كانت صَبيّةٌ صغيرة اسمُها ليلى ، لها أخ اسمُه مهدي ، وكان مهدي أكبرَ مِن ليلى ، فهو كانَ في الصفِّ الثالث ، وهي في الصفِّ الثاني ، كما أن مهدي كان يُحبّ ليلى كثيراً ، ولكنّهُ يَدري أنّ أُختَهُ الصغيرةَ لا تَعرِفُ بعضَ الأشياء .
فلاحظ مرّاتٍ أنّ ليلى تَترُكُ حَنَفيّةَ الماء مَفتوحةً كثيراً ، فلا تغلقها جيداً ، وفي كلِّ مرّةٍ تَقولُ لها أُمُّها : أغلِقي الحَنَفيّة : يا عزيزتي ، لماذا هذا الإسراف ؟! .
كما أن لِليلى عاداتٌ أخرى أيضاً ، فهي لا تأكُلُ طعامَها كلَّه ، فعندما تأخُذُ تُفّاحة مَثَلاً وتَعَضُّ منها قِطعَتَين أو ثلاثاً ثمّ تَرمي البَقيّة .
فيتأذى أبوها أيضاً ويقول : لماذا هذا الإسراف يا عزيزتي ؟! إذا كنتِ شَبعانةً فلا تأكُلي ، لماذا تَرمِينَ نِعَمَ الله ؟!
وكانت وليلى تُطرِقُ برأسِها إلى الأرض ، ومهدي يَتمنّى لو تَعرِفُ أُختُهُ معنى هذه الكلمات ، فكانَ هُو يُعلّمُها كثيراً ، ولكنّ ليلى لا تَعرِف لماذا يُعتَبَرُ الإسرافُ عَمَلاً سَيّئاً .
وفي أحدِ الأيّام لَمّا رَجَعتْ ليلى مِن المدرسة نَسِيَتْ أيضاً كلَّ شيء ، نَسِيَتْ أنّها يَنبَغي أنْ لا تُسرِف .
مَرّةً أخرى تَرَكتْ حَنَفيّةَ الماءِ مَفتوحةً كثيراً ، رَمَتْ تفّاحةً مأكولةً على النِصف ، تَبري قَلمَها وتَظَلُّ تَبريهِ وتَبريه ، مَزَّقَتْ عِدّةَ أوراقٍ مِن دَفتَرِها ، وفي اللَّيل تَركَتِ المَصابيحَ مُضاءة بِدونِ حاجَة .
وفي وقتِ العَشاءِ كانَ عندَها شَراهة لأنّها كانت شَبعانة ، فما أكَلَتْ طَعامَها كُلَّه .
وفي تلكَ اللَّيلة أبوها وأُمُّها وأخوها كُلُّهم كانوا مُتأذِّين منها ، فقالتَ أُمُّها لأبيها : تَعِبتُ مِن هذهِ الصَبِيّة ، أُنظُر كم هي مُسرِفة .
فقالَ أبوها : إذَنْ أنا لا أُحِبُّها .
وقالَت أُمّها : وإذَنْ أنا أيضاً لا أحِبُّها .
فقالَت ليلى : ولكنْ أخي يُحِبُّني .
فقالَ أخوها : إذا كانَ أبي لا يُحِبُّكِ ، وأمّي لا تُحِبُّكِ ، فأنا أيضاً لا أُحِبُّكِ .
فقالَت ليلى : ولكن الله يُحِبُّني .
فقال أبوها : كلاّ ، اللهُ أيضاً لا يُحِبُّ المُسرِفين ، فأخذ ليلى البكاء ، وذَهَبتْ للنَوم .
ثم رَأتْ أنّ الوقتَ قريبٌ مِن الصُبح قامَت مِن مكانِها لِتَغسِلَ وَجهَها ويَدَيها ، فضَغَطتْ على زُرِّ المصباح ولكنّ المصباحَ ما أضاء .
ثم فَتَحَتْ حَنفيّةَ الماء ولكنْ لم تَنزِلْ ولا قَطرةٌ واحدة ، يا لَلعَجَب ، ذَهَبتْ إلى المطبخِ لِتَجِدَ شيئاً تأكُلُه فكانت سَلّةُ الفاكهةِ كانت فارِغة .
نَظَرَت إلى صَحنِ الطَعام هو أيضاً كانَ فارِغاً ، فَتَحَت كِيسَ الخُبزِ هو أيضاً كانَ فارِغاً .
انفَعَلتْ ، ثُمّ تَذكّرتْ أنّها لم تُكمِل واجبَها المدرسي ، رَكضَتْ وأحضَرَت مِحفَظتَها ، فذهَبتْ نَحوَ الشُبّاك وأزاحَتِ السِتارةَ لِيَدخُلَ شيءٌ مِن الضَوء إلى الغرفة وتَكتُبَ واجبَها .
