اللهم صل على محمد وآل محمد
إنّ أوّل خطوة على طريق التربية والتهذيب هي "المجاهدة"،
يعني السعي إلى رفع الموانع التي تسد طريق كمال الإنسان،
وبدونها فإنّ أي نوع من التربية سوف يكون بلا نتيجة،
ومن خصائص التربية الدينية أنّها قبل أن تبدأ بالتربية الخارجية للإنسان فإنّها تبدي له نفسه أوّلاً وتذكره بنقاط قوته وضعفه ليتحمس في سعيه إلى الرشد والتزكية وإزالة الموانع من الطريق.
ولذلك فإن المجاهدة على شكلين: داخلية وخارجية
(جهاد النفس
وجهاد العدو الخارجي) ولهذين دور تربوي وبنّاء للإنسان.
جهاد النفس والنفس الأمارة
إنّ معرفة النفس هي أوّل ضرورة في موضوع المجاهدة. ولذلك فإنّ إحدى مراتب النفس المتدنية هي النفس الأمارة وهي تعطي أمراً بارتكاب السوء من الداخل
(إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (يوسف/ 53)، واعتبرها الرسول الأكرم (ص) أقوى الأعداء، وقد جرى توبيخها كثيراً في الآيات والروايات والتوصيات الأخلاقية والعرفانية وفي أدبياتنا، واعتبر اتَّباع هوى النفس مصدراً لكلّ الموبقات والضياع.
وروي عن الإمام عليّ (ع): "نفسك أقرب أعدائك إليك".
ويعتبر القرآن الكريم أنّ هوى النفس نوع من الشرك، يعمي العقل ويُظلم القلب ويحرم الإنسان من معرفة الله ويحجبه عن الحقائق،
ويقول القرآن الكريم في هذا المجال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية/ 23).
وقال الإمام الصادق (ع): "لا حجاب أوحش وأظلم بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى".
ضرورة المجاهدة:
يعتبر الأمام عليّ (ع) أنّ الجهاد مع النفس هو أعلى أنواع الجهاد: "ما من جهاد أفضل من جهاد النفس"، وسر هذا المطلب هو انّه: أوّلاً: إنّ إصلاح النفس هو أساس التربية،
وهذا لا يتيسر إلّا عن طريق المجاهدة كما يقول عليّ (ع):
"في مجاهدة النفس كمال الصلاح".
ثانياً: لا يتيسر نيل الدرجات العالية والكمالات المعنوية إلّا على ضوء مجاهدة النفس؛ لأنّ هوى النفس يؤخر الإنسان عن العلم والكمال والكرامة والعزة وتجلي الاستعدادات الإنسانية،
ولذلك يقول أمير المؤمنين (ع):
"من أحب نيل الدرجات العلى فليغلب هواه"
ثالثاً: إذا هُزم الإنسان في جبهة النفس فإنّه سوف يُهزم في كلّ الجبهات،
وإذا أسر الإنسان للنفس فإنّ هذا قد يجره إلى كلّ نوع من أنواع العبودية والانحطاط. ويقول عليّ (ع): "مَن اتبع هواه أردى نفسه". على هذا، إذا أراد الإنسان أن يملك نفسه وأن يتخلص من قيود الطبع وأسر النفس وأسر الآخرين.
فلا سبيل أمامه سوى تقبل القيود حتى يتحرر من قيود النفس.
يكتب أمير المؤمنين (ع) لمالك الأشتر:
"فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت وكرهت".