بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول العلامة الشيخ محمد مرعي الانطاكي
الأسباب التي دعتنا إلى الأخذ بمذهب أهل البيت
هي أمور كثيرة، نذكر منها:
أولا ": رأيت أن العمل بمذهب الشيعة مجز، وتبرأ به الذمة بلا ريب، وقد أفتى به كثير من علماء السنة من السابقين واللاحقين، وأخيرا " منهم الشيخ الأكبر زميلنا الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر بفتواه الشهيرة المنتشرة في العالم الإسلامي)1.
ثانيا ": ثبت عندي بالأدلة القوية، والبراهين القاطعة، والحجج الدامغة الرصينة الواضحة التي هي كالشمس الساطعة في ضاحية النهار، ليست دونها سحاب، أحقية مذهب أهل البيت عليهم سلام الله، وأنه هو المذهب الحق الذي أخذه الشيعة عن أئمة أهل البيت عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل، عن الرب الجليل، وليس فيه دخيل، ولن يرضون عنه بديلا " حتى يلقوا الرب الجليل.
وأخذه الثقاة عن الثقاة من يوم البعثة إلى يوم البعث لا يختلف آخرهم عن أولهم.
ثالثا ": إن الوحي نزل في بيتهم، وأهل البيت أدرى وأعرف بما في البيت من غيرهم.
فجدير بالعاقل المتدبر أن لا يترك ما صح لديه من الأدلة منهم ويأخذ من الأجانب الدخلاء.
رابعا ": كثير من الآيات الواردة في الذكر الحكيم والقرآن المجيد، دالة على مدعانا، وسنبين جملة منها عن قريب إن شاء الله.
خامسا: كثير من الأحاديث المأثورة، والأخبار عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله دالة على ذلك، وقد ذكرها الفريقان - السنة والشيعة - في كتبهم، وسنتعرض إلى ذكر جملة منها أيضا " قريبا " إن شاء الله، إلى غير ذلك مما لا يسعنا في هذا المختصر الإحاطة بها، وقد أتينا على كثير منها في كتابنا (الشيعة وحجتهم في التشيع) فراجع هناك تجد ما فيه الكفاية، وراجع أيضا " (المراجعات) خصوصا " المراجعة الرابعة، ترى فيه ما يقنعك إن كنت منصفا " وإلا فعذرك جهلك.
مناظرات بيني وبين بعض علماء الشيعة
أيضا " من جملة الأسباب التي دعتنا إلى التشيع، هي وقوع كثير من المناظرات التي جرت بيني وبين بعض علماء الشيعة، وفي حال المناظرة كنت أجد نفسي محجوجا " معهم، غير أني أتجلد وأدافع دفاع المغلوب، مع ما أنا عليه بحمد الله تعالى من الاطلاع الواسع والعلم الغزير في المذهب السني الشافعي وغيره، إذ أنني تلمذت حوالي ربع قرن على فطاحل العلماء والجهابذة على مشيخة الأزهر حتى حصلت لي شهادات راقية، كما مر عليك قريبا 2".
وقد طالت المناظرات بيننا زمنا " طويلا "، لا يقل عن ثلاث سنين تقريبا "، وقد وقع في نفسي شئ من الريب في المذاهب الأربعة، لكثرة الخلاف فيها، وسيأتيك قريبا " جملة منها.
الظفر بكتاب المراجعات
وأخيرا " عثرنا على كتاب جليل لإمام عظيم، وهو كتاب (المراجعات) للمقدس فقيد الأمة الإسلامية آية الله العظمى المجاهد في سبيل الله بقلمه ولسانه طيلة حياته، الإمام الأكبر، والمجتهد الأعظم، سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي3 قدس الله روحه الطاهرة وأسكنه فسيح جنته مع أجداده الطاهرين، فأخذت الكتاب وبدأت أتصفحه، وأتدبر مقالاته بدقة وإمعان، فأدهشتني بلاغته، وسبك جمله، وعذوبة ألفاظه، وحسن معانيه التي قل أن يأتي كاتب بمثلها، فقمت أفكر في هذا الأثر القيم، والسفر العظيم، وما فيه من الحكميات والمحاكمات بين مؤلفه المفدى، وبين الشيخ الأكبر الشيخ (سليم البشري) شيخ الجامع الأزهر، وذلك بأدلته القاطعة، وحججه البالغة، مما يفحم الخصم، ويقطع عليه حجته.
وقد رأيت مؤلفه العظيم لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة، بل يكون اعتماد على كتب السنة والجماعة، ليكون أبلغ في الرد على الخصم، فبذلك زدت إعجابا " على إعجاب مما جرى به قلمه الشريف.