فأخرَجَتْ قلمَ الرَصاص ولكنّ قَلَمَها كانَ بدون لُبّ ، أرادَت أن تَبريهِ بالبَرّاية ولكنّ البَرّايةَ كانتْ بدونِ شَفرَة ، فقَلّبتْ أوراقَ الدفتر ولكنْ لَيس في الدفترِ ولا ورقةٌ بيضاء .
ثم أخَذها البُكاء ، وقالَت : لا ماء ، لا كهرباء ، لا طعام ، ما في دفتري أوراق ، قلمي لا يكتب ، بَرّايتي لا تَبري ، ماذا أفعل إذَن .
في ذلكَ الوقت رأتْ شيئاً عجيباً ما كانَت رَأَتهُ قبلَ ذلكَ اليوم : حَنَفيّة الماء ، المصباح ، سَلَّة الفاكهة ، صَحنُ الطَعام ، القَلم ، البَرّاية كلُّهم قد أحاطوا بها ، وصاحوا في وقتٍ واحد : ماذا تَفعَلين ؟! لا تُسرِفي هذا الإسراف .
نَظَرتْ ليلى إلَيهم وهي تبكي قائلة : الإسراف ؟! ماذا تَقصِدونَ بالإسراف ؟! .
قالت حَنفيّةُ الماء : أنتِ تَترُكينَني مَفتوحةً كثيراً ، وقال المصباح : تَتركينَني مُضاءً بدونِ حاجَة .
وقالت سَلّة الفاكهة : تَعضِّينَ فاكهتي ثمّ تَرمينَها ، وقال صحنُ الطعام : عِندَكِ شَراهَة ، فتَضَعِين فيَّ طعاماً كثيراً ثمّ لا تُطِيقين أكلَه كُلَّه ، وقال الدفتر : دائماً تُمَزِّقينَ أوراقي ، وقال القلم والبَرّاية : أنتِ سَبَبُ عِراكِنا .
فتأذت ليلى كثيراً وصاحَت : أصلاً أنا لا أُحِبُّكم ، فصاحُوا كلّهم : ونَحنُ أيضاً لا نُحِبُّك .
ثم صاحَت ليلى : بابا وماما ومهدي يُحبُّونَني ، فقالوا : لا يُحِبُّكِ أحَد ، فصَرَختْ ليلى : اللهُ يُحِبُّني ، قالوا : كلاّ ، اللهُ أيضاً لا يُحِبُّ المُسرِفين .
تذكّرتْ ليلى أنّ أباها قد قالَ نفسَ هذا الكلام ، فبَكِيَتْ أكثر ، وقالت : أنا أُحِبُّ اللهَ كثيراً .
فتَقَدّمَ المصباح ، ثم ضَحِك وقالَ : إذا أصبَحتِ بِنتاً طَيّبةً ولا تُسرِفين فإنَّ اللهَ يُحِبُّك .
فقالت ليلى : وبَعدَها هَل سَتُحِبُّونَني أنتُم أيضاً ؟ فقالوا بِصَوت واحِد : نَعَمْ ، قالت ليلى : كيف ؟ قالوا : هكذا ، أُنظُري :
فَجأةً أضاءَ المصباح ، بَدأ الماءُ يَقطُرُ مِن الحَنَفيّة ، وَقَعَتْ في السَلَّةِ تفّاحةٌ حمراء ، وانسَكَبَ في الصَحنِ بَعضُ الطَعام ، امتلأ الدفترُ بالوَرَق الأبيض ، وصارَ لِلقَلمِ لُبّ وللبَرّايةِ شَفرَة .
وبسرورٍ وَضَعتْ ليلى المصباح ، والحنفيّة ، وصحنَ الطعام ، والبَرّاية ، في سَلّة الفاكهة .
ثم احتَضَنَت السلّةَ بيَدِها اليُسرى وحَمَلَت القَلم بيدِها اليُمنى ، وكتبتْ على أوّلِ صفحةٍ في الدفتر : مِنَ اليوم لن أُسرِف لأنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُسرِفين .
وفي تلكَ اللحظة صاحَت مِن الفَرَح وأفاقَتْ مِن النوم .
كانُ الصُبح طالِعاً ، رأتْ أباها وأُمَّها وأخاها جالِسِين حَولَها ، وهُم يَضحَكون ، فالأُمّ مَسَحَتْ على رأسِ ليلى وقالت : هَل كنتِ تَرِينَ حُلماً يا عزيزتي ؟
فضَحِكتْ ليلى ، ومَدَّتْ ذِراعَها وطَوَّقَتْ عُنُقَ أُمِّها ، ثمّ قبّلَتها ، وقالت : لَن أُسرِفَ بَعدَ الآن ، لكي يُحبَّني الله ، ثم نظر مهدي وأبوه نَظَرَ أحدُهما إلى الآخر ، وضَحِكا بِسُرور .
