ثقافة الحوار عادة مُكتسبة تُغرس في الطفل لتكبر معه وتصبح واحدة من طباعه وعاداته وسلوكياته. فالقدرةُ على الحوار تفتح آفاقاً واسعة من الحرية والقدرة على التحليل والتفكير بطريقة منطقية يسعى من خلالها المرء لإثبات وجوده وتثبيت خطاه..الأمر الذي يدعو لإدخال ثقافة الحوار في مدارسنا وبيوتنا وفي كافة المؤسسات التربوية والثقافية الأخرى.
وثقافة الحوار هي أسلوب الحياة الذي يُفترض أن يكون سائداً في الأسرة بين الآباء والأبناء ليكون عاملاً مُدعّماً للتفاهم، وركيزة أساسية للانسجام والتعايش والاتفاق على صيغة تَقبُّل الآخر وأفكاره وثقافته واحترامها مهما كانت متناقضة مع أفكارنا وصولاً إلى صيغة تقارب في الأفكار تتبلور بأن تصبح مشتركة.
ومن هذا المنطلق نرى أن ثقافة الحوار تؤسس لعلاقة حميمة ناضجة العناصر وثيقة العرى بين الآباء والأبناء، علاقة يخيم عليها التواصل والتفاهم، ويتعلم الأبناء خلالها أساليب المناقشة الهادئة المريحة البعيدة عن التزمّت والعناد، وتتعمق لديهم قناعات اجتماعية إيجابية تؤهلهم للتكيّف مع المجتمع.
وإذ تعني ثقافة الحوار احترام الرأي الآخر، فهي تعني احترام الذات الإنسانية للأبناء، فلا نفرض عليهم آراءنا بوصفنا آباء مجربين علّمتنا الحياة، وإنما نساعدهم على أن تتأصل فيهم هذه العادة الحميدة فيتمتعوا بثمار نتائجها عبر مساهماتهم في الحوار، وعندئذٍ تتحقق الصورة الجميلة التي رسمها المثل الشعبي عن مستقبل العلاقة بين الآباء وأبنائهم (إذا كبر ابنك خاويه) أي اتخذه أخاً لك، وتعامل معه في إطار هذا المفهوم، فتتحول علاقة البنوة إلى علاقة صداقة تنفض عن الأولى قيود الحاجة ولكنها تسمها بطابعها الحيوي، فتنشأ علاقة دافئة بالغة الإنعاش للطرفين. (1)
بهذا السلوك نُمهد لدخول عالم الأبناء الخاص ومعرفة احتياجاتهم فتسهل التعامل معهم، ما يساعد الآباء على تنشئة أبنائهم نشأة سوية بعيدة عن الانحراف.
وتحت مظلة الحوار تنمو شخصية الأبناء نمواً متوازناً وتتعمق ثقتهم بأنفسهم، فآراؤهم تُحترم وتُناقش باهتمام، ويتولد لديهم الدافع إلى التفكير السوي بعيداً عن التعليمات والإملاءات، فيصلون إلى أهدافهم بفطنة ومحاكمة عقلية تختزن ثروة من التجارب والخبرات.
إلا أن توافر التقنيات الحديثة فتحت للأبناء السبيل نحو عالم آخر مهّد للتعبير عن المشاعر والتحاور مع الآخر، ولكنه انعكس سلباً على الحياة الأسرية، فكل فرد اتخذ في بيته ركناً لممارسة الحديث مع شخص وهمي تطل صورته من خلال الشاشة الصغيرة، يجيد فنون الحوار والتقارب وصولاً إلى هدفه، فاختزل الآباء الحوار مع أبنائهم في نصائح وتوجيهات ظناً منهم أنها تغني عن جلسة حوارية حميمة.
وقد أوضحت في سياق حديثي أن التقنيات الحديثة التي غزَت بيوتنا وكلَ زوايا حياتنا لها ميزاتها، ولها مخاطرها على أطفالنا وعلى حياتنا الأسريةِ والاجتماعيةِ، ولتفادي مخاطرها أرى أن نحرص على بقاء أقنية الحوار مفتوحة وجسور التواصل ممدودة بين الآباء والأبناء، وأن أنوه بالحوار المتجدد والمتطور الذي يواكب روح العصر ومعطياته، لذا ننصح بأن يعيش الآباء عصر أبنائهم بكل معطياته وميزاته، وأن يروا زوايا الحياة بمنظار مشترك، ويناقشوا الأمور بفكر يساير معطيات العصر ويتفاعل معها بعقل منفتح وسعي حثيث للإمساك بخيوطِ التفاهم المشترك.
متى يبدأ الحوار؟
في سن الثالثة يبدأ الصراع من أجل الاستقلال عندما يبدأ الصغير بالتعبير عن رغبته في ارتداء نوع معين من الملابس أو طريقة تناوله لطعامه.. وهنا يبدأ نوع من الحوار الذي لابد للأب والأم من إتقانه.
فالحوار، كما وضحنا، عادة مُكتسبة يؤدي الأهل دوراً في ترسيخها وبلورتها عندما يتقبلون آراء أبنائهم ويناقشونها، ويردون على أسئلتهم بأجوبة صريحة وبسيطة تتناسب مع عمر الطفل وقدرته على الاستيعاب.
"رولا" أم لابنة عمرها ثلاث سنوات تقول: "معروف أن أسئلة الطفل حول الأشياء وماهيتها تكثر في هذا العمر؛ لذا أحاول دائماً أن أظهر بأنني الأم التي تستمع لما يشغل طفلتها دون ملل. وبرأيي أن هذا التصرف سيثمر في المستقبل عندما تكبر بحيث تتطور بيننا لغة الحوار، وتصارحني بكل ما يراودها لنناقشه معاً بصراحة بعيداً عن التكلف لأنني عندها لن أستخدم سلطتي كأم، بل سأكون الصديقة المخلصة لابنتي."
وفي مرحلة المراهقة: هذه المرحلة الخطيرة التي يسعى الشاب خلالها دائماً إلى تمرُّد على المحيط وانتقاد العادات وتحطيم القيود لإثبات وجوده والتعبير عن نفسه.
وللحوار أساليب وطرق تختلف باختلاف من نتعامل معه ونحاوره ومكانته، وهذا الأمر الذي يجب أن يعيه المراهق والمحيطون به.
فالبداية من الأسرة, وخاصة الوالدان اللذان لابد أن يكونا صديقين من نوع خاص، بالنسبة للمراهق، لبعث الطمأنينة في قلبه، وليشعر بأنه مهما قال.. ومهما فعل لا يُحاسب الحساب العسير.
وللأسف فإن أغلب الآباء يسعون دائماً لقمع المراهق والسيطرة على رأيه وتقييد تصرفاته خوفاً عليه من الانحراف ناسين أن هذا الأسلوب هو الذي يؤدي إلى انحرافه وسعيه دائماً إلى الرفض ولكن بأساليبه الخاصة.
