب لحق به على ما يُروى أنَّه قُطعت يده في معركة جلولاء[7]، ويقال: في يوم معركة اليرموك[8]، ويقال أيضاً: انَّها قطعت يده يوم معركة نهاوند في سبيل الله[9]، فقال بحقّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ضمن حديث ذكره ومدحه فيه مع جندب: (وأما الأقطع فرجل تقطع يده فتدخل الجنة قبل جسده ببرهة من الدهر)[10].
أي أنَّ هذين اللَّقبين اللذَين لحقا به لقبه بهما النَّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله).
إسلامه (رضوان الله عليه):
يروى أن زيد بن صوحان (رضوان الله عليه) قد أدرك النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) وأسلم في عهده وصحبه[11].
مشاهده وجهاده مع الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام):
من المشاهد التي شهدها زيد بن صوحان مع أمير المؤمنين عَلِيّ (عليه السَّلَام)، هي حرب الجمل وكان معه إخوانه سيحان وصعصعة أبناء صوحان، وكان زيد بطلاً شجاعاً ومجاهداً وفارساً وقائداً من قادة الجيش في تلك المعركة، فكانت راية عبد القيس في الكوفة يوم الجمل في يده، بعدما كانت في يد سيحان بن صوحان، فاستشهد، فحملها زيد وبعده حملها أخيه صعصعة، فجاهد وقاتل قتال الأبطال، ودافع دفاعاً شديداً عن الإسلام تحت راية الحق راية الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، بدافع الولاء والإخلاص له (عليه السَّلَام)[12].
من مواقفه البطولية وشجاعته (رضوان الله عليه) يوم معركة الجمل:
لا تخلوا حياة الصَّحابة من مواقف البطولة والشجاعة، بالإضافة إلى صفات الكرم وقوَّة العقيدة والثبات عليها، وغيرها من الأخلاق الإسلاميَّة فلا بد لهذه الصّفات من أن تكون في كلّ صحابي مؤمن ومخلص، فزَيدُ بن صوحان كان ممتلكاً لتلك الصفات الحميد والأخلاق الإسلاميَّة، فكانت حياته (رضوان الله عليه) ذات مواقف أخلاقية وبطولية يُحسد عليها، وتجسد موقفه البطولي في معركة الجمل، لمَّا قدمت عائشة البصرة كتبت إليه: إلى زيد بن صوحان من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله [صلى الله عليه وآله] إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أمَّا بعد:
(فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذّل النَّاس عن عَليّ) فقام هنا زيد بن صوحان بالرَّد عليها بقوّة إيمانه وعقيدته وشجاعته ومناصرته للإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، فكان ردُّه عليها ردَّاً حاسماً وحذّرها من خوضها لحرب الجمل وعليها أن تلزم بيتها، وإلَّا سيكون هو أوَّل من يقف بوجهها، فكتب إليها قائلاً: (أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك)[13].
و كذلك من مواقفه أيضاً في معركة الجمل أنَّه عندما قدِم الإمام الحسَن (عليه السَّلَام) وعمَّار بن ياسر (رضوان الله عليه) الكوفة، والتقيا بأبي موسى الأشعريّ وكان يثبط النَّاس عن نصرة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وهذا ما يؤكده قول الإمام الحَسَن (عليه السَّلَام) عندما قال له: (لمَ تثبط عنَّا النَّاس، فو الله ما أردنا إلَّا الإصلاح، وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء)[14].
ودار حديث طويل بين عمَّار بن ياسر وأبي موسى وأنصاره، فزيد بن صوحان (رضوان الله عليه) لما يمتلكه من إيمان صلب وصادق وعقيدة قوية وشجاعة لم يتحمَّل ما يجري فثار وطبقته، فانتصروا لعمَّار بن ياسر، وردَّ على أبي موسى الأشعري وأنصاره في تثبيطهم النّاس عن مناصرة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) ردّاً شجاعاً، فأقبل زيد بن صوحان ومعه كتاب من عائشة إليه خاصّة، وكتاب منها إلى أهل الكوفة عامَّة، تثبطهم عن نصرة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، وتأمرهم بلزوم الأرض، فخطب زيد قائلاً: (أيها الناس، انظروا إلى هذه، أمرت أن تقر في بيتها، وأمرنا نحن أن نقاتل، حتى لا تكون فتنة، فأمرتنا بما أُمرت به، وركبت ما أُمِرنا به)[15].
فقام إليه رجل واعترض على كلام زيد بن صوحان: (وما أنت وذاك أيها العماني الأحمق! سرقت أمس بجلولاء فقطعك الله)[16]، فقام زيد، ورفع يده المقطوعة وأومأ بيده إلى أبي موسى، وقال له: (يا عبد الله بن قيس، أترد الفرات عن أمواجه! دع عنك ما لست تدركه)[17].