فلاحظ مرّاتٍ أنّ ليلى تَترُكُ حَنَفيّةَ الماء مَفتوحةً كثيراً ، فلا تغلقها جيداً ، وفي كلِّ مرّةٍ تَقولُ لها أُمُّها : أغلِقي الحَنَفيّة : يا عزيزتي ، لماذا هذا الإسراف ؟! .
كما أن لِليلى عاداتٌ أخرى أيضاً ، فهي لا تأكُلُ طعامَها كلَّه ، فعندما تأخُذُ تُفّاحة مَثَلاً وتَعَضُّ منها قِطعَتَين أو ثلاثاً ثمّ تَرمي البَقيّة .
فيتأذى أبوها أيضاً ويقول : لماذا هذا الإسراف يا عزيزتي ؟! إذا كنتِ شَبعانةً فلا تأكُلي ، لماذا تَرمِينَ نِعَمَ الله ؟!
وكانت وليلى تُطرِقُ برأسِها إلى الأرض ، ومهدي يَتمنّى لو تَعرِفُ أُختُهُ معنى هذه الكلمات ، فكانَ هُو يُعلّمُها كثيراً ، ولكنّ ليلى لا تَعرِف لماذا يُعتَبَرُ الإسرافُ عَمَلاً سَيّئاً .
وفي أحدِ الأيّام لَمّا رَجَعتْ ليلى مِن المدرسة نَسِيَتْ أيضاً كلَّ شيء ، نَسِيَتْ أنّها يَنبَغي أنْ لا تُسرِف .
مَرّةً أخرى تَرَكتْ حَنَفيّةَ الماءِ مَفتوحةً كثيراً ، رَمَتْ تفّاحةً مأكولةً على النِصف ، تَبري قَلمَها وتَظَلُّ تَبريهِ وتَبريه ، مَزَّقَتْ عِدّةَ أوراقٍ مِن دَفتَرِها ، وفي اللَّيل تَركَتِ المَصابيحَ مُضاءة بِدونِ حاجَة .
وفي وقتِ العَشاءِ كانَ عندَها شَراهة لأنّها كانت شَبعانة ، فما أكَلَتْ طَعامَها كُلَّه .
وفي تلكَ اللَّيلة أبوها وأُمُّها وأخوها كُلُّهم كانوا مُتأذِّين منها ، فقالتَ أُمُّها لأبيها : تَعِبتُ مِن هذهِ الصَبِيّة ، أُنظُر كم هي مُسرِفة .
فقالَ أبوها : إذَنْ أنا لا أُحِبُّها .
وقالَت أُمّها : وإذَنْ أنا أيضاً لا أحِبُّها .
فقالَت ليلى : ولكنْ أخي يُحِبُّني .
فقالَ أخوها : إذا كانَ أبي لا يُحِبُّكِ ، وأمّي لا تُحِبُّكِ ، فأنا أيضاً لا أُحِبُّكِ .
فقالَت ليلى : ولكن الله يُحِبُّني .
فقال أبوها : كلاّ ، اللهُ أيضاً لا يُحِبُّ المُسرِفين ، فأخذ ليلى البكاء ، وذَهَبتْ للنَوم .
ثم رَأتْ أنّ الوقتَ قريبٌ مِن الصُبح قامَت مِن مكانِها لِتَغسِلَ وَجهَها ويَدَيها ، فضَغَطتْ على زُرِّ المصباح ولكنّ المصباحَ ما أضاء .
ثم فَتَحَتْ حَنفيّةَ الماء ولكنْ لم تَنزِلْ ولا قَطرةٌ واحدة ، يا لَلعَجَب ، ذَهَبتْ إلى المطبخِ لِتَجِدَ شيئاً تأكُلُه فكانت سَلّةُ الفاكهةِ كانت فارِغة .
نَظَرَت إلى صَحنِ الطَعام هو أيضاً كانَ فارِغاً ، فَتَحَت كِيسَ الخُبزِ هو أيضاً كانَ فارِغاً .
انفَعَلتْ ، ثُمّ تَذكّرتْ أنّها لم تُكمِل واجبَها المدرسي ، رَكضَتْ وأحضَرَت مِحفَظتَها ، فذهَبتْ نَحوَ الشُبّاك وأزاحَتِ السِتارةَ لِيَدخُلَ شيءٌ مِن الضَوء إلى الغرفة وتَكتُبَ واجبَها .