عن هذا الحوار تُحدثنا "د. ولاء عبد الصاحب" (علم اجتماع) قائلة: "في هذا السن تبدأ المواجهة الأولى. فالابن الذي كانت حركاته وتصرفاته تتم وفق سيطرتنا أخذ يعلن العصيان والتفرُّد بتصرفاته وآرائه، وهنا لابد من أن نختار أيّ نوع من الحوار الذي سنبدأ به مواجهتنا مع أبنائنا، ولابد أن نكون حذرين في الكلام الذي نحاور به الأبناء الذين كانوا حتى هذا السن في دور التلقي والتقليد، فأي شدّ زائد في الحديث يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى فقدان حالة الثبات والعزم المطلوبين، خاصة في مرحلة المراهقة، وتكرار المشادات الحوارية تؤدي إلى استنزاف الحالتين لديه بحيث يصبح غير قادر على الاستماع إلى النصائح، كما أن أي تهاون في الحديث قد يؤدي إلى الانفلات مما يدفعه إلى التفرد بآرائه، فعلينا الانتباه إلى أسلوب الحوار الذي نحاور به أبناءنا حتى لا يأتي بنتائج معكوسة. إن الحوار في غاية الأهمية ولكن أسلوب الحوار هو الأهم، وعليه يتوقف تفكير الأبناء مستقبلاً".
كيف يمارس الآباء الحوار مع أبنائهم؟
حبُ الأب والأم لأبنائهما فطريّ غريزي، لكن مع هذا قد يفشل الأهل في التقرُب من أبنائهم بعض الأحيان، وقد يصل الأمر ببعض الأبناء إلى رفع أصواتهم بأن آباءهم لا يفهمونهم؟ فهل ذلك يعني عدم مقدرة الأهل على الحديث أم جهلهم بأسلوب الحوار؟
هناك أساليب للحوار قد يجهل الآباء والأمهات ممارستها.. فالحبّ للأبناء قبل كل شيء لابدّ من أن يكون مطلقاً دون شروط، وإذا ما وعينا هذه الحقيقة فإننا سنمنح أبناءنا كل ما عندنا من محبة، ولا أظن أن هناك من يفتقر إلى عبارات الحب التي نرطّب بها مسامع أولادنا مستخدمين العبارات الوديّة التي تنعش المشاعر، وتقوي أواصر المحبة، وتشد خيوط التواصل بين الآباء والأبناء.
وهذا الحوار لا بد من أن يكون فطرياً يناسب الحب الفطريّ الذي منَّ الله على البشرية به، لكن الكثيرين يتغاضون عن أهميته، وإذا ما أدركنا أهمية هذا الحوار فعلينا أن نتخيّر الحوار فنغمة الصوت لها تأثير ويجب أن تتناسب مع نوع الحوار ومستوى الصوت له تأثير هو الآخر كأن يكون الصوت عالياً أو منخفضاً، فنبرة الصوت العالية قد يفهمها الأبناء على أنها تعنيف ولذلك علينا الابتعاد عنها واللجوء إلى أسلوب الحوار الهادئ حتى وإن كان الموضوع يستحق الانفعال لأن الصوت العالي قد يؤذي مشاعر الأبناء ويزيد الموقف حدّةً.
بعض الآباء يجد في أسلوب الحوار الصارم المبنيّ على القسوة الطريقة المثلى التي تحيطهم بهالة من الهيبة والتقدير اللّذين يرغبون بالظهور بهما أمام أبنائهم وهذا في الواقع يُحدث خللاً في علاقة الآباء بالأبناء، فهم يدفعون بالحوار إلى أن يكون من طرف واحد، الأب يتكلم بينما ينصت الجميع، وهذا ما يؤدي إلى فقدان العلاقة الطيبة التي يجب أن تكون مبنية على الصداقة.. ونجد بعض الآباء ينعزلون في حياتهم حينما يكون الأبناء صغاراً، ولا يقيمون وزناً للحوار معهم على ذلك حينما يكبرون.
يشكو كثير من الأبناء من انعدام لغة الحوار مع آبائهم وتشير"د. ولاء عبد الصاحب" إلى ذلك بقولها:" لقد لمست من خلال عملي، أن مهارة الحوار المطلوبة لفهم الأم لابنتها تكاد تكون معدومة في أغلب الأحيان وكذلك بين الأب وابنه بينما يكون الأبناء في سن معينة بحاجة لمدّ جسور الحوار مع آبائهم، وعندما نسأل الأهل عن سبب ذلك يرجعونه لانشغالهم المستمر بأمور الحياة ومتاعبها، والأوْلى بهم أن يكون الأبناء همُّهم الأول للوقوف على ما يعانونه من مشاكل لغرض خلق جوّ من الود والألفة مبني على التفاهم داخل الأسرة..
وإنني لأعجب من بعض الأسر التي يُعتبر الأب والأم فيها من المثقفين ولا يسعون إلى إيجاد وقت للحوار يستقطعونه من وقت عملهم يجلسون فيه مع أبنائهم ويحاورونهم في مواضيع مختلفة ويناقشونهم في أمور تهمهم ولها علاقة بحياتهم ليكونوا مثالاً للأسرة الموحدة التي هي أساس المجتمع " (4)
الحوار المثمر
وتضيف "د. ولاء": "إن أدب الحوار، والتخاطب المثمر، وانتقاء الكلمات والوقت المناسبين.. كلها أساليب مهمة لتحقيق حوار مثمر وناجح بين الآباء والأبناء. كما على الآباء إتقان فنون الحوار مع الأبناء كل حسب عمره وطريقة تفكيره ومدى تقبّله للحوار، فمن غير المعقول أن نحاور الطفل الذي لم يتجاوز عشر سنوات كما نحاور المراهق في الخامسة عشرة وكما الصغير بحاجة إلى حوار مليء بالحب والعطف، فالمراهق بحاجة إلى حوار مبني على تكريم العقل والذات وإعزاز الشخصية.
واعلموا أن الحوار المشحون بالتوتر في معظم الأحيان يكون أشدّ على الأبناء من الضرب خاصة في مرحلة المراهقة".
أساليب الحوار مع الأطفال
تَحاوُرُ ساعة خير من تكرار النقد شهراً، هذه الحقيقة تؤكدها التجربة ويشهد لها الواقع، ومن هنا تأتي أهمية تحاور الآباء مع أبنائهم، فالتحاور يحترم الذات الإنسانية للأبناء، فلا يفرض عليهم أفكار وتجارب وخبرات الآباء، وإنما يترك تلك الخبرات تنمو معهم عن طريق اكتسابها ذاتياً عبر المناقشة.. كما أنه يدفع الابن إلى التفكير العميق والملاحظة والاستنتاج بعيداً عن التلقي والحفظ والترديد، ومن ثم يزيد من ثقته بنفسه عند طرح الأفكار أو الرد عليها..
