حتى يحصد الفيديو أكثر عدد من المشاهدات في العالم الإفتراضي، أمرَ الأب فتاتهُ الصغيرة أنْ تضع اَلسِّكِّين على رقبة أخيها الرضيع لتظهر للمشاهد أَثَّرَ الغيرة، وحرصَ على مهارةِ الإخراج بقصّد الفُكاهة والمزاج. ليصح الأب في اليوم التالي على صريخ زوجته بعد أن وجدت الرضيع منحوراً في سريره.
وما قصة النبي يوسف عليه السلام إلا إعطاء فكرة عن شراسة الذئب ليأكل يوسف لإخوته؛ حيث أرشدهم النبي للفكرة دون قصدٍ ليمنع ذهاب يوسف معهم للصيد واللعب.ِ بعد أنْ شعر النبيّ يعقوب بخطر تفردهم بأخيهم، وَعَلمَهُ بمدى اَلْحَسَد والغيرة المتغلغلة في نفوسِهم، فالولد ينجذب للأفعال والعادات السوية والخاطئة على حد سواء من البيئة التي ينشأ فيها وهو ليس سوى مرآة عاكسة لسلوكيات وتجارب من النتاج النوعي الذي انصهر في فجرِ حياته بعواطفه وأخلاقه في ذلك البيت الصغير الذي الذي بنيت بموجبه مرتكزاته الفكرية والأخلاقية والعقائدية. وبالتالي فهو يعكس واقع الأسرة التي تربى في كنفها.
ولقد ثبت لدى علماء النفس والتربية أنَّ الطفل يحتاج في فترة الطفولة وحتى بعد أن يشتد عوده إلى الشعور بحبِّ الآخرين واهتمامهم به، ولا يهم أنْ يعيش في قصرٍ أو كوخٍ بقدرِ ما يلْقاه من تنشئة دينية وأخلاقية في ذلك البيت، وعلى المربي أنْ يصوغ الأفكار والعقائد الدينية ويصبّها في قوالب سهلة وَمُحَبَّبَة للطفل ليشبَّ عليها، حتى إذا ما ناهز سنّ البلوغ كَانَ قدْ تعود عليها. إنَّ الطفل الذي تربى في حَجَر والدين مؤمنين، وتلقى درس الإِيمان باللّه منذ الطفولة يمتاز على الطفل الفاقد للإِيمان بميزات كثيرة. حتى إنه يملك طيلة أيام الحياة روحاً أقوى، واستقامة أكثر، وأملاً أوطد..
فهو يرى الله في جميع حالاته مشرفاً عليه، ولذلك فإنه لا يتخلى عن واجباته ولا يفر من مسؤولياته ولا يقدم على الإِجرام والاعتداء.
يتضح مما تقدم أن الأسرة لها دور مهم يدور في صالح الفرد مدار صلاحها وتتوقف حسن صياغة الشخصية على حسن سلوك وأخلاق التربية السليمة للأسرة. لأنها الركيزة الأساسية فبصلاحها تصلح البشرية وبفسادها تفسد البشرية.
وجاء الإسلام مؤكداً ذلك على أسس تربوية وأخلاقية ودينية مستوحاة من منهج السيرة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت عليهم السلام وعلمائنا الأعلام التي وضعت أسس البنى التحتية للمجتمعات بدءاً من الأسرة الصغيرة الواحدة وصولا إلى المجتمعات الكبيرة وكيفية التعايش السلمي الصحيح فيما بينهما لتجنب المحذورات والعمل بما يرضي اللّه ورسوله. قال الله تعالى: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لَتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
نظر الإسلام إلى الأسرة وأراد صياغتها بقوالب العدل والنور والمحبة والألفة وقد شمل أفرادها بتعاليمه وعنايته حتى يصهرهم في أخلاقيات وسلوكيات عظيمة يستمد من منهل النور كتاب اللّه القرآن الكريم، حيث ألزمهُ حجة على العبد ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وفق دستوره العظيم الذي لم يغادر صغيرة وكبيرة إلا أحصاها. فحفظ للإنسان كرامته، وَكَانَ للمؤمن حرزاً حصيناً عن الانزلاق في تيار الانحلال والفساد.
فإذا كانت الأسرة عكس الحال المذكور أعلاه بعيدة عن تعاليم الله؛ كانت النتائج وبالاً على المجتمع وأصبح التفاقم الاجتماعي هو المحطة النهائية لبناء المجتمعات الرخيصة. والعكس هو صحيح في بناء القواعد الصحيحة للمجتمعات.
ونريد أن نبين أن النفوس الشريرة والحاقدة والسائرة في سبل الغي والإجرام، ناشئة من أثر عميق لها في الأسرة الأولى لأحد سببين: الأول: إما أن تكون أسرته ناقصة العقيدة والأخلاق غير عارفة بالمهمة المنوطة إليها والأمانة التي كلفت بها وهي تنشئة الأبناء الصالحين.
الثاني: أو أنه عاش في أركان أسرة متهدمة بسبب انفصال الوالدين فنشأ الابن محروماً من العطف والرعاية الأبوية وألقى نفسه في تيارات الحقد والإجرام وهذا كثير الحدث في زماننا الآن مع الأسف الشديد.
فيكون نتاج تلك الحاضنة أمراض خطيرة تلحق بالشاب الغير واعي وتتلقفه البيئة الحاضنة للانحراف من جريمة وشذوذ وبقية الأمور اللاسويّة، وموقف رائع يبيّن فيه الإِمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد، واستمداده من الله عز وجل في قيامه بذلك يقول: «وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم». وهذا الدعاء للإمام السجاد يبين ثقل الأمانة على عاتق اَلْمُرَبِّي.
وما أكثر الأمهات اليوم اللائي يعوّدن أطفالهن على الصفات البذيئة والسلوك الأهوج منذ الصغر، فيظل الأطفال مأسورين لتلك الأخلاق والصفات طيلة أيام حياتهم. وما أكثر الآباء المجرمين الذين يحتقرون التعاليم الدينية والعلمية، ويصطحبون أطفالهم إلى مجالس اللهو والعبث! ويرتكبون الأفعال القبيحة أمام عيونهم النافذة، والبعض الآخر يحملونهم على العنف بجسارة شديدة. وأول صدمة يتلقاها الطفل حينئذ ابتعاد أقرانهُ عنه بسبب شراسته.
ولهذا إن كنا نريد مجتمعاً أفضل فلابد أن نبدأ ببناء أُسُس الفرد وأصول تكوينه، من الأسرة وإصلاحها وتربية الناشئة ليكونوا أناسا صالحين وَاعِينَ في سائر أمور دينهم ودنياهم وصولاً إلى الكمال الإنساني، وهذا لن يتم إلا بتوافر جهود جميع المؤسسات الحكومية وَمُنظمات المجتمع المدني وحقوق الطفل بالإضافة إلى رعاية المربين له في داخل أسرته-الوالدين أو ما ينوب عنهما في حالة فقدهما، وما يملكان من ثقافة دينية وعلمية وأخلاقية تعينهما على تلك التربية الصالحة فهما أول من يحصدا نتاج ثمار زرعهما.
جنان الهلالي
شبكة النبا المعلوماتية