فأخرَجَتْ قلمَ الرَصاص ولكنّ قَلَمَها كانَ بدون لُبّ ، أرادَت أن تَبريهِ بالبَرّاية ولكنّ البَرّايةَ كانتْ بدونِ شَفرَة ، فقَلّبتْ أوراقَ الدفتر ولكنْ لَيس في الدفترِ ولا ورقةٌ بيضاء .
ثم أخَذها البُكاء ، وقالَت : لا ماء ، لا كهرباء ، لا طعام ، ما في دفتري أوراق ، قلمي لا يكتب ، بَرّايتي لا تَبري ، ماذا أفعل إذَن .
في ذلكَ الوقت رأتْ شيئاً عجيباً ما كانَت رَأَتهُ قبلَ ذلكَ اليوم : حَنَفيّة الماء ، المصباح ، سَلَّة الفاكهة ، صَحنُ الطَعام ، القَلم ، البَرّاية كلُّهم قد أحاطوا بها ، وصاحوا في وقتٍ واحد : ماذا تَفعَلين ؟! لا تُسرِفي هذا الإسراف .
نَظَرتْ ليلى إلَيهم وهي تبكي قائلة : الإسراف ؟! ماذا تَقصِدونَ بالإسراف ؟! .
قالت حَنفيّةُ الماء : أنتِ تَترُكينَني مَفتوحةً كثيراً ، وقال المصباح : تَتركينَني مُضاءً بدونِ حاجَة .
وقالت سَلّة الفاكهة : تَعضِّينَ فاكهتي ثمّ تَرمينَها ، وقال صحنُ الطعام : عِندَكِ شَراهَة ، فتَضَعِين فيَّ طعاماً كثيراً ثمّ لا تُطِيقين أكلَه كُلَّه ، وقال الدفتر : دائماً تُمَزِّقينَ أوراقي ، وقال القلم والبَرّاية : أنتِ سَبَبُ عِراكِنا .
فتأذت ليلى كثيراً وصاحَت : أصلاً أنا لا أُحِبُّكم ، فصاحُوا كلّهم : ونَحنُ أيضاً لا نُحِبُّك .
ثم صاحَت ليلى : بابا وماما ومهدي يُحبُّونَني ، فقالوا : لا يُحِبُّكِ أحَد ، فصَرَختْ ليلى : اللهُ يُحِبُّني ، قالوا : كلاّ ، اللهُ أيضاً لا يُحِبُّ المُسرِفين .
تذكّرتْ ليلى أنّ أباها قد قالَ نفسَ هذا الكلام ، فبَكِيَتْ أكثر ، وقالت : أنا أُحِبُّ اللهَ كثيراً .
فتَقَدّمَ المصباح ، ثم ضَحِك وقالَ : إذا أصبَحتِ بِنتاً طَيّبةً ولا تُسرِفين فإنَّ اللهَ يُحِبُّك .
فقالت ليلى : وبَعدَها هَل سَتُحِبُّونَني أنتُم أيضاً ؟ فقالوا بِصَوت واحِد : نَعَمْ ، قالت ليلى : كيف ؟ قالوا : هكذا ، أُنظُري :
فَجأةً أضاءَ المصباح ، بَدأ الماءُ يَقطُرُ مِن الحَنَفيّة ، وَقَعَتْ في السَلَّةِ تفّاحةٌ حمراء ، وانسَكَبَ في الصَحنِ بَعضُ الطَعام ، امتلأ الدفترُ بالوَرَق الأبيض ، وصارَ لِلقَلمِ لُبّ وللبَرّايةِ شَفرَة .
وبسرورٍ وَضَعتْ ليلى المصباح ، والحنفيّة ، وصحنَ الطعام ، والبَرّاية ، في سَلّة الفاكهة .
ثم احتَضَنَت السلّةَ بيَدِها اليُسرى وحَمَلَت القَلم بيدِها اليُمنى ، وكتبتْ على أوّلِ صفحةٍ في الدفتر : مِنَ اليوم لن أُسرِف لأنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُسرِفين .
وفي تلكَ اللحظة صاحَت مِن الفَرَح وأفاقَتْ مِن النوم .
كانُ الصُبح طالِعاً ، رأتْ أباها وأُمَّها وأخاها جالِسِين حَولَها ، وهُم يَضحَكون ، فالأُمّ مَسَحَتْ على رأسِ ليلى وقالت : هَل كنتِ تَرِينَ حُلماً يا عزيزتي ؟
فضَحِكتْ ليلى ، ومَدَّتْ ذِراعَها وطَوَّقَتْ عُنُقَ أُمِّها ، ثمّ قبّلَتها ، وقالت : لَن أُسرِفَ بَعدَ الآن ، لكي يُحبَّني الله ، ثم نظر مهدي وأبوه نَظَرَ أحدُهما إلى الآخر ، وضَحِكا بِسُرور .
تعليق