تويت
لا أريد أن اتحدّث عن عفاف زينب عليها السلام الآنسة ولا السيدة ، فحين كانت في بيت أبيها توصف بفخر المخدرات ومن أجلها تُخفت الاضواء ليلاً لكي لا يُرى لها شخص ولا ظلّ ، ولا عن زينب عليها السلام السيدة في بيت بعلها ومدينتها والتي كانت تعرف بعقيلة الطالبيين والعقيلة في معاجم اللغة تعني السيدة المخدّرة .
فكل ذلك يعتبر أمراً هيّناً نسبياً باعتبار الحياة الطبيعية التي تعيشها المرأة في بيت أبيها او زوجها وتستطيع عندها ان تطبّق أعلى مستويات العفّة من خلال دينها العالي وارادتها القوية ومساعدة اهل بيتها والقوّامين عليها ..
انما الكلام كل الكلام في عفاف زينب عليها السلام وهي سيدة خيام الطف حيث سنابك الخيول وتشابك الرماح واصطكاك الأسنّة ، وحيث انها ثكلى وموتورة ، لا حامي لها ولا مُعيل ، هنا العفة تُحسب كل درجة منها بآلاف الدرجات من عفةّ غيرها من المَواطن .
زينب عليها السلام هنا بين واجب العفة وواجب القيام بالدور الرسالي ، ولكن مَن للخروج بأفضل الحلول من هذا التزاحم غير بنت النبوة ومعدن الرسالة ..!!
اتّبَعت زينب "ع " عدّة اجراءات حافظت من خلالها على اعلى مستويات العفاف وبشكل لا يؤثر على دورها في القيام الحسيني المقدس ، نذكر ثلاثة اجراءات مهمّة :
١. كانت "ع" اقوى من المصيبة واكبر من الحدث ، فلم تسيطر عليها الظروف ولا استملكتها الاحزان كما تصوّره لنا بعض الأشعار والأقوال التي تتحدث عن لسان الحال وما شاكل ذلك ، ولم تفعل عليها السلام ايضاً كما تفعل غيرها من النساء حال الحزن والجزع فنراها تعمد بيدها الى هتك بعض سترها تخفيفا للمعاناة ، بل هي التي قدّمت جسد أخيها قرباناً لرضا الله تعالى .. ! فلا انكسار ولا جزع ، بل كانت في قمّة التركيز على اداء دورها ومهمّتها التي آلت اليها ..
٢. لم تطبّق عليها السلام قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ولم تسمح لنفسها ان تعمل بالاستثناءات والتي طالما توسوس النفس لصاحبها باستعمالها كاستغلال للفرص وارضاءً للهوى ، فإن يعذر الآخرون الشخص لتركه بعض السلوكيات المحافظة للعفة نتيجةً لظروف طارئة نجد أنّ بعض الاشخاص لا يعطون لأنفسهم العذر في ذلك بل يزدادون تحفّظاً وعشقاً لحالة التحدي هذه بمقدار عشقهم للدرجات السامية والاخلاقيات الرفيعة .
٣. كانت جميع تصرفاتها عليها السلام تغلق عند الاخرين فرصة وخيار النظر اليها كامرأة او اي محاولة لاختراق عفّتها ، فبخطبها المملوءة بالعنفوان والايمان وحسن تصرفها وجلادتها استطاعت ان تتحجّب بحجاب فوق الحجاب التقليدي ، ولنقل أنها كانت اقرب الى شخصية تنكرية الى حد ما ، فيصفها ابن الاثير في الكامل عند دخولها للكوفة وحين ألقت خطبتها ( لبست العقيلة أرذل ثيابها وتنكّرت ) ، بل استطاعت ان تقترب من شخصية ابيها منطقاً وموقفا حتى وصفها اعدائها بأبيها وذكرتهم به عليه السلام كما فعلت أمها الزهراء ع حين خرجت للقوم فكانت حتى مشيتها لا تخرم مشية رسول الله ص كما يذكر لنا التاريخ ..
اذن لم يكن العفاف عند زينب عليها السلام مانعاً للمرأة في اداء بعض المهام الضرورية والتي ينحصر ادائها بها ، بل استطاعت ان تجعل من نفس هذا العفاف سلاحاً ناجحاً في اداء الكثير من الواجبات .
يذكر لنا القرآن الكريم بنات نبي الله شعيب ع وهن يؤدين مهمة ارواء الاغنام كون أبوهن شيخاً كبيرا ولكن مع المحافظة على عفتهن ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دونهم امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فكانتا تذودان ، اي لا يدخلن اغنامهن مع القوم ولا يختلطن بهم حتى ينتهوا ويخرجوا من الماء حفاظاً على انفسهن وعفافهن ، الأمر الذي دعى موسى ع للقيام بهذه المهمة ومساعدتهن . وحتى عندما ارسل شعيب "ع" احداهن الى موسى عليه السلام فجاءت بهيئة يصفها القرآن بأنها على استحياء ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ ) ، يعلق صاحب الميزان ( والمراد بكون مشيها على استحياء ظهور التعفف من مشيتها ) .
فالعفاف القرآني اذن لا يعيق المرأة في ظروف الحاجة والضرورة أن تقوم ببعض المهامّ ، وكذا العفاف الزينبي ، فهو انموذج لحالة من العفاف الذي تكون عليه المرأة ويكون ملائماً للظرف الذي تمرّ به وتستطيع من خلاله الارتقاء الى مستوى اداء المهامّ والمسؤوليات وتجاوز الظرف بأفضل صورة .
السلام على زينب الكبرى سيّدة العفاف .. آجركم الله
تعليق