الروايات مختلفة في ممن صدر طلب محو عبارة
(رسول الله)! فبعض الروايات تذكر ان الذي أمر بالمحو واعترض عليه الإمام علي (عليه السلام) هو سهيل بن عمرو، وبعض الروايات تذكر ان الذي أمر بالمحو هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعض الروايات لم تحدد من هو الآمر بل استخدمت الضمير ويحتمل رجوعه على كلا الطرفين. ولا يمكن القطع والجزم بأن الامر كان صادراً من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع وجود هذه الروايات المتعارضة, ولو سلمنا بصدوره فلابد من فهمه على انه ليس أمراً الزامياً، ولو كان الزامياً لما قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من علي (عليه السلام) اعتذاره بعدم قدرته على حذفه، ولأنبّه على مخالفته، لكن نرى على خلاف ذلك يقدم هو بنفسه على محو اسمه ويشبهه بنفسه في موقف مماثل يمر به.
وهذا الذي صدر من علي (عليه السلام) هو قمة الاحترام والإكرام والاعتقاد بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان عدم الفعل هو الأرجح من الفعل وإن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير الزامي كان فيه اظهار لمزية من مزايا الإمام (عليه السلام)، فمن البعيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير عالم بعدم قدرة علي (عليه السلام) على محو اسمه ولكن قال ذلك لاظهار تلك المزية . والحصيلة ان ما فعله علي (عليه السلام) يستحق المدح لا الذم. ولم يكن مخالفة لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعاً.
وهذا بخلاف مخالفات عمر للكتاب والسنّة! فانها تكشف عن تحد جرئ وتصريح واضح بالمخالفة، ومن ثم يتلوها ندم عريض _ كما في بعض الوقائع _ الأمر الذي يكشف عن فظاعة الأفعال وشناعتها. وقد جمع السيد شرف الدين في كتابه (النص والاجتهاد) جملة من هذه الوقائع في مخالفات عمر للكتاب والسنّة مع بقية الصحابة الذين صدرت منهم هذه الحالات, فشتان بين الموقفين, أي بين موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلح الحديبية وموقف عمر في مخالفاته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها في صلح الحديبية ذاتها حين واجه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بتشكيكه بنبوته وعدم رضاه بفعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلح! فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا عمر اني رضيت وتأبى). وقال الحلبي في سيرته وغيره أن عمر كان يقول بعد ذلك: ((ما زلت أصوم وأتصدق وأصلى مخافة كلامي الذي تكلمت به))!!