إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مدخل لدراسة المذهب الإداري في الإسلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدخل لدراسة المذهب الإداري في الإسلام

    مدخل لإكتشاف المذهب الإداري في الإسلام

    إن الكثير من الأنظمة المتّبعة في مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية هي عبارة عن أنظمة وعلوم مستوردة من الخارج وضعها الآخرون بما ينسجم وطبيعة مجتمعاتهم أو خلفياتهم الدينية والحضرية وكذا أعرافهم وتقاليدهم .. الخ ، كالنظام الإداري والنظام المحاسبي والاقتصادي والتجاري .. الخ ، والمفروض أن تكون لنا أنظمة خاصة بنا تنسجم معنا ولا أقلّ أن يتم تعديل تلك الأنظمة والعلوم بشكل لا يتقاطع مع ديننا أو حضارتنا أو أعرافنا وتقاليدنا وأهدافنا التي نسعى اليها الخ ..

    والنظام الإداري من بين تلك الأنظمة المستعملة عندنا وهو من صنيعة غيرنا ، فهذا النظام المتّبع أو الذي تحاول الدولة تطبيقه هو نظام عسكري في الأصل وأنّ أهم اساسياته ولدت من رحم إدارة الحروب الناعمة وغير الناعمة بين الدول الكبرى ..

    فالمطّلع على النظام الإداري المعمول به الآن سيجد أن البيروقراطية العسكرية واضحة فيه ، فشخصية المسؤول المقيتة والمتجبرة هي المتسيّدة ، والإعتماد على أسلوب العقاب أكثر من الثواب في داخل المؤسسة وإطاعة الأوامر الصادرة بدون حق الإعتراض والتظلّم إلا بشكل خجول وصوري وكذلك الأهداف المرسومة التي تبتني على رضا سلسلة المرجعيات وليس العملاء والمستفيدين من تلك المؤسسة .. الخ

    ولهذا سنحاول هنا تسليط ضوء على الإدارة في الإسلام ولكن بعد بيان :

    1. أنّ الذي يوجد في الإسلام هو مذهب إداري إسلامي لا العلم التخصصي الرياضي بالمعنى الدقيق ، والمذهب أوسع من العلم ومنه يستطيع المتخصصون وضع وإنتزاع علم الإدارة الخاص بتلك المؤسسة أو تلك المدينة .. والمذهب هو عبارة عن خطوط ومبادئ وأخلاقيات عامة تعتبر دستوراً تشتق منه القوانين واللوائح الخاصة ..

    2. عندنا شحّة في التجارب الإدارية في الإسلام بل أكثرها تجارب فاشلة لأن القائمين عليها كانوا ليس أهلاً لذلك ..

    3. سنتّبع المنهجية التالية : سنستعرض علم الإدارة الموجود والمعمول به ثم نعمل على اثبات وجود أهم مبادئه وإيجابياته في الإسلام وعلى أعلى مستوى ثم نعمد الى طرح ما تقدّم به الإسلام من خطوات عليه ..

    ♤♤

    هل يوجد مصطلح إسلامي يعطي معنى ومفهوم مصطلح ( الإدارة ) .. ؟

    عندما نطّلع على التعاريف المتعددة الموضوعة للإدارة ومنها مثلاً هذا التعريف : ( هي استخدام إمكانيات متاحة للوصول إلى أهداف مقصودة وفق منهجية معينة ومحددة ) ، سنجد أن لفظ ومفهوم ( التدبير ) المستعمل في النصوص الشرعية الإسلامية هو الأقرب والأنسب لها من بين باقي الألفاظ والمصطلحات بل أن هذا اللفظ يعطي معنى الإدارة وأكثر مما يتصل بروح المعنى المطلوب ومقاصده .

    فالتدبير كما يعرّفه صاحب التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ( هو تصيير الشيء ذا دبر وجعله ذا عاقبة بأن يكون الشيء على عاقبة حسنة ونتيجة مطلوبة ) .

    ويكفي في شرف هذا المصطلح انتسابه إلى الله تعالى :

    * إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ ..

    * يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ

    والفرق واضح طبعاً : فإن تعريف الإدارة الذي وضعوه لا ينطبق على معناها اللغوي لأن الإدارة في اللغة تعني ( جعل أمر في دور وذا دائرة وهو كناية على الاستحكام وجعله في جريان متصل ) فهو ناظر إلى جهة واحدة من معاني الإدارة ولا يستوعب كل مهامها ، وعليه فإن هذا المعنى لا يساوي التعريف الذي وضعوه له بينما نجد انطباقه تماماً على لفظ ( التدبير ) الذي فيه يتساوى المعنى اللغوي والإصطلاحي تماما .. فتأمل

    تنويه : لقد جاءت إحدى مشتقات لفظة الإدارة في القرآن الكريم في آية ( إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ ) .. وتعني : تجعلون التجارة جارية بالدوران بينكم ، وعليه لا تعني المعنى المقصود من الإدارة ..

    ونحن هنا لا ندعوا إلى تغيير المصطلح بل نريد أن نكتشف اللفظ والمصطلح المقابل له في النصوص الإسلامية والمناسب له كي نستطيع متابعة اكتشاف ودراسة باقي التفاصيل المتعلقة بالموضوع المبحوث من وجهة نظر اسلامية ..

