بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تحدث القرآن الكريم عن العقل بطريقة تكشف عن دوره الكبير، ومكانته الواسعة في التصور الإسلامي، ولعل القرآن الكريم من أكثر الكتب السماوية، الذي تحدث عن العقل بهذه الكيفية اللافتة للنظر.
وفي هذا النطاق، يمكن الحديث عن نظريتين متعارضتين، واحدة من داخل التصور الإسلامي، والثانية من خارجه، وهاتان النظريتان هما:
النظرية الأولى: يرى الدكتور محمد إقبال، أن حديث القرآن الكريم عن العقل بهذه المناشدة، له علاقة بفكرة انتهاء النبوة، ومولد ما يصطلح عليه بالعقل الاستدلالي، الذي يفترض أن يلعب دوراً كبيراً في مرحلة ما بعد ختم النبوة. وحسب قوله في كتابه ـ تجديد التفكير الديني في الإسلام ـ (أن إبطال الإسلام للرهبنة، ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام، وإصراره على النظر في الكون، والوقوف على أخبار الأولين بوصفها من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة).
وهذا لا يعني في نظر إقبال، انتهاء مرحلة الوحي، وبداية مرحلة العقل، كما تصور البعض، ولا يعني كذلك إحلال العقل محل الشعور، فلا ينبغي عند إقبال، أن يفهم من فكرة انتهاء النبوة الافتراض بأن مصير الحياة في النهاية هو إحلال العقل محل الشعور إحلالاً كاملاً، فمثل هذا ليس ممكناً في نظره ولا مرغوباً.
النظرية الثانية: يرى المستشرق الفرنسي شارل بلا، رئيس قسم المعهد الإسلامي في جامعة السوربون، في كتابه: (رسالة في الحلم)، إلى أن العقل لم يرد بصيغة اسمية في القرآن، وهذا يدل في نظره، على عدم استخدام القرآن للفظ العقل بمفهومه الحديث، وأن المقصود من استخدام الصيغة الفعلية، هي للدلالة على مفهوم آخر غير مفهوم العقل.
ويتصل بهذه النظرية ويدور في فلكها، ما أشار إليه محمد أركون حين توقف أمام عبارة القرآن الكريم (أفلا تعقلون)، في كتابه ـ الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ـ معتبراً (أن المعنى التزامني لهذه العبارة في القران، لا يعني مفهوم العقل كما نعرفه، وإنما يعني التعرف على الشيء، أو التحقق من حقيقة موجودة سابقاً، لأنها بكل بساطة كانت موجودة منذ الأزل، فالمسلم يتعرف عليها ثم يتمثلها داخل رؤيا دينية عامة، وممارسة سلوكية مناسبة).
ولمواجهة هذه الإشكالية ونقضها، جاء كتاب الشيخ محمد علي الجوزو الذي حمل عنوان: (مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة)، حيث اعتبر أن العقل إذا كان قد ورد في القرآن الكريم بالصيغة الفعلية، فإنه جاء بصيغة اسمية في المترادفات التي استخدمها القرآن، وهي تعني العقل، وما هو أدق تعبيراً من العقل، كاللب والحجر والنهى، وأن القضايا العقلية لا تتعلق بالصيغة الاسمية، قدر تعلقها بعمل العقل ودوره الفعلي.
والحقيقة أن القرآن الكريم إنما تحدث عن أفعال العقل، للتأكيد على ضرورة إعمال العقل، ولكي يلفت النظر إلى أن قيمة العقل هي في إعماله، وبهذا الإعمال يتجلى العقل عند الإنسان، فالله سبحانه وتعالى أودع العقل عند الإنسان ليكون فعلاً متجلياً ومتحققاً، وهذه الحقيقة هي من أبرز ملامح ومكونات فكرة العقلانية في التصور الإسلامي.
وليس صائباً ما ذهب إليه أركون، الذي لا يريد أن يعترف بوجود نزعة عقلانية في القرآن الكريم، فالآيات التي تحدثت عن أفعال العقل، بالتأكيد كانت ناظرة إلى العقل، وليس إلى أي شيء آخر، وجاءت في سياق تحريض العقل ليكون عقلاً استكشافياً واستدلالياً وبرهانياً.
وأما الفكرة التي أشار إليها إقبال، فهي في غاية الأهمية، وتكشف كيف أن القرآن جاء ليؤكد على دور العقل، وعلى مكانته ومنزلته في الحياة الإسلامية، خصوصاً في مرحلة ما بعد ختم النبوة.
