الإمامُ موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام )يَطلبُ الخَلاصَ سَبيلا
______________________________________
لاشكَّ أنَّ الإمامَ المعصومَ يشتاقُ يقيناً إلى الجنة التي وعدها اللهُ تعالى للمتقين.
وهذا الاشتياق هو ارتكاز ذاتي وبنيوي في كيانية المُتقين الحقيقيين .
ينمو ويزداد بفعل زيادة الإيمان وعمل الصالحات.
لذا جعل الإمامُ علي بن أبي طالب (عليه السلام )
الاشتياقَ إلى الجنة مَعلَماً من معالم المتقين
حينما قال :
( فلولا الآجالُ التي كَتَبَ اللهُ عليهم لما استقرتْ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين
شوقاً إلى لقاء الله تعالى والثواب وخوفاً من أليم العقاب
عَظِمَ الخالقُ في أنفسهم وصَغِرَ ما دونه في أعينهم
فهم والجنة كمن رآها , فهم على أرائكها متكئون
وهم والنار كمن رآها فهم فيها مُعذَّبون )
: نهج البلاغة: ج2:ص161.
من هنا يكون طلبُ الإمامُ الكاظم من الله تعالى التفرغ للعبادة وقد فعلَ الله ذلك له.
من أجل الاشتياق إلى الله تعالى قلبا و وجودا باعتبار أنَّ مواطن الخلوة بالله تعالى وبإخلاص تشدُّ العبد الصالح إلى ربه شدَّا .
هذا ما عرفه التأريخ عن إمامنا الكاظم (عليه السلام ) وفي أحلك المحن والبلاء .
فروي :
( أنَّ بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه
أنَّه يسمعه :أي يسمع الإمام الكاظم كثيرا ما يقول في دعائه وهو محبوس عنده
أللَّهمَ إنَّك تعلم أنِّي كنتُ أسألكَ أن تفرغني لعبادتك
أللَّهمَ وقد فعلتْ فلك الحمد )
: الإرشاد : المفيد :ج2:ص240.
ويقيناً أنَّ الإمام الكاظم قد عَلَقتْ روحه الطاهرة وقلبه السليم بربه تعالى.
وهو في السجن , بحالٍ لا يكاد يستقر عليه أبدا لولا الأجل المكتوب
وعندما يزدادٌ الشوقٌ من إنسانٍ معصوم , مثل موسى بن جعفر (عليه السلام )
شوقاً يحكي الإرادة المُوقنة بالدخول إلى الجنة الموعودة
ويقرعُ أُذنه الشريفة
قول الله تعالى:
في سورة الفجر
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
وَادْخُلِي جَنَّتِي
حينها تنتفي الحاجة إلى البقاء في السجن
وتبحثُ النفسُ المُطمئنةُ عن سبل الخلاص منه
وهذا أيضا يتأتى من خلال الدعاء
وفعلا قد طلب الإمام الكاظم (عليه السلام)
في نهاية المطاف من الله تعالى الخلاص من السجن
شوقاً إلى الله تعالى ورضوانه سبحانه .
والتأريخ أيضاً قد أرخ هذا الدعاء في مدونته الوجودية
فذكر:
( أنَّه لما حبس هارونُ العباسي الإمامَ موسى بن جعفر جَنَّ عليه الليل فخاف ناحية هارون أن يقتله , فجدد موسى ( عليه السلام ) طهوره , واستقبل بوجهه القبلة
وصلى لله عز وجل أربع ركعات , ثم دعا بهذه الدعوات
فقال (عليه السلام )
يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يديه
يا مُخلِّص الشجر من بين رمل وطين وماء
و يا مُخلِّص اللبن من بين فرث ودم
و يا مخلِّص الولد من بين مشيمة ورحم
و يا مخلِّص النار من بين الحديد والحجر
و يا مخلِّص الروح من بين الأحشاء والأمعاء
خلصني من يدي هارون )
: الأمالي : الصدوق :ص 460.
وبهذه الكلمات الكبيرة المعنى والعميقة الحكمة التي انطلقتْ من قلب وعقل المعصوم
ختمَ الإمام الكاظم حياته الشريفة مُتحرراً من استبداد الظالمين
وراجعاً إلى ربّ العالمين .
فسلامٌ على العبد الصالح موسى بن جعفر في العالمين
إنَّه من عباد الله المُخلصين .
_________________________________
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
تعليق