ولذلك يجب علينا ألاّ نبقى، كآباء، نهوى النقاش ونحب الجدال وصناعة الكلام، ولا نعرف فن الحوار؟
وإتقان فن الحوار يتطلب القليل من التروي والكثير من الحذق والتدريب.
طرق الحوار
للحوار طرق كثيرة منها التعليم، والمشاركة الوجدانية، والتفاوض، والأوامر النواهي، والتشجيع..
ويعتقد كثير من الآباء أو المربين أنهم يستخدمون كل طرق الحوار مع أبنائهم، والحقيقة أننا كآباء ومربين نستخدم كل طرق الحوار مع أبنائنا بلا فائدة!!
إننا كآباء ومربين، تحت ضغط الظروف المعيشية، نميل إلى استخدام نوع معين من التعبير كالإكثار من الانتقادات مثل "أسرع في ارتداء ملابسك، وقميصك متسخ اذهب وارتد غيره، اجلس بطريقة صحيحة اذهب ومشّط شعرك المنكوش"، وهكذا فإن أغلب حديثنا لأبنائنا عبارة عن أوامر.
وحتى حين يمارس أحدنا الطرق الأخرى للحوار مع الأبناء يطغى عليها الجانب السلبي على الجانب الإيجابي.
فمثلا طريقة الحوار للتعليم تتحول لدينا إلى نوع من المحاضرات، فتفقد مضمونها وهدفها لتصبح لونًا من ألوان "الإزعاج التربوي" إن صحّ التعبير.
كما أننا في كثير من الأحيان نخلط إحدى طرق الحوار بطريقة أخرى كأن نخلط، مثلاً، بين طريقة "الأوامر والنواهي" وطريقة "التعليم"، فنطلب من الابن ارتداء المعطف بلا تبرير لذلك.. بينما ينبغي في أسلوب الأوامر والنواهي تعليل القواعد قبل إرسائها ومن هنا تكتسب معرفتنا بطرق الحوار قدراً كبيراً من الأهمية: ويحتاج تعلّمنا إياها الحديث عنها ولو بإيجاز. وفيما يلي بعض من هذه الطرق:
1- الخطاب الدافئ:
من النادر أن يمر يوم لا يقوم فيه الآباء بتعليم أبنائهم شيئًا ما، ويجب أن يكون التعليم تجربة حانية ودافئة توثق الروابط بين الآباء وأبنائهم كأن يرد الأب على تساؤلات الابن حول الكون والحياة.
من هنا تكون العبارات التي يُنصح باستعمالها "دعني أشرح لك" "راقب كيف أقوم بذلك" "دعنا نرى كيف يمكن أن نحلّ ذلك معًا" "لست متأكداً من الإجابة الصحيحة، دعنا نبحث عن ذلك" "لا بأس، الوقوع في الخطأ هو وسيلة تعلّم الصواب".
وبالطبع تعدّ نغمة الصوت عاملاً أساسياً، فعندما تقول لابنك مثلاً "افعل ذلك بهذه الطريقة" بنغمة خشنة وغاضبة، فسيفهم الابن ذلك على أنه انتقاد له وبالتالي يزيد توتره وربما يدفعه ذلك إلى عدم طلب مساعدتك في المستقبل. (5)
2- طريقة المشاركة الوجدانية:
وهى من الأساليب المهمة في التعامل مع الأبناء، وبخاصة عندما يشعرون بخيبة أمل وضيق مما حولهم من أوضاع وظروف. في هذه الأحوال لا يحتاج الأبناء إلى حل مشاكلهم بقدر احتياجهم إلى مداواة جراحهم والعثور على شخص يتفهم حقيقة آلامهم..!!
على سبيل المثال.. عندما عادت " سميحة " إلى المنزل حزينة، لأن زميلتها فضّلت اللعب مع فتاة أخرى، أرادت أمها أن تُخرجها من حزنها فقالت "سوف تعود أختك إلى المنزل حالاً ويمكنك اللعب معها" ولكن هذه العبارات لا تُعطي الابنة ما أرادت من مشاركة أمها لها وجدانيًا. والصواب في مثل هذه الحالات أن تردّ الأم قائلة: "لا بد أنك تشعرين بالحزن من أجل تصرُف زميلتك، أليس كذلك؟.. فإدراك "سميحة" أن والدتها تشاركها مشاعرها ولا تتجاهلها يخفف من حزنها ,ويدفعها في ذات الوقت إلى التحدُّث إلى الأم عن مشاعرها قائلة: إن هذا يحدث كثيراً من زميلتي هذه، ومن خلال حديث الابنة تدرك الأم مخاوفها وتهتم بمشاعرها.
ومن هنا تكون العبارات الأنسب في طريقة المشاركة الوجدانية أن تقول مثلاً: "إنك حزينة لأجل ما حدث، أليس كذلك؟" "أعرف أنك تشعرين بالخوف من..".
ومثل هذه العبارات لا تحتوي على حلّ ما بقدر احتوائها على معاني التفهُم للمشكلة والمشاركة في مشاعر الابنة، ولاشك في أن هذا يدفع الابنة إلى مصارحة الأم أكثر فتكشف عن مخاوفها وأفكارها، ومن بعدها يمكن التفكير في الحل.
3- طريقة التفاوض:
عندما تنصت إلى أبنائك وتحاول فهم الأسباب التي تدفعهم إلى طلب شيء ما وتتفاوض معهم أحيانًا للتوصل إلى اتفاق، فسوف يعود ذلك عليهم بالنفع.
فعلى سبيل المثال: رغبت حفيدتي "مجد" وعمرها أحد عشر عاماً أن تشتري جهاز هاتف جوال، وعرضت على والدها ذلك، فأجابها: اكتبي الأسباب التي جعلتك راغبة في اقتناء مثل هذا الجهاز، وحدّدي نوع الجهاز الذي ترغبين شراءه، وتعرّفي على سعره لتتأكدي إذا كان ثمنه متوفراً في حصالتك، ولكني قبل هذا وذاك سأوضح لك أموراً ثلاثة أولها: أن للهاتف الجوال مخاطره على صحة الأطفال ومنها كذا و... والثاني: شرطي في حال شرائه ألاّ تصطحبينه إلى المدرسة، وأن لا يطغى الحديث فيه على أوقات الدراسة، والثالث: إن في المنزل جهازاً يمكن أن تستخدميه أنت وأخواتك.
بحثت "مجد" في الإنترنت عن أنواع الأجهزة وأسعارها، ووجدت أنها لا تمتلك في حصالتها ما يكفي لشرائه، وأخبرت والدها بنتيجة ما توصّلت إليه.. بعد دراسة المعطيات التي بين يديها والتي ساقها لها والدها، تولدت لديها القناعة بأن تغضّ النظر عن شرائه في الوقت الحاضر،وستكتفي باستخدام الجوال الموجود في البيت كأخواتها.