    ♤♤

    يبتني علم الإدارة المعاصر على عدة مقوّمات ويعمل على عدة إجراءات بعضها ثابت لا يتغير وبعضها يتغير بتغير النشاط الذي تقوم عليه الإدارة كأن يكون النشاط تجارياً أم صناعياً أم مؤسسة علمية أو تربوية أو سياسية ... الخ

    ومن تلك العناصر والحلقات المهمة في الإدارة : ( التخطيط - التنظيم - التوظيف - الرقابة الداخلية - قانون الثواب والعقاب )

    ولو أخذنا كل واحدة من هذه العناصر لوجدنا أن لها أساساً تنظيرياً في الإسلام وآخر تطبيقي عملي وبشكل تتم فيه إحاطة ذلك العنصر إحاطة تامة وكاملة ..

    + فالتوظيف مثلا والذي يعني بإختصار : إختيار الشخص المناسب في المكان الإداري المناسب . نجد تأصيله تاما في القرآن الكريم ..

    - فاختيار رجل الدولة في الجانب المالي والاقتصادي مثلا يحتاج إلى شخص حفيظ عليم كما قال يوسف ع : ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ..

    - واختيار العامل والأجير تحتاج إلى قوي وأمين كما وصفت إحدى بنات شعيب ع موسى ع : ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) ..

    - وكذلك المناصب الإلهية مشمولة بقانون التوظيف حيث ينبغي أن يكون صاحبها بعيداً كل البعد عن الظلم بجميع أنواعه سواء كان ظالماً نفسه أو للآخرين : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ..

    - اختيار المستشارين ، فنلاحظ مثلاً في عهد أمير المؤمنين ع لمالك الأشتر حين ولّاه مصر : ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جباناً يضعفك عن الأمور ، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله .

    وهكذا سائر المبادئ والمقوّمات الأساسية نجدها موجودة في الإسلام ولا نستطيع تسطيرها هنا لغرض الإختصار ..

    فالخطوة الثانية في ملّخص بحثنا هذا وبعد أن حدّدنا المفهوم الإسلامي المرادف للإدارة في المنشور السابق نكون قد أشرنا إلى توفّر أساسيات الإدارة في الإسلام ولكن هذا الشيء ليس غريبا ، فنحن نعلم ونعتقد أن الإسلام فيه كل شيء نافع وصالح للبشرية بأعلى مستوياته .. ولكن المهم نريد توضيح نقاط الإفتراق أو الإرتقاء التي تكمن في الإدارة الإسلامية عنها في الإدارة المستوردة لنا من حظارات أخرى بحيث تكون لدينا شخصية إدارية مستقلّة وخارطة واضحة لها ...

    ♤♤

    إن نقطة الإفتراق الرئيسة في الإدارة الإسلامية والتي تميّزها عن باقي المذاهب والفلسفات الإدارية الاخرى وتعطيها شخصيتها المستقلّة ومن ثم تنعكس على باقي أسسها وتفريعاتها وبالتالي تطبيقاتها هي فلسفة (( التخويل )) ..!

    والتخويل يعني أن لا إدارة مستقلة لأي أحد ، لا على نفسه ولا على عائلته ولا على مجتمعه ولا على مقدّرات الطبيعة .. الخ ، فالإدارة المطلقة والتدبير المطلق هو لله جل وعلا وبالتالي تكون تلك الإدارة المقتطعة هي تخويل من المدير والمدبّر الحقيقي والمطلق أولاً وأنها جزء من إدارة كبيرة وحلقة من مجموعة تدابير يقوم بها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون ..!!

    وهذا المفهوم واضح وجلي ومتأصل في القرآن الكريم والشريعة الإسلامية ، وجاء تارة على نحو ذكر التخويل بصراحة وتارة على لفظ الإستخلاف وتارة يفهم من مجموعة مفاهيم الإسلام وأحكام الشريعة أنّ الإنسان هو خليفة الله في الأرض وقد خولّهُ على بعض الأمور :

    - قال تعالى ( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظهوركم ) .

    - قال تعالى ( فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) ..

    - قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ..

    والكثير من الآيات الكريمة نتركها اختصارا ..

    وتأسيسا على ذلك ينتج لنا أمران مهمان في المذهب الإداري في الإسلام :

    الأمر الأول : الإنسان لا يستطيع أن يقوم بمسؤولية إدارة كل شيء ..!! فبعض الأمور محصورة بالله تعالى وبعضها محصورة بعدد قليل من البشر وهكذا وحسب مأذونية التخويل والإستخلاف العامة .

    الأمر الثاني : أنّ المخوّل والخليفة مقيّد بشروط وأحكام من قام بتخويله وإستخلافه وعليه أن لا يجتهد من نفسه في إدارة ذلك المفصل الإداري إلا أن يسمح له المدير والمدبر المطلق لذلك الإجتهاد وتلك الفسحة من إدارة الأمور .. والوكيل لا يخرج عن حدود الأصيل ولا يعمل ضدّه ولا يتعدّى حدوده ولا يستبيح حرماته .. الخ

    هذه هي النقطة الجوهرية في المذهب الإداري الإسلامي وعليها تبتني أسسه وأصوله وفروعه ..

    كان هذا مدخلاً لدراسة موسّعة نأمل أن يقوم بها أهل التخصص وأهل الخبرة لكي يضعوا لنا بديلاً إسلامياً مناسباً في الإدارة .. والحمد لله رب العالمين

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X