اللهم صل على محمد وآل محمد
يتبادر إلى أذهاننا ـ نتيجة اُنس الذهن بالموازين المادّيّة في دار الدنيا ـ ميزان كموازيننا، وقد تناسب ذلك فكرة تجسّم الأعمال، وعليه أيضاً بعض الروايات، إلّا أنّ المعنى الأصلي للميزان أعمّ وأوسع من ذلك؛ لأنّه المقياس الذي يؤخذ به قياس الأشياء، فميزان الحرارة مثلاً في هذه الدنيا يختلف حاله عن ميزان الأمتعة، وميزان مستوى الفهم والعقل أو قوّة الذاكرة أو غير ذلك يختلف بعضها عن البعض الآخر.
وقد ورد في الأخبار لتشخيص ميزان يوم القيامة ميزانان معنويّان وكلّ واحد منهما قابل للتطابق مع الآخر:
ولذلك هناك أشخاص معيّنون يعتبرون مقاييس أو تعتبر أعمالهم مقاييس، فيوزن العاملون أو الأعمال بهم أو بأعمالهم.
ففي الحديث: «سئل الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ:
﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ قال: الموازين الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام)»(۱)،
وفي حديث آخر قال (عليه السلام): «الرسل والأئمّة من آل بيت محمّد(عليهم السلام)»(۲)،
وعن ابن عباس: «الموازين الأنبياء والأولياء»(۳)،
وفي رواية اُخرى: «نحن الموازين القسط»(٤)، وقد ورد في زيارة إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «اَلسَّلامُ عَلى ميزانِ الاَْعْمالِ، وَمُقَلِّبِ الاَْحْوالِ، وَسَيْفِ ذِي الْجَلالِ، وَساقِي السَّلْسَبيلِ الزُّلالِ»(٥).
العدل والميزان
سؤل الإمام الصادق
(عليه السلام) :
ما معنى الميزان؟ قال
(عليه السلام): «العدل». قال: فما معناه في كتابه:
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُه﴾؟ قال: «فمن رجح عمله»(6).
وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «وأمّا قوله تبارك وتعالى:
﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ فهو ميزان العدل، يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين»(7).
ولا تنافي بين الطائفتين؛ فإنّ المعصومين
(عليهم السلام) هم مظهر العدل الحقيقي الكامل، فكونهم ميزاناً للأعمال يساوق كون العدل ميزاناً للأعمال وبالعكس.
هذا وقد ورد في بعض الأخبار اختصاص الميزان بأهل الإسلام، فقد ورد في الحديث عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «اعلموا عباد الله، أنّ أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمراً، وإنّما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام»(8).
الاُمور التي تثقّل الميزان:
اُمور ورد في الأحاديث أنّها تثقّل الميزان:
حسن الخلق بمعنى حسن المداراة مع الناس.
فقد ورد عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق (9)
--------------------------
(۱) البحار ۷: ۲٥۱، وانظر الكافي ۱: ٤۱۹، وتفسير البرهان ۳: ٦۱.
(۲) تفسير البرهان ۳: ٦۱.
(۳) المصدر السابق.
(٤) كنز الدقائق ٥: ٤۱ نقلاً عن تفسير الصافي.
(٥) راجع مفاتيح الجنان، الزيارة الاُولى من الزيارة المطلقة لأمير المؤمنين(عليه السلام).
(6) البحار ۷: ۲٤۹ نقلاً عن الاحتجاج.
(7) البحار ۷: ۲٥٠.
(8) الكافي ۸: ۷٥، كتاب الروضة، موعظة لعليّ بن الحسين(عليه السلام).
(9) الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٩٩ - الكافي
----------------------
بتصرف
تعليق