من الواضح أن الوالد تعامل بمنتهى الوعي والحكمة، فقد أخذ رغبات ابنته، ومن ثم أفكارها على محمل الجد لأنه أدرك أنها ستتعلم درساً قيّماً من هذه التجربة.
ولكن لابد من التنبيه هنا إلى خطأ يمكن أن نقع فيه كآباء، وهو أن نتفاوض مع أبنائنا من منطلق اليأس أو ما يعرف ب "الرشوة"، فربما يخشى الآباء أن يسيء أبناؤهم في موقف مهم ؛ لذلك فهم يتوسلون إليهم أن يُحسنوا التصرّف مقابل إغرائهم بشراء ما يريدون أو اللعب بما يشتهون, فنسمع الأم وهي تصرخ "لا بأس يمكنك أن تمارس لعبة أخرى من ألعاب الكومبيوتر ولكن كُف عن الصراخ".
ويختلف هذا تماماً عن موقف "أم رامي" التي خرجت للتسوُق بصحبة ولديها مستخدمة أسلوب التعاطف معهما قائلة: " أعرف إنه ليس من الممتع أن تخرجا للتسوق بدلاً من اللعب، لكن أعدكما بأننا لن نتأخر، وإذا لم تتذمرا داخل المتجر فسوف نتناول البيتزا الليلة، والفرق بينهما أن أم رامي لا تشعر باليأس تجاه طفليها، وإنما تريد أن تكافئهما على حسن تصرفهما، وإذا أثنت مرة أو مرتين على سلوكهما الحسن فسوف يزيد هذا من إمكانية إظهار مزيد من التعاون في المستقبل؛ لذا يحسُن أن تكون العبارات المستخدمة في التفاوض يداخلها التعاطف مثل:
- "أعرف أنك تود الذهاب إلى صديقك اليوم، ولكن الجوّ بارد، يمكنك الاطمئنان عليه بالهاتف".
- "قبل أن تذهب إلى الحفل، أريد منك ترتيب غرفتك"".
- " قبل أن أفكر فيما تريد أحتاج منك أن تقوم بـ.... ".
- "لا يمكنني الموافقة على ذلك. هل هنالك شيء آخر بدلاً منه؟".
- "أعرف أنك تريد الذهاب إلى البحيرة اليوم مع صديقك وأسرته، أعتقد أن ذلك سيكون رائعا، ولكني أخشى... هل لديك اقتراحات أخرى؟".
وهكذا بالتأكيد سيتعلم طفلك فن التفاوض والتوصل إلى حل وسط مع التبصر بالعواقب التي تنتج عن الوفاء بالاتفاقات أو نقضها. (6)
4- طريقة الأوامر والنواهي:
لكي نستطيع التفريق بين هذه الطريقة وطريقة التعليم، تأمل هذا الحوار الذي دار بين أحمد ووالدته:
الأم: أحمد قم بارتداء معطفك إذا كنت تنوي الخروج حتى لا تصاب بالبرد.
أحمد: لا تخافي يا أمي فلن أصاب بالبرد.
الأم: بل ستصاب بالبرد, ولذلك عليك أن ترتدي معطفك.
أحمد: ولكني يا أمي.
الأم: لا أودُّ أن تخرج من دون ارتداء معطفك.
أحمد: ولكني أودُّ ذلك.
لقد خلطت الأم هنا بين طريقة الأوامر والنواهي، وبين طريقة التعليم فإذا كانت تريد فعلاً أن يرتدى أحمد معطفه يجب ألا تقول: "لا أود أن تخرج" فهكذا يبدو الأمر وكأنه تعبير عن فرض رأيها في المسألة، وهذا بالطبع أعطى للابن إمكانية القول "ولكني لا أود".
ومن هنا يكون من الأنسب في طريقة الأوامر والنواهي أن تكون عباراتنا تحمل لونًا من القواعد التي لا تفاوُض حولها لأن هذا التفاوض يفقدها معنى القاعدة من مثل:
- توقفا حالاً عن الشجار.
- أعرف أنك لا توافق, ولكن القاعدة في هذا الأمر....
- من الخطأ أن تضرب أختك.
- قم بإغلاق الكومبيوتر، فهذا هو موعد العشاء.
ولاشك في أن أهم ملامح هذه العبارات أنها واضحة ومباشرة. (7)
ونؤكد هنا أيضاً على استخدام كلمة "من فضلك" فهي كلمة السر في إحكام السيطرة على الابن دون جرح مشاعره، ونذكر هنا قصة توضح ما نقصد وقد حكاها "ابن العربي" رحمه الله عن شيخه "أبوبكر الفهري"، فقد كان شيخه يرفع يديه عند الركوع، فهمّ بعض من يخالفونه المذهب بقتله لأنهم على خلاف ما يعتقدون على فعله، فقال له "ابن العربي": (حتى لو كان يحلُّ لك هذا فإنك بين قوم إن قمت بذلك قاموا عليك, وربما ذهب دمك، فقال له الشيخ "أبوبكر": "دع هذا وخذ في غيره".
هذه العبارة تعني أنك حين تدرك أن الحوار مع الأبناء يسير في اتجاه سلبي تطلب منهم التوقف عن هذا الجدال "دع هذا وخذ في غيره".
ولا تحسب أن هذا الموقف ضعيف بل على العكس فإن هذه الجملة تحمل قدراً كبيرًا من القوة والتجديد للابن، وهى في ذات الوقت نصيحة طبية له. (8).
- طريقة التفاوض مع ابنك لها أثر كبير في التعامل معه، فكن ذكيًا وأنت تتعامل مع طفلك، وتعرّف إلى الأشياء لتستطيع من خلالها أن تفتح قلبه، فمثلاً قد يحب قيادة الدراجات، فتقول له: "إذا رتبت غرفتك، سآخذك في نزهة وأجعلك تقود الدراجة"
- لا تأمر أو تنهى ولدك مباشرة، بل تعامل معه بذكاء اجتماعي كأن تضيف بعض الكلمات التي تدل على الحب في طلباتك لولدك، مثل أن تقول: "يا حبيبي هلا أحضرت لي كوباً من الماء" "أريدك أن تكون أحسن إنسان، فلا أراك بعد ذلك تؤذي أخاك".
أساليب تؤدي إلى الفشل في الحوار مع أبنائنا!!
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليتعامل بهما مع الغرباء، ولا يكاد يُقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.
ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بأبنائنا رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. هل رأيتم أماً تضرب ابنها المولود حديثاً لأنه سبب آلامها؟!! مستحيل.. إنما تحتضنه.. راضية.. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام. وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".
يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل إلى هذه المتعة إلا إذا تعاملنا معهم مراعين بمستواهم العمري والعقلي. والتعامل مع الأطفال حسب مستوياتهم ميّزة الأجداد والجدات، فهم عند تعاملهم مع أحفادهم ينزلون إلى مستوى الطفل، ويتحدثون معه عمّا يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة والأطفال يحبون ذلك من أجدادهم وجداتهم، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل.
الفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، وذلك بالتفاهم والحوار معهم، واحترام شخصياتهم المستقلة، وتقبلهم بعيوبهم ونقائصهم.
كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، فلا شك في أن تأثيرها الإيجابي سيكون ضعيفاً.
وثقافة الحوار هي أسلوب الحياة الذي يُفترض أن يكون سائداً في الأسرة بين الآباء والأبناء ليكون عاملاً مُدعّماً للتفاهم، وركيزة أساسية للانسجام والتعايش والاتفاق على صيغة تَقبُّل الآخر وأفكاره وثقافته واحترامها مهما كانت متناقضة مع أفكارنا وصولاً إلى صيغة تقارب في الأفكار تتبلور بأن تصبح مشتركة.
ومن هذا المنطلق نرى أن ثقافة الحوار تؤسس لعلاقة حميمة ناضجة العناصر وثيقة العرى بين الآباء والأبناء، علاقة يخيم عليها التواصل والتفاهم، ويتعلم الأبناء خلالها أساليب المناقشة الهادئة المريحة البعيدة عن التزمّت والعناد، وتتعمق لديهم قناعات اجتماعية إيجابية تؤهلهم للتكيّف مع المجتمع.
وإذ تعني ثقافة الحوار احترام الرأي الآخر، فهي تعني احترام الذات الإنسانية للأبناء، فلا نفرض عليهم آراءنا بوصفنا آباء مجربين علّمتنا الحياة، وإنما نساعدهم على أن تتأصل فيهم هذه العادة الحميدة فيتمتعوا بثمار نتائجها عبر مساهماتهم في الحوار، وعندئذٍ تتحقق الصورة الجميلة التي رسمها المثل الشعبي عن مستقبل العلاقة بين الآباء وأبنائهم (إذا كبر ابنك خاويه) أي اتخذه أخاً لك، وتعامل معه في إطار هذا المفهوم، فتتحول علاقة البنوة إلى علاقة صداقة تنفض عن الأولى قيود الحاجة ولكنها تسمها بطابعها الحيوي، فتنشأ علاقة دافئة بالغة الإنعاش للطرفين. (1)
بهذا السلوك نُمهد لدخول عالم الأبناء الخاص ومعرفة احتياجاتهم فتسهل التعامل معهم، ما يساعد الآباء على تنشئة أبنائهم نشأة سوية بعيدة عن الانحراف.
وتحت مظلة الحوار تنمو شخصية الأبناء نمواً متوازناً وتتعمق ثقتهم بأنفسهم، فآراؤهم تُحترم وتُناقش باهتمام، ويتولد لديهم الدافع إلى التفكير السوي بعيداً عن التعليمات والإملاءات، فيصلون إلى أهدافهم بفطنة ومحاكمة عقلية تختزن ثروة من التجارب والخبرات.
إلا أن توافر التقنيات الحديثة فتحت للأبناء السبيل نحو عالم آخر مهّد للتعبير عن المشاعر والتحاور مع الآخر، ولكنه انعكس سلباً على الحياة الأسرية، فكل فرد اتخذ في بيته ركناً لممارسة الحديث مع شخص وهمي تطل صورته من خلال الشاشة الصغيرة، يجيد فنون الحوار والتقارب وصولاً إلى هدفه، فاختزل الآباء الحوار مع أبنائهم في نصائح وتوجيهات ظناً منهم أنها تغني عن جلسة حوارية حميمة.
وقد أوضحت في سياق حديثي أن التقنيات الحديثة التي غزَت بيوتنا وكلَ زوايا حياتنا لها ميزاتها، ولها مخاطرها على أطفالنا وعلى حياتنا الأسريةِ والاجتماعيةِ، ولتفادي مخاطرها أرى أن نحرص على بقاء أقنية الحوار مفتوحة وجسور التواصل ممدودة بين الآباء والأبناء، وأن أنوه بالحوار المتجدد والمتطور الذي يواكب روح العصر ومعطياته، لذا ننصح بأن يعيش الآباء عصر أبنائهم بكل معطياته وميزاته، وأن يروا زوايا الحياة بمنظار مشترك، ويناقشوا الأمور بفكر يساير معطيات العصر ويتفاعل معها بعقل منفتح وسعي حثيث للإمساك بخيوطِ التفاهم المشترك.
متى يبدأ الحوار؟
في سن الثالثة يبدأ الصراع من أجل الاستقلال عندما يبدأ الصغير بالتعبير عن رغبته في ارتداء نوع معين من الملابس أو طريقة تناوله لطعامه.. وهنا يبدأ نوع من الحوار الذي لابد للأب والأم من إتقانه.
فالحوار، كما وضحنا، عادة مُكتسبة يؤدي الأهل دوراً في ترسيخها وبلورتها عندما يتقبلون آراء أبنائهم ويناقشونها، ويردون على أسئلتهم بأجوبة صريحة وبسيطة تتناسب مع عمر الطفل وقدرته على الاستيعاب.
"رولا" أم لابنة عمرها ثلاث سنوات تقول: "معروف أن أسئلة الطفل حول الأشياء وماهيتها تكثر في هذا العمر؛ لذا أحاول دائماً أن أظهر بأنني الأم التي تستمع لما يشغل طفلتها دون ملل. وبرأيي أن هذا التصرف سيثمر في المستقبل عندما تكبر بحيث تتطور بيننا لغة الحوار، وتصارحني بكل ما يراودها لنناقشه معاً بصراحة بعيداً عن التكلف لأنني عندها لن أستخدم سلطتي كأم، بل سأكون الصديقة المخلصة لابنتي."
وفي مرحلة المراهقة: هذه المرحلة الخطيرة التي يسعى الشاب خلالها دائماً إلى تمرُّد على المحيط وانتقاد العادات وتحطيم القيود لإثبات وجوده والتعبير عن نفسه.
وللحوار أساليب وطرق تختلف باختلاف من نتعامل معه ونحاوره ومكانته، وهذا الأمر الذي يجب أن يعيه المراهق والمحيطون به.
فالبداية من الأسرة, وخاصة الوالدان اللذان لابد أن يكونا صديقين من نوع خاص، بالنسبة للمراهق، لبعث الطمأنينة في قلبه، وليشعر بأنه مهما قال.. ومهما فعل لا يُحاسب الحساب العسير.
وللأسف فإن أغلب الآباء يسعون دائماً لقمع المراهق والسيطرة على رأيه وتقييد تصرفاته خوفاً عليه من الانحراف ناسين أن هذا الأسلوب هو الذي يؤدي إلى انحرافه وسعيه دائماً إلى الرفض ولكن بأساليبه الخاصة.