ثم قرأ قوله تعالى من سورة العنكبوت: ﴿ألم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا﴾[18]، ثم نادى أهل الكوفة وحثَّهم على نصرة إمام زمانهم عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، فقال (رضوان الله عليه): (سيروا إلى أمير المؤمنين وصراط سيّد المرسلين، وانفروا إليه أجمعين)[19].
فهكذا كانت مواقفه (رضوان الله عليه) مواقف مشرّفة في مناصرة خليفة الله تعالى في أرضه وخليفة رسوله الكريم (صلَّى الله عليه وآله) ووصيّه على الإسلام والمسلمين سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السلام).
استشهاده (رضوان الله عليه):
أمَّا استشهاد زيد بن صوحان العبديّ الكوفيّ (رضوان الله عليه) فنال شرف الشَّهَادة تحت راية أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبيّ طالب (عليه السَّلَام) في معركة الجمل التي راح ضحيتها آلاف المسلمين، فاستشهد (زيد الخير) كما لقبه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بهذه الحرب كان من ضمن الذين استشهدوا من أصحاب الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) من عبد القيس وغيرهم من أبناء ربيعة وأبناء بقية القبائل العربيَّة الذين ناصروا إمام زمانهم (عليه السَّلَام) ضد الذين خرجوا عليه ظلماً، فعند استشهاده تأثر الإمام (عليه السَّلَام) وحزن على فراقه وتأثر تأثيراً شديداً، فكان الذي قتله يوم الجمل عمرو بن سبرة عام 36 للهجرة، فكان الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) يكثر من قوله:
يا لهْفَ نفسي على ربيعة ربيعة السَّامعة المطيعة.
وذلك لما لأبناء هذه القبيلة من الشجاعة والأصالة والبسالة والمواقف البطولية والجهادية، وما أبدته من تضحيات في نصرته (عليه السَّلَام)[20].
وكذلك لتأثر الإمام وحزنه الشديد على استشهاد الصحابي زيد بن صوحان (رضوان الله عليه)، روي عن أبي عبد الله (عليه السَّلَام) قال: (لمَّا صرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) حتَّى جلس عند رأسه فقال: (يرحمك الله يا زيد فقد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة)[21]، قال: فرفع زيد رأسه إليه ثم قال: وأنت فجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، ما علمتك إلا بالله عليما، وأن الله في صدرك لعظيم والله ما قاتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة زوجة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تقول: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)[22]، وكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله)[23].
وصيّته عند استشهاده (رضوان الله عليه):
فيروى أنَّه كانت وصيّته عند استشهاده (قد قال لهم: في ذلك اليوم شدوا على ثيابي ولا تغسلوا عنى دما ولا تنزعوا عنى ثوبا فإنا قوم مخاصمون)[24].
فرحم الله تعالى هذا البطل الشّجاع والصَّحابي المخلص الشّهيد زيد بن صوحان العبديّ الكوفيّ (رحمه الله).
ففي ختام هذا البحث المختصر نحمد الله تعالى على توفيقه لخدمة الدّين الإسلاميّ متمثلاً بخدمة سيّديّ ومولايّ نفس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وصهره وابن عمّه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وابنه الإمام الحُسَين الشَّهيد بكربلاء وجميع آل بيت النَبيّ (عليهم السَّلَام)، ولعن الله تعالى أعدائهم ما بقيت وبقي الليل والنَّهار.
الهوامش:
[1] الإصابة لابن حجر: 2/532.
[2] ينظر: سير أعلام النّبلاء للذَّهبيّ: 3/525.
[3] الإصابة لابن حجر: 2/532.
[4] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 19/ 429.
[5] ينظر: المعارف لابن قيبة: 1/402، شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربيّ: 2/34.
[6] المعارف لابن قيبة: 1/402.
[7] ينظر: الجمل للمفيد: 134.
[8] ينظر: المحلَّى ابن حزم:11/396.
[9] ينظر: الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: 1/66.
[10] المحلَّى ابن حزم:11/396.
[11] ينظر: أسد الغابة لابن الأثير: 2/234.
[12] ينظر: الغارات لإبراهيم بن محمَّد الثقفي الكوفيّ:2/891، قبيلة بنو عبد القيس لعبد الهادي الربيعي:3/48.
[13] تاريخ الطبري: 3/492.
[14] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/11-12.
[15] المصدر نفسه.
[16] المصدر نفسه.
[17] ينظر: المصدر نفسه: 14/12.
[18]من قوله تعالى: ﴿ألم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾، العنكبوت: 1-2.
[19] مواقف الشيعة لأحمد الميانجي: 2/241.
[20] مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي: 2/369.
[21] الاختصاص للمفيد: 79.
[22] المصدر نفسه.
[23] المصدر نفسه.
[24] الثقات لابن حبان: 4/249.
المصدر /موقع مؤسسة علوم نهج البلاغة
تعليق