هذا ولم يمض علي الليل إلا وأنا مقتنع تماما "، بأن الحق والصواب مع الشيعة، وأنهم على المذهب الحق الثابت، عن رسول صلى الله عليه وآله، عن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، ولم يبق لي أدنى شبهة البتة، واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال فيهم من المطاعن والأقاويل المفتعلة الباطلة.
عرض المراجعات على فضيلة الأخ
ثم في صبيحة تلك الليلة، عرضت الكتاب الشريف 4 على أخي وشقيقي، فضيلة العلامة الفذ الحافظ الشيخ (أحمد أمين الأنطاكي) حفظه الله، فقال لي: ما هذا ؟ قلت: كتاب شيعي، لمؤلف شيعي.
فقال: أبعده عني، أبعده عني، أبعده عني، ثلاثا " - فإنه من كتب الضلال وليس لي به حاجة، وإني أكره الشيعة وما هم عليه ! !
فقلت: خذه وأقرأه، ولا تعمل به، وماذا يضرك إن قرأته ؟
فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقة وإمعان، وحصل له ما حصل لي من الاعتراف بأحقية المذهب الشيعي، وقال:
إن الشيعة على الحق والصواب، وغيرهم خاطئون، ثم تركت أنا وأخي المذهب الشافعي، واعتنقنا المذهب الشيعي الجعفري الإمامي، وذلك لقيام الأدلة الكثيرة الواضحة، والبراهين الرصينة الناصعة، فاستراح ضميري بهذا التمسك بالمذهب الجعفري، وهو مذهب آل بيت النبوة عليهم صلوات الله وسلامه أبدا " ما دام الليل والنهار، لعلمي أني قد حصلت على أقصى غاية ما أريد بأخذ مذهب العترة الطاهرة، وبذلك أعتقد يقينا " لا يشوبه شك أني قد نجوت من عذاب الله تعالى.
وأحمد الله تعالى ثانيا " على نجاة عائلتي كلها، وكثير من أقربائي وأصدقائي وغيرهم، وهذا فضل ونعمة من الله لا يقدر قدرها إلا هو، وهي ولاية آل الرسول، فإنه لا نجاة إلا بولايتهم.
والحديث متفق عليه سنة وشيعة، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق وهلك) 5.
وأسأل المولى جل وعلا أن يوفقنا لمرضاته بولايتهم وبحبهم إنه أكرم مسؤول، وولي الإجابة6.
المصادر
1. وإليك أخي القارئ نص فتواه - كما ذكرها الشيخ المظفر في عقائد الإمامية - في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية:
أولا ": إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين، بل نقول:
إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقالا " صحيحا "، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة.
ولمن قلد مذهبا " من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أي مذهب كان - ولا حرج عليه في شئ من ذلك.
ثانيا ": إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا " كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أم مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا " للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررون في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
شيخ الجامع الأزهر
محمود شلتوت
2. في كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت، للعلامة الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي رحمه الله
3. قال المؤلف: الإمام شرف الدين هو فخر الطائفة، وهادي الأمة ونائب الأئمة، وعميد الفرقة الناجية في عصره، وبطلها المجاهد، وإمامها الكبير، الذي كرس حياته الكريمة لخدمة الدين الإسلامي والمذهب الجعفري، وهو صاحب المؤلفات القيمة، والمصنفات الممتعة الرشيقة التي خدم بها مذهب أجداده الطاهرين، وقد يربو عددها على أكثر من مائة مؤلف، إلا أن معظمها حرقها الاستعمار الفرنسي، وفي الباقي الكفاية، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا ".
راجع كتب التراجم تجد عبقرية هذا الإمام العظيم، وعظمته ونبوغه، ومواقفه المشكورة، وخدماته الباسلة في سبيل الدين والمبدأ والعقيدة بكثرة مدهشة، والشمس معروفة بالعين والأثر.
4. قال المؤلف: إني لأقدم نصيحة خالصة لوجه الله لا يشوبها رياء، لكل واحد من إخواننا السنة، أن يرجع إلى كتاب (المراجعات) وغيره من كتب الشيعة الإمامية، وأن يطالعها بدقة وإمعان، ونظر وإنصاف، من أولها إلى آخرها، فإنه سيجد ما فيه المقنع إن شاء الله، ولا يبقى له أي عذر أو مجال ليتهم شيعة العترة الطاهرة بما هم بريئون منه، براءة ذئب يوسف من يوسف، إن كان حرا " من الأقاويل المفتعلة التي لم ترض الله ورسوله.
5. يأتي الحديث ص 57 و 232 بتخريجاته.
6. المصدر: كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت (ع)، للعلامة الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي رحمه الله.
تعليق