عن هذا الحوار تُحدثنا "د. ولاء عبد الصاحب" (علم اجتماع) قائلة: "في هذا السن تبدأ المواجهة الأولى. فالابن الذي كانت حركاته وتصرفاته تتم وفق سيطرتنا أخذ يعلن العصيان والتفرُّد بتصرفاته وآرائه، وهنا لابد من أن نختار أيّ نوع من الحوار الذي سنبدأ به مواجهتنا مع أبنائنا، ولابد أن نكون حذرين في الكلام الذي نحاور به الأبناء الذين كانوا حتى هذا السن في دور التلقي والتقليد، فأي شدّ زائد في الحديث يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى فقدان حالة الثبات والعزم المطلوبين، خاصة في مرحلة المراهقة، وتكرار المشادات الحوارية تؤدي إلى استنزاف الحالتين لديه بحيث يصبح غير قادر على الاستماع إلى النصائح، كما أن أي تهاون في الحديث قد يؤدي إلى الانفلات مما يدفعه إلى التفرد بآرائه، فعلينا الانتباه إلى أسلوب الحوار الذي نحاور به أبناءنا حتى لا يأتي بنتائج معكوسة. إن الحوار في غاية الأهمية ولكن أسلوب الحوار هو الأهم، وعليه يتوقف تفكير الأبناء مستقبلاً".
كيف يمارس الآباء الحوار مع أبنائهم؟
حبُ الأب والأم لأبنائهما فطريّ غريزي، لكن مع هذا قد يفشل الأهل في التقرُب من أبنائهم بعض الأحيان، وقد يصل الأمر ببعض الأبناء إلى رفع أصواتهم بأن آباءهم لا يفهمونهم؟ فهل ذلك يعني عدم مقدرة الأهل على الحديث أم جهلهم بأسلوب الحوار؟
هناك أساليب للحوار قد يجهل الآباء والأمهات ممارستها.. فالحبّ للأبناء قبل كل شيء لابدّ من أن يكون مطلقاً دون شروط، وإذا ما وعينا هذه الحقيقة فإننا سنمنح أبناءنا كل ما عندنا من محبة، ولا أظن أن هناك من يفتقر إلى عبارات الحب التي نرطّب بها مسامع أولادنا مستخدمين العبارات الوديّة التي تنعش المشاعر، وتقوي أواصر المحبة، وتشد خيوط التواصل بين الآباء والأبناء.
وهذا الحوار لا بد من أن يكون فطرياً يناسب الحب الفطريّ الذي منَّ الله على البشرية به، لكن الكثيرين يتغاضون عن أهميته، وإذا ما أدركنا أهمية هذا الحوار فعلينا أن نتخيّر الحوار فنغمة الصوت لها تأثير ويجب أن تتناسب مع نوع الحوار ومستوى الصوت له تأثير هو الآخر كأن يكون الصوت عالياً أو منخفضاً، فنبرة الصوت العالية قد يفهمها الأبناء على أنها تعنيف ولذلك علينا الابتعاد عنها واللجوء إلى أسلوب الحوار الهادئ حتى وإن كان الموضوع يستحق الانفعال لأن الصوت العالي قد يؤذي مشاعر الأبناء ويزيد الموقف حدّةً.
بعض الآباء يجد في أسلوب الحوار الصارم المبنيّ على القسوة الطريقة المثلى التي تحيطهم بهالة من الهيبة والتقدير اللّذين يرغبون بالظهور بهما أمام أبنائهم وهذا في الواقع يُحدث خللاً في علاقة الآباء بالأبناء، فهم يدفعون بالحوار إلى أن يكون من طرف واحد، الأب يتكلم بينما ينصت الجميع، وهذا ما يؤدي إلى فقدان العلاقة الطيبة التي يجب أن تكون مبنية على الصداقة.. ونجد بعض الآباء ينعزلون في حياتهم حينما يكون الأبناء صغاراً، ولا يقيمون وزناً للحوار معهم على ذلك حينما يكبرون.
يشكو كثير من الأبناء من انعدام لغة الحوار مع آبائهم وتشير"د. ولاء عبد الصاحب" إلى ذلك بقولها:" لقد لمست من خلال عملي، أن مهارة الحوار المطلوبة لفهم الأم لابنتها تكاد تكون معدومة في أغلب الأحيان وكذلك بين الأب وابنه بينما يكون الأبناء في سن معينة بحاجة لمدّ جسور الحوار مع آبائهم، وعندما نسأل الأهل عن سبب ذلك يرجعونه لانشغالهم المستمر بأمور الحياة ومتاعبها، والأوْلى بهم أن يكون الأبناء همُّهم الأول للوقوف على ما يعانونه من مشاكل لغرض خلق جوّ من الود والألفة مبني على التفاهم داخل الأسرة..
وإنني لأعجب من بعض الأسر التي يُعتبر الأب والأم فيها من المثقفين ولا يسعون إلى إيجاد وقت للحوار يستقطعونه من وقت عملهم يجلسون فيه مع أبنائهم ويحاورونهم في مواضيع مختلفة ويناقشونهم في أمور تهمهم ولها علاقة بحياتهم ليكونوا مثالاً للأسرة الموحدة التي هي أساس المجتمع " (4)
الحوار المثمر
وتضيف "د. ولاء": "إن أدب الحوار، والتخاطب المثمر، وانتقاء الكلمات والوقت المناسبين.. كلها أساليب مهمة لتحقيق حوار مثمر وناجح بين الآباء والأبناء. كما على الآباء إتقان فنون الحوار مع الأبناء كل حسب عمره وطريقة تفكيره ومدى تقبّله للحوار، فمن غير المعقول أن نحاور الطفل الذي لم يتجاوز عشر سنوات كما نحاور المراهق في الخامسة عشرة وكما الصغير بحاجة إلى حوار مليء بالحب والعطف، فالمراهق بحاجة إلى حوار مبني على تكريم العقل والذات وإعزاز الشخصية.
واعلموا أن الحوار المشحون بالتوتر في معظم الأحيان يكون أشدّ على الأبناء من الضرب خاصة في مرحلة المراهقة".
أساليب الحوار مع الأطفال
تَحاوُرُ ساعة خير من تكرار النقد شهراً، هذه الحقيقة تؤكدها التجربة ويشهد لها الواقع، ومن هنا تأتي أهمية تحاور الآباء مع أبنائهم، فالتحاور يحترم الذات الإنسانية للأبناء، فلا يفرض عليهم أفكار وتجارب وخبرات الآباء، وإنما يترك تلك الخبرات تنمو معهم عن طريق اكتسابها ذاتياً عبر المناقشة.. كما أنه يدفع الابن إلى التفكير العميق والملاحظة والاستنتاج بعيداً عن التلقي والحفظ والترديد، ومن ثم يزيد من ثقته بنفسه عند طرح الأفكار أو الرد عليها..
ولذلك يجب علينا ألاّ نبقى، كآباء، نهوى النقاش ونحب الجدال وصناعة الكلام، ولا نعرف فن الحوار؟
وإتقان فن الحوار يتطلب القليل من التروي والكثير من الحذق والتدريب.
طرق الحوار
للحوار طرق كثيرة منها التعليم، والمشاركة الوجدانية، والتفاوض، والأوامر النواهي، والتشجيع..