والتأكيد على دور العقل بهذه المكانة والمنزلة العظيمة، له علاقة بالتواصل والتفاعل مع تجددات الحياة، وتعاقب الزمن، وتطورات المعرفة، والسير نحو المدنية.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تحدث القرآن الكريم عن العقل بطريقة تكشف عن دوره الكبير، ومكانته الواسعة في التصور الإسلامي، ولعل القرآن الكريم من أكثر الكتب السماوية، الذي تحدث عن العقل بهذه الكيفية اللافتة للنظر.
وفي هذا النطاق، يمكن الحديث عن نظريتين متعارضتين، واحدة من داخل التصور الإسلامي، والثانية من خارجه، وهاتان النظريتان هما:
النظرية الأولى: يرى الدكتور محمد إقبال، أن حديث القرآن الكريم عن العقل بهذه المناشدة، له علاقة بفكرة انتهاء النبوة، ومولد ما يصطلح عليه بالعقل الاستدلالي، الذي يفترض أن يلعب دوراً كبيراً في مرحلة ما بعد ختم النبوة. وحسب قوله في كتابه ـ تجديد التفكير الديني في الإسلام ـ (أن إبطال الإسلام للرهبنة، ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام، وإصراره على النظر في الكون، والوقوف على أخبار الأولين بوصفها من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة).
وهذا لا يعني في نظر إقبال، انتهاء مرحلة الوحي، وبداية مرحلة العقل، كما تصور البعض، ولا يعني كذلك إحلال العقل محل الشعور، فلا ينبغي عند إقبال، أن يفهم من فكرة انتهاء النبوة الافتراض بأن مصير الحياة في النهاية هو إحلال العقل محل الشعور إحلالاً كاملاً، فمثل هذا ليس ممكناً في نظره ولا مرغوباً.
النظرية الثانية: يرى المستشرق الفرنسي شارل بلا، رئيس قسم المعهد الإسلامي في جامعة السوربون، في كتابه: (رسالة في الحلم)، إلى أن العقل لم يرد بصيغة اسمية في القرآن، وهذا يدل في نظره، على عدم استخدام القرآن للفظ العقل بمفهومه الحديث، وأن المقصود من استخدام الصيغة الفعلية، هي للدلالة على مفهوم آخر غير مفهوم العقل.
ويتصل بهذه النظرية ويدور في فلكها، ما أشار إليه محمد أركون حين توقف أمام عبارة القرآن الكريم (أفلا تعقلون)، في كتابه ـ الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ـ معتبراً (أن المعنى التزامني لهذه العبارة في القران، لا يعني مفهوم العقل كما نعرفه، وإنما يعني التعرف على الشيء، أو التحقق من حقيقة موجودة سابقاً، لأنها بكل بساطة كانت موجودة منذ الأزل، فالمسلم يتعرف عليها ثم يتمثلها داخل رؤيا دينية عامة، وممارسة سلوكية مناسبة).
ولمواجهة هذه الإشكالية ونقضها، جاء كتاب الشيخ محمد علي الجوزو الذي حمل عنوان: (مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة)، حيث اعتبر أن العقل إذا كان قد ورد في القرآن الكريم بالصيغة الفعلية، فإنه جاء بصيغة اسمية في المترادفات التي استخدمها القرآن، وهي تعني العقل، وما هو أدق تعبيراً من العقل، كاللب والحجر والنهى، وأن القضايا العقلية لا تتعلق بالصيغة الاسمية، قدر تعلقها بعمل العقل ودوره الفعلي.
والحقيقة أن القرآن الكريم إنما تحدث عن أفعال العقل، للتأكيد على ضرورة إعمال العقل، ولكي يلفت النظر إلى أن قيمة العقل هي في إعماله، وبهذا الإعمال يتجلى العقل عند الإنسان، فالله سبحانه وتعالى أودع العقل عند الإنسان ليكون فعلاً متجلياً ومتحققاً، وهذه الحقيقة هي من أبرز ملامح ومكونات فكرة العقلانية في التصور الإسلامي.
وليس صائباً ما ذهب إليه أركون، الذي لا يريد أن يعترف بوجود نزعة عقلانية في القرآن الكريم، فالآيات التي تحدثت عن أفعال العقل، بالتأكيد كانت ناظرة إلى العقل، وليس إلى أي شيء آخر، وجاءت في سياق تحريض العقل ليكون عقلاً استكشافياً واستدلالياً وبرهانياً.
وأما الفكرة التي أشار إليها إقبال، فهي في غاية الأهمية، وتكشف كيف أن القرآن جاء ليؤكد على دور العقل، وعلى مكانته ومنزلته في الحياة الإسلامية، خصوصاً في مرحلة ما بعد ختم النبوة.
والتأكيد على دور العقل بهذه المكانة والمنزلة العظيمة، له علاقة بالتواصل والتفاعل مع تجددات الحياة، وتعاقب الزمن، وتطورات المعرفة، والسير نحو المدنية.