كان حديث الرسول ص واله وروايات المعصومين ع عصب الشريعة بعد القرآن الكريم وميزان الفضل والعلم ، فتناولها المؤمنون روايةً ودرايةً وحفظاً وكتابةً ونسخاً ..
غير أنَّ ذلك الاهتمام شهد تراجعاً كبيراً في العقود المتأخرة ، واصبحنا جميعاً نشعر بهذا الخلل الواضح والتقصير الفادح من غير ان نخطو خطوات جادة في تصحيح هذا الانحراف وتعويض هذه الخسارة ..
لم تكن كتب التفسير والعقائد والفقه والاخلاق .. وغيرها معادلاً موضوعياً عن كتب الاحاديث والروايات الشريفة ، فبركة الرواية على العقل وأثرها في النفس وتأثيرها على العمل يختلف تماماً عن هذه الاقلام رغم فضلها وشرفها ، ( فكلامهم نور ) عليهم السلام كما ورد ..
واكيداً انا لا ادعو الى ترك هذه الكتب التي يحقّ لنا الافتخار بها كونها تمثل العلامة الابرز لحضارتنا الفكرية والعلمية والايمانية المعاصرة وانما علينا ان لا نخسر تلك البركة وذلك المعين الصافي الذي لا ينضب .. ولأجل ذلك نقدم بعض المقترحات لمعالجة ولو جزء من المشكلة :
1. ان نبدأ من الرسالة العملية للفقهاء من خلال تضمين مسائلها ببعض الروايات التي استندت عليها وان يكون ذلك في المتن وليس في الهامش الذي لا يهتم به القارىء في الغالب ..
2. وكذا الأمر بالنسبة لباقي المؤلفات العقائدية والاخلاقية وسائر الكتب الاسلامية ، ورغم انّ هذا النوع من حيث ذكر الروايات افضل من الرسائل العملية التي تكون معدومة منها في العادة الاّ انّه تحتاج ايضاً الى تركيز وزيادة في ذلك ..
3. فتح مراكز ومعاهد متخصصة بالحديث الشريف من شأنها تخريج رواة ثقاة في النقل يكملون سلسلة نقل الحديث ويتممون سنده ومن خلال اجازات معتمدة في نقل الرواية ..
4. نحتاج الى مدارس ودروس ، مناهج ومواد خاصة بدراية الرواية ودلالتها وسائر احكام وضوابط التعاطي معها ، ولا نقصد بذلك حوزات تخرّج لنا مجتهدين وانّما في سبيل الحصول على ثقافة واعية ومعمقة بالحديث الشريف .
5. تداول الروايات على الالسن وفي قنوات المعرفة المختلفة الالكترونية وغير الالكترونية وجعلها مادة للاستشهاد كما هو حاصل مع أبيات الشعر والحِكم وضرب الأمثال وغيرها يساعد على إعادة الرواية الى موقعها الطبيعي ورفع الحيف عنها ..
وهنالك مقترحات كثيرة طبعاً ولكن هدفنا من المنشور الإشارة والتذكير لنفسي اولاً ..
وقد نتخوّف كثيراً من ذكر الرواية خوفاً من الخطأ بالفاظها وبالتالي نتورط في الكذب على المعصوم الا ان المعصوم نفسه حلّ لنا المشكلة ، في الكافي : محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص؟ قال: إن كنت تريد معانيه فلا بأس ..
او نتخوّف من الخطأ في اسم المعصوم صاحب الرواية ، وكذلك الامر هيّن ، في الكافي : عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث أسمعه منك، أرويه عن أبيك، أو أسمعه من أبيك أرويه عنك؟ قال: سواء إلا أنك ترويه عن أبي أحب إلي. وقال أبو عبد الله عليه السلام لجميل: ما سمعت مني فاروه عن أبي ..
فلا عذر لنا في كثير من الامور التي نختلقها والتي كانت من اسوء نتائجها تراجع الحديث الشريف وانحساره عن ثقافتنا الاسلامية .. هي شكوى نرفعها نيابةً عن الحديث الشريف وما التوفيق الا منه تعالى ..
بقلم المهندس : يحيى غالي ياسين