ويعتقد كثير من الآباء أو المربين أنهم يستخدمون كل طرق الحوار مع أبنائهم، والحقيقة أننا كآباء ومربين نستخدم كل طرق الحوار مع أبنائنا بلا فائدة!!
إننا كآباء ومربين، تحت ضغط الظروف المعيشية، نميل إلى استخدام نوع معين من التعبير كالإكثار من الانتقادات مثل "أسرع في ارتداء ملابسك، وقميصك متسخ اذهب وارتد غيره، اجلس بطريقة صحيحة اذهب ومشّط شعرك المنكوش"، وهكذا فإن أغلب حديثنا لأبنائنا عبارة عن أوامر.
وحتى حين يمارس أحدنا الطرق الأخرى للحوار مع الأبناء يطغى عليها الجانب السلبي على الجانب الإيجابي.
فمثلا طريقة الحوار للتعليم تتحول لدينا إلى نوع من المحاضرات، فتفقد مضمونها وهدفها لتصبح لونًا من ألوان "الإزعاج التربوي" إن صحّ التعبير.
كما أننا في كثير من الأحيان نخلط إحدى طرق الحوار بطريقة أخرى كأن نخلط، مثلاً، بين طريقة "الأوامر والنواهي" وطريقة "التعليم"، فنطلب من الابن ارتداء المعطف بلا تبرير لذلك.. بينما ينبغي في أسلوب الأوامر والنواهي تعليل القواعد قبل إرسائها ومن هنا تكتسب معرفتنا بطرق الحوار قدراً كبيراً من الأهمية: ويحتاج تعلّمنا إياها الحديث عنها ولو بإيجاز. وفيما يلي بعض من هذه الطرق:
1- الخطاب الدافئ:
من النادر أن يمر يوم لا يقوم فيه الآباء بتعليم أبنائهم شيئًا ما، ويجب أن يكون التعليم تجربة حانية ودافئة توثق الروابط بين الآباء وأبنائهم كأن يرد الأب على تساؤلات الابن حول الكون والحياة.
من هنا تكون العبارات التي يُنصح باستعمالها "دعني أشرح لك" "راقب كيف أقوم بذلك" "دعنا نرى كيف يمكن أن نحلّ ذلك معًا" "لست متأكداً من الإجابة الصحيحة، دعنا نبحث عن ذلك" "لا بأس، الوقوع في الخطأ هو وسيلة تعلّم الصواب".
وبالطبع تعدّ نغمة الصوت عاملاً أساسياً، فعندما تقول لابنك مثلاً "افعل ذلك بهذه الطريقة" بنغمة خشنة وغاضبة، فسيفهم الابن ذلك على أنه انتقاد له وبالتالي يزيد توتره وربما يدفعه ذلك إلى عدم طلب مساعدتك في المستقبل. (5)
2- طريقة المشاركة الوجدانية:
وهى من الأساليب المهمة في التعامل مع الأبناء، وبخاصة عندما يشعرون بخيبة أمل وضيق مما حولهم من أوضاع وظروف. في هذه الأحوال لا يحتاج الأبناء إلى حل مشاكلهم بقدر احتياجهم إلى مداواة جراحهم والعثور على شخص يتفهم حقيقة آلامهم..!!
على سبيل المثال.. عندما عادت " سميحة " إلى المنزل حزينة، لأن زميلتها فضّلت اللعب مع فتاة أخرى، أرادت أمها أن تُخرجها من حزنها فقالت "سوف تعود أختك إلى المنزل حالاً ويمكنك اللعب معها" ولكن هذه العبارات لا تُعطي الابنة ما أرادت من مشاركة أمها لها وجدانيًا. والصواب في مثل هذه الحالات أن تردّ الأم قائلة: "لا بد أنك تشعرين بالحزن من أجل تصرُف زميلتك، أليس كذلك؟.. فإدراك "سميحة" أن والدتها تشاركها مشاعرها ولا تتجاهلها يخفف من حزنها ,ويدفعها في ذات الوقت إلى التحدُّث إلى الأم عن مشاعرها قائلة: إن هذا يحدث كثيراً من زميلتي هذه، ومن خلال حديث الابنة تدرك الأم مخاوفها وتهتم بمشاعرها.
ومن هنا تكون العبارات الأنسب في طريقة المشاركة الوجدانية أن تقول مثلاً: "إنك حزينة لأجل ما حدث، أليس كذلك؟" "أعرف أنك تشعرين بالخوف من..".
ومثل هذه العبارات لا تحتوي على حلّ ما بقدر احتوائها على معاني التفهُم للمشكلة والمشاركة في مشاعر الابنة، ولاشك في أن هذا يدفع الابنة إلى مصارحة الأم أكثر فتكشف عن مخاوفها وأفكارها، ومن بعدها يمكن التفكير في الحل.
3- طريقة التفاوض:
عندما تنصت إلى أبنائك وتحاول فهم الأسباب التي تدفعهم إلى طلب شيء ما وتتفاوض معهم أحيانًا للتوصل إلى اتفاق، فسوف يعود ذلك عليهم بالنفع.
فعلى سبيل المثال: رغبت حفيدتي "مجد" وعمرها أحد عشر عاماً أن تشتري جهاز هاتف جوال، وعرضت على والدها ذلك، فأجابها: اكتبي الأسباب التي جعلتك راغبة في اقتناء مثل هذا الجهاز، وحدّدي نوع الجهاز الذي ترغبين شراءه، وتعرّفي على سعره لتتأكدي إذا كان ثمنه متوفراً في حصالتك، ولكني قبل هذا وذاك سأوضح لك أموراً ثلاثة أولها: أن للهاتف الجوال مخاطره على صحة الأطفال ومنها كذا و... والثاني: شرطي في حال شرائه ألاّ تصطحبينه إلى المدرسة، وأن لا يطغى الحديث فيه على أوقات الدراسة، والثالث: إن في المنزل جهازاً يمكن أن تستخدميه أنت وأخواتك.
بحثت "مجد" في الإنترنت عن أنواع الأجهزة وأسعارها، ووجدت أنها لا تمتلك في حصالتها ما يكفي لشرائه، وأخبرت والدها بنتيجة ما توصّلت إليه.. بعد دراسة المعطيات التي بين يديها والتي ساقها لها والدها، تولدت لديها القناعة بأن تغضّ النظر عن شرائه في الوقت الحاضر،وستكتفي باستخدام الجوال الموجود في البيت كأخواتها.
من الواضح أن الوالد تعامل بمنتهى الوعي والحكمة، فقد أخذ رغبات ابنته، ومن ثم أفكارها على محمل الجد لأنه أدرك أنها ستتعلم درساً قيّماً من هذه التجربة.
ولكن لابد من التنبيه هنا إلى خطأ يمكن أن نقع فيه كآباء، وهو أن نتفاوض مع أبنائنا من منطلق اليأس أو ما يعرف ب "الرشوة"، فربما يخشى الآباء أن يسيء أبناؤهم في موقف مهم ؛ لذلك فهم يتوسلون إليهم أن يُحسنوا التصرّف مقابل إغرائهم بشراء ما يريدون أو اللعب بما يشتهون, فنسمع الأم وهي تصرخ "لا بأس يمكنك أن تمارس لعبة أخرى من ألعاب الكومبيوتر ولكن كُف عن الصراخ".
ويختلف هذا تماماً عن موقف "أم رامي" التي خرجت للتسوُق بصحبة ولديها مستخدمة أسلوب التعاطف معهما قائلة: " أعرف إنه ليس من الممتع أن تخرجا للتسوق بدلاً من اللعب، لكن أعدكما بأننا لن نتأخر، وإذا لم تتذمرا داخل المتجر فسوف نتناول البيتزا الليلة، والفرق بينهما أن أم رامي لا تشعر باليأس تجاه طفليها، وإنما تريد أن تكافئهما على حسن تصرفهما، وإذا أثنت مرة أو مرتين على سلوكهما الحسن فسوف يزيد هذا من إمكانية إظهار مزيد من التعاون في المستقبل؛ لذا يحسُن أن تكون العبارات المستخدمة في التفاوض يداخلها التعاطف مثل:
- "أعرف أنك تود الذهاب إلى صديقك اليوم، ولكن الجوّ بارد، يمكنك الاطمئنان عليه بالهاتف".
- "قبل أن تذهب إلى الحفل، أريد منك ترتيب غرفتك"".
- " قبل أن أفكر فيما تريد أحتاج منك أن تقوم بـ.... ".
- "لا يمكنني الموافقة على ذلك. هل هنالك شيء آخر بدلاً منه؟".
- "أعرف أنك تريد الذهاب إلى البحيرة اليوم مع صديقك وأسرته، أعتقد أن ذلك سيكون رائعا، ولكني أخشى... هل لديك اقتراحات أخرى؟".
وهكذا بالتأكيد سيتعلم طفلك فن التفاوض والتوصل إلى حل وسط مع التبصر بالعواقب التي تنتج عن الوفاء بالاتفاقات أو نقضها. (6)
4- طريقة الأوامر والنواهي:
لكي نستطيع التفريق بين هذه الطريقة وطريقة التعليم، تأمل هذا الحوار الذي دار بين أحمد ووالدته:
الأم: أحمد قم بارتداء معطفك إذا كنت تنوي الخروج حتى لا تصاب بالبرد.
أحمد: لا تخافي يا أمي فلن أصاب بالبرد.
الأم: بل ستصاب بالبرد, ولذلك عليك أن ترتدي معطفك.
أحمد: ولكني يا أمي.
الأم: لا أودُّ أن تخرج من دون ارتداء معطفك.
أحمد: ولكني أودُّ ذلك.
لقد خلطت الأم هنا بين طريقة الأوامر والنواهي، وبين طريقة التعليم فإذا كانت تريد فعلاً أن يرتدى أحمد معطفه يجب ألا تقول: "لا أود أن تخرج" فهكذا يبدو الأمر وكأنه تعبير عن فرض رأيها في المسألة، وهذا بالطبع أعطى للابن إمكانية القول "ولكني لا أود".
ومن هنا يكون من الأنسب في طريقة الأوامر والنواهي أن تكون عباراتنا تحمل لونًا من القواعد التي لا تفاوُض حولها لأن هذا التفاوض يفقدها معنى القاعدة من مثل:
- توقفا حالاً عن الشجار.
- أعرف أنك لا توافق, ولكن القاعدة في هذا الأمر....
- من الخطأ أن تضرب أختك.
- قم بإغلاق الكومبيوتر، فهذا هو موعد العشاء.
ولاشك في أن أهم ملامح هذه العبارات أنها واضحة ومباشرة. (7)
ونؤكد هنا أيضاً على استخدام كلمة "من فضلك" فهي كلمة السر في إحكام السيطرة على الابن دون جرح مشاعره، ونذكر هنا قصة توضح ما نقصد وقد حكاها "ابن العربي" رحمه الله عن شيخه "أبوبكر الفهري"، فقد كان شيخه يرفع يديه عند الركوع، فهمّ بعض من يخالفونه المذهب بقتله لأنهم على خلاف ما يعتقدون على فعله، فقال له "ابن العربي": (حتى لو كان يحلُّ لك هذا فإنك بين قوم إن قمت بذلك قاموا عليك, وربما ذهب دمك، فقال له الشيخ "أبوبكر": "دع هذا وخذ في غيره".
هذه العبارة تعني أنك حين تدرك أن الحوار مع الأبناء يسير في اتجاه سلبي تطلب منهم التوقف عن هذا الجدال "دع هذا وخذ في غيره".
ولا تحسب أن هذا الموقف ضعيف بل على العكس فإن هذه الجملة تحمل قدراً كبيرًا من القوة والتجديد للابن، وهى في ذات الوقت نصيحة طبية له. (8).
- طريقة التفاوض مع ابنك لها أثر كبير في التعامل معه، فكن ذكيًا وأنت تتعامل مع طفلك، وتعرّف إلى الأشياء لتستطيع من خلالها أن تفتح قلبه، فمثلاً قد يحب قيادة الدراجات، فتقول له: "إذا رتبت غرفتك، سآخذك في نزهة وأجعلك تقود الدراجة"
- لا تأمر أو تنهى ولدك مباشرة، بل تعامل معه بذكاء اجتماعي كأن تضيف بعض الكلمات التي تدل على الحب في طلباتك لولدك، مثل أن تقول: "يا حبيبي هلا أحضرت لي كوباً من الماء" "أريدك أن تكون أحسن إنسان، فلا أراك بعد ذلك تؤذي أخاك".
أساليب تؤدي إلى الفشل في الحوار مع أبنائنا!!
أستغرب ممن يقول بكل ثقة: أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليتعامل بهما مع الغرباء، ولا يكاد يُقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق.
ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بأبنائنا رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها.. هل رأيتم أماً تضرب ابنها المولود حديثاً لأنه سبب آلامها؟!! مستحيل.. إنما تحتضنه.. راضية.. سعيدة.. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام. وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم.
قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".
يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل إلى هذه المتعة إلا إذا تعاملنا معهم مراعين بمستواهم العمري والعقلي. والتعامل مع الأطفال حسب مستوياتهم ميّزة الأجداد والجدات، فهم عند تعاملهم مع أحفادهم ينزلون إلى مستوى الطفل، ويتحدثون معه عمّا يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة والأطفال يحبون ذلك من أجدادهم وجداتهم، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل.
الفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، وذلك بالتفاهم والحوار معهم، واحترام شخصياتهم المستقلة، وتقبلهم بعيوبهم ونقائصهم.
كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، فلا شك في أن تأثيرها الإيجابي سيكون ضعيفاً.
تعليق